فصل: الإعراب:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تقدم إعراب نظائره كثيرا {اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ} كلام مستأنف مسوق لبيان التقوى وابتغاء الوسيلة إلى اللّه بعد ما بين عظم القتل والفساد في الأرض، وأشار إلى الذين غفر لهم بعد توبتهم. واتقوا اللّه فعل أمر وفاعل ومفعول به، وابتغوا عطف على اتقوا، واليه متعلقان بابتغوا أو بالوسيلة، لأنها فعيلة بمعنى مفعول، أي: المتوسل به، وليست بمصدر حتى يستنع أن يتقدم معمولها عليها، والوسيلة مفعول به {وَجاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} عطف على ما تقدم، ولعل واسمها، وجملة تفلحون خبرها، وجملة الرجاء حالية. {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} كلام مستأنف مسوق لتأكيد وجوب الامتثال للأوامر السابقة، وترغيب المؤمنين في المسارعة إلى اتخاذ الوسيلة إليه. وإن واسمها، ولو شرطية، وأن حرف مشبه بالفعل، ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر أن المقدم، وما اسم موصول اسمها المؤخر، وأن وما في حيزها مصدر مرفوع على الفاعلية بفعل محذوف تقديره:
نبت، أو في محل رفع مبتدأ، وقد تقدم بحث ذلك مفصلا. وفي الأرض متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول، والشرط وجوابه خبر إن، وجميعا حال {وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ} لك أن تجعل الواو عاطفة، ومثله عطف على اسم أن وهو ما الموصولية. ولك أن تجعل الواو للمعية، ومثله مفعول معه، وناصبه الفعل الذي حذف قبل الفاعل، أو بفعل مماثل إن أعربت أن وما بعدها جملة ابتدائية. ومعه ظرف مكان متعلق بمحذوف حال، واللام لام التعليل، ويفتدوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، والجار والمجرور متعلقان بالاستقرار الذي تعلق به الخبر وهو لهم، وبه متعلقان بيفتدوا، ومن عذاب يوم القيامة متعلقان بيفتدوا أيضا، لاختلاف معناهما، ووحد الضمير مع أن الراجع اليه شيئان، لأن الضمير بمعنى اسم الاشارة، أي بذلك، أو بمعنى مع فيتوحد المرجوع اليه، أو هو من باب قول عمير بن ضابىء البرجمي:
فمن يك أمنى بالمدينة رحله ** فإني وقيّار بها لغريب

وسيأتي شرح هذا البيت في باب الفوائد. {ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ} ما تقبل منهم الجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم، وجاء الجواب على الأكثر بغير لام لأنه منفي، والواو استئنافية أو عاطفة، ولهم جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وعذاب مبتدأ مؤخر، وأليم صفة {يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النَّارِ وَما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها} الجملة ابتدائية، ويريدون فعل مضارع وفاعل، وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مفعول به ليريدون، ومن النار متعلقان بيخرجون، والواو حالية، وما نافية حجازية تعمل عمل ليس، وهم ضمير منفصل في محل رفع اسمها، والباء حرف جر زائد، وخارجين مجرور لفظا بالباء منصوب محلا لأنه خبر «ما» الحجازية، والجملة في محل نصب على الحال {وَلَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ} الواو استئنافية أو عاطفة، ولهم متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وعذاب مبتدأ مؤخر، ومقيم: صفة.

.البلاغة:

في قوله: ليفتدوا به استعارة تمثيلية، للزوم العذاب بهم وديمومته عليهم، وأنه لا سبيل لهم إلى النجاة منه. وفي الحديث الشريف: «يقال للكافر يوم القيامة: أرأيت لو كان لك ملء الأرض ذهبا أكنت تفتدي به؟ فيقول: نعم. فيقال له: قد سئلت أيسر من ذلك».

.الفوائد:

قول عمير بن ضابىء البرجمي في البيت: «وقيار»: قيار اسم فرسه، وقيل جمله، وقيل غلامه. وهو مبتدأ أو معطوف على محل إن واسمها، وإذا أعرب مبتدأ فيكون خبره محذوفا اختصارا لدلالة المذكور عليه بالعطف وفيه العطف قبل تمام المعطوف عليه، وهو سماعي، ولا يجوز القياس عليه، ولا يجوز جعل «غريب» خبرا عنهما لئلا يتوارد عاملان على معمول واحد، ولا يجوز جعله خبرا عن «قيار» لأن لام الابتداء لا تدخل على الخبر. وقد جئنا به شاهدا على أنه حذف من الثاني لدلالة ما في الأول عليه.

.[سورة المائدة: الآيات 38- 39]

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (39)}.

.اللغة:

{نَكالًا}: قال في المصباح: نكل به ينكل من باب قتل نكلة قبيحة: أصابه بنازلة. ونكّل به بالتشديد: مبالغة، والاسم: النكال.

.الإعراب:

{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما} كلام مستأنف مسوق للشروع في بيان حكم السرقة. والسارق مبتدأ خبره محذوف تقديره: فيما يتلى عليكم، أو فيما فرض عليكم السارق والسارقة. أي: حكمهما. فحذف المضاف الذي هو «حكم»، وأقيم المضاف اليه مقامه، وهو السارق والسارقة، وحذف الخبر وهو الجار والمجرور، لأن الفاء بعده نمنع من نصبه على الاشتغال، كما هي القاعدة، إذ يترجح النصب قبل الطلب، وهي أي: الفاء التي جاءت لشبهه بالشرط تمنع أن يكون ما بعدها الخبر، لأنها لا تدخل عليه أبدا، فلم يبق إلا الرفع. وهذا باب أفرده سيبويه في كتابه، ويرى القارئ خلاصته في باب الفوائد. وهي قراءة الجمهور. وارتأى الأخفش والمبرد وجماعة أن الخبر هو الجملة الأمرية، وهي قوله: {فاقطعوا}، وإنما دخلت الفاء في الخبر لأنه يشبه الشرط، إذ الألف واللام فيه موصولة بمعنى: الذي والتي، والصفة صلتها، فهي في قوة قولك: «والذي يسرق والتي تسرق فاقطعوا»، وأجاز الزمخشري ذلك، وإن رجح ما ارتآه سيبويه. والسارقة عطف على السارق، والفاء واقعة في جواب «ال» الموصولية، واقطعوا فعل أمر والواو فاعل، وأيديهما مفعول به {جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ اللَّهِ} جزاء مفعول لأجله، أي: لأجل الجزاء، وشروط النصب متوفرة. ويجوز أن ينصب على المصدر بفعل مقدّر، أي: جازوهما جزاء. ويجور أن يعرب حالا من الفاعل، أي: مجازين لهما بالقطع. وبما الباء حرف جر معناها السببية، أي:
بسبب كسبهما، وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بالباء، والجار والمجرور متعلقان بجزاء. ويجوز أن تكون ما موصولة، أي: بسبب الذي كسباه من السرقة التي تباشر بالأيدي، والجملة صلة الموصول. ونكالا منصوب كما نصب جزاء، أو هو بدل منه، ومن اللّه متعلقان بمحذوف صفة ل {نكالا} {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الواو استئنافية، واللّه مبتدأ، وعزيز خبر أوّل، وحكيم ثان. وسترد قصة طريفة لأحد الأعراب يراها القارئ في باب الفوائد {فَمَنْ تابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ} الفاء استئنافية، ومن اسم شرط حازم مبتدأ، وتاب فعل ماض في محل جزم فعل الشرط، والفاء رابطه للجواب، وإن واسمها، وجملة يتوب خبرها، وفعل الشرط وجوابه خبر من {إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} الجملة استئنافية، وإن واسمها وخبراها.

.الفوائد:

1- نورد فيما يلي خلاصة الفصل الممتع الذي أورده سيبويه في كتابه لطرافته وفائدته وتوثّب الذهن فيه. قال في باب ترجمته: «باب الأمر والنهي»، بعد أن ذكر المواضع التي يختار فيها النصب، وملخصها: أنه متى بني الاسم على فعل الأمر فذاك موضع اختيار النصب. ثم قال كالموضح لامتياز هذه الآية عما اختار فيها النصب:
وأما قوله عز وجل: {والسارق والسارقة فاقطعوا} الآية، وقوله: {الزانية والزاني فاجلدوا} الآية، فإن هذا لم يبن على الفعل، ولكنه جاء على مثال قوله تعالى: {مثل الجنة التي وعد المتقون}.
ثم قال بعد: {فيها أنهار}. كذا يريد سيبويه تمييز هذه الآي عن المواضع التي بيّن فيها اختيار لنا وجهان في الرفع وأحدهما قوي والآخر ضعيف، تعين حمل القراءة على القوي، كما أعربه سيبويه.
الفخر الرازي يرد:
هذا وقد انبرى الفخر الرازي للرد على سيبويه فقال: «والذي ذهب اليه سيبويه ليس بشيء، فيدل على فساده وجوه» وأورد بعد كلام طويل خمسة وجوه، يضيق عن استيعابها صدر هذا الكتاب.
أبو حيان يرد على الرازي:
وقد تصدى أبو حيان للرد على الرازي، ففند بتطويل زائد في تفسيره «البحر المحيط» الوجوه الخمسة التي أوردها، وقال في نهاية المناقشة: والعجب من هذا الرجل وتجاسره على العلوم حتى صنّف كتابا في النحو سماه «المحرر»، وسلك فيه طريقة غريبة بعيدة عن مصطلح أهل النحو وعن مقاصدهم. فليرجع القارئ إلى هذه المناقشة، فإنها لطيفة جدا.
رأي لابن جرير الطبري:
ورأينا لابن جرير الطبريّ تعليلا طريفا في اختيار الرفع ندرجه فيما يلي: يقول جلّ ثناؤه ما معناه: ومن سرق من رجل أو امرأة فاقطعوا أيها الناس يده. ولذلك رفع السارق والسارقة لأنهما غير معينين، ولو أريد بذلك سارق وسارقة بأعيانهما لكان وجه الكلام النصب.
2- جمع الأيدي من حيث كان لكل سارق يمين واحدة، وهي المعرضة للقطع في السرقة، وللسّرّاق أيد، وللسارقات أيد، كأنه قال: اقطعوا أيمان النوعين. فالتثنية للضمير إنما هي للنوعين.
3- روي أن أعرابيا سمع الأصمعي يتلو هذه الآية، فقرأ في آخرها: {واللّه غفور رحيم} فأنكر الأعرابي أن يكون هذا قرآنا.
قال الأصمعي: فرجعت إلى المصحف فاذا هو: {واللّه عزيز حكيم} فلما قلت ذلك للأعرابي قال: نعم، عز فحكم فقطع، ولو غفر ورحم لما قطع. وهذه وثبة من وثبات الذهن العالية.

.[سورة المائدة: الآيات 40- 41]

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (40) يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ (41)}.

.الإعراب:

{أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ} كلام مستأنف مسوق لخطاب الرسول، والمقصود به كل أحد، وأنه هو المتصرف الوحيد في شئون التعذيب والغفران لمن يشاء. والهمزة للاستفهام التقريري لما بعد النفي، ولم حرف نفي وقلب وجزم، وتعلم فعل مضارع مجزوم بلم، وأن وما في حيزها سدت مسدّ مفعولي تعلم، وأن واسمها، وله جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدّم، وملك السموات مبتدأ مؤخر، والأرض معطوف على المضاف اليه السموات، والجملة الاسمية خبر أن {يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الجملة الفعلية خبر ثان لأن أو حالية، وإنما قدم التعذيب لأن السياق للوعيد، فيناسب ذلك تقديم ما يليق به من الزواجر. ومن اسم موصول مفعول يعذب، وجملة يشاء صلة، ويغفر عطف على يعذب، ولمن يشاء متعلقان بيغفر، والواو استئنافية، واللّه مبتدأ، وعلى كل شيء متعلقان بقدير، وقدير خبر اللّه.
{يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ}.
كلام مستأنف مسوق لخطاب الرسول صلى اللّه عليه وسلم، تحذيرا له من التأثر بما يعمله الكافرون ليحزنوه. ويا أيها الرسول تقدم إعرابها كثيرا، ولا ناهية، ويحزنك فعل مضارع مجزوم بلا، والكاف مفعول به، والذين اسم موصول في محل رفع فاعل، وجملة يسارعون لا محل لها لأنها صلة الموصول، وفي الكفر جار ومجرور متعلقان بيسارعون {مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال، وجملة قالوا لا محل لها لأنها صلة، وجملة آمنا مقول القول، وبأفواههم متعلقان بقالوا، أي: إن قولهم لا يتجاوز أفواههم، والواو حالية، ولم حرف نفي وقلب وجزم، وتؤمن فعل مضارع مجزوم بلم، وقلوبهم فاعل، والجملة في محل نصب حال {وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ} الواو عاطفة، ومن الذين هادوا عطف على من الذين قالوا، فيكون حالا مبينة لشيء واحد، وقيل: الواو استئنافية، ومن الذين خبر مقدم، وسماعون مبتدأ مؤخر، فيكون البيان بشيئين، وعلى الوجه الأول تكون {سماعون} خبر لمبتدأ محذوف، أي: هم سماعون، وللكذب متعلقان بسماعون، و{سماعون} الثانية بدل من {سماعون} الأولى أو تأكيد لها، ولقوم متعلقان ب {سماعون}، وآخرين صفة {لَمْ يَأْتُوكَ} الجملة صفة ثانية لقوم ولم حرف نفي وقلب وجزم، ويأتوك فعل مضارع مجزوم وفاعل ومفعول به {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ} الجملة صفة ثالثة، ولابد من حذف مضاف، أي: حكم الكلم، ومن بعد مواضعه متعلقان بمحذوف حال، أي: حال كونها من بعد وضع اللّه الكلم مواضعه، وقد يحتمل أن يكون معناه: يحرفون الكلم عن مواضعه، فتكون {بعد} وضعت موضع {عن}، كما يقال: جئتك عن فراغي من الشغل، يريد: بعد فراغي من الشغل، والمراد بهم اليهود {يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ} الجملة صفة رابعة، ويقولون فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون، والواو فاعل، وإن شرطية، وأوتيتم فعل ماض مبني للمجهول في محل جزم فعل الشرط، وهذا مفعول به ثان، والأول التاء التي هي نائب فاعل، والفاء رابطة لجواب الشرط، وجملة خذوه في محل جزم جواب الشرط، ولم يصلح أن يكون جوابا لأنه طلب والجملة الشرطية في محل نصب مقول القول. {وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا} الواو حرف عطف، وإن شرطية، ولم حرف نفي وقلب وجزم، وتؤتوه فعل مضارع مجزوم بلم، وهو في الوقت نفسه فعل الشرط، والواو نائب فاعل، والهاء مفعول به ثان، فاحذروا الفاء رابطة لجواب الشرط، وجملة احذروا في محل جزم جواب الشرط {وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا} الواو استئنافية، ومن اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ، ويرد فعل الشرط، واللّه فاعل، وفتنة مفعول به، والفاء رابطة لجواب الشرط، ولن حرف نفي ونصب واستقبال، وتملك فعل مضارع منصوب بلن، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وله متعلقان بتملك، ومن اللّه متعلقان بمحذوف حال من {شيئا} لأنه في الأصل صفة، وتقدم عليه، وشيئا مفعول به أو مفعول مطلق، وفعل الشرط وجوابه خبر {من} {أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ} الجملة مستأنفة مسوقة للإيذان ببعد منزلة المنافقين في الفساد، وإيغالهم في الضلالة. واسم الإشارة مبتدأ، والذين خبر، وجملة لم يرد اللّه صلة الموصول، وأن وما في حيزها في موضع نصب على أنه مفعول يرد، وقلوبهم مفعول به ليطهر {لَهُمْ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ} لهم متعلقان بمحذوف خبر مقدم، وفي الدنيا متعلقان بمحذوف حال، وخزي مبتدأ مؤخر، والجملة خبر ثان لاسم الإشارة، ولهم في الآخرة عذاب عظيم عطف على ما تقدم.

.[سورة المائدة: آية 42]

{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42)}.

.اللغة:

{السحت} بضم الحاء وسكونها: الحرام، وما خبث وقبح من المكاسب، فلزم عنه العار، كالرشوة، والجمع أسحات. وكان اليهود يأخذون الرشا على الأحكام. وترى في باب الفوائد نبذة عنه. ومن عجيب أمر السين والحاء إذا كانتا فاء للكلمة وعينا لها أنها تدل على السحب والتأثير البعيد، فسحب ذيله فانسحب هي أمّ هذا الباب.
ومن مجاز الكلام سحبت الريح أذيالها. وانسحبت فيها ذلاذل الريح، واسحب ذيلك على ما كان مني. ويقولون: ما استبقى الرجل ودّ صاحبه بمثل سحب الذيل على معايبه. ومادة السحت تقدمت، ويقال: سحت الشحم من اللحم قشره، وفلان مسحوت المعدة شره، عاميّ فصيح، وسحجت الرياح الأرض أزالت ما على أديمها، وسحّ الماء صبّه، وسحّ المطر والدمع انثالا، ولا يخفى ما في ذلك من معنى السحب والانزلاق، وسحره معروف، وإنه لمسحّر: سحر مرة بعد أخرى حتى تخبّل عقله. ولقيته سحرا وسحرة. وجاء فلان بالسحر من القول: أي خلب العقول، ومنه قول النبي صلى اللّه عليه وسلم: «إن من البيان لسحرا». وعلى هذا النحو تطّرد هذه المادة، ولا تختلّ عن هذا المعنى، وهذا من الأعاجيب.

.الإعراب:

{سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} سماعون خبر لمبتدأ محذوف أي: هم سماعون، والجملة مستأنفة مسوقة لتأكيد ما قبله، أو التمهيد لما بعده. وللكذب متعلقان ب {سماعون}، ومثلها:
أكالون للسحت {فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ} الفاء استئنافية، والكلام مستأنف مسوق لسرد بعض ما يترتب على هذه الأحكام. وإن شرطية، وجاءوك فعل ماض وفاعل ومفعول به، وهو في محل جزم فعل الشرط، والفاء رابطة لجواب الشرط لأنه جملة طلبية، واحكم فعل أمر، وبينهم ظرف متعلق ب {احكم} وأو حرف عطف للتخيير، وأعرض معطوف على {احكم}، وعنهم متعلقان ب {أعرض}، والجملة المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط {وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا} الواو عاطفة، وإن شرطية، وتعرض فعل الشرط مبني للمجهول، وعنهم متعلقان بتعرض، والفاء رابطة لجواب الشرط، ولن حرف نفي ونصب واستقبال، ويضروك فعل مضارع منصوب بلن، والواو فاعل، والكاف مفعول به، وشيئا مفعول مطلق والجملة في محل جزم جواب الشرط، {وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ}.
الواو عاطفة، وإن شرطية، وحكمت فعل ماض وفاعل، في محل جزم فعل الشرط، والفاء رابطة للجواب، واحكم فعل أمر، وبينهم ظرف متعلق به، والجملة في محل جزم جواب الشرط، وبالقسط متعلقان بمحذوف حال، أي: عادلا {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} إن واسمها، وجملة يحب المقسطين خبرها، والجملة مستأنفة للتعليل.

.الفوائد:

روى الحسن قال: كان الحاكم في بني إسرائيل إذا أتاه أحدهم برشوة جعلها في كمه، فأراها إياه، فيسمع منه ولا ينظر إلى خصمه، فيأكل الرشوة، ويسمع الكذب. وحكي أن عاملا قدم من عمله، فجاءه قومه، فقدم إليهم العراضة، وجعل يحدثهم بما جرى له. فقال أعرابي من القوم: نحن كما قال تعالى: {سمّاعون للكذب أكّالون للسحت}. وفي الحديث: «كل لحم أنبته السحت فالنار أولى به».