فصل: فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



438- الحَدِيث السَّابِع وَالثَّلَاثُونَ:
رُوِيَ أَنه خرج بديل بن أبي مَرْيَم مولَى عَمْرو بن الْعَاصِ وَكَانَ من الْمُهَاجِرين مَعَ عدي بن زيد وَتَمِيم بن أَوْس الدَّارِيّ وَكَانَا نَصْرَانِيين تجارًا إِلَى الشَّام فَمَرض بديل وَكتب كتابا فِيهِ مَعَه وَطَرحه فِي مَتَاعه وَلم يخبر بِهِ صَاحِبيهِ فَأَمرهمَا أَن يدْفَعَا مَتَاعه إِلَى أَهله وَمَات فَفَتَّشَا مَتَاعه فَأخذ مِنْهُ إِنَاء فضَّة فِيهِ مائَة مِثْقَال مَنْقُوشًا بِالذَّهَب فَأصَاب أهل بديل الصَّحِيفَة وطالبوهما بِالْإِنَاءِ فَجَحَدَا فَرفعُوا إِلَى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَنزلت يَعْنِي قوله تعالى: {يأيها الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ} وَرُوِيَ أَنَّهَا لما نزلت صَلَّى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْعَصْر ودعا بعدِي وَتَمِيم وَاسْتَحْلَفَهُمَا عِنْد الْمِنْبَر فَحَلفا ثمَّ وجد الْإِنَاء بِمَكَّة فَقَالُوا إِنَّا اشْتَرَيْنَاهُ من عدي وَتَمِيم فَلَمَّا ظَهرت خِيَانَة الرجلَيْن حلف رجلَانِ من ورثته أَنه إِنَاء صَاحبهمَا وَإِن شَهَادَتهمَا أَحَق من شَهَادَتهمَا.
قلت رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث بن إِسْحَاق عَن أبي النَّضر عَن باذان يَعْنِي أَبَا صَالح مولَى أمة هَانِئ عَن ابْن عَبَّاس عَن تَمِيم الدَّارِيّ فِي هَذِه الْآيَة يأيها الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت قَالَ برِئ النَّاس مِنْهَا غَيْرِي وَغير عدي وَكَانَا نَصْرَانِيين يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّام فَبل الْإِسْلَام فَأتيَا الشَّام لِتِجَارَتِهِمَا وَقدم عَلَيْهِمَا مولَى بني هَاشم يُقَال لَهُ بديل بن أبي مَرْيَم بِتِجَارَة وَمَعَهُ جَام من فضَّة يُرِيد بِهِ الْملك وَهُوَ عظم تِجَارَته فَمَرض فَأَوْصَى لَهما وَأَمرهمَا أَن يبلغَا مَا ترك أَهله قَالَ تَمِيم فَلَمَّا مَاتَ أخذت ذَلِك الْجَام فَبِعْنَاهُ بِأَلف دِرْهَم فاقتسمناه أَنا وعدي بن بدا فَلَمَّا انتهينا إِلَى أَهله دفعنَا إِلَيْهِم مَا كَانَ مَعنا وَفقدُوا الْجَام فَسَأَلُونَا عَنهُ فَقُلْنَا مَا ترك غير هَذَا وَمَا دفع إِلَيْنَا غَيره قَالَ تَمِيم فَلَمَّا أسلمت بعد قدوم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَأَثَّمت من ذَلِك فَأتيت أَهله فَأَخْبَرتهمْ الْخَبَر وَأديت إِلَيْهِم خَمْسمِائَة دِرْهَم وَأَخْبَرتهمْ أَن عِنْد صَاحِبي مثلهَا فَأتوا بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَة فَلم يَجدوا فَأَمرهمْ أَن يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا عظم بِهِ عَلَى أهل دينه فَحلف فَأنْزل الله تَعَالَى يأيها الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِلَى قَوْله أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم فَقَامَ عَمْرو ابْن الْعَاصِ وَرِجَال آخر فَنَزَعَا الْخَمْسمِائَةِ دِرْهَم من عدي بن بدا انْتَهَى ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب وَلَيْسَ إِسْنَاده بِصَحِيح وَأَبُو النَّضر هَذَا هُوَ عِنْدِي مُحَمَّد بن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَنزلت يَعْنِي قَوْله تَعَالَى: {يأيها الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت حِين الْوَصِيَّة اثْنَان ذَوا عدل مِنْكُم أَو آخرَانِ من غَيْركُمْ}.
وَرُوِيَ أَنَّهَا لما نزلت صَلَّى رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ الْعَصْر ودعا بعدِي وَتَمِيم فَاسْتَحْلَفَهُمَا عِنْد الْمِنْبَر فَحَلفا ثمَّ وجد الْإِنَاء بِمَكَّة فَقَالُوا إِنَّا اشْتَرَيْنَاهُ من عدي وَتَمِيم فَلَمَّا ظَهرت خِيَانَة الرجلَيْن حلف رجلَانِ من ورثته أَنه إِنَاء صَاحبهمَا وَإِن شَهَادَتهمَا أَحَق من شَهَادَتهمَا.
قلت رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ من حَدِيث مُحَمَّد بن إِسْحَاق عَن أبي النَّضر عَن باذان يَعْنِي أَبَا صَالح مولَى أم هَانِئ عَن ابْن عَبَّاس عَن تَمِيم الدَّارِيّ فِي هَذِه الْآيَة يأيها الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت قَالَ برِئ النَّاس مِنْهَا غَيْرِي وَغير عدي بن بدا وَكَانَا نَصْرَانِيين يَخْتَلِفَانِ إِلَى الشَّام قبل الْإِسْلَام فَأتيَا الشَّام لِتِجَارَتِهِمَا وَقدم عَلَيْهِمَا مولَى بني هَاشم يُقَال لَهُ بديل بن أبي مَرْيَم بِتِجَارَة وَمَعَهُ جَام من فضَّة يُرِيد بِهِ الْملك وَهُوَ عظم تِجَارَته فَمَرض فَأَوْصَى لَهما وَأَمرهمَا أَن يبلغَا مَا ترك أَهله قَالَ تَمِيم فَلَمَّا مَاتَ أخذت ذَلِك الْجَام فَبِعْنَاهُ بِأَلف دِرْهَم فاقتسمناه أَنا وعدي بن بدا فَلَمَّا انتهينا إِلَى أَهله دفعنَا إِلَيْهِم مَا كَانَ مَعنا وَفقدُوا الْجَام فَسَأَلُونَا عَنهُ فَقُلْنَا مَا ترك غير هَذَا وَمَا دفع إِلَيْنَا غَيره قَالَ تَمِيم فَلَمَّا أسلمت بعد قدوم رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تَأَثَّمت من ذَلِك فَأتيت أَهله فَأَخْبَرتهمْ الْخَبَر وَأديت إِلَيْهِم خَمْسمِائَة دِرْهَم وَأَخْبَرتهمْ أَن عِنْد صَاحِبي مثلهَا فَأتوا بِهِ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَسَأَلَهُمْ الْبَيِّنَة فَلم يَجدوا فَأَمرهمْ أَن يَسْتَحْلِفُوهُ بِمَا يعظم بِهِ عَلَى أهل دينه فَحلف فَأنْزل الله تَعَالَى يأيها الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم إِذا حضر أحدكُم الْمَوْت إِلَى قَوْله أَو يخَافُوا أَن ترد أَيْمَان بعد أَيْمَانهم فَقَامَ عَمْرو ابْن الْعَاصِ وَرجل آخر فَنَزَعَا الْخَمْسمِائَةِ دِرْهَم من عدي بن بدا انْتَهَى ثمَّ قَالَ هَذَا حَدِيث غَرِيب وَلَيْسَ إِسْنَاده بِصَحِيح وَأَبُو النَّضر هَذَا هُوَ عِنْدِي مُحَمَّد بن السَّائِب الْكَلْبِيّ صَاحب التَّفْسِير وَقد تَركه أهل الْعلم بِالْحَدِيثِ وَسمعت مُحَمَّد ابْن إِسْمَاعِيل يَقُول لَا يعرف لَهُ رِوَايَة عَن أبي صَالح مولَى أم هَانِئ انْتَهَى.
وَأخرجه التِّرْمِذِيّ أَيْضا مُخْتَصر وَكَذَلِكَ أَبُو دَاوُد فِي الْأَقْضِيَة عَن مُحَمَّد ابْن أبي الْقَاسِم عَن عبد الْملك بن سعيد بن جُبَير عَن أَبِيه عَن ابْن عَبَّاس قَالَ خرج رجل من بني سهم مَعَ تَمِيم الدَّارِيّ وعدي بن بدا السَّهْمِي بِأَرْض لَيْسَ بهَا مُسلم فَلَمَّا قدما بِتركَتِهِ فقدوا جَاما من فضَّة مخوضًا بِالذَّهَب فَأَحْلفهُمَا رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ وجدوا الْجَام بِمَكَّة فَقيل اشتريناهما من تَمِيم وعدي فَقَامَ رجلَانِ من أَوْلِيَائِهِمْ فَحَلفا بِاللَّه لَشَهَادَتنَا أَحَق من شَهَادَتهمَا وَأَن الْجَام لصَاحِبِهِمْ قَالَ وَفِيهِمْ نزلت يأيها الَّذين آمنُوا شَهَادَة بَيْنكُم الْآيَة وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن غَرِيب وَمُحَمّد بن أبي الْقَاسِم كُوفِي قيل إِنَّه صَالح الحَدِيث انْتَهَى.
وَرَوَاهُ البُخَارِيّ فِي صَحِيحه فِي كتاب الْوَصَايَا وَلم يُصَرح فِيهِ بِالتَّحْدِيثِ فَقَالَ وَقَالَ لي عَلّي بن عبد الله يَعْنِي ابْن الْمَدِينِيّ ثَنَا يَحْيَى بن آدم ثَنَا ابْن أبي زَائِدَة عَن مُحَمَّد بن الْقَاسِم بِهِ سَوَاء وَهَذِه عَادَته فِيمَا لم يكن من شَرطه.
وَأخرج أَبُو دَاوُد فِي الْأَقْضِيَة أَيْضا عَن هشيم عَن زَكَرِيَّا عَن الشّعبِيّ أَن رجلا من الْمُسلمين حَضرته الْوَفَاة ب دقوقا وَلم يجد أحدا من الْمُسلمين يشْهد عَلَى وَصيته فَأشْهد رجلَيْنِ من أهل الْكتاب فَقدما الْكُوفَة وَأَتيا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيّ فَأَخْبَرَاهُ فَقَالَ هَذَا أَمر لم يكن بعد الَّذِي كَانَ فِي عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَأَحْلفهُمَا بعد الْعَصْر بِاللَّه مَا خَانا وَلَا كذبا وَإِنَّهَا لوَصِيَّة الرجل وَتركته فَأَمْضَى شَهَادَتهمَا انْتَهَى.
وَهَذَا سَنَد صَحِيح وَقد رويت هَذِه الْقِصَّة مُرْسلَة عَن غير وَاحِد من التَّابِعين عِكْرِمَة وَمُحَمّد بن سِيرِين وَقَتَادَة.
449- قَوْله: عَن عَلّي رَضِيَ اللَّهُ عَنْه أَنه كَانَ يحلف الشَّاهِد والراوي إِذا اتَّهَمَهُمَا.
قلت حَدِيثه فِي الرَّاوِي رَوَاهُ أَبُو دَاوُد فِي سنَنه فِي آخر كتاب الصَّلَاة وَكَذَلِكَ التِّرْمِذِيّ وَالنَّسَائِيّ من حَدِيث أَسمَاء بن الحكم الْفَزارِيّ عَن عَلّي قَالَ كنت رجلا إِذا سَمِعت من رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ حَدِيثا نَفَعَنِي الله عَنهُ بِمَا شَاءَ أَن يَنْفَعنِي وَإِذا حَدثنِي أحد من أَصْحَابه اسْتَحْلَفته فَإِذا حلف لي صدقته قَالَ وحَدثني أَبُو بكر وَصدق أَبُو بكر أَنه قَالَ سَمِعت رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يَقُول مَا من عبد يُذنب ذَنبا فَيحسن الطّهُور ثمَّ يقوم فَيصَلي رَكْعَتَيْنِ ثمَّ يسْتَغْفر الله إِلَّا غفر الله لَهُ ثمَّ قَرَأَ هَذِه الْآيَة وَالَّذين إِذا فعلوا فَاحِشَة... الْآيَة انْتَهَى قَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حسن لَا نعرفه إِلَّا من هَذَا الْوَجْه وَذكر أَن بَعضهم رَوَاهُ مَوْقُوفا.
وَرَوَاهُ ابْن حبَان فِي صَحِيحه فِي النَّوْع وَذكر أَسمَاء هَذَا فِي كِتَابه الثِّقَات وَقَالَ إِنَّه يُخطئ.
وَرَوَاهُ الْبَزَّار فِي مُسْنده وَقَالَ أَسمَاء هَذَا مَجْهُول لم يحدث إِلَّا بِهَذَا الحَدِيث وَلم يحدث عَنهُ إِلَّا عَلّي بن ربيعَة انْتَهَى.
وَقَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ فِي مِيزَانه قَالَ البُخَارِيّ لَا يُتَابع عَلَى حَدِيثه هَذَا ثمَّ قَالَ وَهَذَا لَا يقْدَح إِذْ لَيْسَ من شَرط الصَّحِيح الْمُتَابَعَة وَفِي الصَّحِيح أَحَادِيث لَا تعرف إِلَّا من ذَلِك الْوَجْه كَحَدِيث الْأَعْمَال بِالنِّيَّاتِ انْتَهَى كَلَامه.
وَقَالَ الْحَاكِم فِي عُلُوم الحَدِيث لَهُ وَكَانَ عَلّي بن أبي طَالب إِذا فَاتَهُ حَدِيث وسَمعه من غَيره حلفه.
440- الحَدِيث الثَّامِن وَالثَّلَاثُونَ:
عَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ من قَرَأَ سُورَة الْمَائِدَة أعطي من الْأجر عشر حَسَنَات ومحي عَنهُ عشر سيئات وَرفع لَهُ عشر دَرَجَات بِعَدَد كل يَهُودِيّ وَنَصْرَانِي تنفس فِي الدُّنْيَا.
قلت رَوَاهُ الثَّعْلَبِيّ والواحدي من حَدِيث سَلام بن سليم الْمَدَائِنِي ثَنَا هَارُون بن كثير عَن زيد بن أسلم عَن أَبِيه عَن أبي أُمَامَة عَن أبي بن كَعْب قَالَ قَالَ رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ... فَذكره.
وَرَوَاهُ ابْن الْجَوْزِيّ فِي الموضوعات من طَرِيق أبي بكر بن أبي دَاوُد السجسْتانِي ثَنَا مُحَمَّد بن عَاصِم ثَنَا شَبابَة بن سوار ثَنَا مخلد بن عبد الْوَاحِد عَن عَلّي بن زيد بن جدعَان وَعَطَاء بن أبي مَيْمُونَة عَن زر بن حُبَيْش عَن أبي بن كَعْب عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ... فَذكره بِزِيَادَة فضل سُورَة سُورَة وَقد ذَكرْنَاهُ فِي آخر الْكتاب.
وَرَوَاهُ ابْن مرْدَوَيْه فِي تَفْسِيره كَمَا تقدم فِي آل عمرَان. اهـ.

.فصل في ذكر آيات الأحكام في السورة الكريمة:

.قال إلكيا هراسي:

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
سورة المائدة:
قوله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} الآية (1):
اعلم أن العقود في الشرع منقسمة إلى ما يجب الوفاء به، وإلى ما لا يجب، وإلى ما لا يجوز.
فأما ما لا يجوز مثل عقود الجاهلية على النصرة على الباطل في قولهم:
دمي دمك، ومالي مالك، وأنا أجيرك، فيعاهده على أن ينصره على الباطل، ويمنع حفا توجه عليه، فهذا لا يجب الوفاء به.
والوجه الآخر: ما يتخير في الوفاء به.
والوجه الثالث: ما يجب الوفاء به، والذي يجب الوفاء به، هو الذي يتضمن تحقيق حق أوجب اللّه تعالى الوفاء به.
فإذا انقسمت العقود إلى باطل وصحيح، فربما يقول القائل: الأصل اتباع الشروط والعقود، نظرا إلى مطلق اللفظ، والقائل الآخر يقول: إنما يجب علينا اتباع عقود شرعية ورد الشرع بها، ولذلك قال عليه السلام:
«ما بال أقوام يشترطون ما ليس في كتاب اللّه تعالى؟ كل شرط ليس في كتاب اللّه تعالى فهو باطل».
ولا شك أن الذي ورد الشرع به محصور مضبوط، والذي يمكن اشتراطه مما يهجس في النفس، فممالآنهاية له، فلا يمكن أن يقال إن الأصل وجوب الوفاء بكل ما يهجس في النفس، فيعقد عليه، بل الشرع ضبط لنا ما يجب الوفاء به، والباقي مردود، فهو كقول القائل: افعلوا الخير، لا يجوز أن يحتج به في وجوب كل خير، فإن ما لا يجب فعله من الخيرات لا نهاية له، فالمخصوص مجهول على ذلك، وكذلك المخصوص من الشروط، فإن الباطل من الشروط لا نهاية له، وإنما الجائز منها محصور، فعلى هذا لا يجوز التعلق بعموم قوله عليه السلام: «المؤمنون عند شروطهم».
ولا بمطلق قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}.
فهذا هو المختار فيه.
والذي هو عقد أو يسمى عقدا، ينقسم إلى ما كان على المستقبل، وإلى ما كان على الماضي.
أما ما على المستقبل: مثل قول القائل: واللّه لأفعلن.
وأما على الماضي: كقول القائل: واللّه لقد كان كذا. ويقال في مثله: إنه عقد اليمين عليه، لا على معنى أنه عزم على فعل شيء، فإن اليمين يعقد على فعل الغير من غير أن يصح العزم عليه، وإنما معناه أنه يظهر المحلوف عليه، ويحيل إلى غيره تحقيقه، فينظر ما يكون من عاقبة يمينه، وفي الماضي إظهار الصدق قائم، وقصد تحقيق القول قائم، فيقال عقد اليمين، أي قصد تحقيق قوله وتصديق نفسه، فهو عقد من هذا الوجه.
يبقى أن يقال هو في علم اللّه تعالى غير منعقد.
فيقال هو في علم اللّه تعالى، وإن لم يفصد تحقيق ما حلف لعلمه به، ففي المستقبل ربما لا يتصور منه العقد، ولكن يحيل العقد، وربما ظن الصدق في الماضي، فيقصد تحقيق قوله بعقد اليمين، فسمي عقدا من هذا الوجه.
واعلم أنه قد تبين بما قدمناه، أن كل عهد وعقد لا يجب الوفاء به، فمطلق قوله: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}، محمول على القيد في قوله: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها}.
وإنما عنى به العقد مع اللّه سبحانه فيما أمر اللّه تعالى عباده بالوفاء به وإلا فكل يمين على منع النفس من مباح أو واجب، فذلك مما لا يجب الوفاء به لقوله صلّى اللّه عليه وسلم:
«من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير».
نعم، اختلف أصحاب الشافعي فيما إذا نذر قربة من غير أن يستنجح بها طلبة، أو يستدفع بها بلية.
فمنهم من أوجب لأنها داخلة تحت قوله تعالى: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ}.
ومنهم من لم ير ذلك، لأنه ليس إلى العباد إيجاب ما لم يوجبه اللّه تعالى عليهم، فإن الذي وجب، إنما وجب لعلم الشرع أنه داعي إلى المستحسنات العقلية، وناهي عن المستقبحات العقلية، ولا يجوز ذلك فيما يوجبه العبد على نفسه.