فصل: (الآية الثالثة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والمشاعر: المعالم، واحدها مشعر، وهي المواضع التي قد أشعرت بالعلامات.
قيل: المراد بها هنا جميع مناسك الحج، وقيل: الصفا والمروة والهدي والبدن.
والمعنى على هذين القولين لا تحلوا هذه الأمور، بأن يقع الإخلال بشيء منها، أو بأن تحولوا بينها وبين من أراد فعلها. ذكر سبحانه النهي عن أن يحلوا شعائر اللّه عقب ذكره تحريم صيد المحرم.
وقيل: المراد بالشعائر هنا فرائض اللّه، ومنه: {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللَّهِ} [الحج: 32]، وقيل: هي حرمات اللّه. ولا مانع من حمل ذلك على الجميع، اعتبارا بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ولا بما يدل عليه السياق.
{وَلَا الشَّهْرَ الْحَرامَ} المراد به الجنس، فيدخل في ذلك جميع الأشهر الحرم، وهي أربعة: ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب، أي تحلوها بالقتال فيها، وقيل المراد هنا شهر الحج فقط.
{وَلَا الْهَدْيَ}: هو ما يهدى إلى بيت اللّه، من ناقة، أو بقرة، أو شاة، الواحدة هدية، نهاهم اللّه سبحانه عن أن يحلوا حرمة الهدي، بأن يأخذوه على صاحبه، أو يحولوا بينه وبين المكان الذي يهدي إليه، وعطف الهدي على الشعائر- مع دخوله تحتها- لقصد التنبيه على مزيد خصوصيته، والتشديد في شأنه.
وَلَا الْقَلائِدَ: جمع قلادة، وهي ما يقلّد به الهدي من نعل أو نحوه، وإحلالها أن تؤخذ غصبا، وفي النهي عن إحلال القلائد تأكيد للنهي عن إحلال الهدي، وقيل: المراد بالقلائد، المقلدات به، فيكون عطفه على الهدي لزيادة التوصية بالهدي، والأول أولى، وقيل: المراد بالقلائد ما كان الناس يتقلدونه، فهو على حذف مضاف، أي ولا أصحاب القلائد.
{وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ}: أي قاصديه، من قولهم أممت كذا أي قصدته. وقرأ الأعمش: ولا آمّي البيت الحرام بالإضافة، والمعنى: لا تمنعوا من قصد البيت الحرام، بحج أو عمرة، أو ليسكن فيه. وقيل: إن سبب نزول هذه الآية، أن المشركين كانوا يحتجون ويعتمرون ويهدون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم فنزل: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللَّهِ} إلى آخر الآية، فيكون ذلك منسوخا بقوله: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: 5] وقوله: {فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا} [التوبة: 28]، وقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لا يحجن بعد العام مشرك».
وقال قوم الآية محكمة وهي في المسلمين.
{يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوانًا}: جملة حالية من الضمير المستتر في آمِّينَ قال جمهور المفسرين: معناه يبغون الفضل والرزق والأرباح في التجارة، ويبتغون- مع ذلك- رضوان اللّه، وقيل: كان منهم من يطلب التجارة، ومنهم من يبتغي بالحج رضوان اللّه، ويكون هذا الابتغاء للرضوان- بحسب اعتقادهم وفي ظنهم- عند من جعل الآية في المشركين، وقيل: المراد بالفضل هنا الثواب، لا الأرباح في التجارة.
{وَإِذا حَلَلْتُمْ فَاصْطادُوا}: هذا تصريح لما أفاده مفهوم: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ}، أباح لهم الصيد، بعد أن حظره عليهم لزوال السبب الذي حرّم لأجله، وهو الإحرام.
{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ}: قال ابن فارس: جرم وأجرم ولا جرم، بمعنى قولك: ولابد ولا محالة، وأصلها من جرم أي كسب، وقيل: المعنى ولا يحملنكم.
قاله الكسائي وثعلب. وهو يتعدى إلى مفعولين، يقال: جرمني كذا على بغضك، أي حملني عليه.
وقال أبو عبيدة والفراء: معنى {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} لا يكسبنكم بغض قوم أن تعتدوا الحق إلى الباطل، والعدل إلى الجور.
والجريمة والجارم: بمعنى الكاسب، والمعنى: لا يحملنكم يغض قوم على الاعتداء عليهم، أو لا يكسبنكم بغضهم اعتداءكم على الحق إلى الباطل. ويقال: جرم يجرم جرما إذا قطع، قال علي بن عيسى الرماني: وهو الأصل.
فجرم بمعنى حمل على الشيء لقطعه من غيره، وجرم بمعنى كسب لانقطاعه، ولا جرم بمعنى حق لأن الحق يقطع عليه.
قال الخليل: معنى لا جرم أن لهم النار: لقد حق أن لهم النار.
وقال الكسائي: جرم وأجرم لغتان بمعنى واحد أي اكتسب.
وقرأ ابن مسعود: ولا يجرمنكم بضم الياء، والمعنى لا يكسبنكم، ولا يعرف البصريون أجرم، وإنما يقولون: جرم لا غير.
والشنآن: البغض، وقرئ بفتح النون وإسكانها، يقال شنيت الرجل أشنوه شنا ومشنا وشنآنا، كل ذلك إذا أبغضته. وشنآن هنا مضاف إلى المفعول، أي بغض قوم منكم لا بغض قوم لكم.
{أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا} بفتح الهمزة مفعول لأجله، أي لأن صدوكم. وقرأ أبو عمرو وابن كثير بكسر الهمزة على الشرطية، وهو اختيار أبو عبيد.
وقرأ الأعمش أن يصدّوكم، والمعنى على قراءة الشرطية لا يحملنكم بغضهم أن وقع منهم الصد لكم عن المسجد الحرام على الاعتداء عليهم.
وقرأ الباقون {أَنْ صَدُّوكُمْ} بفتح الألف.
وهو ظاهر، والمعنى: لا يكسبنّكم بغض قوم الاعتداء لأن صدّوكم عن المسجد الحرام، أي لصدّهم إياكم عن المسجد، فهو مفعول له، فقوله: {أَنْ تَعْتَدُوا} مفعول ثان {وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ}.
قال النحاس: وأما: إن صدوكم بكسر (إن) فالعلماء الجلة بالنحو والحديث والنظر يمنعون القراءة بها لأشياء منها أن الآية نزلت عام الفتح سنة ثمان- وكان المشركون صدوا المؤمنين عام الحديبية سنة ست- فالصد كان قبل الآية وإذا قرئ بالكسر لم يجز إلا أن يكون بعده كما تقول: لا تعط فلانا شيئا إن قاتلك، فهذا لا يكون إلا للمستقبل، وإن فتحت كان للماضي. وما أحسن هذا الكلام.
وقد أنكر أبو حاتم وأبو عبيد شنآن بسكون النون، لأن المصادر إنما تأتي في مثل هذا متحركة، وخالفهما غيرهما فقال: ليس هذا مصدر، ولكنه اسم فاعل على وزن كسلان وغضبان.
أقول: تأمل هذا النهي، فإن الذين صدوا المسلمين عن دخول مكة، كانوا أنفارا حربيين، فكيف ينهى عن التعرض لهم، وعن مقاتلتهم، فلا يظهر إلا أن هذا النهي منسوخ، أو يقال: إن النهي عن ذلك من حيث عقد الصلح الواقع في الحديبية، فبسببه صاروا مؤمنين مأمونين، ولم أر من نبه على هذين الوجهين. ولما نهاهم عن الاعتداء أمرهم بقوله: {وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى} أي ليعن بعضكم بعضا على ذلك، وهو يشمل كل أمر يصدق عليه أنه من البر والتقوى، كائنا ما كان.
قيل إن البر والتقوى لفظان بمعنى واحد، وكرر للتأكيد.
وقال ابن عطية: إن البر يتناول الواجب والمندوب، والتقوى تختص بالواجب. وقال الماوردي: إن في البر رضى الناس، وفي التقوى رضى اللّه، فمن جمع بينهما، فقد تمت سعادته. ثم نهاهم سبحانه بقوله: {وَلا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوانِ}: فالإثم كل فعل وقول يوجب إثم فاعله أو قائله، والعدوان التعدي على الناس، بما فيه ظلم، فلا يبقى نوع من أنواع الموجبات للإثم، ولا نوع من أنواع الظلم للناس، إلا وهو داخل تحت هذا النهي، لصدق هذين النوعين على كل ما يوجد فيه معناهما. ثم أمر عباده بالتقوى، وتوعد من خالف ما أمر به، فتركه، أو خالف ما نهى عنه بفعله، بقوله: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (2)} وأخرج أحمد وعبد بن حميد والبخاري في تاريخه عن وابصة أن النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: «البر ما اطمأن إليه القلب، واطمأنت إليه النفس، والإثم ما حاك في القلب، وتردد في الصدر وإن أفتاك الناس وأفتوك!».
وأخرج ابن أبي شيبة وأحمد والبخاري في الأدب ومسلم والترمذي والحاكم والبيهقي عن النواس بن سمعان قال: «سألت النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن البر والإثم فقال: «البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك، وكرهت أن يطّلع عليه الناس».
وأخرج أحمد وعبد بن حميد والطبراني والحاكم- وصححه- والبيهقي عن أبي أمامة: «أن رجلا سأل النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن الإثم؟ فقال: «ما حاك في نفسك فدعه قال فما الإيمان؟ قال: من ساءته سيئة، وسرته حسنة، فهو مؤمن».

.[الآية الثالثة]:

{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَما أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا ما ذَكَّيْتُمْ وَما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3)}.
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ}: هذا شروع في تفصيل المحرمات التي أشار إليها سبحانه بقوله: {إِلَّا ما يُتْلى عَلَيْكُمْ} [المائدة: 1].
{الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} تقدم الكلام على ذلك في البقرة، وما هنا من تحريم مطلق الدم، مقيد بكونه مسفوحا- لما تقدم حملا للمطلق على المقيد.
وقد ورد في السنة تخصيص الميتة بقوله صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «أحل لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالحوت والجراد، وأما الدمان: الكبد والطحال».
أخرجه الشافعي وأحمد وابن ماجه والدارقطني والبيهقي، وفي إسناده مقال.
ويقويه الحديث: «هو الطهور ماؤه، والحل ميتته»، وهو عند أحمد وأهل السنن وغيرهم، وصححه جماعة منهم ابن خزيمة وابن حبان.
وقد أطال الشوكاني الكلام عليه في «شرحه للمنتقى» وغيره في غيره.
{وَالْمُنْخَنِقَةُ} هي التي تموت بالخنق، وهو حبس النّفس، سواء كان ذلك بفعلها كأن تدخل رأسها في حبل، أو بين عودين، أو بفعل آدمي، أو غيره. وقد كان أهل الجاهلية يخنقون الشاة، فإذا ماتت أكلوها.
{وَالْمَوْقُوذَةُ} هي التي تضرب بحجر أو عصا حتى تموت، من غير تذكية. يقال:
وقذه يقذه وقذا فهو وقيذ.
والوقذ: شدة الضرب. وقد كان أهل الجاهلية يفعلون ذلك، فيضربون الأنعام بالخشب لآلهتهم حتى تموت ثم يأكلونها.
قال ابن عبد البر: واختلف العلماء قديما وحديثا في الصيد بالبندق والحجر والمعراض.
ويعني بالبندق: قوس البندقة.
وبالمعراض: السهم الذي لا ريش له، أو العصا التي رأسها محدد، قال: فمن ذهب إلى أنه وقيذ، لم يجزه إلا ما أدرك ذكاته، على ما روي عن ابن عمر، وهو قول مالك وأبي حنيفة وأصحابه، والثوري والشافعي. وخالفهم الشاميون في ذلك، قال الأوزاعي في المعراض: كلّه خرق أو لم يخرق فقد كان أبو الدرداء وفضالة بن عبيد وعبد اللّه بن عمر ومكحول لا يرون به بأسا.
قال ابن عبد البر: هكذا ذكر الأوزاعي عن عبد اللّه بن عمر. والمعروف عن ابن عمر ما ذكر مالك عن نافع، قال: والأصل في هذا الباب والذي عليه العمل وفيه الحجة حديث عدي بن حاتم وفيه: «ما أصاب بعرضه فلا يأكل فإنه وقيذ». انتهى.
قلت: والحديث في «الصحيحين» وغيرهما عن عدي قال: «قلت يا رسول اللّه إني أرمي بالمعراض الصيد فأصيب؟ فقال: إذا رميت المعراض فخرق فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ فلا تأكله».
فقد اعتبر صلّى اللّه عليه وآله وسلّم الخرق وعدمه، فالحق أنه لا يحل إلا ما خرق لا ما صدم، فلابد من التذكية قبل الموت، وإلا كان وقيذا.
قال الشوكاني في «فتح القدير»: وأما البنادق المعروفة الآن، وهي بنادق الحديد، التي يجعل فيها البارود والرصاص، ويرمى بها، فلم يتكلم عليها أهل العلم لتأخر حدوثها، فإنها لم تصل إلى الديار اليمنية، إلا في المائة العاشرة من الهجرة، وقد سألني جماعة من أهل العلم عن الصيد بها إذا مات، ولم يتمكن الصائد من تذكيته حيا؟ والذي يظهر لي أنه حلال، لأنها تخرق وتدخل- في الغالب- من جانب منه، وتخرج من الجانب الآخر.