فصل: (سورة البقرة: الآيات 92- 93):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة البقرة: الآيات 92- 93]:

{ولَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ (92) وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَرَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُوا قالُوا سَمِعْنا وَعَصَيْنا وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَما يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (93)}.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ} الواو استئنافية واللام جواب قسم محذوف وقد حرف تحقيق {جاءَكُمْ مُوسى} فعل ومفعول به مقدم وفاعل الكلام مستأنف مسوق للاعتراض عليهم بقتل الأنبياء مع ادعائهم بأنهم يؤمنون بالتوراة والتوراة لا تسوغ ذلك بحال {بِالْبَيِّناتِ} جار ومجرور متعلقان بجاءكم {ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ} ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي واتخذتم فعل وفاعل والعجل مفعول به {مِنْ بَعْدِهِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال {وَأَنْتُمْ ظالِمُونَ} الواو حالية وأنتم مبتدأ وظالمون خبره والجملة نصب على الحال {وَإِذْ} تقدم إعرابها {أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ} فعل ماض وفاعل ومفعول به والجملة في محل جر بإضافة الظرف إليها {وَرَفَعْنا} عطف على أخذنا ولك أن تعربها حالية {فَوْقَكُمُ} ظرف مكان متعلق برفعنا {الطُّورَ} مفعول به {خُذُوا} فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة مقول قول محذوف وجملة القول نصب على الحال أي قائلين لكم {ما} اسم موصول مفعول به {آتَيْناكُمْ} فعل وفاعل ومفعول به والجملة صلة {بِقُوَّةٍ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {وَاسْمَعُوا} عطف على ما تقدم {قالُوا} فعل وفاعل والجملة مستأنفة مسوقة لذكر سماعهم وعصيانهم في وقت واحد وتلك طبيعة مركوزة في اليهود {سَمِعْنا وَعَصَيْنا} الجملتان مقول للقول: {وَأُشْرِبُوا} الواو حالية أو عاطفة واشربوا فعل ماض مبني للمجهول والواو نائب فاعل {فِي قُلُوبِهِمُ} جار ومجرور متعلقان باشربوا {الْعِجْلَ} مفعول به ثان على تقدير مضاف أي حب العجل {بِكُفْرِهِمْ} جار ومجرور متعلقان بأشربوا والباء للسببية أي بسبب كفرهم {قُلْ} فعل أمر وفاعله ضمير مستتر والجملة مستأنفة {بِئْسَما} تقدم اعرابها قريبا {يَأْمُرُكُمْ} فعل مضارع وفاعل مستتر ومفعول به والجملة لا محل لها {بِهِ} جار ومجرور متعلقان بيأمركم {إِيمانُكُمْ} فاعل {إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} شرط وفعله والجواب محذوف فلم فعلتم ذلك وكان واسمها ومؤمنين خبرها.

.البلاغة:

التشبيه البليغ أي جعلت قلوبهم لتمكّن حب العجل منها كأنها تشرب ومثله قول زهير:
فصحوت عنها بعد حبّ داخل ** والحبّ يشربه فؤادك دائما

وإنما عبر عن حبّ العجل بالشرب دون الأكل لأن شرب الماء يتغلغل في الأعضاء حتى يصل إلى باطنها والطعام لا يتغلغل فيها.

.[سورة البقرة: الآيات 94- 95]:

{قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ (94) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (95)}.

.الإعراب:

{قُلْ} فعل أمر وفاعله ضمير مستتر تقديره أنت والجملة مستأنفة مسوقة للدخول في فن آخر من أراجيفهم التي يحيكونها {إِنْ} شرطية تجزم فعلين {كانَتْ} فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط {لَكُمُ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف خبر كانت لمقدم {الدَّارُ} اسمها المؤخر {الْآخِرَةُ} نعت للدار {عِنْدَ اللَّهِ} ظرف مكان متعلق بخالصة {خالِصَةً} حال من الدار أي سالمة {مِنْ دُونِ النَّاسِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال مؤكدة للحال لأن دون تستعمل للاختصاص.
يقال: هذا لي دونك أو من دونك أي لا حق لك فيه {فَتَمَنَّوُا} الفاء واقعة في جواب الشرط لأن الكلام طلبي وتمنوا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل والجملة في محل جزم جواب الشرط {الْمَوْتَ} مفعول به {إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ} تكرر اعرابها وجواب الشرط محذوف أي فتمنوا الموت {وَلَنْ} الواو استئنافية ولن حرف نفي ونصب واستقبال {يَتَمَنَّوْهُ} فعل مضارع منصوب بلن وعلامة نصبه حذف النون والواو فاعل والهاء مفعول به {أَبَدًا} ظرف زمان متعلق بيتمنوه {بِما} الجار والمجرور متعلقان بيتمنوه أيضا {قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ} جملة فعلية لا محل لها من الاعراب لأنها صلة ما والعائد محذوف أي قدمته أيديهم {وَاللَّهُ عَلِيمٌ} الواو استئنافية والجملة مستأنفة {بِالظَّالِمِينَ} الجار والمجرور متعلقان بعليم.

.البلاغة:

في قوله: {فتمنوا الموت} خروج الأمر عن معناه الأصلي إلى معنى التعجيز لأن ذلك ليس من سماتهم ولا من ظواهرهم المألوفة وتمنى الموت من شأن المقربين الأبرار لأن من أيقن بالشهادة اشتاق إليها. وبكى حنينا إليها وقد روي عن علي بن أبي طالب أنه كان يطوف بين الصفين في غلالة فقال ابنه الحسن: ما هذا بزي المحاربين فقال:
يا بني لا يبالي أبوك سقط أم سقط عليه الموت، ولما احتضر خالد بن الوليد بكى فقيل له: ما يبكيك؟ قال: واللّه ما أبالي إشفاقا من الموت ولكن لأني حضرت كذا وكذا معركة ثم أموت هكذا كما تموت العنز.
فلا نامت أعين الجبناء، وعن حذيفة أنه كان يتمنى الموت فلما احتضر قال حبيب: جاء على فاقة لا أفلح من ندم يعني على التمني. وعن النبي صلى الله عليه وسلم: «لو تمنّوا الموت لغصّ كل انسان بريقه فمات مكانه وما بقي على وجه الأرض يهودي».

.[سورة البقرة: آية 96]:

{وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلى حَياةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ (96)}.

.اللغة:

{زحزح} يستعمل متعديا ولازما وتكرار الحروف بمثابة تكرار العمل.

.الإعراب:

{وَلَتَجِدَنَّهُمْ} الواو عاطفة واللام جواب لقسم محذوف وتجدنهم فعل مضارع مبني على الفتح وفاعله ضمير مستتر فيه وجوبا تقديره أنت والهاء مفعوله الأول {أَحْرَصَ النَّاسِ} مفعوله الثاني {عَلى حَياةٍ} الجار والمجرور متعلقان بأحرص {وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا} الواو عاطفة والعطف هنا محمول على المعنى والتقدير أحرص من الذين أشركوا ولكنه حذف {أحرص} للتخصيص بعد التعميم {يَوَدُّ أَحَدُهُمْ} فعل مضارع وفاعل.
والجملة حالية أو استئنافية لا محل لها {لَوْ يُعَمَّرُ} لو مصدرية غير عاملة أي يود التعمير وهي خاصة بفعل الودادة وهي والفعل بعدها في تأويل مصدر مفعول يود أي يود التعمير ويعمر فعل مضارع مبني للمجهول ونائب الفاعل مستتر فيه جوازا تقديره هو {أَلْفَ سَنَةٍ} ظرف زمان متعلق بيعمر {وَما هُوَ} الواو حالية وما نافية حجازية وهو اسمها {بِمُزَحْزِحِهِ} الباء حرف جر زائد ومزحزحه مجرور لفظا منصوب محلا على أنه خبر ما {مِنَ الْعَذابِ} الجار والمجرور متعلقان بمزحزحه {أَنْ يُعَمَّرَ} أن وما في حيزها في تأويل مصدر في محل رفع فاعل لمزحزحه لأنه اسم فاعل والضمير في قوله وما هو راجع إلى أحدهم وقيل هو لما دل عليه يعمر من مصدر أي وما التعمير بمزحزحه ويكون قوله أن يعمر بدلا منه وكلاهما جيد {وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ} الواو استئنافية ويجوز في ما أن تكون موصولة أو مصدرية.

.البلاغة:

1- الإيجاز في الآية ففي تنكير حياة فائدة عجيبة فحواها أنّ الحريص لابد أن يكون حيا، وحرصه لا يكون على الحياة الماضية والراهنة فانهما حاصلتان بل على الحياة المستقبلة ولما لم يكن الحرص متعلقا بالحياة على الإطلاق بل بالحياة في بعض الأحوال وجب التنكير وفي الحذف توبيخ عظيم لليهود لأن الذين لا يؤمنون بالمعاد ولا يعرفون إلا الحياة الدنيا لا يستبعد حرصهم عليها فإذا زاد أهل الكتاب عليهم في الحرص وهم مقرون بالبعث والجزاء كانوا أحرى باللوم والتوبيخ.
2- الكناية في قوله: {أَلْفَ سَنَةٍ} وهي كناية عن الكثرة فليس المراد خصوص الألف.

.[سورة البقرة: الآيات 97- 98]:

{قُلْ مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَهدًى وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ (98)}.

.الإعراب:

{قُلْ} فعل أمر وفاعله أنت {مَنْ} اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ وجملة: {قل} مستأنفة مسوقة لبيان نمط آخر من أنماط لجاجهم وعنادهم {كانَ} فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط واسمها يعود على من {عَدُوًّا} خبرها {لِجِبْرِيلَ} اللام حرف جر وجبريل اسم مجرور باللام وعلامة جره الفتحة نيابة عن الكسرة لأنه علم أعجميّ والجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لعدوا {فَإِنَّهُ} الفاء عاطفة على جواب الشرط المحذوف بمثابة التعليل له والتقدير فليمت غيظا أو فلا موجب لعداوته ولا يصح أن يكون قوله فإنه هو الجواب لأن جواب الشرط لابد أن يكون فيه ضمير يعود عليه فلا يصح أن تقول من يكرمني فزيد قائم وإن واسمها ولأن فعل التنزيل متحقق المعنى والجزاء لا يكون إلا مستقبلا {نَزَّلَهُ} فعل وفاعل مستتر ومفعول به والضمير يعود على القرآن وفي إضماره على ما لم يسبق ذكره تفخيم لشأن صاحبه كأنه يدل على نفسه وجملة: {نَزَّلَهُ} خبر كأن.
{عَلى قَلْبِكَ} الجار والمجرور متعلقان بنزله {بِإِذْنِ اللَّهِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال {مُصَدِّقًا} حال ثانية {لِما} الجار والمجرور متعلقان بمصدقا {بَيْنَ يَدَيْهِ} الظرف متعلق بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول {وَهدًى وَبُشْرى} معطوفان على مصدقا {لِلْمُؤْمِنِينَ} الجار والمجرور متعلقان ببشرى أو بمحذوف صفة وخبر من فعل الشرط والجواب المحذوف {مَنْ} اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ {كانَ} فعل ماض ناقص واسمها مستتر يعود على من {عَدُوًّا} خبر كان {لِلَّهِ} متعلقان بمحذوف صفة لعدو {وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ} عطف {فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ} الجملة معطوفة على جواب الشرط وقد تقدم تقرير ذلك.

.الفوائد:

العرب إذا نطقت بالأعجمي تصرفت فيه وجبر معناه عبد، وايل هو اللّه فهو بمنزلة عبد اللّه ومعنى ميكال أو ميكائيل عبيد اللّه فكأنه أصغر منزلة من جبريل.

.[سورة البقرة: الآيات 99- 101]:

{وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّما عاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (100) وَلَمَّا جاءَهُمْ رَسُولٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ كِتابَ اللَّهِ وَراءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ (101)}.

.اللغة:

{نبذ} لهذا الفعل خصائص عجيبة فهو في الأصل بمعنى الطّرح يقال: نبذ الشيء من يده أي طرحه ورمى به، وصبي منبوذ ونهي عن المنابذة في البيع وهي أن تقول: انبذ إليّ المتاع أو أنبذه إليك. ومن مجاز هذا الفعل قولهم: نبذ أمري وراء ظهره إذا لم يعمل به ومنه قوله تعالى: {نبذ فريق من الذين أوتوا الكتاب كتاب اللّه وراء ظهورهم} قالوا: ويتعيّن أن يكون نبذ من أفعال التحويل أو التصيير لدلالتها على الانتقال من حالة إلى حالة أخرى وعلى هذا فكتاب اللّه مفعول به أول ووراء ظهورهم مفعول به ثان ويبعد بل يتعذر جعله ظرفا لنبذ لأن الظرف لابد أن يكون حاويا لفاعل العامل فيه والنابذون غير كائنين وراء ظهورهم على أن بعض النحاة لا يشترطون وجود الفاعل والمفعول في الظرف وقال ابن حجر في شرح المنهاج: ولك أن تقول: إن للقاعدة وجها وجيها لأن ظرف المكان من الحسيات فإذا جعل ظرفا لفعل حسي متعد لزم كون الفاعل والمفعول فيه لأن الفعل المذكور لا يتحقق إلا بوجودهما بخلاف الفعل المعنوي فإنه أجنبي من الظرف الحسي فاكتفى بما هو لازم له لكل تقدير وهو الفاعل فقط وللفقهاء أحكام في التشريع مستندة إلى هذا الخلاف الطويل، فتدبر هذا الفصل فإنه وإن طال بعض الطول فهو كالحسن غير مملول.

.الإعراب:

{وَلَقَدْ} الواو استئنافية واللام جواب لقسم محذوف وقد حرف تحقيق {أَنْزَلْنا إِلَيْكَ} فعل وفاعل والجار والمجرور متعلقان بأنزلنا {آياتٍ} مفعول به منصوب وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم {بَيِّناتٍ} صفة {وَما} الواو عاطفة وما نافية {يَكْفُرُ بِها} فعل مضارع مرفوع والجار والمجرور متعلقان به {إِلَّا} أداة حصر {الْفاسِقُونَ} فاعل يكفر {أَوَ كُلَّما} الهمزة للاستفهام الانكاري والواو عاطفة على محذوف تقديره اكفروا بالآيات البينات أو أن الأصل تقديم العاطف على حرف الاستفهام وإنما قدمت الهمزة لأن لها صدر الكلام وكلما ظرف زمان متضمن معنى الشرط وقد تقدم اعرابها {عاهَدُوا} فعل وفاعل {عَهْدًا} مفعول به وعاهدوا بمعنى أعطوا والمفعول الأول محذوف أي اعطوا اللّه عهدا ويجوز أن نعرب عهدا مفعولا مطلقا {نَبَذَهُ} فعل ومفعول به مقدم {فَرِيقٌ} فاعل {مِنْهُمْ} الجار والمجرور صفة لفريق {بَلْ} حرف إضراب وعطف {أَكْثَرُهُمْ} مبتدأ {لا يُؤْمِنُونَ} لا نافية وجملة: {لا يؤمنون} خبر أكثرهم والجملة الاسمية عطف على الجملة السابقة {وَلَمَّا} الواو عاطفة ولما ظرفية حينية أو رابطة {جاءَهُمْ} فعل ومفعول به {رَسُولٌ} فاعل وجملة: {جاءهم} في محل جر باضافة الظرف إليها أو لا محل لها {مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} الجار والمجرور صفة لرسول {مُصَدِّقٌ} صفة ثانية {لَمَّا} جار ومجرور متعلقان بمصدق {مَعَهُمْ} ظرف مكان متعلق بمحذوف صلة للموصول {نَبَذَ فَرِيقٌ} فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {مِنَ الَّذِينَ} الجار والمجرور صفة لفريق {أُوتُوا الْكِتابَ} فعل ماض ونائب فاعل ومفعول به ثان {كِتابَ اللَّهِ} مفعول نبذ {وَراءَ ظُهُورِهِمْ} مفعول ثان لنبذ لتضمنه معنى جعل أو ظرف مكان متعلق بمحذوف هو المفعول الثاني وقد تقدم القول فيه {كَأَنَّهُمْ لا يَعْلَمُونَ} كأن واسمها وجملة: {لا يعلمون} خبرها وجملة: {كأنهم} حالية.

.[سورة البقرة: آية 102]:

{واتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ وَما كَفَرَ سُلَيْمانُ وَلكِنَّ الشَّياطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبابِلَ هارُوتَ وَمارُوتَ وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَما هُمْ بِضارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَراهُ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ ما شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (102)}.

.اللغة:

{هارُوتَ وَمارُوتَ} علمان أعجميان بدليل منع الصرف ولو كانا من الهرت والمرت أي الكسر كما زعم بعضهم لا نصرفا وقد نسجت حولهما أساطير طريفة يرجع إليها في المطوّلات.
{خَلاقٍ} بفتح الخاء أي نصيب.
بابل: مدينة قديمة والمنع من الصرف للعلمية والعجمة وتقع أنقاضها على الفرات قرب الحلة شرقي بغداد.

.الإعراب:

{وَاتَّبَعُوا} الواو عاطفة واتبعوا فعل ماض وفاعل {ما} اسم موصول مفعول اتبعوا {تَتْلُوا الشَّياطِينُ} فعل مضارع وفاعل والجملة صلة الموصول {عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ} الجار والمجرور متعلقان بتتلو.
وسليمان مضاف إليه وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف للعلمية والعجمة وزيادة الألف والنون موقوفة على معرفة الاشتقاق {وَما كَفَرَ} الواو حالية أو استئنافية وما نافية {سُلَيْمانَ} فاعل كفر {وَلكِنَّ} الواو عاطفة ولكن حرف استدراك مشبه بالفعل {الشَّياطِينُ} اسم لكن {كَفَرُوا} الجملة الفعلية خبر لكن {يُعَلِّمُونَ} فعل مضارع والواو فاعل والجملة حالية أو خبر ثان {النَّاسَ} مفعول به أول {السِّحْرَ} مفعول به ثان {وَما أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ} الواو حرف عطف وما اسم موصول معطوف على السحر وجملة: {أُنْزِلَ} صلة ما والجار والمجرور متعلقان بأنزل {بِبابِلَ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {هارُوتَ وَمارُوتَ} بدل من الملكين {وَما} الواو استئنافية وما نافية {يُعَلِّمانِ} فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه ثبوت النون والألف فاعل {مِنْ أَحَدٍ} من حرف جر زائد وأحد مجرور لفظا منصوب محلا لأنه مفعول يعلمان {حَتَّى} حرف غاية وجر ومن الغريب أن يزعم أبو البقاء أنها تأتي بمعنى إلا ولم ترد في اللغة بهذا المعنى {يَقُولا} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى {إِنَّما} كافة ومكفوفة {نَحْنُ} مبتدأ {فِتْنَةٌ} خبر والجملة الاسمية في محل نصب مقول للقول: {فَلا تَكْفُرْ} الفاء هي الفصيحة ولا ناهية وتكفر فعل مضارع مجزوم بلا، أي إذا شئت اتباع الطريق السويّ فلا تكفر بتعلمه {فَيَتَعَلَّمُونَ} الفاء استئنافية وقال سيبويه هي عاطفة {مِنْهُما} جار ومجرور متعلقان بيتعلمون {ما} اسم موصول مفعول به {يُفَرِّقُونَ} الجملة صلة ما {بِهِ} جار ومجرور متعلقان بيفرقون {بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} الظرف متعلق بيفرقون أيضا {وَما} الواو حالية وما حجازية {هُمْ} اسمها {بِضارِّينَ} الباء حرف جر زائد وضارين مجرور لفظا خبر ما محلا {بِهِ} جار ومجرور متعلقان محل لها {ما} نافية أو حجازية {لَهُ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم أو خبر ما {فِي الْآخِرَةِ} الجار والمجرور في محل نصب حال {مِنْ} حرف جر زائد {خَلاقٍ} اسم مجرور بمن لفظا مبتدأ مؤخر أو اسم ما والجملة في محل رفع خبر من والجملة كلها في حيز النصب وقد سدت مفعولي علموا المعلقة عن العمل {وَلَبِئْسَ} الواو عاطفة واللام موطئة للقسم وبئس فعل ماض جامد لانشاء الذّمّ {ما} نكرة بمعنى شيء في محل نصب على التمييز مفسرة لفاعل بئس أي شيئا {شَرَوْا} فعل وفاعل والجملة صفة {بِهِ} جار ومجرور متعلقان بشروا {أَنْفُسَهُمْ} مفعول به {لَوْ} شرطية {كانُوا} كان واسمها وجملة {يُعَلِّمُونَ} خبرها وجواب لو محذوف أي لما أقدموا على ما اجترحوه من عمل مغاير.

.البلاغة:

في هذه الآية فن رفيع من فنون البلاغة وهو تنزيل العالم منزلة الجاهل فإن صدر الآية يدل على ثبوت العلم في أنه لا نفع لهم في اشتراء كتب السحر والشعوذة واختيارها على كتب اللّه وآخر الآية ينفي عنهم العلم فإن لو تدل على امتناع الثاني لامتناع الاول إلا أن نفي العلم عنهم لأمر خطابي نظرا إلى أنهم لا يعملون على مقتضى العلم ولكن في ذلك مبالغة من حيث الاشارة إلى أن علمهم بعدم الثواب كاف في الامتناع فكيف العلم بالذم والرداءة.