فصل: تفسير الآية رقم (2):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (2):

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آَمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنْ رَبِّهِمْ وَرِضْوَانًا وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (2)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

ولما استثنى بعض ما أحل على سبيل الإبهام شرع في بيانه، ولما كان منه ما نهى عن التعرض له لا مطلقًا، بل ما يبلغ محله، بدأ به لكونه في ذلك كالصيد، وقدم على ذلك عموم النهي عن انتهاك معالم الحج المنبه عليه بالإحرام، أو عن كل محرم في كل مكان وزمان، فقال مكررًا لندائهم تنويهًا بشأنهم وتنبيهًا لعزائمهم وتذكيرًا لهم بما ألزموه أنفسهم: {يا أيها الذين آمنوا} أي دخلوا في هذا الدين طائعين {لا تحلو شعائر الله} أي معالم حج بيت الملك الأعظم الحرام، أو حدوده في جميع الدين، وشعائر الحج أدخل في ذلك، والاصطياد أولاها.
ولما ذكر ما عممه في الحرم أو مطلقًا، أتبعه ما عممه في الزمان فقال: {ولا الشهر الحرام} أي فإن ذلك لم يزل معاقدًا على احترامه في الجاهلية والإسلام، ولعله وحده والمراد الجمع إشارة إلى أن الأشهر الحرم كلها في الحرمة سواء.
ولما ذكر الحرم والأشهر الحرم ذكر ما يهدى للحرم فقال: {ولا الهدي} وخص منه أشرفه فقال: {ولا القلائد} أي صاحب القلائد من الهدي، وعبر بها مبالغة في تحريمه؛ ولما أكد في احترام ما قصد به الحرم من البهائم رقّى الخطاب إلى من قصده من العقلاء، فإنه مماثل لما تقدمه في أن قصد البيت الحرام حامٍ له وزاجر عنه، مع ما زاد به من شرف العقل فقال: {ولا آمين} أي ولا تحلوا التعرض لناس قاصدين {البيت الحرام} لأن من قصد بيت الملك كان محترمًا باحترام ما قصده.
ولما كان المراد القصد بالزيارة بقوله: {يبتغون} أي حال كونهم يطلبون على سبيل الاجتهاد {فضلًا من ربهم} أي المحسن إليهم شكرًا لإحسانه، بأن يثيبهم على ذلك، لأن ثوابه لا يكون على وجه الاستحقاق الحقيقي أصلًا؛ ولما كان الثواب قد يكون مع السخط قال: {ورضوانًا} وهذا ظاهر في المسلم، ويجوز أن يراد به أيضًا الكافر، لأن قصده البيت الحرام على هذا الوجه يرق قلبه فيهيئه للإسلام، وعلى هذا فهي منسوخة.
ولما كان التقدير: فإن لم يكونوا كذلك.
أي في أصل القصد ولا في وصفه- فهم حل لكم وإن لم تكونوا أنتم حرمًا، والصيد حلال لكم، عطف عليه التصريح بما أفهمه التقييد فيما سبق بالإحرام فقال: {وإذا حللتم} أي من الإحرام بقضاء المناسك والإحصار {فاصطادوا} وترك الشهر الحرام إذ كان الحرام فيه حرامًا في غيره، وإنما صرح به تنويهًا بقدره وتعظيمًا لحرمته، ثم أكد تحريم قاصد المسجد الحرام وإن كان كافرًا، وإن كان على سبيل المجازاة بقوله: {ولا يجرمنكم} أي يحملنكم {شنئان قوم} أي شدة بغضهم.
ولما ذكر البغض أتبعه سببه فقال: {إن} على سبيل الاشتراط الذي يفهم تعبير الحكم به أنه سيقع، هذا في قراءة ابن كثير وأبي عمرو، والتقدير في قراءة الباقين بالفتح: لأجل أن {صدوكم} أي في عام الحديبية أو غيره {عن المسجد الحرام} أي على {أن تعتدوا} أي يشتد عدوكم عليهم بأن تصدوهم عنه أو بغير ذلك، فإن المسلم من لم يزده تعدي عدوه فيه حدود الشرع إلا وقوفًا عند حدوده، وهذا قبل نزول: {إنما المشركون نجس فلا يقربوا المسجد الحرام} [التوبة: 28] سنة تسع.
ولما نهاهم عن ذلك، وكان الانتهاء عن الحظوظ شديدًا على النفوس، وكان لذلك لابد في الغالب من منتهٍ وآبٍ، أمر بالتعاون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فقال: {وتعاونوا على البر} وهو ما اتسع وطاب من حلال الخير {والتقوى} وهي كل ما يحمل على الخوف من الله، فإنه الحامل على البر، فإن كان منكم من اعتدى فتعاونوا على رده، وإلا فازدادوا بالمعاونة خيرًا.
ولما كان المعين على الخير قد يعين على الشر قال تنبيهًا على الملازمة في المعاونة على الخير، ناهيًا أن يغضب الإنسان لغضب أحد من صديق أو قريب إلا إذا كان الغضب له داعيًا إلى بر وتقوى: {ولا تعانوا على الإثم} أي الذنب الذي يستلزم الضيق {والعدوان} أي المبالغة في مجاوزة الحدود والانتقام والتشفي وغير ذلك وكرر الأمر بالتقوى إشارة إلى أنها الحاملة على كل خير فقال: {واتقوا} أي الذي له صفات الكمال لذاته فلا تتعدوا شيئًا من حدوده؛ ولما كان كف النفس عن الانتقام وزجرها عن شفاء داء الغيظ وتبريد غلة الاحن في غاية العسر، ختم الآية بقوله: {إن الله} أي الملك الأعظم {شديد العقاب}. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى: لما حرم الصيد على المحرم في الآية الأولى أكد ذلك بالنهي في هذه الآية عن مخالفة تكاليف الله تعالى فقال: {يا َأَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله}.
واعلم أن الشعائر جمع، والأكثرون على أنها جمع شعيرة.
وقال ابن فارس: واحدها شعارة، والشعيرة فعيلة بمعنى مفعلة، والمشعرة المعلمة، والأشعار الأعلام، وكل شيء أشعر فقد أعلم، وكل شيء جعل علمًا على شيء أن علم بعلامة جاز أن يسمى شعيرة، فالهدي الذي يهدى إلى مكة يسمى شعائر لأنهت معلمة بعلامات دالة على كونها هديًا.
واختلف المفسرون في المراد بشعائر الله، وفيه قولان: الأول: قوله: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله} أي لا تخلوا بشيء من شعائر الله وفرائضه التي حدها لعباده وأوجبها عليهم، وعلى هذا القول فشعائر الله عام في جميع تكاليفه غير مخصوص بشيء معين، ويقرب منه قول الحسن: شعائر الله دين الله.
والثاني: أن المراد منه شيء خاص من التكاليف، وعلى هذا القول فذكروا وجوهًا: الأول: المراد لا تحلوا ما حرّم الله عليكم في حال إحرامكم من الصيد.
والثاني: قال ابن عباس: إن المشركين كانوا يحجون البيت ويهدون الهدايا ويعظمون المشاعر وينحرون، فأراد المسلمون أن يغيروا عليهم، فأنزل الله تعالى: {لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله} الثالث: قال الفراء: كانت عامة العرب لا يرون الصفا والمروة من شعائر الحج ولا يطوفون بهما، فأنزل الله تعالى: لا تستحلوا ترك شيء من مناسك الحج وائتوا بجميعها على سبيل الكمال والتمام.
الرابع: قال بعضهم: الشعائر هي الهدايا تطعن في أسنامها وتقلد ليعلم أنها هدى، وهو قول أبي عبيدة قال: ويدل عليه قوله تعالى: {والبدن جعلناها لَكُمْ مّن شعائر الله} [الحج: 36] وهذا عندي ضعيف لأنه تعالى ذكر شعائر الله ثم عطف عليها الهدى، والمعطوف يجب أن يكون مغايرًا للمعطوف عليه.
ثم قال تعالى: {وَلاَ الشهر الحرام} أي لا تحلو الشهر الحرام بالقتال فيه.
واعلم أن الشهر الحرام هو الشهر الذي كانت العرب تعظمه وتحرم القتال فيه، قال تعالى: {إِنَّ عِدَّةَ الشهور عِندَ الله اثنا عَشَرَ شَهْرًا فِي كتاب الله يَوْمَ خَلَقَ السموات والأرض مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ} [التوبة: 36] فقيل: هي ذو العقدة وذو الحجة والمحرم ورجب، فقوله: {وَلاَ الشهر الحرام} يجوز أن يكون إشارة إلى جميع هذه الأشهر كما يطلق اسم الواحد على الجنس، ويجوز أن يكون المراد هو رجب لأنه أكمل الأشهر الأربعة في هده الصفة.
ثم قال تعالى: {وَلاَ الهدى} قال الواحدي: الهدي ما أهدي إلى بيت الله من ناقة أو بقرة أو شاة، واحدها هدية بتسكين الدال، ويقال أيضًا هدية، وجمعها هدى.
قال الشاعر:
حلفت برب مكة والمصلى ** وأعناق الهدى مقلدات

ونظير هذه الآية قوله تعالى: {هَدْيًا بالغ الكعبة} [المائدة: 95] وقوله: {والهدى مَعْكُوفًا أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25]. اهـ.

.قال الألوسي:

{يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله} لما بين سبحانه حرمة إحلال الحرم الذي هو من شعائر الحج عقب جل شأنه ببيان (حرمة) إحلال سائر الشعائر، وهو جمع شعيرة، وهي اسم لما أشعر، أي جعل شعارًا وعلامة للنسك من (مواقف) الحج ومرامي الجمار والطواف والمسعى، والأفعال التي هي علامات الحاج يعرف بها (من) الإحرام والطواف والسعي والحلق والنحر، وإضافتها إلى الله تعالى لتشريفها وتهويل الخطب في إحلالها، والمراد منه التهاون بحرمتها، وأن يحال بينها وبني المتنسكين بها، وروي عن عطاء أنه فسر الشعائر بمعالم حدود الله تعالى وأمره ونهيه وفرضه، وعن أبي علي الجبائي أن المراد بها العلامات المنصوبة للفرق بين الحل والحرم، ومعنى إحلالها عنده مجاوزتها إلى مكة بغير إحرام، وقيل: هي الصفا والمروة، والهدي من البدن وغيرها، وروي ذلك عن مجاهد.
{وَلاَ الشهر الحرام} أي لا تحلوه بأن تقاتلوا فيه أعداءكم من المشركين كما روي عن ابن عباس وقتادة أو بالنسيء كما نقل عن القتيبي، والأول هو الأولى بحال المؤمنين.
واختلف في المراد منه فقيل: رجب، وقيل: ذو القعدة، وروي ذلك عن عكرمة، وقيل: الأشهر الأربعة الحرم، واختاره الجبائي والبلخي، وإفراده لإرادة الجنس {وَلاَ الهدى} بأن يتعرض له بالغصب أو بالمنع من أن يبلغ محله، والمراد به ما يهدى إلى الكعبة من إبل أو بقر أو شاء، وهو جمع هدية كجدي وجدية وهي ما يحشى تحت السرج والرحل، وخص ذلك بالذكر بناءًا على دخوله في الشعائر لأن فيه نفعًا للناس، ولأنه مال قد يتساهل فيه، وتعظيمًا له لأنه من أعظمها. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

{يا أيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَائِرَ الله وَلاَ الشهر الحرام وَلاَ الهدى وَلاَ القلائد ولا ءَامِّينَ البيت الحرام يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّن رَّبِّهِمْ ورضوانا}.
اعتراض بين الجمل التي قبله وبين جملة {وإذا حللتم فاصطادوا}.
ولذلك أعيد الخطاب بالنداء بقوله: {يا أيها الذين آمنوا}.
وتوجيه الخطاب إلى الذين آمنوا مع أنّهم لا يظنّ بهم إحلال المحرّمات، يدلّ على أنّ المقصود النهي عن الاعتداء على الشعائر الإلهية التي يأتيها المشركون كما يأتيها المسلمون.
ومعنى {لا تحلّوا شعائر الله} لا تحلّوا المحرّم منها بين الناس، بقرينة قوله: {لا تحلّوا}، فالتقدير: لا تحلّوا مُحرّم شعائرِ الله، كما قال تعالى في إحلال الشهر الحرام بعمل النسيء: {فيحلّوا ما حرّم الله} [التوبة: 37]؛ وإلاّ فمِن شعائر الله ما هو حلال كالحَلق، ومنها ما هو واجب.
والمحرّمات معلومة.
والشعائر: جمع شعيرة.
وقد تقدّم تفسيرها عند قوله تعالى: {إنّ الصفا والمروة من شعائر الله} [البقرة: 158].
وقد كانت الشعائر كلّها معروفة لديهم، فلذلك عدل عن عدّها هنا.
وهي أمكنة، وأزمنة، وذوات؛ فالصفا، والمروة، والمشعر الحرام، من الأمكنة.
وقد مضت في سورة البقرة.
والشهر الحرام من الشعائر الزمانية، والهدي والقلائد من الشعائر الذوات.
فعطف الشهر الحرام والهدي وما بعدهما من شعائر الله عطف الجزئيّ على كلّيّة للاهتمام به، والمراد به جنس الشهر الحرام، لأنَّه في سياق النفي، أي الأشهر الحرم الأربعة التي في قوله تعالى: {منها أربعة حُرُم... فلا تظلموا فيهنّ أنفسكم} [التوبة: 36].
فالتعريف تعريف الجنس، وهو كالنكرة يستوي فيه المفرد والجمع.
وقال ابن عطيّة: الأظهر أنّه أريد رجب خاصّة ليشتدّ أمر تحريمه إذ كانت العرب غير مجمعة عليه، فإنَّما خُصّ بالنهي عن إحلاله إذ لم يكن جميع العرب يحرّمونه، فلذلك كان يعرف برَجب مضر؛ فلم تكن ربيعة ولا إياد ولا أنمار يحرّمونه.
وكان يقال له: شهر بني أميّة أيضًا، لأنّ قريشًا حرّموه قبل جميع العرب فتبعتهم مضر كلّها لقول عوف بن الأحوص:
وشهرِ بني أميّة والهَدايا ** إذا حبست مُضرّجُها الدقاء

وعلى هذا يكون التعريف للعهد فلا يعمّ.
والأظهر أنّ التعريف للجنس، كما قدّمناه.
والهدي: هو ما يهدى إلى مناسك الحجّ لينحر في المنحر من مِنى، أو بالمروة، من الأنعام. اهـ.