فصل: قال الثعلبي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال الفخر:
في الآية قولان:
الأول: كان أحدهم إذا أراد سفرًا أو غزوًا أو تجارة أو نكاحًا أو أمرًا آخر من معاظم الأمور ضرب بالقداح، وكانوا قد كتبوا على بعضها: أمرني ربي، وعلى بعضها: نهاني ربي، وتركوا بعضها خاليًا عن الكتابة، فإن خرج الأمر أقدم على الفعل، وإن خرج النهي أمسك، وإن خرج الغفل أعاد العمل مرة أخرى، فمعنى الاستقسام بالأزلام طلب معرفة الخير والشر بواسطة ضرب القداح.
الثاني: قال المؤرخ وكثير من أهل اللغة: الاستقسام هنا هو الميسر المنهى عنه، والأزلام قداح الميسر، والقول الأول اختيار الجمهور. اهـ.
قال الفخر:
الأزلام القداح واحدها زلم، ذكره الأخفش.
وإنما سميت القداح بالأزلام لأنها زلمت أي سويت.
ويقال: رجل مزلم وامرأة مزلمة إذا كان خفيفًا قليل العلائق، ويقال قدح مزلم وزلم إذا ظرف وأجيد قده وصنعته، وما أحسن ما زلم سهمه، أي سواه، ويقال لقوائم البقر أزلام، شبهت بالقداح للطافتها. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ} معطوف على ما قبله، وأن في محل الرفع أي وحرم عليكم الإستقسام بالأزلام، والاستقسام طلب القسم والحكم من الأزلام وهي القداح التي لا ريش لها ولا نصل، واحدها زلم مثل عمر، وزلم وهي القداح.
قال الشاعر:
فلئن جذيمة قتّلت سرواتها ** فنساؤها يضربن بالأزلام

وكان استقسامهم بالأزلام على ما ذكره المفسّرون أن أهل الجاهلية إذا كان سفرًا أو غزوًا أو تجارة أو تزويجًا أو غير ذلك ضرب القداح وكانت قداحًا مكتوب على بعضها: نهاني ربي، وعلى بعضها: أمرني ربي، إن خرج الآمر مضى لأمره، وإن خرج الناهي أمسك.
وقال سعيد بن جبير: الأزلام حصى بيض كانوا يضربون بها.
أبو هشام عن زياد بن عبد اللّه عن محمد بن إسحاق قال: كانت هبل أعظم أصنام قريش بمكة، وكانت على بئر في جوف الكعبة وكانت تلك البئر هي التي يجمع فيها ما يهدى للكعبة وكانت عند هبل أقداح سبعة كل قدح منها فيه كتاب، قدح فيه: العقل، إذا اختلفوا في العقل من يحمله منهم ضربوا بالقداح السبعة فإن خرج العقل حمله، وقدح فيه: نعم، للأمر، إذا أرادوا أمرًا ضربوا به في القداح فإن خرج ذلك القدح فعلوا ذلك الأمر.
وقدح فيه: لا إذا أرادوا أمر يضربون فإن خرج قدح «لا» لم يفعلوا ذلك الأمر، وقدح فيه: منكم وقدح فيه: ملصق وقدح فيه: من غيركم، وقدح فيه المياه إذا أرادوا أن يحفروا للماء ضربوا بالقداح وفيها ذلك القداح فحيثما خرج عملوا به.
وكانوا إذا أرادوا أن يختتنوا غلامًا أو أن ينكحوا امرأة أو يدفنوا ميّتًا أو شكّوا في نسب خصمهم ذهبوا به إلى هبل وبمائة درهم وبجزور فأعطوها صاحب القداح الذي يضربها ثم قرّبوا صاحبهم الذي يريدون به ما يريدون ثم قالوا: يا إلهنا هذا فلان بن فلان قد أردنا به كذا وكذا فأخرج الحق، ثم يقولون لصاحب القداح: اضرب فيضرب، فإن خرج عليه: منكم، كان وسيطًا منهم وإن خرج عليه: من غيركم، كان حليفًا، وإن خرج عليه: ملصق، كان على منزلته منهم لا نسب له ولا حليف، وإن كان في شيء مما سوى هذا مما يعملون به كنعم عملوا به، فإن خرج: لا، أخّروا عامهم ذلك حتى يأتوه مرة أخرى ينتهون في أمورهم إلى ذلك مما خرجت به القداح. اهـ.

.قال السمرقندي:

{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ بالازلام} والأزلام القداح، واحدها زلم على ميزان قلم وأقلام، وذلك أن أهل الجاهلية كانوا يجتمعون عشرة أنفس ويشترون جزورًا، وجعلوا لحمه على تسعة أجزاء، وأعطى كل واحد منهم سهمًا من سهامه، فجمعوا السهام عند واحد منهم أو شيء من الأحجار، ثم يخرج هذا الرجل واحدًا واحدًا من السهام، فكل من خرج سهمه يأخذ جزءًا من ذلك اللحم، فإذا خرج تسعة من السهام لا يبقى شيء من اللحم، ولا يكون للذي بقي اسمه آخرًا شيء من اللحم، وكان ثمن الجزور كله عليه.
وكان نوع آخر أنهم كانوا يجعلون عشرة من القداح، وكان لكل واحد منها سهم، ولم يكن لثلاثة منها نصيب من اللحم، وهو السفيح والمنيح والوغد، وكان للسبعة لكل سهم نصيب وهو: القذ، والتوأم، والرقيب، والمعلى، والحلس، والناقس، والمسبل.
ويقال: كان إذا أراد واحد منهم السفر أخرج سهمين من القداح، في واحد منها مكتوب أمرني ربي، وفي الآخر نهاني ربي، فيخرج أحدهما، فإن خرج باسمه أمرني ربي وجب عليه الخروج ولم يجز له التخلف، وإن خرج الآخر لا يسعه الخروج، فنهى الله تعالى عن ذلك كله بقوله: {ذلكم فِسْقٌ}. اهـ.

.قال الألوسي:

{وَأَنْ تَسْتَقْسِمُواْ} جمع زلم كجمل أو زلم كصرد وهو القدح، أي وحرم عليكم الاستقسام بالاقداح وذلك أنهم كما روي عن الحسن.
وغيره إذا قصدوا فعلا ضربوا ثلاثة أقداح، مكتوب على أحدها أمرني ربي، وعلى الثاني نهاني ربي.
وأبقوا الثالث غفلًا لم يكتب عليه شيء فإن خرج الآمر مضوا لحاجتهم، وإن خرج الناهي تجنبوا، وإن خرج الغفل أجالوها ثانيًا، فمعنى الاستقسام طلب معرفة ما قسم لهم دون ما لم يقسم بالأزلام، واستشكل تحريم ما ذكر بأنه من جملة التفاؤل، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب الفأل.
وأجيب بأنه كان استشارة مع الأصنام واستعانة منهم كما يشير إلى ذلك ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما من أنهم إذا أرادوا ذلك أتوا بيت أصنامهم وفعلوا ما فعلوا فلهذا صار حرامًا، وقيل: لأن فيه افتراء على الله تعالى إن أريد بربي الله تعالى، وجهالة وشركًا إن أريد به الصنم، وقيل: لأنه دخول في علم الغيب الذي استأثر الله تعالى به، واعترض بأنالآنسلم أن الدخول في علم الغيب حرام، ومعنى استئثار الله تعالى بعلم الغيب انه لا يعلم إلا منه، ولهذا صار استعلام الخير والشر من المنجمين والكهنة ممنوعًا حرامًا بخلاف الاستخارة من القرآن فإنه استعلام من الله تعالى، ولهذا أطبقوا على جوازها.
ومن ينظر في ترتيب المقدمات أو يرتاض فهو لا يطلب إلا علم الغيب منه سبحانه فلو كان طلب علم الغيب حرامًالآنسد طريق الفكر والرياضة، ولا قائل به.
وقال الإمام رحمه الله تعالى: لو لم يجز طلب علم الغيب لزم أن يكون علم التعبير كفرًا لأنه طلب للغيب، وأن يكون أصحاب الكرامات المدعون للالهامات كفارًا، ومعلوم أن كل ذلك باطل، وتعقب القول بجواز الاستخارة بالقرآن بأنه لم ينقل فعلها عن السلف، وقد قيل: إن الإمام مالكًا كرهها.
وأما ما في فتاوي الصوفية نقلًا عن الزندوستي من أنه لا بأس بها وأنه قد فعلها علي كرم الله تعالى وجهه.
ومعاذ رضي الله تعالى عنه.
وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه قال: من أراد أن يتفاءل بكتاب الله تعالى فليقرأ {قُلْ هُوَ الله أَحَدٌ} [الإخلاص: 1] سبع مرات، وليقل ثلاث مرات: اللهم بكتابك تفاءلت، وعليك توكلت، اللهم أرني في كتابك ما هو المكتوم من سرك المكنون في غيبك، ثم يتفاءل بأول الصحيفة ففي النفس منه شيء.
وفي كتاب الأحكام للجصاص أن الآية تدل على بطلان القرعة في عتق العبيد لأنها في معنى ذلك بعينه إذا كان فيها إثبات ما أخرجته القرعة من غير استحقاق كما إذا أعتق أحد عبيده عند موته على ما بين في الفقه، ولا يرد أن القرعة في جازت في قسمة الغنائم مثلًا، وفي إخراج النساء لأنا نقول: إنها فيما ذكر لتطييب النفوس والبراءة من التهمة في إيثار البعض ولو اصطلحوا على ذلك جاز من غير قرعة، وأما الحرية الواقعة على واحد من العبيد فيما نحن فيه فغير جائز نقلها عنه إلى غيره، وفي استعمال القرعة النقل، وخالف الشافعي في ذلك، فجوز القرعة في العتق كما جوزها في غيره، وظواهر الأدلة معه وتحقيق ذلك في موضعه.
والحق عندي أن الاستقسام الذي كان يفعله أهل الجاهلية حرام بلا شبهة كما هو نص الكتاب، وأن حرمته ناشئة من سوء الاعتقاد، وأنه لا يخلو عن تشاؤم، وليس بتفاؤل محض، وإن مثل ذلك ليس من الدخول في علم الغيب أصلًا بل هو من باب الدخول في الظن، وأن الاستخارة بالقرآن مما لم يرد فيها شيء يعول عليه عن الصدر الأول، وتركها أحب إلي لاسيما وقد أغنى الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها بما سن من الاستخارة الثابتة في غير ما خبر صحيح، وأن تصديق المنجمين فيما ليس من جنس الخسوف والكسوف مما يخبرون به من الحوادث المستقبلة محظور وليس من علم الغيب ولا دخولًا فيه، وإن زعمه الزجاج لبنائه على الأسباب، ونقل الشيخ محيي الدين النووي في «شرح مسلم» عن القاضي كانت الكهانة في العرب ثلاثة أضرب.
أحدها: أن يكون للإنسان رئي من الجن يخبره به بما يسترقه من السمع من السماء، وهذا القسم بطل من حين بعث الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم الثاني: أن يخبره بما يطرأ ويكون في أقطار الأرض وما خفي عنه مما قرب أو بعد، وهذا لا يبعد وجوده، ونفت المعتزلة.
وبعض المتكلمين هذين الضربين وأحالوهما، ولا استحالة في ذلك ولا بعد في وجوده لكنهم يصدقون ويكذبون، والنهي عن تصديقهم والسماع منهم عام، الثالث: المنجمون وهذا الضرب بخلق الله تعالى في بعض الناس قوة مّا لكن الكذب فيه أغلب، ومن هذا الفن العرافة فصاحبها عرّاف وهو الذي يستدل على الأمور بأسباب ومقدمات يدعي معرفتها بها كالزجر.
والطرق بالحصى وهذه الأضرب كلها تسمى كهانة، وقد أكذبهم الشرع ونهى عن تصديقهم وإتيانهم انتهى.
ولعل النهي عن ذلك لغلبة الكذب في كلامهم ولأن في تصديقهم فتح باب يوصل إلى لظى إذ قد يجر إلى تعطيل الشريعة والطعن فيها لاسيما من العوام، واستثناء ما هو من جنس الكسوف والخسوف لندرة خطئهم فيه بل لعدمه إذا أمكنوا الحساب، ولا كذلك ما يخبرون به من الحوادث إذ قد بنوا ذلك على أوضاع السيارات بعضها مع بعض، أو مع بعض الثوابت ولا شك أن ذلك لا يكفي في الغرض والوقوف على جميع الأوضاع، وما تقتضيه مما يتعذر الوقوف عليه لغير علام الغيوب فليفهم، وقيل: المراد بالاستقسام استقسام الجزور بالأقداح على الأنصباء المعلومة أي طلب قسم من الجزور أو ما قسمه الله تعالى له منه، وهذا هو الميسر وقد تقدم بيانه، وروى ذلك علي بن إبراهيم عن الأئمة الصادقين رضي الله تعالى عنهم، ورجح بأنه يناسب ذكره مع محرمات الطعام، وروي عن مجاهد أنه فسر الأزلام بسهام العرب وكعاب فارس التي يتقامرون بها.
وعن وكيع أنها أحجار الشطرنج. اهـ.

.قال في الميزان:

قوله تعالى: {وأن تستقسموا بالأزلام}
والأزلام هي القداح، والاستقسام بالقداح أن يؤخذ جزور- أو بهيمة أخرى- على سهام ثم يضرب بالقداح في تشخيص من له سهم ممن لا سهم له، وفي تشخيص نفس السهام المختلفة وهو الميسر، وقد مر شرحه عند قوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر...} الآية (البقرة: 219) في الجزء الثاني من هذا الكتاب.
قال الراغب: القسم إفراز النصيب يقال: قسمت كذا قسما وقسمة، وقسمة الميراث وقسمة الغنيمة تفريقهما على أربابهما، قال: {لكل باب منهم جزء مقسوم}.