فصل: (سورة البقرة: الآيات 183- 185):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة البقرة: الآيات 183- 185]:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (183) أَيَّامًا مَعْدُوداتٍ فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (184) شَهْرُ رَمَضانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّناتٍ مِنَ الْهُدى وَالْفُرْقانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كانَ مَرِيضًا أَوْ عَلى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (185)}.

.اللغة:

{الصِّيامُ} في اللغة الإمساك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح والسير، وله مصدران: صوم وصيام، وصامت الريح:
ركدت، وصامت الشمس: كبدت أي كانت في كبد السماء، وصامت الدّابّة: أمسكت عن الجري، قال النابغة الذبياني:
خيل صيام وخيل غير صائمة ** تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما

أي ممسكة عن الجري ثم خصّصه الإسلام بالمعنى المعروف له.
{رمضان} في الأصل مصدر رمض إذا احترق من الرمضاء، فأضيف إليه وجعل علما ومنع من الصرف للعلمية وزيادة الألف والنون، والمناسبة بين معناه وعبادة الصائم واضحة والعرب يضيفون لفظ شهر إلى كل من أسماء الشهر المبتدئة براء كربيع ورمضان ولم يستثن من ذلك سوى رجب فلا يضيفون إليه لفظ شهر وقد نظم بعضهم ذلك فقال:
ولا تضف شهرا إلى اسم شهر ** إلّا لما أوّله الرّا فادر

واستثن منه رجبا فيمتنع ** لأنه فيما رووه قد سمع

والمسألة على كل حال خلافية فعليك بالأحوط.

.الإعراب:

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} تقدم إعرابها {كُتِبَ} فعل ماض مبني على الفتح وهو مبني للمجهول أي فرض {عَلَيْكُمُ} الجار والمجرور متعلقان بكتب {الصِّيامُ} نائب فاعل كتب {كَما كُتِبَ} تقدم إعرابها، والجار والمجرور صفة لمصدر محذوف أو حال كما اختاره سيبويه {عَلَى الَّذِينَ} الجار والمجرور متعلقان بكتب {مِنْ قَبْلِكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف لا محل له لأنه صلة الموصول وجملة النداء وما تلاها مستأنفة مسوقة لبيان مشروعية الصيام {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} جملة الرجاء حالية وجملة: {تتقون} خبر لعل {أَيَّامًا} ظرف متعلق بالصيام في الظاهر ولكن فيه فصلا بين المصدر وصلته، وقد منع النحاة ذلك، ولهذا نرجح نصبه بفعل محذوف يدل عليه ما قبله والتقدير صوموا أياما {مَعْدُوداتٍ} صفة للأيام وعلامة نصبه الكسرة لأنه جمع مؤنث سالم، والتنوين يفيد القلة تسهيلا على المكلفين {فَمَنْ} الفاء الفصيحة ومن اسم شرط جازم مبتدأ {كانَ} فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط واسمها ضمير مستتر تقديره هو {مِنْكُمْ} جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال {مَرِيضًا} خبر كان {أَوْ} حرف عطف {عَلى سَفَرٍ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف معطوف على {مريضا} والاستعلاء جميل هنا أي مستعليا على السفر مليا به، فهو حال أيضا {فَعِدَّةٌ} الفاء رابطة لجواب الشرط وعدة مبتدأ خبره محذوف أي فعليه عدة، أو خبر لمبتدأ محذوف تقديره فالحكم عدة، والجملة الاسمية المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر من {مِنْ أَيَّامٍ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لعدة {أُخَرَ} صفة لايام وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف، وسيأتي حكمه في باب الفوائد {وَعَلَى الَّذِينَ} الواو عاطفة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم {يُطِيقُونَهُ} فعل مضارع والواو فاعل والهاء مفعول به والجملة لا محل لها لأنها صلة الموصول أي يتكلفونه بجهد ومشقة {فِدْيَةٌ} مبتدأ مؤخر {طَعامُ مِسْكِينٍ} بدل مطابق من فدية ومسكين مضاف إليه {فَمَنْ} الفاء استئنافية ومن اسم شرط جازم مبتدأ {تَطَوَّعَ} فعل ماض وهو فعل الشرط وفاعله مستتر تقديره هو {خَيْرًا} منصوب بنزع الخافض أي بالزيادة على القدر المذكور في الفدية، ولك أن تعربه صفة لمصدر محذوف فهو مفعول مطلق نابت عنه صفته أي تطوعا خيرا {فَهُوَ} الفاء رابطة لجواب الشرط لأنه جملة اسمية، وهو مبتدأ {خَيْرٌ} خبر {لَهُ} الجار والمجرور متعلقان بخير لأنه اسم تفضيل ورد على غير القياس، والجملة الاسمية المقترنة بالفاء في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر من {وَأَنْ تَصُومُوا} الواو استئنافية مسوقة لتقرير الافضلية، وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مبتدأ {خَيْرٌ} خبره {لَكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بخير {أَنْ} شرطية {كُنْتُمْ} فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط والتاء اسمها {تَعْلَمُونَ} الجملة الفعلية في محل نصب خبر كنتم، وجواب الشرط محذوف، وقد تقدمت نماذج له، والجملة الشرطية تفسيرية للخبرية كأنه قال: شرع لكم هذه الاحكام جميعها إيثارا لخيركم، فإن شئتم الخير فافعلوها ولا تخلوا بها {شَهْرُ رَمَضانَ} خبر لمبتدأ محذوف ورمضان مضاف إليه {الَّذِي} صفة لشهر {أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ} الجملة الفعلية لا محل لها لأنها صلة الموصول، والقرآن نائب فاعل {هدًى} حال أي هاديا {لِلنَّاسِ} الجار والمجرور متعلقان بهدى أو صفة لهدى {وَبَيِّناتٍ} عطف على هدى فهو حال أيضا {مِنَ الْهُدى} صفة لبينات {وَالْفُرْقانِ} عطف على الهدى، أي الفارق بين الحق والباطل {فَمَنْ} الفاء الفصيحة أي إذا شئتم معرفة حكم التشريع فيه، ومن اسم شرط جازم مبتدأ {شَهِدَ} فعل ماض في محل جزم فعل الشرط وفاعله مستتر يعود على من {مِنْكُمُ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال {الشَّهْرَ} منصوب على الظرفية ولا يكون مفعولا به لأنه المقيم والمسافر كلاهما شاهد للشهر {فَلْيَصُمْهُ} الفاء رابطة لجواب الشرط لان الجملة طلبية واللام لام الأمر ويصم فعل مضارع مجزوم باللام والهاء ضمير الظرف ولا ينصب على الظرفية ولا يجوز أن يكون مفعولا به فهو منصوب بنزع الخافض أي فليصم فيه والجملة الطلبية في محل جزم جواب الشرط، وفعل الشرط وجوابه خبر من {وَمَنْ} الواو عاطفة من اسم شرط جازم في محل رفع مبتدأ {كانَ} فعل ماض ناقص في محل جزم فعل الشرط واسمها ضمير مستتر تقديره هو {مَرِيضًا} خبر كان {أَوْ عَلى سَفَرٍ} عطف على {مريضا} وقد تقدم القول به فجدد به عهدا {فَعِدَّةٌ} الفاء رابطة لجواب الشرط وعدة مبتدأ خبره محذوف أي فعليه عدة، والجملة في محل جزم جواب الشرط {مِنْ أَيَّامٍ} متعلقان بمحذوف صفة لعدة {أُخَرَ} صفة لايام مجرور بالفتح لأنه ممنوع من الصرف وسيأتي حكمه {يُرِيدُ اللَّهُ} فعل مضارع وفاعله والجملة لا محل لها لأنها تعليل كما سيأتي في باب البلاغة {بِكُمُ} الجار والمجرور متعلقان بيريد {الْيُسْرَ} مفعول به {وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} الجملة عطف على سابقتها {وَلِتُكْمِلُوا} الواو عاطفة واللام لام التعليل، تكلموا فعل مضارع منصوب بأن المضمرة بعدها واللام ومجرورها متعلقان بفعل محذوف أي شرع {الْعِدَّةَ} مفعول به {وَلِتُكَبِّرُوا} عطف على قوله لتكملوا {اللَّهُ} نصب لفظ الجلالة على نزع الخافض أي للّه ولك أن تعربه مفعولا به على تضمين تكبروا معنى تحمدوا والدليل عليه قوله: {عَلى ما هَداكُمْ} فالتعدي بالاستعلاء لا يكون إلا للحمد وما مصدرية مؤولة مع ما بعدها بمصدر مجرور بعلى، والجار والمجرور متعلقان بتكبروا أي على هدايته إياكم {وَلَعَلَّكُمْ} عطف على ما تقدم ولعل واسمها {تَشْكُرُونَ} الجملة خبر لعل.

.البلاغة:

اللف والنشر، في قوله تعالى: {يريد اللّه بكم اليسر} إلخ.
وهو يبدو هنا كأخذة السحر لا يملك معه البليغ أن يأخذ أو يدع وقلّ من ينتبه له، فقوله: {لتكملوا العدة} علة للأمر بمراعاة العدة، وقوله: {ولتكبروا اللّه} علة للأمر بالقضاء، وقوله: {ولعلكم تشكرون} علة للترخيص والتيسير، وقد تقدم القول فيه، ونزيده بسطا فنقول:
انه ضربان: أولهما أن يكون النشر على ترتيب اللف، وثانيهما أن يكون على غير ترتيب اللف، ويعتمد فيه على ذكاء السامع وذوقه، وسيأتي منه ما يخلب العقول.

.الفوائد:

{أُخَرَ} تكون على نوعين:
- جمع أخرى تأنيث آخر وهي اسم تفضيل لا ينصرف لعلتين هما الوصفية والعدل، ومعنى العدل أنه عدل عن الألف واللام، وذلك أنها اسم تفضيل ولاسم التفضيل ثلاث حالات:
آ- مقترن بأل.
ب- مقترن بمن الجارة.
ج- مضاف.
ولما كانت أخر لم تقترن بشيء وليست مضافة قدر عدلها عن الألف واللام.
- جمع أخرى بمعنى آخرة وهي منصرفة لفقدان علة العدل.
مناقشة لابد منها:
اختلف المفسرون في تأويل قوله تعالى: {وعلى الذين يطيقونه} إلخ اختلافا شديدا لا يتسع المجال للاسهاب فيه، فنقتبس ما قالوه بطريق الإلماع، ثم ندلي بما عنّ لنا واللّه الملهم إلى السّداد.
القول بالنسخ:
فمنهم من قال: إن الحكم فيها منسوخ بالآية بعدها {فمن شهد منكم الشهر فليصمه} والرخصة فيها للمريض والمسافر، وهو ما اختاره الامام الطّبري في تفسيره الكبير ونقله الزمخشري في كشافه وأبو حيان في البحر، مع التصريح بأن هذا قول أكثر المفسرين، على أن الامام الطّبري نقل كذلك قول من قالوا، لم ينسخ ذلك وهو حكم مثبت من لدن نزلت هذه الاية إلى قيام الساعة.
رأي ابن كثير:
واحترز ابن كثير فقال بعد تلخيص أقوال المفسرين قبله: فحاصل الأمر أن النسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بايجاب الصيام عليه، وأما الشيخ الفاني الهرم الذي لا يستطيع الصيام فله أن يفطر ولاقضاء عليه لأنه ليست له حال يصير إليها ويتمكن من القضاء.
الزمخشري متردّد:
وتردد الزمخشري بين القول بالنسخ وبين أن يكون تأويل الاية على تقدير: ومن يتكلفونه على جهد منهم وعسر، وهم الشيوخ والعجائز، وحكم هؤلاء الإفطار والفدية وهو على هذا الوجه غير منسوخ.
ومشكلة زيادة لا:
على أن القائلين بعدم النسخ ذهبوا في تأويل الآية مذاهب شتى، فمنهم من صرح بأنها على تقدير حذف لا النافية، وهي مرادة، ونقلوا عن ابن عباس قوله لا رخصة إلا للذي لا يطيق الصوم، وعن عطاء: هو الكبير الذي لا يستطيع بجهد ولا بشيء من الجهد، وأما من استطاع بجهد فليصم ولا عذر له في تركه، وقال ابو حيان في البحر: وجوز بعضهم أن تكون لا محذوفة فيكون الفعل منفيا وتقديره: وعلى الذين لا يطيقونه حذف لا وهي مرادة.
أبو حيان يخطّئ القائلين بالحذف:
واستطرد أبو حيان معقبا فقال: وتقدير لا خطأ. لأنه مكان اليأس، وعلى ذلك درج الجلال.
الفقهاء لا يختلفون في جواز الفطر للشيخ والمريض:
ولا نعلم خلافا بين الفقهاء في جواز الفطر والفدية للشيخ الهرم والمريض الذي لا يرجى برؤه، لكنهم اختلفوا في المرضع والحامل قياسا على الشيخ الهرم فالإمام الشافعي قال بالفدية قياسا على الشيخ الهرم، وأوجب عليهما القضاء مع الفدية أما الامام أبو حنيفة فأوجب على الحامل والمرضع- إذا خافتا على الوليد- القضاء لا الفدية، وأبطل القياس على الشيخ الهرم لأنه لا يجب عليه القضاء.
نستبعد حذف لا:
على أننا نستبعد أن تكون لا محذوفة هنا وهي مرادة، فالآية من آيات التشريع والأحكام، والفعل فيها مثبت، وتأويلها على تقدير لا محذوفة ينقض الإثبات بالنفي ولو كانت الفدية على من لا يطيقونه لأخذ حرف النفي مكانه في نص الحكم الشرعي، ولم يدع لنا مجالا للاختلاف على تأويله بين النقيضين من اثبات ونفي أما الطاقة فهي في العربية أقصى الجهد ونهاية الاحتمال واستعمال القرآن الطاقة اسما وفعلا يؤذن بأنها مما يستنفد الجهد وطاقة الاحتمال، كما تشهد بذلك آياتها الثلاث، وكلها من سورة البقرة:
1- {قالوا لا طاقة لنا اليوم بجالوت وجنوده}.
2- {ربنا ولا تحملنا مالا طاقة لنا به}.
3- {وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين}.
فندرك أن الأمر في احتمال الصوم إذا جاوز الطاقة، وخرج إلى ما لا يطاق سقط التكليف لأنه لا تكليف شرعا بما لا يطاق، واللّه سبحانه لا يكلف نفسا إلا وسعها.
3- قد يشرب العرب لفظا معنى لفظ، فيعطى حكمه ويسمى ذلك تضمينا، كما ضمن {لتكبروا} معنى تحمدوا ومنه قول الفرزدق:
كيف تراني قالبا مجني؟ ** قد قتل اللّه زيادا عنّي

فضمن قتل معنى صرف الصرف وذلك كثير في كلامهم.

.[سورة البقرة: الآيات 186- 187]:

{وإِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ (186) أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ فَتابَ عَلَيْكُمْ وَعَفا عَنْكُمْ فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا ما كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوها كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آياتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (187)}.

.اللغة:

{الرفث} بفتحتين: كلام يقع وقت الجماع بين الرجال والنساء، يستقبح ذكره في وقت آخر، وأطلق على الجماع للزومه له غالبا، وفي المصباح: رفث في منطقه رفثا من باب طلب، ويرفث بالكسر لغة. والرفث: النكاح لقوله تعالى: {أحل لكم ليلة الصيام الرفث إلى نسائكم}. وفي الأساس واللسان: وقيل: الرفث بالفرج الجماع، وباللسان المواعدة للجماع، وبالعين الغمز للجماع. والأصل في تعدية الرفث بالباء، وإنما جاءت تعدية في الآية بإلى لتضمينه معنى الإفضاء.
{تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} تخونون أنفسكم وتنقصونها حظها من الخير، واشتقاق الاختيان من الخيانة كالاكتساب من الكسب وفيه زيادة وشدّة.

.الإعراب:

{وَإِذا} الواو استئنافية والجملة استئنافية مسوقة لبيان أنه سبحانه يجيب كل من دعاه {سَأَلَكَ} فعل ماض والكاف مفعوله {عِبادِي} فاعل والجملة في محل جر بالإضافة {عَنِّي} الجار والمجرور متعلقان بسألك {فَإِنِّي} الفاء رابطة لجواب وإن واسمها {قَرِيبٌ} خبرها والجملة لا محل لها لأنها جواب شرط غير جازم {أُجِيبُ} فعل مضارع مرفوع وفاعله ضمير مستتر تقديره أنا والجملة الفعلية خبر ثان {دَعْوَةَ} مفعول به {الدَّاعِ} مضاف إليه مجرور وعلامة جره الكسرة المقدرة على الياء المحذوفة، وقد جرت عادة القراء على إسقاط الياء من الداع ودعاني لأنها لم تثبت لها صورة عندهم في المصحف، فمن القراء من أسقطها تبعا للرسم وقفا ووصلا، ومنهم من أثبتها في الحين ومنهم من أثبتها وصلا وحذفها وقفا {إِذا} الظرف متعلق بأجيب {دَعانِ} الجملة في محل جر بالإضافة {فَلْيَسْتَجِيبُوا} الفاء الفصيحة واللام لام الأمر ويستجيبوا فعل مضارع مجزوم بلام الأمر أي فليطلبوا إجابتي لأن السين والتاء في استفعل للطلب، والمعنى فليستجيبوا إلي بالطاعة، يقال منه: استجبت له واستجبته بمعنى أجبته قال:
وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ** فلم يستجبه عند ذاك مجيب

{لِي} الجار والمجرور متعلقان بيستجيبوا {وَلْيُؤْمِنُوا بِي} عطف على قوله فليستجيبوا لي {لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} لعلّ واسمها، وجملة الرجاء حالية {أُحِلَّ} فعل ماض مبني للمجهول {لَكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بأحل {لَيْلَةَ الصِّيامِ} الظرف ظاهر الكلام أنه متعلق بأحل، وقد أعربه الكثيرون كذلك، وفيه أن الإحلال ثابت قبل ذلك الوقت، فالأولى تقديره بمحذوف مدلول عليه بلفظ الرفث، أي أن ترفثوا، ولم نعلقه بالرفث لأن فيه تقديم معمول الصلة المفهومة من ال على الموصول {الرَّفَثُ} نائب فاعل لأحل {إِلى نِسائِكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بالرفث وجملة: {أُحِلَّ} وما تلاها مستأنفة مسوقة لإزالة اللبس. وإيضاح ذلك أنه كان في مستهل الأمر إذا أفطر الرجل حلّ له الطعام والشراب والجماع إلى أن يصلي العشاء الآخرة أو يرقد قلبها. فإذا صلاها أو رقد حرم عليه ذلك إلى الليلة القابلة. ثم إن عمر بن الخطاب واقع أهله بعد صلاة العشاء الآخرة، فلما اغتسل أخذ يبكي ويلوم نفسه، فأتى النبي صلى اللّه عليه وسلم وقال: يا رسول اللّه إني أعتذر إلى اللّه وإليك من نفسي هذه الخاطئة، وأخبره بما فعل، فقال عليه الصلاة والسلام: ما كنت جديرا بذلك يا عمر.
فنزلت {هُنَّ} ضمير منفصل في محل رفع مبتدأ {لِباسٌ} خبر {لَكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لباس والجملة مفسرة لا محل لها لبيان سبب الإحلال {وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَّ} عطف على سابقتها {عَلِمَ اللَّهُ} الجملة تعليل لسبب نزول الآية: {أَنَّكُمْ} أن واسمها {كُنْتُمْ} فعل ماض ناقص والتاء اسمها {تَخْتانُونَ أَنْفُسَكُمْ} الجملة الفعلية خبر كنتم.
وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي علم {وَعَفا عَنْكُمْ} عطف على جملة علم اللّه {فَالْآنَ} عطف على محذوف مقدر أي فتبتم فتاب عليكم والآن ظرف زمان متعلق بباشروهنّ {بَاشِرُوهُنَّ} فعل أمر وفاعل ومفعول به {وَابْتَغُوا} عطف على باشروهن {ما} اسم موصول في محل نصب مفعول به {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} فعل وفاعل والجملة لا محل لها لأنها صلة ما {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} الواو استئنافية مسوقة لتعميم الحكم، نزلت في صرمة بن قبس، وذلك أنه كان يعمل في أرض له وهو صائم، فلما أمسى رجع إلى أهله فقال: هل عندك من طعام؟ فقالت: لا، وأخذت تصنع له طعاما، فأخذه النوم من التعب، فكره أن يأكل خوفا من اللّه، فأصبح صائما مجهودا في عمله مكدودا، فلم يكد ينتصف النهار حتى غشي عليه، فلما أفاق أتى إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم وأخبره بما وقع، فنزلت الآية: {حَتَّى} حرف غاية وجر {يَتَبَيَّنَ} فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد حتى، والمصدر المنسبك من أن والفعل متعلقان بكلوا {لَكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بيتبين {الْخَيْطُ} فاعل {الْأَبْيَضُ} صفة، وهو أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق كالخيط الممدود {مِنَ الْخَيْطِ} الجار والمجرور متعلقان بيتبين، وجاز تعليق الحرفين بفعل واحد وإن اتحد لفظاهما لاختلاف معنييهما {الْأَسْوَدِ} صفة {مِنَ الْفَجْرِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال، أي حال كون الأبيض هو الفجر. روى البخاري ومسلم عن عدي ابن حاتم قال: لما نزلت عمدت إلى عقال أسود وعقال أبيض فجعلتهما تحت وسادتي، وجعلت أنظر في الليل فلا يستبين لي، فغدوت إلى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فذكرت له ذلك، فقال: إنما ذلك سواد الليل وبياض النهار. وسيأتي مزيد بيان لذلك في باب البلاغة.
{ثُمَّ أَتِمُّوا} ثم حرف عطف للترتيب مع التراخي، وأتموا فعل أمر مبني على حذف النون والواو فاعل {الصِّيامِ} مفعول به {إِلَى اللَّيْلِ} الجار والمجرور متعلقان بأتموا {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} الواو عاطفة، ولا ناهية، وتباشروهن فعل مضارع مجزوم بلا {وَأَنْتُمْ} الواو للحال، وأنتم مبتدأ {عاكِفُونَ} خبر {فِي الْمَساجِدِ} جار ومجرور متعلقان بعاكفون والجملة الاسمية حالية {تِلْكَ} اسم إشارة مبتدأ {حُدُودُ اللَّهِ} خبر ومضاف إليه وجملة: {تلك} استئنافية {فَلا تَقْرَبُوها} الفاء الفصيحة، ولا ناهية، وتقربوها فعل مضارع مجزوم بلا، أي إذا شئتم السلامة بأنفسكم فانتهوا ولا تقربوها، فقد كان بعضهم يخرج وهو معتكف ويجامع امرأته ويعود والجملة استئنافية {كَذلِكَ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف مفعول مطلق أو حال {يُبَيِّنُ اللَّهُ} فعل مضارع وفاعله {آياتِهِ} مفعول به والجملة استئنافية {لِلنَّاسِ} الجار والمجرور متعلقان بيبين {لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} لعل واسمها، وجملة: {يتقون} خبرها، وجملة الرجاء حالية.