فصل: من فوائد الشوكاني في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال البغوي: وهذا القول أصح في سبب نزولها.
وأما التفسير فقوله تعالى: {يسألونك} يعني يسألك أصحابك يا محمد ما الذي أحل لهم أكله من المطاعم والمآكل كأنهم لما تلا عليهم من خبائث المآكل ما تلا سألوا عما أحل لهم {قل أحل لكم الطيبات} يعني قل لهم يا محمد أحل لكم الطيبات يعني: ما ذبح عن أسم الله عز وجل.
وقيل: الطيبات كل ما تستطيبه العرب وتستلذه من غير أن يرد بتحريمه نص من كتاب أو سنة.
واعلم: أن العبرة في الاستطابة والاستلذاذ بأهل المروءة والأخلاق الجميلة من العرب، فإن أهل البادية منهم يستطيبون أكل جميع الحيوانات فلا عبرة بهم لقوله تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} فإن الخبيث غير مستطاب، فصارت هذه الآية الكريمة نصًا فيما يحل ويحرم من الأطعمة.
وقوله تعالى: {وما علمتم من الجوارح مكلبين} يعني وأحل صيد ما علمتم من الجوارح فحذف ذكر الصيد وهو مراد في الكلام لدلالة الباقي عليه ولأنهم سألوا عن الصيد وقيل: إن قوله وما علمتم من الجوارح ابتداء كلام خبره فكلوا مما أمسكن عليكم وعلى هذا القول يصح معنى الكلام من غير إضمار.
والجوارح: جمع جارحة وهي الكواسب من: السباع والطير كالفهد والنمر والكلب والبازي والصقر والعقاب والشاهين والباشق من الطير مما يقبل التعليم سميت جوارح من الجرح لأنها تجرح الصيد عند إمساكه وقيل: سميت جوارح لأنها تكسب.
والجوارح: الكواسب من جرح واجترح إذا اكتسب ومنه قوله تعالى: {الذين اجترحوا السيئات} يعني اكتسبوا وقوله ويعلم ما جرحتم بالنهار أي اكتسبتم مكلبين يعني معلمين.
والمكلب: هو الذي يغري الكلاب على الصيد.
وقيل: هو مؤدِّب الجوارح ومعلمها وإنما اشتق له هذا الاسم من الكلب، لأنه أكثر احتياجًا إلى التعليم من غيره من الجوارح.
{تعلمونهن} يعني تعلمون الجوارح الاصطياد {مما علمكم الله} يعني من العلم الذي علمكم الله، ففي الآية دليل على أنه لا يجوز صيد جارحة ما لم تكن معلمة.
وصفة التعليم هو أن الرجل يعلم جارحة الصيد وذلك أن يوجد فيها أمور منها: أنه إذا أشليت على الصيد استشلت وإذا زجرت انزجرت وإذا أخذت الصيد أمسكت ولم تأكل منها شيئًا ومنها أن لا ينفر منه إذا أراده وأن يجيبه إذا دعاه فهذا هو تعليم جميع الجوارح فإذا وجد ذلك منها مرارًا كانت معلمة وأقلها ثلاث مرات فإنه يحل قتلها إذا جرحت بإرسال صاحبها (ق).
عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت إنا قوم نصيد بهذه الكلاب؟ فقال «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل مما أمسك عليك إلا أن يأكل الكلب فلا تأكل فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه وإن خالط كلابًا لم يذكر اسم الله عليه فأمسكن وقتلن فلا تأكل فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره».
وفي رواية: فإنك لا تدري أيها قتل وسألته عن الصيد المعراض، فقال: إذا أصبت بحده فكل وإذا أصبت بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل وإذا رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكُلْ فإن وقع في المال فلا تأكل.
واختلف العلماء فيما إذا أخذت الكلاب الصيد وأكلت منه شيئًا فذهب أكثر أهل العلم إلى تحريمه ويروى ذلك عن ابن عباس وهو قول عطاء وطاوس الشعبي وبه قال الثوري وابن المبارك وأصحاب الرأي وهو أصح قول الشافعي ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: «وإن أكل فلا تأكل فإنما أمسك على نفسه» ورخص بعضهم في أكله يروي ذلك عمر وسلمان الفارسي وسعد بن أبي وقاص وبه قال مالك لما روي عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في صيد الكلب «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه». أخرجه أبو داود.
وأما غير المعلم من الجوارح إذا أخذت صيدًا أو المعلم إذا خرج بغير إرسال صاحبه فأخذ وقتل فإنه لا يحل إلا أن يدركه حيًا فيذبحه فيحل (ق).
عن أبي ثعلبة الخشني قال: قلت يا رسول الله أنا بأرض قوم أهل الكتاب أفنأكل في آنيتهم وبأرض صيد أصيد بقوسي وبكلبي الذي ليس بمعلم فما يصلح لي؟ قال: «أما ما ذكرت من آنية أهل الكتاب فأن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها وما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله عليه فكل وما صدت بكلبك غير المعلم فأدركت ذكاته فكل».
وقوله تعالى: {فكلوا مما أمسكن عليكم} دخلت من في قوله مما للتبعيض لأنه إنما أحل أكل بعض الصيد وهو اللحم دون الفرث والدم.
وقيل: من زائدة فهو كقوله تعالى: {كلوا من ثمره إذا أثمر} {واذكروا اسم الله عليه}.
قال ابن عباس: يعني إذا أرسلت جارحك فقل بسم الله وإن نسيت فلا حرج.
ومن قوله صلى الله عليه وسلم لعدي: «إذا أرسلت كلبك وذكرت اسم الله عليه فكل» فعلى هذا يكون الضمير في عليه عائد إلى ما علمتم من الجوارح أي سموا الله عليه عند إرساله.
وقيل: الضمير عائد إلى ما أمسكن عليكم.
والمعنى: سموا الله عليه إذا أدركتم ذكاته.
وقيل: يحتمل أن يكون الضمير عائد إلى الأكل يعني واذكروا اسم الله عليه عند الكل فعلى هذا تكون للتسمية شرطًا عند إرسال الجوارح وعند إرسال الذبيحة وعند الأكل وسيأتي بيان هذه المسألة في سورة الأنعام عند قوله ولا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه {واتقوا الله} يعني واحذروا مخالفة الله يعني فيما أحل لكم وحرم عليكم {إن الله سريع الحساب} يعني إذا حاسب عباده يوم القيامة ففيه تخويف لمن خالف أمره وفعل ما نهاه عنه. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
{يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ}
هذا شروع في بيان ما أحله الله لهم، بعد بيان ما حرمه الله عليهم، وسيأتي ذكر سبب نزول الآية.
قوله: {مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ} أي شيء أحلّ لهم، وأما الذي أحلّ لهم من المطاعم إجمالًا ومن الصيد، ومن طعام أهل الكتاب، ومن نسائهم، قوله: {قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} هي ما يستلذه آكله ويستطيبه مما أحله الله لعباده.
وقيل: هي الحلال، وقد سبق الكلام في هذا.
وقيل: الطيبات: الذبائح لأنها طابت بالتذكية، وهو تخصيص للعام بغير مخصص، والسبب والسياق لا يصلحان لذلك.
قوله: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مّنَ الجوارح} هو معطوف على الطيبات بتقدير مضاف لتصحيح المعنى: أي أحلّ لكم الطيبات وأحلّ لكم صيد ما علمتم من الجوارح، وقرأ ابن عباس ومحمد بن الحنفية: {عُلِمتم} بضم العين وكسر اللام أي علمتم من أمر الجوارح والصيد بها.
قال القرطبي: وقد ذكر بعض من صنف في أحكام القرآن أن الآية تدل على أن الإباحة تناولت ما علمنا من الجوارح، وهو يتضمن الكلب، وسائر جوارح الطير، وذلك بموجب إباحة سائر وجوه الانتفاع فدلّ على جواز بيع الكلب، والجوارح، والانتفاع بها بسائر وجوه المنافع، إلا ما خصه الدليل وهو الأكل من الجوارح، أي الكواسب من الكلاب وسباع الطير.
قال: أجمعت الأمة على أن الكلب إذا لم يكن أسود، وعلمه مسلم، ولم يأكل من صيده الذي صاده وأثر فيه بجرح، أو تنييب، وصاد به مسلم، وذكر اسم الله عند إرساله أن صيده صحيح، يؤكل بلا خلاف، فإن انخرم شرط من هذه الشروط دخل الخلاف، فإن كان الذي يصاد به غير كلب كالفهد وما أشبهه، وكالبازي والصقر ونحوهما من الطير فجمهور الأمة على أن كل ما صاد بعد التعليم فهو جارح كاسب، يقال: جرح فلان واجترح: إذا اكتسب، ومنه الجارحة لأنه يكتسب بها، ومنه اجتراح السيئات، ومنه قوله تعالى: {وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بالنهار} [الأنعام: 60].
وقوله: {أَمْ حَسِبَ الذين اجترحوا السيئات} [الجاثية: 21].
قوله: {مُكَلّبِينَ} حال، والمكلب: معلم الكلاب لكيفية الاصطياد، والأخصّ معلم الكلاب وإن كان معلم سائر الجوارح مثله، لأن الاصطياد بالكلاب هو الغالب، ولم يكتف بقوله: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مّنَ الجوارح} مع أن التكليب هو التعليم، لقصد التأكيد لما لابد منه من التعليم.
وقيل: إن السبع يسمى كلبًا فيدخل كل سبع يصادّ به.
وقيل: إن هذه الآية خاصة بالكلاب.
وقد حكى ابن المنذر عن ابن عمر أنه قال: ما يصاد بالبزاة وغيرها من الطير فما أدركت ذكاته فهو لك حلال، وإلا فلا تطعمه.
قال ابن المنذر: وسئل أبو جعفر عن البازي هل يحلّ صيده؟ قال لا، إلا أن تدرك ذكاته.
وقال الضحاك والسدّي: {وَمَا عَلَّمْتُمْ مّنَ الجوارح مُكَلّبِينَ} هي الكلاب خاصة، فإن كان الكلب الأسود بهيمًا فكره صيده الحسن وقتادة والنخعي.
وقال أحمد: ما أعرف أحدًا يرخص فيه إذا كان بهيمًا، وبه قال ابن راهويه.
فأما عامة أهل العلم بالمدينة والكوفة فيرون جواز صيد كل كلب معلم، واحتج من منع من صيد الكلب الأسود بقوله صلى الله عليه وسلم: «الكلب الأسود شيطان». أخرجه مسلم وغيره والحق أنه يحلّ صيد كل ما يدخل تحت عموم الجوارح، من غير فرق بين الكلب وغيره، وبين الأسود من الكلاب وغيره، وبين الطير وغيره، ويؤيد هذا أن سبب نزول الآية سؤال عديّ بن حاتم عن صيد البازي كما سيأتي.
قوله: {تُعَلّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ الله} الجملة في محل نصب على الحال أي مما علمكم الله، مما أدركتموه بما خلقه فيكم من العقل الذي تهتدون به إلى تعليمها، وتدريبها، حتى تصير قابلة لإمساك الصيد عند إرسالكم لها.
قوله: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} الفاء للتفريع، والجملة متفرّعة على ما تقدّم من تحليل صيد ما علموه من الجوارح، «ومن» في قوله: {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} للتبعيض، لأن بعض الصيد لا يؤكل كالجلد، والعظم، وما أكله الكلب ونحوه، وفيه دليل على أنه لابد أن يمسكه على صاحبه، فإن أكل منه فإنما أمسكه على نفسه كما في الحديث الثابت في الصحيح.
وقد ذهب الجمهور إلى أنه لا يحلّ أكل الصيد الذي يقصده الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال.
وقال عطاء بن أبي رباح والأوزاعي وهو مرويّ عن سلمان الفارسي، وسعد بن أبي وقاص، وأبي هريرة وعبد الله بن عمر، وروي عن عليّ، وابن عباس والحسن البصري، والزهري وربيعة، ومالك، والشافعي في القديم، أنه يؤكل صيده، ويردّ عليهم قوله تعالى: {مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ}، وقوله صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ما أمسك عليك» وهو في الصحيحين وغيرهما، وفي لفظ لهما: «فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون أمسك على نفسه». وأما ما أخرجه أبو داود، بإسناد جيد، من حديث أبي ثعلبة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل وإن أكل منه» وقد أخرجه أيضًا بإسناد جيد من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جدّه، وأخرجه أيضًا النسائي، فقد جمع بعض الشافعية بين هذه الأحاديث بأنه إن أكل عقب ما أمسكه فإنه يحرم لحديث عديّ بن حاتم، وإن أمسكه ثم انتظر صاحبه فطال عليه الانتظار، وجاع فأكل من الصيد لجوعه، لا لكونه أمسكه على نفسه، فإنه لا يؤثر ذلك، ولا يحرم به الصيد، وحملوا على ذلك حديث أبي ثعلبة الخشني، وحديث عمرو بن شعيب، وهذا جمع حسن.
وقال آخرون: إنه إذا أكل الكلب منه حرم لحديث عديّ، وإن أكل غيره لم يحرم للحديثين الآخرين؛ وقيل: يحمل حديث أبي ثعلبة على ما إذا أمسكه وخلاه، ثم عاد فأكل منه، وقد سلك كثير من أهل العلم طريق الترجيح، ولم يسلكوا طريق الجمع لما فيها من البعد، قالوا: وحديث عديّ بن حاتم أرجح لكونه في الصحيحين.