فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.البلاغة:

1- الكناية في قوله: {هن لباس لكم وأنتم لباس لهن} لأن اللباس ما يكون بجسم الإنسان، والرجل والمرأة إذ يشتمل كل واحد منهما على الآخر ويعتنقان يشبهان اللباس المشتمل عليهما. قال النابغة الجعدي:
إذا ما الضجيع ثنى عطفها ** تثنت عليه فكانت لباسا

.نماذج من الكناية:

وقد تقدم ذكر الكناية ونزيد هنا الموضوع بسطا فنقول: إن الغرض من الكناية تنزيه اللسان عما لا يليق ذكره، والكناية عنه بأرشق لفظ، ولكل كناية غرض، والأغراض لا عداد لها، ولهذا كان غور الكناية لا يسبر فمن أمتعها قول الشريف الرضيّ:
برد السّوار لها ** فأحميت القلائد بالعناق

أي أنه لما برد سوارها، آخر الليل، علمت أن نسمة الفجر طلعت، فأحميت قلائدها بالعناق كي تصير القلائد مكذبة لما أشار إليه السوار من طلوع الفجر المؤذن بالفراق، فعدل عن التصريح بذلك إلى برد السوار لينقل الذهن إلى هبوب نسمة الفجر المؤذنة بالفراق والداعية له، وقد اشتهرت الكناية في أحاديث النبي عليه الصلاة والسلام تصوّنا منه وترفعا، فمما جاء من هذا الديباج قوله: «إن امرأة كانت فيمن كان قبلنا، وكان لها ابن عمّ يحبها فراودها عن نفسها، فامتنعت عليه، حتى إذا أصابتها شدة فجاءت إليه تسأله فراودها، فمكنته من نفسها، فلما قعد منها مقعد الرجل من المرأة قالت له: لا يحلّ لك أن تفض الخاتم إلا بحقه، فقام عنها وتركها» وهذه كناية واقعة موقعها. ومن ذلك أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «رويدك سوقك بالقوارير» يريد بذلك النساء فكنّى عنهن بالقوارير، وذلك أنه كان في بعض أسفاره، وغلام أسود اسمه أنجشة يحدو فقال له: «يا أنجشة رويدك سوقك بالقوارير».
ومن الكناية أيضا في هذه الآية قوله: {فالآن باشروهن} والمباشرة في قول الجمهور الجماع، وقيل الجماع فما دونه. وهو مشتقّ من تلاصق البشرتين، فيدخل فيه المعانقة والملامسة.
2- التشبيه البليغ فقد شبه أول ما يبدو من الفجر المعترض في الأفق بالخيط الأبيض الممدود، وما يمتدّ من غبش الليل بالخيط الأسود الممدود، وهو تشبيه مألوف كثيرا. ولو لم يذكر من الفجر لكان استعارة تصريحية، ولكن ذكر المشبّه أعاده إلى التشبيه البليغ المحذوف الأداة.
3- الطباق لأنه طابق بين الأبيض والأسود، أما ذكر بقية الألوان فيسمى تدبيجا كقول أبي تمام:
تردّى ثياب الموت حمرا فما دجا ** لها الليل إلا وهي من سندس خضر

.الفوائد:

{حتّى} في الكلام على ثلاثة أنواع:
1- تكون لانتهاء الغاية، فتجر الأسماء على معنى، كقوله تعالى: {سلام هي حتى مطلع الفجر} وتنصب الافعال بأن مضمرة بعدها كالآية.
2- وتكون عاطفة.
3- وتكون حرف ابتداء يبتدأ بها الكلام كقول المتنبي:
هو الجد حتى تفضل العين أختها ** وحتى يكون اليوم لليوم سيد

فرفع الفعلين بعدها لأنها ابتدائية. وسيأتي مزيد من أبحاث حَتَّى التي لا تنتهي، فقد كان الفراء يقول عند احتضاره: أموت وفي قلبي شيء من حتى.

.[سورة البقرة: آية 188]:

{وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ وَتُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (188)}.

.اللغة:

{تُدْلُوا بِها} تلقوا بها، وأدلى الدلو أرسلها في البئر، وسقى أرضه بالدّالية وبالدوالي وهي النواعير، ودلّى شيئا في مهواة وتدلّى هو بنفسه ودلّى برجليه من السرير ودلّاه بحبل من سطح أو جبل. قال الفرزدق:
هما دلّتاني من ثمانين قامة ** كما انقضّ باز أقتم الرّيش كاسره

والدوالي: عنب أسود غير حالك، ولا أدري علام استند صاحب المنجد في زعمه: إنها مولّدة. هذا وقد تقصيت كل ما فاؤه دال وعينه لام فإذا به يفيد معنى التّدلّي والانملاس، ومنه الدلج وهو السّرى بالليل، ولا يخفى ما فيه من الانملاس، ودلف الشيخ مشى فوق الدّبيب كأنه يتدلى من مكان عال. وهذا من العجب بمكان.

.الإعراب:

{وَلا تَأْكُلُوا} الواو استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لتقرير حكم آخر يتعلق بالأموال وطرق اكتسابها، ولا ناهية، وتأكلوا فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل {أَمْوالَكُمْ} مفعول به {بَيْنَكُمْ} ظرف متعلق بمحذوف حال من أموالكم، أي لا تأكلوها كائنة بينكم.
{بِالْباطِلِ} الجار والمجرور متعلقان بتأكلوا أي لا تتناولوها بسبب باطل {وَتُدْلُوا} الواو عاطفة، وتدلوا فعل مضارع معطوف على تأكلوا داخل في حيز النهي، ولك أن تجعلها للمغية، وتدلوا منصوب بأن مضمرة بعدها {بِها} الجار والمجرور متعلقان بتدلوا {إِلَى الْحُكَّامِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال أي لاجئين متحاكمين {لِتَأْكُلُوا} اللام للتعليل، وتأكلوا فعل مضارع منصوب بأن مضمرة بعد لام التعليل، والواو فاعل والجار والمجرور في محل نصب مفعول لأجله {فَرِيقًا} مفعول به {مِنْ أَمْوالِ النَّاسِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة {بِالْإِثْمِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال، أي متشبثين بما يستوجب الإثم من شهادة الزور واليمين الكاذبة {وَأَنْتُمْ} الواو حالية، وأنتم ضمير منفصل مبتدأ {تَعْلَمُونَ} فعل مضارع مرفوع، وفاعل، والجملة خبر، والجملة بعد واو الحال حالية.

.[سورة البقرة: آية 189]:

{يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِها وَلكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (189)}.

.اللغة:

{مَواقِيتُ} جمع ميقات، وأصله موقات قلبت الواو ياء لكسر ما قبلها، وهي معالم يوقّت الناس بها شئون معايشهم.

.الإعراب:

{يَسْئَلُونَكَ} فعل مضارع مرفوع، وفاعل، ومفعول به، والجملة مستأنفة مسوقة لبيان الحكمة في اختلاف الأهلة، بعد أن ألحفوا في السؤال عن ذلك. روي أن معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم الأنصاريّ قالا: يا رسول اللّه، ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتى يمتلئ ويستوي، ثم لا يزال ينقص حتى يعود كما بدأ، لا يكون على حال واحدة؟ فجاءت الآية بالحكم الشامل الحاسم. والحكمة المنوخاة من تطور الهلال لتوقيت المعايش واتساقها على نمط واحد باهر، والهلال مفرد وجمع، باختلاف زمانه، ويجمع قياسا على أهلّة، وهو مقيس في فعال المضعّف، نحو: عنان وأعنّة، وزمام وأزمّة، وسنان وأسنّة. {عَنِ الْأَهِلَّةِ} الجار والمجرور متعلقان بيسألونك {قُلْ} فعل أمر، وفاعله مستتر تقديره أنت والجملة استئنافية {هِيَ مَواقِيتُ} جملة اسمية من مبتدأ وخبر في محل نصب مقول القول: {لِلنَّاسِ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لمواقيت {وَالْحَجِّ} عطف على الناس {وَلَيْسَ} الواو استئنافية، والجملة مستأنفة مسوقة للاستطراد، وسيأتي ذكره، أو كأنه تعكيس في سؤالهم، وإن مثلهم فيه كمثل من يترك باب البيت ويدخله من ظهره، وليس فعل ماض ناقص {الْبِرُّ} اسم ليس {بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ} الباء حرف جر زائد في خبر ليس، وأن وما بعدها في تأويل مصدر خبر ليس، والبيوت مفعول به {مِنْ ظُهُورِها} الجار والمجرور متعلقان بتأتوا {وَلكِنَّ} الواو عاطفة، ولكن حرف للاستدراك مشبه بالفعل {الْبِرُّ} اسمها المنصوب، ولابد من تقدير محذوف ليتسق الكلام، كأنه قيل:
إن ما تفعلونه من استقصاء في السؤال ليس برا، ولكن البر {منْ} اسم موصول خبر لكن، ولا من حذف مضاف، أي برّ من {اتَّقى}.
الجملة صلة الموصول لا محل لها {وَأْتُوا} الواو عاطفة، وعطف الإنشاء على الخبر جائز، فقد تقدمت جملتان خبريتان وهما: ليس البر، ولكن البر من اتقى، وعطف عليها جملتان إنشائيتان وهما:
وأتوا البيوت، واتقوا اللّه {الْبُيُوتَ} مفعول به {مِنْ أَبْوابِها} الجار والمجرور متعلقان بأتوا {وَاتَّقُوا اللَّهَ} الجملة عطف على الجملة الأمرية {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} لعل واسمها، وجملة تفلحون خبرها، وجملة الرجاء حالية.

.البلاغة:

الاستطراد وهو فن دقيق متشعب، يجنح إليه المتكلم في غرض من أغراض القول يخيل إليك أنه مستمر فيه، ثم يخرج منه إلى غيره لمناسبة بينهما، ثم يرجع إلى الاول، فقد ذكر عن الأهلة واختلافها أنها مواقيت للحج، وأن مثلهم في السؤال كمثل من يترك باب البيت ويدخل من ظهره، فقد كان ناس من الأنصار إذا أحرموا لم يدخل أحد منهم حائطا- أي بستانا- ولا دارا ولا فسطاطا من باب، فإذا كان من أهل المدر نقب نقبا في ظهر بيته، منه يدخل ويخرج، أو يتخذ سلما فيه يصعد، وإن كان من أهل الوبر خرج من خلف الخباء، فقيل لهم ذلك. ومن جميل هذا الفن قول عبد المطلب:
لنا نفوس لنيل المجد عاشقة ** فان تسلّت أسلناها على الأسل

لا ينزل المجد إلا في منازلنا ** كالنوم ليس له مأوى سوى المقل

.الفوائد:

اختلف علماء البلاغة في السؤال: أهو سؤال عن السبب أم عن الحكمة؟ واختار الزمخشري والراغب والقاضي البيضاوي أنه سؤال عن الحكمة كما يدل عليه الجواب إخراجا للكلام على مقتضى الظاهر لأنه الأصل، واختار السّكّاكيّ أنه سؤال عن السبب، لأن الحكمة ظاهرة لا تستحق السؤال عنها، والجواب من الأسلوب الحكيم.
وقد أطال كل فريق في الاحتجاج لما يدعيه، وانتهى بهم الأمر إلى التراشق بقوارص الكلام، مما لا يتسع له المقام فلله درّ رجال التراث عندنا، ما أشدّ تقصّيهم وأكثر تنقيبهم.

.[سورة البقرة: الآيات 190- 192]:

{وَقاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتَّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ (191) فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (192)}.