فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} قال: ذبيحتهم.
وأخرج عبد الرزاق عن إبراهيم النخعي في قوله: {وطعام الذين أوتوا الكتاب} قال: ذبائحهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: أحل الله لنا محصنتين: محصنة مؤمنة، ومحصنة من أهل الكتاب، نساؤنا عليهم حرام، ونساؤهم لنا حلال.
وأخرج ابن جرير عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «نتزوج نساء أهل الكتاب ولا يتزوّجون نساءنا».
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن عمر بن الخطاب قال: المسلم يتزوج النصرانية، ولا يتزوّج النصراني المسلمة.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في الآية قال: أحل لنا طعامهم ونساؤهم.
وأخرج الطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس قال: إنما أحلت ذبائح اليهود والنصارى من أجل أنهم آمنوا بالتوراة والإنجيل.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن مجاهد في قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: من الحرائر.
وأخرج عبد بن حميد عن الضحاك في قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: من العفائف.
وأخرج عبد الرزاق عن الشعبي في قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} قال: التي أحصنت فرجها واغتسلت من الجنابة.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن جابر بن عبد الله. أنه سئل عن نكاح المسلم اليهودية والنصرانية، فقال: تزوجناهن زمن الفتح ونحن لا نكاد نجد المسلمات كثيرًا، فلما رجعنا طلقناهن. قال: ونساؤهن لنا حل، ونساؤنا عليهم حرام.
وأخرج عبد بن حميد عن ميمون بن مهران قال: سألت ابن عمر عن نساء أهل الكتاب، فتلا عليّ هذه الآية {والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}. {ولا تنكحوا المشركات} [البقرة: 221].
وأخرج ابن جرير عن الحسن. أنه سئل: أيتزوج الرجل المرأة من أهل الكتاب؟ قال: ما له ولأهل الكتاب وقد أكثر الله المسلمات! فإن كان لابد فاعلًا فليعهد إليها حصانًا غير مسافحة. قال الرجل: وما المسافحة؟ قال: هي التي إذا ألمح اليها الرجل بعينه تبعته.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {ولا متخذي أخدان} قال: ذو الخدن والخلية الواحدة.
قال: ذكر لنا أن رجالًا قالوا: كيف نتزوج نساءهم وهم على دين ونحن على دين؟ فأنزل الله: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} قال: لا والله لا يقبل الله عملًا إلا بالإيمان.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله} قال: أخبر الله أن الإيمان هو العروة الوثقى، وأنه لا يقبل عملًا إلا به، ولا يحرم الجنة إلا على من تركه.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال «نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أصناف النساء إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرم كل ذات دين غير الإسلام» قال الله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله}. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
ليس الطَّيِّبُ ما تستطيبه النفوس، ولكن الطيب ما يوجد فيه رضاء الحق سبحانه فتوجد عند ذلك راحةُ القلوب.
{وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ}: القَدْرُ الذي بيننا وبينهم من الوفاق في إثبات الربوبية لم يَعْرَ من أثرٍ في القربة فقال الله تعالى: {وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُم مَّوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى} [المائدة: 82].
وكذلك الأمر في المحصنات من نسائهم. وأُحِلَّ الطعامُ والذبيحةُ بيننا وبينهم من الوجهين فيحلّ لنا أكل ذبائحهم، ويجوز لنا أن نطعمهم من ذبائحنا، ولكن التزوج بنسائهم يجوز لنا، ولا يجوز تزوجهم بنسائنا لأن الإسلام يعلو ولا يُعْلَى.
ثم قال: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} يعني إنهم وإن كانوا كفارًا فلا تجب صحبتهن بغير نكاح تعظيمًا لأمرِ السِّفاح، وتنبيهًا على وجوب مراعاة الأمر من الحق.
وكذلك {وَلاَ مُتَّخِذِى أَخْدَانٍ} لأنه إذا لم يجز تعلق قلبك بالمؤمنين على وجه المخادنة فمتى يسلم ذلك مع الكفار الذين هم الأعداء؟. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ...} الآية.
فيه عشر مسائل:
الأُولى قوله تعالى: {اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} أي {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} و{اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} فأعاد تأكيدًا أي أُحِلّ لكم الطيبات التي سألتم عنها؛ وكانت الطّيّبات أُبيحت للمسلمين قبل نزول هذه الآية؛ فهذا جواب سؤالهم إذ قالوا: ماذا أُحِلَّ لنا؟.
وقيل: أشار بذكر اليوم إلى وقت محمد صلى الله عليه وسلم كما يقال: هذه أيام فلان؛ أي هذا أوان ظهوركم وشيوع الإسلام؛ فقد أكملت بهذا دينكم، وأحللت لكم الطّيّبات.
وقد تقدّم ذكر الطَّيّبات في الآية قبل هذا.
الثانية قوله تعالى: {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} ابتداء وخبر.
والطعام اسم لما يؤكل والذبائح منه، وهو هنا خاصّ بالذبائح عند كثير من أهل العلم بالتأويل.
وأما ما حرم علينا من طعامهم فليس بداخل تحت عموم الخطاب؛ قال ابن عباس قال الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ثم استثنى فقال: {وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} يعني ذبيحة اليهوديّ والنصرانيّ؛ وإن كان النصرانيّ يقول عند الذبح: باسم المَسيح واليهودي يقول: باسم عُزَيْر؛ وذلك لأنهم يذبحون على المِلّة.
وقال عطاء: كُلْ من ذبيحة النصرانيّ وإن قال باسم المَسِيح؛ لأن الله جلّ وعزّ قد أباح ذبائحهم، وقد علِم ما يقولون.
وقال القاسم بن مُخَيْمَرة: كُلْ من ذبيحته وإن قال باسم سَرْجِس اسم كنيسة لهم وهو قول الزهريّ وربيعة والشعبيّ ومكحول؛ ورُوي عن صحابيّين: عن أبي الدرداء وعُبادة بن الصّامت.
وقالت طائفة: إذا سمعت الكتابيّ يسمي غير اسم الله عزّ وجلّ فلا تأكل؛ وقال بهذا من الصحابة عليّ وعائشة وابن عمر؛ وهو قول طاوس والحسن متمسّكين بقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسم الله عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121].
وقال مالك: أكره ذلك، ولم يحرّمه.
قلت: العجب من الكيا الطبريّ الذي حكى الاتفاق على جواز ذبيحة أهل الكتاب، ثم أخذ يستدلّ بذلك على أن التسمية على الذبيحة ليست بشرط فقال: ولا شك أنهم لا يُسمُّون على الذبيحة إلا الإله الذي ليس معبودًا حقيقة مثل المسِيح وعُزَيْر، ولو سموا الإله حقيقة لم تكن تسميتهم على طريق العبادة، وإنما كان على طريق آخر؛ واشتراط التسمية لا على وجه العبادة لا يعقل، ووجود التسمية من الكافر وعدمها بمثابة واحدة؛ إذا لم تُتصوّر منه العبادة، ولأن النصرانيّ إنما يذبح على اسم المسيح، وقد حكم الله بحل ذبائحهم مطلقًا؛ وفي ذلك دليل على أن التسمية لا تشترط أصلًا كما يقول الشافعي، وسيأتي ما في هذا للعلماء في «الأنعام» إن شاء الله تعالى.
الثالثة ولا خلاف بين العلماء أن ما لا يحتاج إلى ذكاة كالطعام الذي لا محاولة فيه كالفاكهة والبُّر جائز أكله؛ إذ لا يضر فيه تملُّك أحد.
والطعام الذي تقع فيه محاولة على ضربين: أحدهما ما فيه محاولة صَنْعة لا تعلق للدِّين بها؛ كخبز الدقيق، وعصر الزيت ونحوه؛ فهذا إن تُجنِّب من الذميّ فعلى وجه التَّقَزّز.
والضرب الثاني هي التذكية التي ذكرنا أنها هي التي تحتاج إلى الدّين والنيّة؛ فلما كان القياس ألا تجوز ذبائحهم كما نقول إنهم لا صلاة لهم ولا عبادة مقبولة رخص الله تعالى في ذبائحهم على هذه الأُمّة، وأخرجها النص عن القياس على ما ذكرناه من قول ابن عباس؛ والله أعلم.
الرابعة واختلف العلماء أيضًا فيما ذَكَّوه هل تعمل الذكاة فيما حرم عليهم أو لا؟ على قولين؛ فالجمهور على أنها عاملة في كُلّ الذبيحة ما حلّ له منها وما حرم عليه، لأنه مُذَكَّى.
وقالت جماعة من أهل العلم: إنما حلّ لنا من ذبيحتهم ما حَلّ لهم؛ لأن ما لا يحلّ لهم لا تعمل فيه تذكيتهم؛ فمنعت هذه الطائفة الطّريف والشُّحوم المحضة من ذبائح أهل الكتاب؛ وقَصَرت لفظ الطعام على البعض؛ وحَمَلته الأُولى على العموم في جميع ما يؤكل.
وهذا الخلاف موجود في مذهب مالك.
قال أبو عمر: وكره مالك شُحُوم اليهود وأكل ما نَحَروا من الإبل، وأكثر أهل العلم لا يرون بذلك بأسًا؛ وسيأتي هذا في «الأنعام» إن شاء الله تعالى؛ وكان مالك رحمه الله يكره ما ذبحوه إذا وجد ما ذبحه المسلم، وكره أن يكون لهم أسواق يبيعون فيها ما يذبحون؛ وهذا منه رحمه الله تَنَزُّه.
الخامسة وأما المجوس فالعلماء مجمعون إلا من شَذّ منهم على أن ذبائحهم لا تؤكل ولا يتزوّج منهم؛ لأنهم ليسوا أهل كتاب على المشهور عند العلماء.
ولا بأس بأكل طعام من لا كتاب له كالمشركين وعَبَدة الأوثان ما لم يكن من ذبائحهم ولم يحتج إلى ذكاة؛ إلا الجُبن؛ لما فيه من إنْفَحة الميتة.
فإن كان أبو الصبيّ مجوسيًّا وأُمّه كتابيّة فحكمه حكم أبيه عند مالك، وعند غيره لا تؤكل ذبيحة الصبيّ إذا كان أحد أبويه ممن لا تؤكل ذبيحته.
السادسة وأما ذبيحة نصارى بني تَغْلِب وذبائح كلّ دَخيل في اليهوديّة والنصرانيّة فكان عليّ رضي الله عنه ينهى عن ذبائح بني تَغْلب؛ لأنهم عَرَب، ويقول: إنهم لم يتمسّكوا بشيء من النصرانيّة إلا بشرب الخمر؛ وهو قول الشافعي؛ وعلى هذا فليس ينهى عن ذبائح النصارى المحقّقين منهم.
وقال جمهور الأُمّة: إنّ ذبيحة كل نصرانيّ حلال؛ سواء كان من بني تَغْلِب أو غيرهم، وكذلك اليهوديّ.
واحتجّ ابن عباس بقوله تعالى: {وَمَن يَتَوَلَّهُمْ مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51] فلو لم تكن بنو تَغْلِب من النصارى إلا بتولّيهم إياهم لأُكلت ذبائحهم.
السابعة ولا بأس بالأكل والشُّرب والطَّبخ في آنية الكفار كلهم، ما لم تكن ذهبًا أو فِضّة أو جِلد خِنزير بعد أن تُغسل وتُغلى؛ لأنهم لا يتوقّون النجاسات ويأكلون الميتات؛ فإذا طَبَخوا في تلك القُدور تنجّست، وربما سَرَت النجاسات في أجزاء قُدور الفَخَّار؛ فإذا طُبخ فيها بعد ذلك تُوقّع مخالطة تلك الأجزاء النّجسة للمطبوخ في القِدر ثانية؛ فاقتضى الوَرَع الكفّ عنها.
ورُوي عن ابن عباس أنه قال: إن كان الإناء من نُحاس أو حديد غُسِل، وإن كان من فَخّار أغلي فيه الماء ثم غُسل هذا إذا احتيج إليه وقاله مالك؛ فأما ما يستعملونه لغير الطبخ فلا بأس باستعماله من غير غسل؛ لما رَوى الدارقطنيّ عن عمر أنه توضأ من بيت نصرانيّ في حُقِّ نصرانيّة؛ وهو صحيح وسيأتي في «الفرقان» بكماله.
وفي صحيح مسلم من حديث أبي ثَعْلَبة الخُشَنِيّ قال أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله إنا بأرض قوم من أهل كتاب نأكل في آنيتهم، وأرض صيد، أَصِيد بقوسي وأَصيد بكلبي المعلَّم، وأَصِيد بكلبي الذي ليس بمعلّم؛ فأَخْبِرني ما الذي يَحِلّ لنا من ذلك؟ قال: «أما ما ذكرت أنكم بأرض قوم من أهل كتاب تأكلون في آنيتهم فإن وجدتم غير آنيتهم فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها ثم كلوا فيها» ثم ذكر الحديث.