فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وذهب الجمهور ابن عباس، والحسن، وعكرمة، وابن المسيب، والشعبي، وعطاء، وابن شهاب، والحكم، وقتادة، وحماد، ومالك، وأبو حنيفة وأصحابه: أنه لا فرق بين بني إسرائيل والنصارى ومن تهوّد أو تنصر من العرب أو العجم في حل أكل ذبيحتهم.
والظاهر أنّ ذبيحة المجوسي لا تحل لنا لأنهم ليسوا من الذين أوتوا الكتاب.
وما روي عن مالك أنه قال: هم أهل كتاب وبعث إليهم رسول يقال: رزادشت لا يصح.
وقد أجاز قوم أكل ذبيحتهم مستدلين بقوله: {سنوا بهم سنة أهل الكتاب}.
وقال ابن المسيب: إذا كان المسلم مريضًا فأمر المجوسي أن يذكر الله ويذبح فلا بأس.
وقال أبو ثور: وإنْ أمر بذلك في الصحة فلا بأس.
والظاهر أنّ ذبيحة الصابئ لا يجوز لنا أكلها، لأنهم ليسوا من الذين أوتوا الكتاب.
وخالف أبو حنيفة فقال: حكمهم حكم أهل الكتاب.
وقال صاحباه: هم صنفان، صنف يقرؤون الزبور ويعبدون الملائكة، وصنف لا يقرأون كتابًا ويعبدون النجوم، فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب.
{وطعامكم حل لهم} أي: ذبائحكم وهذه رخصة للمسلمين لا لأهل الكتاب.
لما كان الأمر يقتضي أن شيئًا شرعت لنا فيه التذكية، ينبغي لنا أن نحميه منهم، فرخص لنا في ذلك رفعًا للمشقة بحسب التجاوز، فلا علينا بأس أن نطعمهم ولو كان حرامًا عليهم طعام المؤمنين، لما ساغ للمؤمنين إطعامهم.
وصار المعنى: أنه أحل لكم أكل طعامهم، وأحل لكم أن تطعموهم من طعامكم، والحل الحلال ويقال في الاتباع هذا حل بل.
{والمحصنات من المؤمنات} هذا معطوف على قوله: وطعام الذين أوتوا الكتاب.
والمعنى: وأحل لكم نكاح المحصنات من المؤمنات.
{والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم} والإحصان أن يكون بالإسلام وبالتزويج، ويمتنعان هنا، وبالحرية وبالعفة.
فقال عمر بن الخطاب، ومجاهد، ومالك، وجماعة: الإحصان هنا الحريّة، فلا يجوز نكاح الأمة الكتابية.
وقال جماعة: منهم مجاهد، والشعبي، وأبو ميسرة، وسفيان، الإحصان هنا العفة، فيجوز نكاح الأمة الكتابية.
ومنع بعض العلماء من نكاح غير العفيفة بهذا المفهوم الثاني.
قال الحسن: إذا اطلع الإنسان من امرأته على فاحشة فليفارقها.
وعن مجاهد: يحرم البغايا من المؤمنات ومن أهل الكتاب.
وقال الشعبي إحصان اليهودية والنصرانية أن لا تزني، وأن تغتسل من الجنابة.
وقال عطاء: رخص في التزويج بالكتابية، لأنه كان في المسلمات قلة، فأما الآن ففيهنّ الكثرة، فزالت الحاجة إليهن.
والرخصة في تزويجهن ولا خلاف بين السلف وفقهاء الأمصار في إباحة نكاح الحرائر الكتابيات، واتفق على ذلك الصحابة إلا شيئًا روي عن ابن عمر أنه سأله رجل عن ذلك فقال: اقرأ آية التحليل يشير إلى هذه الآية، وآية التحريم يشير إلى {ولا تنكحوا المشركات} وقد تقدم ذلك في سورة البقرة في قوله: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}.
وتزوج عثمان بن عفان رضي الله عنه نايلة بنت الفرافصة الكلبية على نسائه، وتزوج طلحة بن عبد الله يهودية من الشام، وتزوج حذيفة يهودية.
(فإن قلت): يكون ثم محذوف أي: والمحصنات اللاتي كن كتابيات فأسلمن، ويكون قد وصفهن بأنهن من الذين أوتوا الكتاب باعتبار ما كن عليه كما قال: {وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله} وقال: {من أهل الكتاب أمة قائمة} ثم قال بعد {يؤمنون بالله واليوم الآخر} (قلت): إطلاق لفظ أهل الكتاب ينصرف إلى اليهود والنصارى دون المسلمين ودون سائر الكفار، ولا يطلق على مسلم أنه من أهل الكتاب، كما لا يطلق عليه يهودي ولا نصراني.
فأما الآيتان فأطلق الاسم مقيدًا بذكر الإيمان فيهما، ولا يوجد مطلقًا في القرآن بغير تقييد، إلا والمراد بهم اليهود والنصارى.
وأيضًا فإنه قال: والمحصنات من المؤمنات، فانتظم ذلك سائر المؤمنات ممن كن مشركات أو كتابيات، فوجب أن يحمل قوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، على الكتابيات اللاتي لم يسلمن وإلاّ زالت فائدته، إذ قد اندرجن في قوله: والمحصنات من المؤمنات.
وأيضًا فمعلوم من قوله تعالى: {وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} أنه لم يرد به طعام المؤمنين الذين كانوا من أهل الكتاب، بل المراد اليهود والنصارى، فكذلك هذه الآية.
(فإن قيل): يتعلق في تحريم الكتابيات بقوله تعالى: {ولا تمسكوا بعصم الكوافر} (قيل): هذا في الحربية إذا خرج زوجها مسلمًا، أو الحربي تخرج امرأته مسلمة: ألا ترى إلى قوله: {واسألوا ما أنفقتم وليسألوا ما أنفقوا} ولو سلمنا العموم لكان مخصوصًا بقوله: والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم، والظاهر جواز نكاح الحربية الكتابية لاندراجها في عموم.
والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم.
وخص ابن عباس هذا العموم بالذمية، فأجاز نكاح الذمية دون الحربية، وتلا قوله تعالى: {قاتلوا الذين لا يؤمنون} إلى قوله: {وهم صاغرون} ولم يفرق غيره من الصحابة من الحربيات والذميات.
وأما نصارى بني تغلب فمنع نكاح نسائهن عليّ وابراهيم وجابر بن زيد، وأجازه ابن عباس.
{إذا آتيتموهن أجورهن} أي مهورهن.
وانتزع العلماء من هذا أنه لا ينبغي أن يدخل زوج بزوجته إلا بعد أن يبذل لها من المهر ما يستحلها به، ومن جوز أن يدخل دون بذل ذلك رأى أنه محكم الالتزام في حكم المؤتى.
وفي ظاهر قوله: إذا آتيتموهن أجورهن، دلالة على أنّ إماء الكتابيات لسن مندرجات في قوله: والمحصنات، فيقوى أن يراد به الحرائر، إذ الإماء لا يعطون أجورهن، وإنما يعطي السيد.
إلا أن يجوز فنجعل إعطاء السيد إعطاء لهن.
وفيه دلالة أيضًا على أن أقل الصداق لا يتقدر، إذ سماه أجرًا، والأجر في الإجارات لا يتقدر.
{محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان} تقدم تفسيره نظيره في النساء.
{ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله وهو في الآخرة من الخاسرين} سبب نزولها فيما رواه أبو صالح عن ابن عباس: أنه تعالى لما أرخص في نكاح الكتابيات قلن بينهن: لولا أن الله رضي ديننا وقبل عملنا لم يبح للمؤمنين تزويجنا، فنزلت.
وقال مقاتل: فيما أحصن المسلمون من نكاح نساء أهل الكتاب يقول: ليس إحصان المسلمين إياهن بالذي يخرجهن من الكفر انتهى.
ولما ذكر فرائض وأحكامًا يلزم القيام بها، أنزل ما يقتضي الوعيد على مخالفتها ليحصل تأكيد الزجر عن تضييعها.
وقال القفال: ما معناه، لما حصلت لهم في الدنيا فضيلة مناكحة نسائهم، وأكل ذبائحهم، من الفرق في الآخرة بأنَّ من كفر حبط عمله انتهى.
والكفر بالإيمان لا يتصور.
فقال ابن عباس، ومجاهد: أي: ومن يكفر بالله.
وحسن هذا المجاز أنه تعالى رب الإيمان وخالقه.
وقال الكلبي: ومن يكفر بشهادة أن لا إله إلا الله، جعل كلمة التوحيد إيمانًا.
وقال قتادة: إن ناسًا من المسلمين قالوا: كيف نتزوج نساءهم مع كونهم على غير ديننا؟ فأنزل الله تعالى: {ومن يكفر بالإيمان}، أي بالمنزل في القرآن، فسمي القرآن إيمانًا لأنه المشتمل على بيان كل ما لابد منه في الإيمان.
قال الزجاج: معناه من أحل ما حرم الله، أو حرم ما أحل الله فهو كافر.
وقال أبو سليمان الدمشقي: من جحد ما أنزله الله من شرائع الإسلام وعرفه من الحلال والحرام.
وتبعه الزمخشري في هذا التفسير فقال: ومن يكفر بالإيمان أي: بشرائع الإسلام، وما أحل الله وحرم.
وقال ابن الجوزي: سمعت الحسن بن أبي بكر النيسابوري يقول: إنما أباح الله الكتابيات لأن بعض المسلمين قد يعجبه حسنهن، فحذر نكاحهن من الميل إلى دينهن بقوله: ومن يكفر بالإيمان فقد حبط عمله.
وقرأ ابن السميفع: حبط بفتح الباء وهو في الآخرة من الخاسرين حبوط عمله وخسرانه في الآخرة مشروط بالموافاة على الكفر. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{اليوم أُحِلَّ لَكُمُ الطيبات} إعادة هذا الحكم للتأكيد والتوطئة لما بعده، وسبب ذكر اليوم يعلم مما ذكر أمس.
وقال النيسابوري: فائدة الإعاذة أن يعلم بقاء هذا الحكم عند إكمال الدين واستقراره، والأول أولى.
{وَطَعَامُ الذين أُوتُواْ الكتاب حِلٌّ لَّكُمْ} أي حلال، والمراد بالموصول اليهود والنصارى حتى نصارى العرب عندنا، وروي عن علي كرم الله تعالى وجهه أنه استثنى نصارى بني تغلب، وقال: ليسوا على النصرانية ولم يأخذوا منها إلا شرب الخمر، وإلى ذلك ذهب ابن جبير، وحكاه الربيع عن الشافعي رضي الله تعالى عنه؛ والمراد بطعامهم ما يتناول ذبائحهم وغيرها من الأطعمة كما روي عن ابن عباس، وأبي الدرداء، وإبراهيم، وقتادة، والسدى، والضحاك، ومجاهد رضوان الله عليهم أجمعين وبه قال الجبائي، والبلخي، وغيرهم.
وفي البخاري عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن المراد به الذبائح لأن غيرها لم يختلف في حله، وعليه أكثر المفسرين، وقيل: إنه مختص بالحبوب وما لا يحتاج فيه إلى التذكية وهو المروي عند الإمامية عن أبي عبد الله رضي الله تعالى عنه، وبه قال جماعة من الزيدية، فلا تحل ذبائحهم عند هؤلاء، وحكم الصابئين حكم أهل الكتاب عند الإمام الأعظم رضي الله تعالى عنه، وقال صاحباه: الصابئة صنفان: صنف يقرأون الزبور ويعبدون الملائكة، وصنف لا يقرأون كتابًا ويعبدون النجوم، فهؤلاء ليسوا من أهل الكتاب، وأما المجوس فقد سن بهم سنة أهل الكتاب في أخذ الجزية منهم دون أكل ذبائحهم ونكاح نسائهم لما روى عبد الرزاق وابن أبي شيبة والبيهقي من طريق الحسن بن محمد بن علي قال: «كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مجوس هجر يعرض عليهم الإسلام فمن أسلم قبل ومن أصر ضربت عليه الجزية غير ناكحي نسائهم» وهو وإن كان مرسلًا وفي إسناده قيس بن الربيع وهو ضيعف إلا أن إجماع أكثر المسلمين كما قال البيهقي عليه يؤكده، واختلف العلماء في حل ذبيحة اليهودي والنصراني إذا ذكر عليها اسم غير الله تعالى كعزير وعيسى عليهما السلام فقال ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: لا تحل وهو قول ربيعة، وذهب أكثر أهل العلم إلى أنها تحل وهو قول الشعبي.
وعطاء قالا: فإن الله تعالى قد أحل ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون.
وقال الحسن: إذا ذبح اليهودي والنصراني فذكر اسم غير الله تعالى وأنت تسمع يفلا تأكل، فإذا غاب عنك فكل فقد أحل الله تعالى لك.
{وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ} قال الزجاج وكثير من المتأخرين: إن هذا خطاب للمؤمنين، والمعنى لا جناح عليكم أيها المؤمنون أن تطعموا أهل الكتاب من طعامكم، فلا تصلح الآية دليلًا لمن يرى أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة لأن التحليل حكم، وقد علقه سبحانه بهم فيها كما علق الحكم بالمؤمنين، واعترض على ظاهره بأنه إنما يتأتى لو كان الإطعام بدل الطعام، فإن زعموا أن الطعام يقوم مقام الإطعام توسعًا ورد الفصل بين المصدر وصلته بخبر المبتدأ، وهو ممتنع فقد صرحوا بأنه لا يجوز إطعام زيد حسن للمساكين وضربك شديد زيدًا فكيف جاز {وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ}؟ وعن بعضهم فإن قيل: ما الحكمة في هذه الجملة وهم كفار لا يحتاجون إلى بياننا؟ أجيب بأن المعنى انظروا إلى ما أحل لكم في شريعتكم فإن أطعموكموه فكلوه ولا تنظروا إلى ما كان محرمًا عليهم، فإن لحوم الإبل ونحوها كانت محرمة عليهم، ثم نسخ ذلك في شريعتنا، فالآية بيان لنا لا لهم أي اعلموا أن ما كان محرمًا عليهم مما هو حلال لكم قد أحل لكم أيضًا ولذلك لو أطعمونا خنزيرًا أو نحوه وقالوا: هو حلال في شريعتنا، وقد أباح الله تعالى لكم طعامنا كذبناهم وقلنا: إن الطعام الذي يحل لكم هو الذي يحل لنا لا غيره، فحاصل المعنى طعامهم حل لكم إذا كان الطعام الذي أحللته لكم، وهذا التفسير معنى قول السدي وغيره فافهمه فقد أشكل على بعض المعاصرين.