فصل: مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي نِكَاحِ أَهْلِ الْكِتَابِ:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



(2) ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ ذَبَائِحَ نَصَارَى الْعَرَبِ لَا تُؤْكَلُ، وَاحْتَجَّ بِأَثَرٍ رَوَاهُ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «مَا نَصَارَى الْعَرَبِ بِأَهْلِ كِتَابٍ، وَمَا تَحِلُّ لَنَا ذَبَائِحُهُمْ، وَمَا أَنَا بِتَارِكِهِمْ حَتَّى يُسْلِمُوا، أَوْ أَضْرِبَ أَعْنَاقَهُمْ». وَبِقُولِ عَلِيٍّ- كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ- الْمَشْهُورِ فِي بَنِي تَغْلِبَ. فَأَمَّا أَثَرُ عَلِيٍّ- كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ- وَقَدْ تَقَدَّمَ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَى الشَّافِعِيِّ لَا لَهُ؛ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِبَعْضِ الْعَرَبِ مُصَرِّحٌ فِيهِمْ بِأَنَّهُمْ لَيْسُوا نَصَارَى، وَأَمَّا أَثَرُ عُمَرَ رضي الله عنه فَرَوَاهُ فِي الْأُمِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى، وَقَدْ ضَعَّفَهُ الْجُمْهُورُ وَصَرَّحَ بَعْضُهُمْ بِكَذِبِهِ، وَمِمَّنْ طَعَنَ فِيهِ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ، وَمِمَّا قِيلَ فِيهِ أَنَّهُ جَمَعَ أُصُولَ الْبِدَعِ: فَكَانَ قَدَرِيًّا جَهْمِيًّا مُعْتَزَلِيًّا رَافِضِيًّا، وَقَدْ سُئِلَ الرَّبِيعُ حِينَ نُقِلَ عَنِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ كَانَ قَدَرِيًّا: مَا حَمَلَ الشَّافِعِيَّ عَلَى أَنْ رَوَى عَنْهُ؟ فَأَجَابَ بِأَنَّهُ كَانَ يُبَرِّئُهُ مِنَ الْكَذِبِ وَيَرَى أَنَّهُ ثِقَةٌ فِي الْحَدِيثِ؛ أَيْ وَالْعِبْرَةُ فِي الْحَدِيثِ بِالصِّدْقِ لَا بِالْمَذْهَبِ، وَقَالَ ابْنُ حِبَّانَ بَعْدَ أَنْ وَصَفَهُ بِالْبِدْعَةِ وَبِالْكَذِبِ فِي الْحَدِيثِ: وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَإِنَّهُ كَانَ يُجَالِسُ إِبْرَاهِيمَ فِي حَدَاثَتِهِ وَيَحْفَظُ عَنْهُ، فَلَمَّا دَخَلَ مِصْرَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ وَأَخَذَ يُصَنِّفُ الْكُتُبَ احْتَاجَ إِلَى الْأَخْبَارِ، وَلَمْ تَكُنْ كُتُبُهُ مَعَهُ، فَأَكْثَرُ مَا أَوْدَعَ الْكُتُبَ مِنْ حِفْظِهِ، وَرُبَّمَا كَنَّى عَنِ اسْمِهِ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ: مَا رَأَيْتُ أَحَدًا يَحْتَجُّ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى مِثْلَ الشَّافِعِيِّ، قُلْتُ لِلشَّافِعِيِّ: وَفِي الدُّنْيَا أَحَدٌ يَحْتَجُّ بِإِبْرَاهِيمَ بْنِ يَحْيَى؟. انْتَهَى مُلَخَّصًا مِنْ تَهْذِيبِ التَّهْذِيبِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ صِحَّةِ الْأَثَرِ، عَدَمُ الْعَمَلِ بِهِ عَلَى أَنَّهُ رَأَيُ صَحَابِيٍّ خَالَفَهُ فِيهِ الْجُمْهُورُ، فَلَا يُحْتَجُّ بِهِ وَإِنْ صَحَّ.
(3) قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي بَابِ الذَّبِيحَةِ وَفِيهِ مَنْ يَجُوزُ ذَبْحُهُ (مِنَ الْأُمِّ ص 205 و206 ج2): وَذَبْحُ كُلِّ مَنْ أَطَاقَ الذَّبْحَ مِنِ امْرَأَةٍ حَائِضٍ، وَصَبِيٍّ مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ ذَبْحِ الْيَهُودِيِّ وَالنَّصْرَانِيِّ، وَكُلٌّ حَلَالُ الذَّبِيحَةُ، غَيْرَ أَنِّي أُحِبُّ لِلْمَرْءِ أَنْ يَتَوَلَّى ذَبْحَ نُسُكِهِ؛ أَيْ كَالْأُضْحِيَّةِ وَالْهَدْيِ، فَإِنَّهُ يَرْوَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِهِ فَاطِمَةَ أَوْ غَيْرِهَا: احْضَرِي ذَبْحَ نَسِيكَتِكِ؛ فَإِنَّهُ يُغْفَرُ لَكِ عِنْدَ أَوَّلِ قَطْرَةٍ مِنْهَا.
قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَإِنْ ذَبَحَ النَّسِيكَةَ غَيْرُ مَالِكِهَا أَجْزَأَتْ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم نَحَرَ بَعْضَ هَدْيِهِ وَنَحَرَ بَعْضَهُ غَيْرُهُ، وَأَهْدَى هَدْيًا فَإِنَّمَا نَحَرَهُ مَنْ أَهْدَاهُ مَعَهُ، غَيْرَ أَنِّي أَكْرَهُ أَنْ يَذْبَحَ شَيْئًا مِنَ النِّسَائِكَ مُشْرِكٌ؛ لِأَنْ يَكُونَ مَا تَقَرَّبَ بِهِ إِلَى اللهِ عَلَى أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ فَإِنْ ذَبَحَهَا مُشْرِكٌ تَحِلُّ ذَبِيحَتُهُ أَجْزَأَتْ، مَعَ كَرَاهَتِي لِمَا وَصَفْتُ.
وَنِسَاءُ أَهْلِ الْكِتَابِ إِذَا أَطَقْنَ الذَّبْحَ كَرِجَالِهِمْ، وَمَا ذَبَحَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى لِأَنْفُسِهِمْ مِمَّا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِينَ أَكْلُهُ مِنَ الصَّيْدِ أَوْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ، وَكَانُوا يُحْرَمُونَ مِنْهُ، شَحْمًا أَوْ حَوَايَا- أَيْ مَا يَحْوِي الطَّعَامَ كَالْأَمْعَاءِ- أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ أَوْ غَيْرِهِ، إِنْ كَانُوا يُحَرِّمُونَهُ فَلَا بَأْسَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي أَكْلِهِ؛ لِأَنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ إِذْ أَحَلَّ طَعَامَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ أَهْلِ التَّفْسِيرِ ذَبَائِحَهُمْ؛ فَكُلُّ مَا ذَبَحُوا لَنَا فَفِيهِ شَيْءٌ مِمَّا يُحَرِّمُونَ، فَلَوْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا إِذَا ذَبَحُوهُ لِأَنْفُسِهِمْ مِنْ أَصْلِ دِينِهِمْ بِتَحْرِيمِهِمْ لَحُرِّمَ عَلَيْنَا إِذَا ذَبَحُوهُ لَنَا، وَلَوْ كَانَ يَحْرُمُ عَلَيْنَا بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَعَامِهِمْ، وَإِنَّمَا أُحِلَّ لَنَا طَعَامُهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى مَا يَسْتَحِلُّونَ، كَانُوا قَدْ يَسْتَحِلُّونَ مُحَرَّمًا عَلَيْنَا يُعِدُّونَهُ لَهُمْ طَعَامًا، فَكَانَ يَلْزَمُنَا لَوْ ذَهَبْنَا هَذَا الْمَذْهَبَ أَنَّ نَأْكُلَهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ طَعَامِهِمُ الْحَلَّالِ لَهُمْ عِنْدَهُمْ، وَلَكِنْ لَيْسَ هَذَا مَعْنَى الْآيَةِ، مَعْنَاهَا مَا وَصَفْنَا، وَاللهُ أَعْلَمُ.
هَذَا نَصُّ الشَّافِعِيِّ، فَمَذْهَبُهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِطَعَامِهِمْ فِي الْآيَةِ، ذَبَائِحُهُمْ خَاصَّةً لَا عُمُومَ الطَّعَامِ، فَمَا ذَبَحُوهُ مِمَّا هُوَ حَلَالٌ لَنَا كَذَبَائِحِنَا، لَا فَرْقَ بَيْنَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ مِنْهُ وَمَا حَلَّ لَهُمْ، وَمَا حُرِّمَ عَلَيْنَا لَا يَحِلُّ إِذَا كَانَ مِنْ طَعَامِهِمْ، وَهُوَ مُخَالِفٌ، فِي هَذَا لِلْمَذَاهِبِ الْأُخْرَى الَّتِي أَخَذَتْ بِعُمُومِ لَفْظِ الْآيَةِ وَعَدَّتْهَا كَالِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْنَا، إِلَّا الْمَيْتَةَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ؛ فَإِنَّهُمَا مُحَرَّمَانِ لِذَاتِهِمَا لَا لِمَعْنًى يَتَعَلَّقُ بِالتَّذْكِيَةِ أَوْ بِمَا يُذْكَرُ عَلَيْهِمَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ، وَقَدْ شَرَحَ كَوْنَ مَا أُحِلَّ لَنَا مِمَّا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، لَا يَحْرُمُ مِنْ ذَبَائِحِهِمْ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ (ص 209 و210 مِنْهُ) وَبَيَّنَ هُنَا أَنَّهُ يَجِبُ عَلَى كُلِّ عَاقِلٍ بَلَغَتْهُ دَعْوَةُ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَتْبَعَهُ فِي أُصُولِ شَرْعِهِ وَفُرُوعِهِ وَحَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، فَمَا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِمْ صَارَ حِلًّا لَهُمْ بِشَرْعِهِ وَحِلًّا لَنَا بِالْأَوْلَى.

.مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ فِي نِكَاحِ أَهْلِ الْكِتَابِ:

قَالَ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللهُ: وَأَهْلُ الْكِتَابِ الَّذِينَ يَحِلُّ نِكَاحُ حَرَائِرِهِمْ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، دُونَ الْمَجُوسِ، وَالصَّابِئُونَ وَالسَّامِرَةُ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، إِلَّا أَنْ يُعْلَمَ أَنَّهُمْ، يُخَالِفُونَهُمْ فِي أَصْلٍ مَا يُحِلُّونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيُحَرِّمُونَ، فَيَحْرُمُونَ كَالْمَجُوسِ، وَإِنْ كَانُوا يُجَامِعُونَهُمْ- أَيْ يُوَافِقُونَهُمْ- عَلَيْهِ وَيَتَأَوَّلُونَ فَيَخْتَلِفُونَ، فَلَا يَحْرُمُونَ، فَإِذَا نَكَحَهَا فَهِيَ كَالْمُسْلِمَةِ فِيمَا لَهَا وَعَلَيْهَا، إِلَّا أَنَّهُمَا لَا يَتَوَارَثَانِ. انْتَهَى مِنْ مُخْتَصَرِ الْمُزَنِيِّ (ص 282 ج 3 عَلَى هَامِشِ الْأُمِّ) وَظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ الْمَجُوسَ عِنْدَهُ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا فِي نِكَاحِهِمْ وَذَبَائِحِهِمْ.

.مَذْهَبُ أَحْمَدَ وَأَصْحَابِهِ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ:

قَالَ الشَّيْخُ الْمُوَفَّقُ عَبْدُ اللهِ بْنُ قُدَامَةَ فِي (الْمُقْنِعِ ص 531 ج2) مَا نَصُّهُ: وَيُشْتَرَطُ لِلذَّكَاةِ شُرُوطٌ أَرْبَعَةٌ؛ أَحَدُهَا: أَهْلِيَّةُ الذَّابِحِ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ عَاقِلًا مُسْلِمًا أَوْ كِتَابِيًّا؛ فَتُبَاحُ ذَبِيحَتُهُ ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى، وَعَنْهُ لَا تُبَاحُ ذَبِيحَةُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ، وَلَا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ.
وَذَكَرَ فِي حَاشِيَتِهِ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْمَذْهَبِ إِبَاحَةُ ذَبِيحَةِ بَنِي تَغْلِبَ، قَالَ: وَأَمَّا مَنْ أَحَدُ أَبَوَيْهِ غَيْرُ كِتَابِيٍّ فَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ أَنَّهَا تُبَاحُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَأَبُو ثَوْرٍ، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ، وَابْنُ الْقَيِّمِ، وَالثَّانِيَةُ لَا تُبَاحُ، وَهُوَ الْمَذْهَبُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّهُ وُجِدَ مَا يَقْتَضِي الْإِبَاحَةَ وَالتَّحْرِيمَ، فَغُلِّبَ التَّحْرِيمُ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ- أَيِ الصَّيْدَ- مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ. انْتَهَى.
أَقُولُ: وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلٌ آخَرُ، هُوَ أَنَّ الْعِبْرَةَ بِالْأَبِ، وَكَانَ اللَّائِقُ بِقَوْلِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتْبَعُ أَشْرَفَ الْأَبَوَيْنِ فِي الدِّينِ أَنْ يَجْعَلُوا ذَبْحَ الصَّغِيرِ كَذَبْحِ أَشْرَفِ وَالِدَيْهِ، وَأَمَّا الْبَالِغُ فَلَا وَجْهَ لِلْبَحْثِ عَنْ أَبَوَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ كِتَابِيًّا كَانَ دَاخِلًا فِي عُمُومِ الْآيَةِ.
ثُمَّ قَالَ (فِي ص 537) مِنْهُ: وَإِذَا ذَبَحَ الْكِتَابِيُّ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ؛ كَذِي الظُّفْرِ- أَيْ عِنْدَ الْيَهُودِ- لَمْ يَحْرُمْ عَلَيْنَا، وَإِنْ ذَبَحَ حَيَوَانًا غَيْرَهُ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْنَا الشُّحُومُ الْمُحَرَّمَةُ عَلَيْهِمْ، وَهُوَ شَحْمُ الثَّرْبِ، أَيِ الْكِرْشِ وَالْكُلْيَتَيْنِ، فِي ظَاهِرِ كَلَامِ أَحْمَدَ، رَحِمَهُ اللهُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ حَامِدٍ وَحَكَاهُ عَنِ الْخَرَقِيِّ فِي كَلَامٍ مُفْرَدٍ، وَاخْتَارَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيُّ وَالْقَاضِي تَحْرِيمَهُ، وَإِنْ ذَبَحَ لِعِيدِهِ أَوْ لِيَتَقَرَّبَ بِهِ إِلَى شَيْءٍ مَا يُعَظِّمُونَهُ، لَمْ يَحْرُمْ. نَصَّ عَلَيْهِ. انْتَهَى، أَيْ نَصَّ عَلَيْهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ وَهُوَ الْمَذْهَبُ، وَإِنْ رُوِيَ عَنْهُ التَّحْرِيمُ، وَهُوَ مُوَافِقٌ فِيهِ لِمَذْهَبِ مَالِكٍ، رَحِمَهُمُ اللهُ تَعَالَى.
وَقَالَ (فِي ص 535 مِنْهُ): الرَّابِعُ، أَيْ مِنْ شُرُوطِ التَّذْكِيَةِ: أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللهِ عِنْدَ الذَّبْحِ، وَهُوَ أَنْ يَقُولَ: بِسْمِ اللهِ، لَا يَقُومُ مَقَامَهَا غَيْرُهَا، إِلَّا الْأَخْرَسَ فَإِنَّهُ يُومِئُ إِلَى السَّمَاءِ، فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا لَمْ تُبَحْ، وَإِنْ تَرَكَهَا سَاهِيًا أُبِيحَتْ، وَعَنْهُ تُبَاحُ فِي الْحَالَيْنِ، وَعَنْهُ لَا تُبَاحُ فِيهِمَا.
قَالَ فِي حَاشِيَتِهِ: قَوْلُهُ فَإِنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ عَمْدًا... إِلَخْ. هَذَا هُوَ الْمَذْهَبُ فِيهِمَا، وَذَكَرَهُ ابْنُ جَرِيرٍ إِجْمَاعًا فِي سُقُوطِهَا سَهْوًا، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ، وَالثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَإِسْحَاقُ، وَمِمَّنْ أَبَاحَ مَا نُسِيَتِ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي لَيْلَى، وَجَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَعَنْ أَحْمَدَ تُبَاحُ فِي الْحَالَيْنِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ لِحَدِيثِ الْبَرَاءِ مَرْفُوعًا الْمُسْلِمُ يَذْبَحُ عَلَى اسْمِ اللهِ سَمَّى أَوْ لَمْ يُسَمِّ وَحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ سُئِلَ، فَقِيلَ: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ مِنَّا يَذْبَحُ وَيَنْسَى أَنْ يُسَمِّيَ اللهَ؟ فَقَالَ: اسْمُ اللهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ. رَوَاهُ ابْنُ عَدِيٍّ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَضَعَّفَهُ.
وَلَنَا مَا رَوَى الْأَحْوَصُ بْنُ حَكِيمٍ عَنْ رَاشِدِ بْنِ سَعْدٍ مَرْفُوعًا ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ وَإِنْ لَمْ يُسَمِّ، مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ رَوَاهُ سَعِيدٌ وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. لَكِنَّ الْأَحْوَصَ ضَعِيفٌ. وَعَنْ أَحْمَدَ لَا تُبَاحُ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} (6: 121) وَجَوَابُهُ أَنَّهَا مَحْمُولَةٌ عَلَى مَا إِذَا تَرَكَ اسْمَ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} (6: 121) وَالْأَكْلُ مِمَّا نُسِيَتِ التَّسْمِيَةُ عَلَيْهِ لَيْسَ بِفِسْقٍ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ انْتَهَى.
أَقُولُ: مِنْ عَجَائِبِ انْتِصَارِ الْإِنْسَانِ لِمَا يَخْتَارُهُ جَعْلُ الْفِسْقِ هُنَا بِمَعْنَى تَرْكِ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا، وَالظَّاهِرُ فِيهِ مَا قَالَهُ الشَّافِعِيَّةُ مِنْ أَنَّهُ مَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ، أَخْذًا مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} وَقَدْ تَقَدَّمَ.
وَفِي الْبَابِ مِنْ كِتَابِ بُلُوغِ الْمَرَامِ لِلْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ، مَا نَصُّهُ: وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الْمُسْلِمُ يَكْفِيهِ اسْمُهُ، فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يُسَمِّيَ اللهَ حِينَ يَذْبَحُ فَلْيُسَمِّ ثُمَّ لْيَأْكُلْ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَفِيهِ رَاوٍ فِي حِفْظِهِ ضَعْفٌ، وَفِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ سِنَانٍ، وَهُوَ صَدُوقٌ ضَعِيفُ الْحِفْظِ، وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ، وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ فِي مَرَاسِيلِهِ بِلَفْظِ: ذَبِيحَةُ الْمُسْلِمِ حَلَالٌ ذَكَرَ اللهَ عَلَيْهَا أَمْ لَمْ يَذْكُرْ وَرِجَالُهُ مُوَثَّقُونَ. انْتَهَى.
وَتَقَدَّمَ حَدِيثُ عَائِشَةَ عِنْدَ الْبُخَارِيِّ، قَالَتْ: إِنَّ قَوْمًا يَأْتُونَ بِاللَّحْمِ لَا نَدْرِي أَذَكَرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ أَمْ لَا، فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: سَمُّوا اللهَ عَلَيْهِ أَنْتُمْ وَكُلُوهُ. انْتَهَى.
وَقَدْ جَعَلَ عُلَمَاءُ الْأَزْهَرِ الْفَصْلَ الْأَوَّلَ مِنْ كِتَابِ (إِرْشَادُ الْأُمَّةِ الْإِسْلَامِيَّةِ) الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي بَيَانِ مَذْهَبِ الْحَنَابِلَةِ فِي الذَّبِيحَةِ الَّتِي أَفْتَى بِهَا مُفْتِي مِصْرَ، قَالُوا: ذَهَبَ الْحَنَابِلَةُ إِلَى أَنَّ الْمُعْتَبَرَ فِي حِلِّ الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ، أَنْ تُذَكَّى وَفِيهَا حَيَاةٌ وَإِنْ قَلَّتْ كَالْمَرِيضَةِ، وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَالْحَسَنِ وَقَتَادَةَ وَالسَّيِّدَيْنِ: الْبَاقِرِ وَالصَّادِقِ، وَإِبْرَاهِيمَ وَطَاوُسٍ وَالضَّحَّاكِ وَابْنِ زَيْدٍ، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَهُمْ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ؛ فَيَحِلُّ مَتْرُوكُ التَّسْمِيَةِ عَمْدًا أَوْ سَهْوًا، مِنْ مُسْلِمٍ أَوْ كِتَابِيٍّ عَلَى رِوَايَةٍ، وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ أَحْمَدَ تُشْتَرَطُ مِنْ مُسْلِمٍ لَا مِنْ كِتَابِيٍّ، وَعَنْهُ عَكْسُهَا، ثُمَّ أَيَّدُوا هَذِهِ الْخُلَاصَةَ بِنَقْلٍ مِنْ كِتَابِ (دَقَائِقِ أُولِي النُّهَى عَلَى مَتْنِ الْمُنْتَهَى) وَمِنْ غَيْرِهِ.

.صَفْوَةُ الْخِلَافِ بَيْنَ الْفُقَهَاءِ، وَالْمُخْتَارُ مِنْهُ فِي طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ:

مَنْ تَأَمَّلَ مَا نَقَلْنَاهُ مِنْ كُتُبِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَمَا تَخَلَّلَهُ وَسَبَقَهُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ يَظْهَرُ لَهُ أَنَّ الْمُتَّفَقَ عَلَيْهِ أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَيْنَا مِنْ طَعَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ مَا حُرِّمَ عَلَيْنَا، فِي دِينِنَا لِذَاتِهِ، وَهُوَ الْمَيْتَةُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ، وَكَذَا الدَّمُ الْمَسْفُوحُ قَطْعًا، وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ فِيمَا تَقَدَّمَ مِنَ النَّقْلِ وَلَا نَعْلَمُ أَنَّ أَحَدًا مِنْهُمْ يَأْكُلُهُ أَوْ يَشْرَبُهُ، وَكَذَلِكَ الْمَيْتَةُ كُلُّهُمْ يُحَرِّمُونَهَا، وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ مُحَرَّمٌ بِنَصِّ التَّوْرَاةِ إِلَى الْيَوْمِ، وَقَدِ اسْتَبَاحَهُ النَّصَارَى بِإِبَاحَةِ مُقَدَّسِهِمْ بُولِسْ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ كَمَا عَلِمْتَ، فَكُلُّ مَا أَكَلْنَاهُ مِمَّا عَدَا ذَلِكَ مِنْ طَعَامِهِمْ نَكُونُ مُوَافِقِينَ فِيهِ لِقَوْلِ بَعْضِ فُقَهَائِنَا الَّذِينَ شَدَّدَ بَعْضُهُمْ وَخَفَّفَ بَعْضٌ فِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَأَشَدُّ الْفُقَهَاءِ تَشْدِيدًا فِي ذَلِكَ وَفِي أَكْثَرِ الْأَحْكَامِ، الشَّافِعِيَّةُ. وَمَنْ تَأَمَّلَ أَدِلَّةَ الْجَمِيعِ رَأَى أَنَّ أَظْهَرَهَا قَوْلُ الَّذِينَ أَخَذُوا بِعُمُومِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وَلَمْ يُخَصِّصُوهُ بِذَبَائِحِهِمْ، فَضْلًا عَنْ تَخْصِيصِهِ بِحُبُوبِهِمْ؛ كَالشِّيعَةِ، وَلَا يُشْتَرَطُ فِي حِلِّ طَعَامِهِمْ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ أَحْبَارُهُمْ وَرُهْبَانُهُمْ كَمَا قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُنَا الْأُسْتَاذُ الْإِمَامُ مُفْتِي مِصْرَ فِي الْفَتْوَى التِّرِنْسِفَالِيَّةِ، فَهُوَ تَشْدِيدٌ لَا مُسْتَنَدَ لَهُ فِي غَيْرِ مَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ، إِلَّا الثِّقَةَ بِأَنْ يَكُونَ مَا يَأْكُلُونَهُ غَيْرَ مُحَرَّمٍ عَلَيْهِمْ فِي كُتُبِهِمْ، وَقَدْ نَسَخَتْ شَرِيعَتُنَا كُتُبَهُمْ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرَهُ، فَلَا عِبْرَةَ بِمَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ فِيهَا، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي صِفَاتِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ} (7: 157) وَلَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ طَعَامُهُمْ مُوَافِقًا لِشَرِيعَتِنَا سَوَاءٌ كَانُوا مُخَاطَبِينَ بِفُرُوعِهَا قَبْلَ الْإِيمَانِ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، أَوْ غَيْرَ مُخَاطَبِينَ بِهَا إِلَّا بَعْدَ الْإِيمَانِ، كَمَا يَقُولُ الْجُمْهُورُ؛ إِذْ لَوْ كَانَ هَذَا شَرْطًا لَمَا كَانَ لِإِبَاحَةِ طَعَامِهِمْ فَائِدَةٌ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ فِي بِدَايَةِ الْمُجْتَهِدِ، مَا نَصُّهُ: وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ، مِنْ ذَلِكَ فِي أَصْلِ شَرْعِهِمْ وَمَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، قَالَ: مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ هُوَ أَمْرٌ حَقٌّ فَلَا تَعْمَلُ فِيهِ الذَّكَاةُ، وَمَا حَرَّمُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَمْرٌ بَاطِلٌ، فَتَعْمَلُ فِيهِ التَّذْكِيَةُ. قَالَ الْقَاضِي: وَالْحَقُّ أَنَّ مَا حُرِّمَ عَلَيْهِمْ أَوْ حَرَّمُوهُ عَلَى أَنْفُسِهِمْ هُوَ فِي وَقْتِ شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ أَمْرٌ بَاطِلٌ؛ إِذْ كَانَتْ نَاسِخَةً لِجَمِيعِ الشَّرَائِعِ، فَيَجِبُ أَلَّا يُرَاعَى اعْتِقَادُهُمْ فِي ذَلِكَ، وَلَا يُشْتَرَطَ أَيْضًا أَنْ يَكُونَ اعْتِقَادُهُمْ فِي تَحْلِيلِ الذَّبَائِحِ اعْتِقَادَ الْمُسْلِمِينَ وَلَا اعْتِقَادَ شَرِيعَتِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوِ اشْتُرِطَ ذَلِكَ لَمَا جَازَ أَكْلُ ذَبَائِحِهِمْ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ؛ لِكَوْنِ اعْتِقَادِ شَرِيعَتِهِمْ فِي ذَلِكَ مَنْسُوخًا، وَاعْتِقَادُ شَرِيعَتِنَا لَا يَصِحُّ مِنْهُمْ، وَإِنَّمَا هَذَا حُكْمٌ خَصَّهُمُ اللهُ تَعَالَى بِهِ، فَذَبَائِحُهُمْ، وَاللهُ أَعْلَمُ، جَائِزَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِلَّا ارْتَفَعَ حُكْمُ آيَةِ التَّحْلِيلِ جُمْلَةً، فَتَأَمَّلْ هَذَا فَإِنَّهُ بَيِّنٌ، وَاللهٌ أَعْلَمُ. انْتَهَى.
وَالْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْقَاضِي، رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى. وَمُرَادُهُ بِذَبَائِحِهِمْ مُذَكَّاهُمْ كَيْفَمَا كَانَتْ تَذْكِيَتُهُ عِنْدَهُمْ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَعْنَى التَّذْكِيَةِ وَأَنَّهَا عِبَارَةٌ عَنْ قَتْلِ الْحَيَوَانِ بِقَصْدِ أَكْلِهِ، وَأَقْوَالُ عُلَمَاءِ السَّلَفِ وَمُحَقِّقِي الْمَالِكِيَّةِ فِي ذَلِكَ، فَلِلَّهِ دَرُّ مَالِكٍ وَالْمَالِكِيَّةِ، إِنَّ كَلَامَهُمْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ أَظْهَرُ مِنْ كَلَامِ مُخَالِفِيهِمْ دَلِيلًا، وَأَلْيَقُ بِيُسْرِ الْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ. وَمِنَ الْعَجَائِبِ أَنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ يُحِبُّونَ أَنْ تَكُونَ الشَّرِيعَةُ عُسْرًا لَا يُسْرًا وَحَرَجًا لَا سِعَةً، وَإِنْ هُمْ لَمْ يَلْتَزِمُوهَا إِلَّا فِيمَا يُوَافِقُ أَهْوَاءَهُمْ، فَمَنْ شَدَّدَ عَلَى نَفْسِهِ فَذَاكَ ذَنْبٌ عِقَابُهُ فِيهِ، وَمَنْ شَدَّدَ عَلَى الْأُمَّةِ حَثَوْنَا التُّرَابَ فِي فِيهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.