فصل: فصل: (الوضوء وشروط صحة الصلاة):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: [الوضوء وشروط صحة الصلاة]:

قال الفخر:
اختلفوا في أن هذه الآية هل تدل على كون الوضوء شرطًا لصحة الصلاة؟ والأصح أنها تدل عليه من وجهين: الأول: أنه تعالى علق فعل الصلاة على الطهور بالماء، ثم بيّن أنه متى عدم لا تصح إلا بالتيمم، ولو لم يكن شرطًا لما صح ذلك.
الثاني: أنه تعالى إنما أمر بالصلاة مع الوضوء، فالآتي بالصلاة بدون الوضوء تارك للمأمور به، وتارك المأمور به يستحق العقاب، ولا معنى للبقاء في عهدة التكليف إلا ذلك، فإذا ثبت هذا ظهر كون الوضوء شرطًا لصحة الصلاة بمقتضى هذه الآية. اهـ.

.فصل: [النية وأثرها في الوضوء والغسل]:

قال الفخر:
قال الشافعي رحمه الله: النيّة شرط لصحة الوضوء والغسل.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: ليس كذلك.
واعلم أن كل واحد منهما يستدل لذلك بظاهر هذه الآية.
أما الشافعي رحمه الله فإنه قال: الوضوء مأمور به، وكل مأمور به يجب أن يكون منويًا فالوضوء يجب أن يكون منويًا، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون شرطًا لأنه لا قائل بالفرق، وإنما قلنا: إن الوضوء مأمور به لقوله: {اغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} [المائدة: 6] ولا شك أن قوله: {فاغسلوا} {وامسحوا} أمر، وإنما قلنا: إن كل مأمور به أن يكون منويًا لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} [البينة: 5] واللام في قوله: {لِيَعْبُدُواْ} ظاهر للتعليل، لكن تعليل أحكام الله تعالى محال، فوجب حمله على الباء لما عرف من جواز إقامة حروف الجر بعضها مقام بعض، فيصير التقدير: وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين، والإخلاص عبارة عن النية الخالصة، ومتى كانت النية الخالصة معتبرة كان أصل النية معتبرًا.
وقد حققنا الكلام في هذا الدليل في تفسير قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} فليرجع إليه في طلب زيادة الاتقان، فثبت بما ذكرنا أن كل وضوء مأمور به، وثبت أن كل مأمور به يجب أن يكون منويًا فلزم القطع بأن كل وضوء يجب أن يكون منويًا أقصى ما في الباب أن قولنا: كل مأمور به يجب أن يكون منويًا مخصوص في بعض الصور، لكنا إنما أثبتنا هده المقدمة بعموم النص، والعام حجة في غير محل التخصيص.
وأما أبو حنيفة رحمه الله فإنه احتج بهذه الآية على أن النية ليست شرطًا لصحة الوضوء، فقال: إنه تعالى أوجب غسل الأعضاء الأربعة في هذه الآية ولم يوجب النية فيها، فإيجاب النية زيادة على النص، والزيادة على النص نسخ، ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقياس لا يجوز.
وجوابنا: أنا بينا أنه إنما أوجبنا النية في الوضوء بدلالة القرآن. اهـ.

.فصل: [الترتيب بين أعضاء الوضوء]:

قال الفخر:
قال الشافعي رحمه الله: الترتيب شرط لصحة الوضوء، وقال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله: ليس كذلك، احتج الشافعي رحمه الله بهذه الآية على قوله من وجوه: الأول: أن قوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وجوهكم} يقتضي وجوب الابتداء بغسل الوجه لأن الفاء للتعقيب، وإذا وجب الترتيب في هذا العضو وجب في غيره لأنه لا قائل بالفرق.
فإن قالوا: فاء التعقيب إنما دخلت في جملة هذه الأعمال فجرى الكلام مجرى أن يقال: إذا قمتم إلى الصلاة فأتوا بمجموع هذه الأفعال.
قلنا: فاء التعقيب إنما دخلت على الوجه لأن هذه الفاء ملتصقة بذكر الوجه، ثم إن هذه الفاء بواسطة دخولها على الوجه دخلت على سائر الأعمال، وعلى هذا دخول الفاء في غسل الوجه أصل، ودخولها على مجموع هذه الأفعال تبع لدخولها على غسل الوجه، ولا منافاة بين إيجاب تقديم غسل الوجه وبين إيجاب مجموع هذه الأفعال، فنحن اعتبرنا دلالة هذه الفاء في الأصل والتبع، وأنتم ألغيتموها في الأصل واعتبرتموها في التبع، فكان قولنا أولى.
والوجه الثاني: أن نقول: وقعت البداءة في الذكر بالوجه، فوجب أن تقع البداءة به في العمل لقوله: {فاستقم كَمَا أُمِرْتَ} [هود: 112] ولقوله عليه الصلاة والسلام: «ابدؤا بما بدأ الله» وهذا الخبر وإن ورد في قصة الصفا والمروة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، أقصى ما في الباب أنه مخصوص في بعض الصور لكن العام حجة في غير محل التخصيص، والثالث: أنه تعالى ذكر هذه الأعضاء لا على وفق الترتيب المعتبر في الحس، ولا على وفق الترتيب المعتبر في الشرع، وذلك يدل على أن الترتيب واجب.
بيان المقدمة الأولى أن الترتيب المعتبر في الحس أن يبدأ من الرأس نازلًا إلى القدم، أو من القدم صاعدًا إلى الرأس، والترتيب المذكور في الآية ليس كذلك، وأما الترتيب المعتبر في الشرع فهو أن يجمع بين الأعضاء المغسولة، ويفرد الممسوحة عنها، والآية ليست كذلك، فإنه تعالى أدرج الممسوح في أثناء المغسولات، إذ ثبت هذا فنقول: هذا يدل على أن الترتيب واجب، والدليل عليه أن إهمال الترتيب في الكلام مستقبح، فوجب تنزيه كلام الله تعالى عنه، ترك العمل به فيما إذا صار ذلك محتملًا للتنبيه على أن ذلك الترتيب واجب، فيبقى في غير هذه الصورة على وفق الأصل.
الرابع: أن إيجاب الوضوء غير معقول المعنى، وذلك يقتضي وجوب الإتيان به على الوجه الذي ورد في النص، بيان المقام الأول من وجوه: أحدها: أن الحدث يخرج من موضع والغسل يجب من موضع آخر وهو خلاف المعقول، وثانيها: أن أعضاء المحدث طاهرة لقوله تعالى: {إِنَّمَا المشركون نَجَسٌ} [التوبة: 28] وكلمة إنما للحصر، وقوله عليه الصلاة والسلام: «المؤمن لا ينجس حيًا ولا ميتًا» وتطهير الطاهر محال، وثالثها: أن الشرع أقام التيمم مقام الوضوء، ولا شك أنه ضد النظافة والوضاءة، ورابعها: أن الشرع أقام المسح على الخفين مقام الغسل، ومعلوم أنه لا يفيد ألبته في نفس العضو نظافه، وخامسها: أن الماء الكدر العفن يفيد الطهارة، وماء الورد لا يفيدها، فثبت بهذا أن الوضوء غير معقول المعنى، وإذ ثبت هذ وجب الاعتماد فيه على مورد النص، لاحتمال أن يكون الترتيب المذكور معتبرًا إما لمحض التعبد أو لحكم خفية لا نعرفها، فلهذا السبب أوجبنا رعاية الترتيب المعتبر المذكور في أركان الصلاة، بل هاهنا أولى، لأنه تعالى لما ذكر أركان الصلاة في كتابه مرتبة وذكر أعضاء الوضوء في هذه الآية مرتبة فلما وجب الترتيب هناك فههنا أولى.
واحتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية على قوله فقال: الواو لا توجب الترتيب، فكانت الآية خالية عن إيجاب الترتيب، فلو قلنا بوجوب الترتيب كان ذلك زيادة على النص، وهو نسخ وهو غير جائز.
وجوابنا: أنا بينا دلالة الآية على وجوب الترتيب من جهات أخر غير التمسك بأن الواو توجب الترتيب والله أعلم. اهـ.

.فصل: [الموالاة في الوضوء]:

قال الفخر:
موالاة أفعال الوضوء ليست شرطًا لصحته في القول الجديد للشافعي رحمه الله، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله، وقال مالك رحمه الله: إنه شرط لنا أنه تعالى أوجب هذه الأعمال، ولا شك أن إيجابها قدر مشترك بين إيجابها على سبيل الموالاة وإيجابها على سبيل التراخي ثم إنه تعالى حكم في آخر هذه الآية بأن هذا القدر يفيد حصول الطهارة، وهو قوله: {ولكن يُرِيدُ لِيُطَهّرَكُمْ} فثبت أن الوضوء بدون الموالاة يفيد حصول الطهارة، فوجب أن نقول بجواز الصلاة بها لقوله عليه الصلاة والسلام: «مفتاح الصلاة الطهارة». اهـ.

.فصل: [نواقض الوضوء]:

قال الفخر:
قال أبو حنيفة رحمه الله: الخارج من غير السبيلين ينقض الوضوء، وقال الشافعي رحمه الله لا ينقض، احتج أبو حنيفة رحمه الله بهذه الآية فقال: ظاهرها يقتضي الإتيان بالوضوء لكل صلاة على ما بينا ذلك فيما تقدم، ترك العمل به عندما لم يخرج الخارج النجس من البدن فيبقى معمولًا به عند خروج الخارج النجس، والشافعي رحمه الله عول على ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم احتجم وصلّى ولم يزد على غسل أثر محاجمه. اهـ.

.فصل: [الخارج من السبيلين]:

قال الفخر:
قال مالك رحمه الله: لا وضوء في الخارج من السبيلين إذا كان غير معتاد وسلم في دم الاستحاضة، وقال ربيعة: لا وضوء أيضًا في دم الاستحاضة، لنا التمسك بعموم الآية. اهـ.

.فصل: [القهقهة في الصلاة]:

قال الفخر:
قال أبو حنيفة رحمه الله: القهقهة في الصلاة المشتملة على الركوع والسجود تنقض الوضوء، وقال الباقون: لا تنقض، ولأبي حنيفة رحمه الله التمسك بعموم الآية على ما قررناه.

.فصل: [لمس المرأة وأثره في نقض الوضوء]:

قال الشافعي رحمه الله: لمس المرأة ينقض الوضوء، وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا ينقضه، للشافعي أن يتمسك بعموم الآية، وهذا العموم متأكد بظاهر قوله تعالى: {أَوْ لامستم النساء} وحجة الخصم خبر واحد، أو قياس، فلا يصير معارضًا له.

.فصل: [مس الفرج]:

مس الفرج ينقض الوضوء عند الشافعي رحمه الله، وقال أبو حنيفة رحمه الله لا ينقضه، للشافعي رحمه الله أن يتمسك بعموم الآية، وهذا العموم متأكد بقوله عليه الصلاة والسلام: «من مسّ ذكره فليتوضأ» والخبر الذي يتمسك به الخصم على خلاف عموم الآية فكان الترجيح معنا.

.فصل: [إزالة النجاسة]:

لو كان على بدنه أو وجهه نجاسة فغسلها ونوى الطهارة عن الحدث بذلك الغسل هل يصح وضوؤه؟ ما رأيت هذه المسألة موضوعة في كتب أصحابنا.
والذي أقوله: إنه يكفي لأنه أمر بالغسل في قوله: {فاغسلوا} وقد أتى به فيخرج عن العهدة لأنه عند احتياجه إلى التبرد والتنظف لو نوى فإنه يصح وضوؤه، كذا ههنا.
وأيضًا قال عليه الصلاة والسلام: «لكل امرئ ما نوى» وهذا الإنسان نوى فيجب أن يحصل له المنوي والله أعلم.