فصل: فصل: (في قوله تعالى: {فَاطَّهَّرُوا}):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: [في قوله تعالى: {فَاطَّهَّرُوا}]:

قال الفخر:
قوله: {فاطهروا} أمر على الإطلاق بحيث لم يكن مخصوصًا بعضو معين دون عضو، فكان ذلك أمرًا بتحصيل الطهارة في كل البدن على الإطلاق، ولأن الطهارة لما كانت مخصوصة ببعض الأعضاء لا جرم ذكر الله تعالى تلك الأعضاء على التعيين، فههنا لما لم يذكر شيئًا من الأعضاء على التعيين علم أن هذا الأمر أمر بطهارة كل البدن.
واعلم أن هذا التطهير هو الاغتسال كما قال في موضع آخر {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِى سَبِيلٍ حتى تَغْتَسِلُواْ} [النساء: 43]. اهـ.

.فصل: [الدلك عند الغسل]:

قال الفخر:
الدلك غير واجب في الغسل، وقال مالك رحمه الله: واجب.
لنا أن قوله: {فاطهروا} أمر بتطهير البدن، وتطهير البدن لا يعتبر فيه الدلك بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن الاغتسال من الجناية قال: «أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات خفيفات من الماء فإذا أنا قد طهرت» أثبت حصول الطهارة بدون الدلك، فدل على أن التطهير لا يتوقف على الدلك. اهـ.

.فصل: [مس المصحف للجنب]:

قال الفخر:
لا يجوز للجنب مس المصحف.
وقال داود: يجوز.
لنا قوله: {فاطهروا} فدل على أنه ليس بطاهر، وإلا لكان ذلك أمرًا بتطهير الطاهر وإنه غير جائز، وإذا لم يكن طاهرًا لم يجز له مس المصحف لقوله تعالى: {لاَّ يَمَسُّهُ إِلاَّ المطهرون} [الواقعة: 79]. اهـ.

.فصل: [تقديم الوضوء على الغسل]:

قال الفخر:
لا يجب تقديم الوضوء على الغسل، وقال أبو ثور وداود: يجب.
لنا أن قوله: {فاطهروا} أمر بالتطهير، والتطهير حاصل بمجرد الاغتسال، ولا يتوقف على الوضوء بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: «أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت». اهـ.

.فصل: [المضمضة والاستنشاق في الغسل]:

قال الفخر:
قال الشافعي رحمه الله: المضمضة والاستنشاق غير واجبين في الغسل، وقال أبو حنيفة رحمه الله: هما واجبان.
حجة الشافعي قوله عليه الصلاة والسلام: «أما أنا فأحثي على رأسي ثلاث حثيات فإذا أنا قد طهرت».
وحجة أبي حنيفة الآية والخبر.
أما الآية فقوله تعالى: {فاطهروا} وهذا أمر بأن يطهروا أنفسهم، وتطهير النفس لا يحصل إلا بتطهير جميع أجزاء النفس، ترك العمل به في الأجزاء الباطنة التي يتعذر تطهيرها، وداخل الفم والأنف يمكن تطهيرهما، فوجب بقاؤهما تحت النص، وأما الخبر فقوله عليه الصلاة والسلام: «بُلّوا الشعرَ وانقوا البَشَرَة فإن تحت كل شعرة جنابة» فقوله: «بلوا الشعر» يدخل فيه الأنف لأن في داخله شعرًا، وقوله: «وانقوا البشرة» يدخل فيه جلدة داخل الفم. اهـ.

.فصل: [تخليل الشعر]:

قال الفخر:
شعر الرأس إن كان مفتولًا لا مشدودًا بعضه ببعض نظر، فإن كان ذلك يمنع من وصول الماء إلى جلدة الرأس وجب نقضه، وقال مالك لا يجب، وإن كان لا يمنع لم يجب وقال النخعي: يجب.
لنا أن قوله: {فاطهروا} عبارة عن إيصال الماء إلى جميع أجزاء البدن، فإن كان شد بعض الشعور بالبعض مانعًا منه وجب إزالة ذلك الشد ليزول ذلك المانع، فإن لم يكن مانعًا منه لم يجب إزالته، لأن ما هو المقصود قد حصل فلا حاجة إليه. اهـ.

.فائدة: [الترتيب في الغسل]:

قال الفخر:
قال الأكثرون: لا ترتيب في الغسل، وقال إسحاق: تجب البداءة بأعلى البدن لنا أن قوله: {فاطهروا} أمر بالتطهير المطلق، وذلك حاصل بإيصال الماء إلى كل البدن، فإذا حصل التطهير وجب أن يكون كافيًا في الخروج عن العهدة. اهـ.

.قال في روح البيان:

قال في «بدائع الصنائع في أحكام الشرائع» إنما وجب غسل جميع البدن بخروج المني ولم يجب بخروج البول والغائط وإنما وجب غسل الأعضاء المخصصة لا غير لوجوه: أحدها أن قضاء الشهوة بإنزال المني استمتاع بنعمة يظهر أثرها في جميع البدن وهي اللذة فأمر بغسل جميع البدن شكرًا لهذه النعمة وهذا لا يتقدر في البول والغائط، والثاني: أن الجنابة تأخذ جميع البدن ظاهره وباطنه لأن الوطء الذي هو سببها لا يكون إلا باستعمال جميع ما في البدن من القوة حتى يضعف الإنسان بالإكثار منه ويقوى بالامتناع عنه وإذن أخذت الجنابة جميع البدن الظاهر والباطن بقدر الإمكان ولا كذلك الحدث فإنه لا يأخذ إلا الظاهر من الأطراف لأن سببه يكون بظواهر الأطراف من الأكل والشرب ولا يكون باستعمال جميع البدن فأوجب غسل ظاهر الأطراف لا سائر البدن.
والثالث: أن غسل الكل أو البعض وجب وسيلة إلى الصلاة التي هي خدمة الرب سبحانه والقيام بين يديه وتعظيمه فيجب أن يكون المصلى على أطهر الأحوال وأنظفها ليكون أقرب إلى التعظيم وأكمل في الخدمة وكمال تعظيم النظافة يحصل بغسل جميع البدن وهذا هو العزيمة في الحدث أيضًا إلا أن ذلك مما يكثر وجوده فاكتفى منه بأكثر النظافة وهي تنقية الأطراف التي تنكشف كثيرًا ويقع عليها الأبصار أبدًا وأقيم ذلك مقام غسل كل البدن دفعًا للحرج وتيسيرًا وفضلًا من الله ورحمة ولا حرج في الجنابة لأنها لا تكثر فبقي الأمر فيها على العزيمة انتهى كلام البدائع هذا غسل الحي، وأما غسل الميت فشريعة ماضية لما روي أن آدم عليه السلام لما قبض نزل جبريل بالملائكة وغسلوه وقالوا لأولاده هذه سنة موتاكم وفي الحديث «للمسلم على المسلم ستة حقوق ومن جملتها أن يغسله بعد موته» ثم هو واجب عملًا بكلمة على ولكن إذا قام به البعض سقط عن الباقين لحصول المقصود وأريد بالسنة في حديث آدم الطريقة ولو تعين واحد لغسله لا يحل له أخذ الأجرة عليه وإنما وجب غسل الميت لأنه تنجس بالموت كسائر الحيوانات الدموية إلا أنه يطهر بالغسل كرامة له ولو وجد ميت في الماء فلابد من غسله لأن الخطاب بالغسل توجه لبني آدم ولم يوجد منهم فعل.
وقيل: إن الميت إذا فارقته الروح وارتاح من شدة النزع أنزل فوجب على الأحياء غسله كذا في حل «الرموز وكشف الكنوز» والفرق بين غسل الميت والحي أنه يستحب البداءة بغسل وجه الميت بخلاف الحي فإنه يبدأ بغسل يديه ولا يمضمض ولا يستنشق بخلاف الحي ولا يؤخر غسل رجليه بخلاف الحي إن كان في مستنقع الماء ولا يمسح رأسه في وضوء الغسل بخلاف الحي في رواية كذا في «الأشباه». اهـ.

.قال الفخر:

يجوز للمريض أن يتيمم لقوله تعالى: {وَإِنْ كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ} ولا يجوز أن يقال: إنه شرط فيه عدم الماء، لأن عدم الماء يبيح التيمم، فلا معنى لضمه إلى المرض، وإنما يرجع قوله: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء} إلى المسافر. اهـ.

.فصل: [أحوال المرض]:

قال الفخر:
المرض على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يخاف الضرر والتلف، فههنا يجوز التيمم بالاتفاق.
الثاني: أن لا يخاف الضرر ولا التلف، فههنا قال الشافعي: لا يجوز التيمم، وقال مالك وداود يجوز، وحجتهما أن قوله: {وَإِنْ كُنتُم مرضى} يتناول جميع أنواع المرض.
الثالث: أن يخاف الزيادة في العلة وبطء المرض، فههنا يجوز له التيمم على أصح قولي الشافعي رحمه الله.
وبه قال مالك وأبو حنيفة رحمهما الله، والدليل عليه عموم قوله: {وَإِنْ كُنتُم مرضى} الرابع: أن يخاف بقاء شين على شيء من أعضائه، قال في «الجديد»: لا يتيمم.
قال في «القديم» يتيمم وهو الأصح لأنه هو المطابق للآية. اهـ.

.فصل: [حصول المرض في بعض الجسد دون بعض]:

قال الفخر:
إن كان المرض المانع من استعمال الماء حاصلًا في بعض جسده دون بعض، فقال الشافعي رحمه الله: إنه يغسل ما لا ضرر عليه ثم يتيمم، وقال أبو حنيفة رحمه الله: إن كان أكثر البدن صحيحًا غسل الصحيح دون التيمم، وإن كان أكثره جريحًا يكفيه التيمم.
حجة الشافعي رحمه الله الأخذ بالاحتياط، وحجة أبي حنيفة رحمه الله أن الله تعالى جعل المرض أحد أسباب جواز التيمم، والمرض إذا كان حالًا في بعض أعضائه فهو مريض فكان داخلًا تحت الآية. اهـ.

.فصل: [اللصوق التي تمنع وصول الماء إلى البشرة]:

قال الفخر:
لو ألصق على موضع التيمم لصوقًا يمنع وصول الماء إلى البشرة ولا يخاف من نزع ذلك اللصوق التلف، قال الشافعي رحمه الله: يلزمه نزع اللصوق عند التيمم حتى يصل التراب إليه، وقال الأكثرون: لا يجب.
حجة الشافعي رعاية الاحتياط، وحجة الجمهور أن مدار الأمر في التيمم على التخفيف وإزالة الحرج على ما قال تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] فإيجاب نزع للصوق حرج، فوجب أن لا يجب.

.فصل: [التيمم في السفر القصير]:

يجوز التيمم في السفر القصير، وقال بعض المتأخرين من أصحابنا: لا يجوز.
لنا أن قوله تعالى: {أَوْ على سَفَرٍ} مطلق وليس فيه تفصيل أن السفر هل هو طويل أو قصير، ولقائل أن يقول: أنا إذا قلنا السفر الطويل والقصير سببان للرخصة لكون لفظ السفر مطلقًا وجب أن نقول: المرض الخفيف والشديد سببان للرخصة لكون لفظ المرض مطلقًا، ويدل أيضًا على أن السفر القصير يبيح التيمم ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه انصرف من قومه فبلغ موضعًا مشرفًا على المدينة فدخل وقت العصر فطلب الماء للوضوء فلم يجد فجعل يتيمم، فقال له مولاه: أتتيمم وها هي تنظر إليك جدران المدينةا فقال: أو أعيش حتى أبلغها، وتيمم وصلّى، ودخل المدينة والشمس حية بيضاء وما أعاد الصلاة.