فصل: فصل: (إذا كان مع المسافر ماء وخاف العطش):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فصل: [إذا كان مع المسافر ماء وخاف العطش]:

المسافر إذا كان معه ماء ويخاف العطش جاز له أن يتيمم لقوله تعالى في آخر الآية: {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مّنْ حَرَجٍ} ولأن فرض الوضوء سقط عنه إذا أضر بماله، بدليل أنه إذا لم يجد الماء إلا بثمن كثير لم يجب عليه الوضوء، فإذا أضر بنفسه كان أولى.

.فصل: [إذا كان مع المسافر وخاف تلف حيوان]:

إذا كان معه ماء وكان حيوان آخر عطشانًا مشرفًا على الهلاك يجوز له التيمم لأن ذلك الماء واجب الصرف إلى ذلك الحيوان، لأن حق الحيوان مقدم على الصلاة، ألا ترى أنه يجوز له قطع الصلاة عند إشراف صبي أو أعمى على غرق أو حرق، فإذا كان كذلك كان ذلك الماء كالمعدوم، فدخل حينئذٍ تحت قوله: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ}.

.فصل: [إذا لم يكن مع المسافر ماء وكان مع غيره]:

إذ لم يكن معه ماء ولكن كان مع غيره ماء، ولا يمكنه أن يشتري إلا بالغبن الفاحش جاز التيمم له: لأن قوله: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكمْ في الدين مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] رفع عنه تحمل الغبن الفاحش، وحينئذٍ يكون كالفاقد للماء فيدخل تحت قوله: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} وكذا القول إذا كان يباع الماء بثمن المثل لكنه لا يجد ذلك الثمن، أو كان معه الثمن لكنه يحتاج إليه حاجه ضروريه، فأما إذا كان واجد الثمن المثل ولم يكن به إليه حاجة ضرورية فهنا يجب شراء الماء.

.فصل: [إذا وهب له ماء]:

إذا وهب منه ذلك الماء هل يجوز له التيمم، قال أصحابنا: يجوز له التيمم ولا يجب عليه قبول ذلك الماء، لأن المنة في قبول الهبة شاقة، وأنا أتعجب منهم فإنهم لما جعلوا هذا القدر من الحرج سببًا لجواز التيمم فلم لم يجدوا خوف زيادة الألم في المرض سببًا لجواز التيمم.

.فصل: [الحكم إذا منه الدول والرشاء]:

إذا أعير منه الدول والرشاء، فههنا الأكثرون قالوا: لا يجوز له التيمم، لأن المنة في هذه الإعارة قليلة، وكان هذا الإنسان واجدًا للماء من غير حرج فلم يجز له التيمم لأن قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} دليل على أنه يشترط لجواز التيمم عدم وجدان الماء. اهـ. بتصرف يسير.
وقال الفخر:
قوله: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الغائط} كناية عن قضاء الحاجة.
وأكثر العلماء ألحقوا به كل ما يخرج من السبيلين سواء كان معتادًا أو نادرًا لدلالة الأحاديث عليه. اهـ.

.فصل: [الاستنجاء]:

قال الفخر:
قال الشافعي رحمه الله: الاستنجاء واجب إما بالماء وإما بالأحجار وقال أبو حنيفة رحمه الله: غير واجب.
حجة الشافعي قوله: فليستنج بثلاثة أحجار، وحجة أبي حنيفة أنه تعالى قال: {أَوْ جَاء أَحَدٌ مّنْكُمْ مّن الغائط أَوْ لامستم النساء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} أوجب عند المجيء من الغائط الوضوء أو التيمم ولم يوجب غسل موضع الحد، وذلك يدل على أنه غير واحب. اهـ.

.فائدة: [لمس المرأة]:

قال الفخر:
لمس المرأة ينقض الوضوء عند الشافعي رحمه الله، ولا ينقض عند أبي حنيفة رحمه الله. اهـ.

.فصل: [انتقاض الوضوء للامس والملموس]:

قال الفخر:
ظاهر قوله: {أَوْ لامستم النساء} يدل على انتقاض وضوء اللامس، أما انتقاض وضوء الملموس فغير مأخوذ من الآية، بل إنما أخذ من الخبر، أو من القياس الجلي. اهـ.
وقال الفخر:
الوضوء بالماء المسخن جاز ولا يكره، وقال مجاهد: يكره.
لنا وجهان:
الأول: قوله تعالى: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} والغسل عبارة عن إمرار الماء على العضو وقد أتى به فيخرج عن العهدة.
الثاني: أنه قال: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} علق جواز التيمم بفقدان الماء، وههنا لم يحصل فقدان الماء، فوجب أن لا يجوز التيمم.

.فصل: [الوضوء بالماء المشمس]:

قال أصحابنا: الماء إذا قصد تشميسه في الإناء كره الوضوء به، وقال أبو حنيفة وأحمد رحمهما الله: لا يكره.
حجة أصحابنا ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من اغتسل بماء مشمس فأصابه وضع فلا يلومن إلا نفسه» ومن أصحابنا من قال: لا يكره ذلك من جهة الشرع، بل من جهة الطب.
وحجة أبي حنيفة رحمه الله أنه أمر بالغسل في قوله: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} وهذا غسل فيكون كافيًا، الثاني أنه واجد للماء فلم يجز له التيمم.

.فصل: [الوضوء بما فضل من وضوء المشرك]:

لا يكره الوضوء بما فضل عن وضوء المشرك، وكذا لا يكره الوضوء بالماء الذي يكون في أواني المشركين.
وقال أحمد وإسحاق لا يجوز.
لنا أنه أمر بالغسل وقد أتى به ولأنه واجد للماء فلا يتيمم.
وروى أنه عليه الصلاة والسلام توضأ من مزادة مشركة، وتوضأ عمر رضي الله عنه من ماء في جرة نصرانية.

.فصل: [الوضوء بما البحر]:

يجوز الوضوء بماء البحر.
وقال عبد الله بن عمرو بن العاص لا يجوز.
لنا أنه أمر بالغسل وقد أتى به، ولأن شرط جواز التيمم عدم الماء، ومن وجد ماء البحر فقد وجد الماء.

.فصل: [الوضوء بنبيذ التمر]:

قال الشافعي رحمه الله: لا يجوز الوضوء بنبيذ التمر.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: يجوز ذلك في السفر.
حجة الشافعي قوله: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} أوجب الشارع عند عدم الماء التيمم، وعند الخصم يجوز له الترك للتيمم بل يجب، وذلك بأن يتوضأ بنبيذ التمر، فكان ذلك على خلاف الآية، فإن تمسكوا بقصة الجن قلنا: قيل إن ذلك كان ماء نبذت فيه تميرات لإزالة الملوحة، وأيضًا فقصة الجن كانت بمكة وسورة المائدة آخر ما نزل من القرآن، فجعل هذا ناسخًا لذلك أولى.

.فصل: [الوضوء بالمائعات الطاهرة]:

ذهب الأوزاعي والأصم إلى أنه يجوز الوضوء والغسل بجميع المائعات الطاهرة.
وقال الأكثرون: لا يجوز.
لنا أن عند عدم الماء أوجب الله التيمم، وتجويز الوضوء بسائر المائعات يبطل ذلك.
احتجوا بأن قوله تعالى: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} أمر بمطلق الغسل، وإمرار المائع على العضو يسمى غسلًا كقول الشاعر:
فيا حسنها إذ يغسل الدمع كحلها..
وإذا كان الغسل اسمًا للقدر المشترك بين ما يحصل بالماء وبين ما يحصل بسائر المائعات كان قوله: {فاغسلوا} إذنًا في الوضوء بكل المائعات.
قلنا: هذا مطلق، والدليل الذي ذكرناه مقيد، وحمل المطلق على المقيد هو الواجب.

.فصل: [الماء المتغير بالزعفران]:

قال الشافعي رحمه الله: الماء المتغير بالزعفران تغيرًا فاحشًا لا يجوز الوضوء به.
وقال أبو حنيفة رحمه يجوز، حجة الشافعي أن مثل هذا الماء لا يسمى ماء على الإطلاق فواجده غير واجد الماء، فوجب أن يجب عليه التيمم، وحجة أبي حنيفة رحمه الله أن واجده واجد للماء لأن الماء المتغير بالزعفران ماء موصوف بصفة معينة، فكان أصل الماء موجودًا لا محالة، فواجده يكون واجدًا للماء، فوجب أن لا يجوز التيمم لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} علق جواز التيمم بعدم الماء.

.فصل: [الماء المتغير بطول المكث]:

الماء الذي تغير وتعفن بطول المكث طاهر طهور بدليل قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} علق جواز التيمم على عدم الماء وهذا الماء المتعفن ماء، فوجب أن لا يجوز التيمم عند وجوده.

.فصل: [الماء المستعمل]:

قال مالك وداود: الماء المتسعمل في الوضوء يبقى طاهرًا طهورًا، وهو قول قديم للشافعي رحمه الله، والقول الجديد للشافعي أنه لم يبق طهورًا ولكنه طاهر، وهو قول محمد بن الحسن.
وقال أبو حنيفة رحمه الله في أكثر الروايات أنه نجس.
حجة مالك أن جواز التيمم معلق على عدم وجدان الماء.
وهو قوله: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} وواجد الماء المستعمل واجد للماء، فوجب أن لا يجوز التيمم، وإذا لم يجز التيمم جاز له التوضوء، لأنه لا قائل بالفرق.
وأيضًا قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ السماء مَاء طَهُورًا} [الفرقان: 48] والطهور هو الذي يتكرر منه هذا الفعل كالضحوك والقتول والأكول والشروب، والتكرار إنما يحصل إذا كان المستعمل في الطهارة يجوز استعماله فيها مرة أخرى.

.فصل: [إذا وقعت في الماء نجاسة]:

قال مالك: الماء إذا وقعت فيه نجاسة ولم يتغير الماء بتلك النجاسة بقي طاهرًا طهورًا سواء كان قليلًا أو كثيرًا، وهو قول أكثر الصحابة والتابعين.
وقال الشافعي رحمه الله: إن كان أقل من القلتين ينجس.
وقال أبو حنيفة: إن كان أقل من عشرة في عشرة ينجس.
حجة مالك أن الله جعل في هذه الآية عدم الماء شرطًا لجواز لتيمم، وواجد هذا الماء الذي فيه النزاع واجد للماء، فوجب أن لا يجوز له التيمم.
أقصى ما في الباب أن يقال: هذا المعنى موجود عند صيرورة الماء القليل متغيرًا، إلا أنا نقول: العام حجة في غير محل التخصيص، وأيضًا قوله تعالى: {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} أمر بمطلق الغسل، ترك العمل به في سائر المائعات وفي الماء القليل الذي تغير بالنجاسة، فيبقى حجة في الباقي.
وقال مالك رحمه الله: ثم تأيد التمسك بهذه الآية بقوله عليه الصلاة والسلام: «خلق الماء طهورًا لا ينجسه شيء إلا ما غير طعمه أو ريحه أو لونه» ولا يعارض هذا بقوله عليه الصلاة والسلام: «إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل خبثًا» لأن القرآن أولى من خبر الواحد، والمنطوق أولى من المفهوم.

.فصل: [الوضوء بفضل ماء الجنب]:

يجوز الوضوء بفضل ماء الجنب.
وقال أحمد وإسحاق: لا يجوز بفضل ماء المرأة إذا خلت به، وهو قول الحسن وسعيد بن المسيب.
لنا قوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ} وواجد هذا الماء فلم يجز له التيمم، وإذا لم يجز له ذلك جاز له الوضوء لأنه لا قائل بالفرق.