فصل: من لطائف القشيري في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وَجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَيْنِ}.
كما أنَّ في الشريعة لا تصحُّ الصلاةُ بغيرِ الطهور فلا تصحُّ- في الحقيقة- بغير طهور.
وكما أن للظاهر طهارةً فللسرائر أيضًا طهارة، وطهارةُ الأبدان بماء السماء أي المطر، وطهارة القلوب بماء الندم والخجل، ثم بماء الحياء والوجل.
وكما يجب غسلُ الوجهِ عند القيام إلى الصلاة يجب- في بيان الإشارة- صيانة الوجه عن التبذُّل للأشكال عن طلب خسائس الأعراض.
وكما يجب غسلُ اليدين في اليدين في الطهارة يجب قصرهما عن الحرام والشبهة.
وكما يجب مسحُ الرأس يجب صونه عن التواضع والخفض لكل أحد.
وكما يجب غسل الرِجْلين في الطهارة يجب صونهما في الطهارة الباطنة عن التنقل فيما لا يجوز.
قوله جلّ ذكره: {وَإِن كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُمْ مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ}.
كما يقتضي غسل جميع البدن في الطهارة، كذلك في الطهارة الباطنة ما يوجب الاستقصاء؛ وذلك عندما تقع للمريد فَتْرةٌ فيقوم بتجديد عقدٍ، وتأكيد عهد، والتزام عزامة، وتسليم وقتٍ، واستدامة ندامة، واستشعار خجل.
وكما أنه إذا لم يجد المتطهرُ الماءَ فَفَرْضُه التَّيَمُمْ فكذلك إذا لم يجد المريد مَنْ يفيض عليه صَوْبَ همته، ويغسله ببركات إشارته، ويعينه بما يؤوب به من زيادة حالته- اشتغل بما تيسَّر له من اقتفاء آثارهم، والاستراحة إلى ما يجد من سالف سِيَرِهِم، وما ورد من حكاياتهم.
وكما أن فرض التيمم على الشطر والنقصان فكذلك المطالبات على إصفاء هذه الحالة تكون أخف لأنه وقت الفترة وزمان الضعف.
قوله جلّ ذكره: {مَا يُرِيدُ اللهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ}.
وتلوح من هذه الجملة الإشارة إلى أنه إذا بقي المريد عن أحكام الإرادة فلْيَحْطُطْ رِجْلَه بساحات العبادة، فإذا عَدِمَ اللطائف في سرائره فَلْيَسْتَدِمْ الوظائف على ظاهره، وإذا لم يتحقَّقْ بأحكام الحقيقة فليتخلق بآداب الشريعة، وإن لم يتحرج عن تَرْكِه الفضيلة فلا يدنسْ تصرفه بالحرام والشبهة.
قوله جلّ ذكره: {وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ}.
أي يظهر ظواهركم عن الزلة بعصمته، ويظهر قلوبكم عن الغفلة برحمته.
ويقال يطهر سرائركم عن ملاحظة الأشكال، ويطهر ظواهركم عن الوقوع في شِباك الأشغال.
ويقال يطهر عقائدكم عن أن تتوهموا تدنُّسَ المقادير بالأعلال.
قوله جلّ ذكره: {وَلِيُتِمَّ نَعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.
إتمام النعمة على قومٍ بنجاة نفوسهم، وعلى آخرين بنجاتهم عن نفوسهم، وشتَّان بين قوم وقوم!.
ويقال إتمام النعمة في وفاء العاقبة؛ فإذا خرج من الدنيا على وصف العرفان والإيمان فقد تَمتْ سعادته، وصَفَتْ نعمته.
ويقال إتمام النعمة في شهود المنعِم؛ فإنَّ وجودَ النعمة لكل أحد ولكنَّ إتمامَها في شهود المنعِم. اهـ.

.من فوائد ابن جزي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ}.
نزلت في غزوة المريسيع، حين انقطع عقد عائشة رضي الله عنها، فأقام الناس على التماسه وليسوا على ماء، وليس معهم ماء، فنزلت الرخصة في التيمم، فقال أسيد بن حضير: ما هذه بأول بركاتكم يا آل أبي بكر ولذلك سميت الآية آية التيمم، وقد كان الوضوء مشروعًا قبلها، ثابتًا بالسنة، وقوله: إذا قمتم إلى الصلاة معناه: إذا أردتم القيام إلى الصلاة فتوضأوا.
ويقتضي ظاهرها وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة، وهو مذهب ابن سيرين وعكرمة. ومذهب الجمهور: أنه لا يجب، واختلفوا في تأويل الآية على أربعة أقوال: الأول: أن وجوب تجديد الوضوء لكل صلاة منسوخ بفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ صلى الصلوات الخمس يوم الفتح بوضوء واحد، والثاني: أن ما تقتضيه الآية من التحديد يحمل على الندب، والثالث: أن تقديرها إذا قمتم محدثين فإنما يجب على من أحدث، والرابع: أن تقديرها إذا قمتم من النوم {فاغسلوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المرافق} ذكر في هذه الآية. أربعة أعضاء اثنين محدودين، وهما اليدان والرجلان واثنين غير محدودين وهما الوجه والرأس أما المحدودان فتغسل اليدان إلى المرفقين، والرجلان إلى الكعبين وجوبًا بإجماع، فإنّ ذلك هو الحد الذي جعل الله لهما، واختلف هل يجب غسل المرفقين مع اليدين، وغسل الكعبين مع الرجلين أم لا، وذلك مبين على معنى إلى، فمن جعل إلى بمعنى مع في قوله إلى الكعبين، هل هما اللذان عند مقعد الشراك أو العظمان الناتئان في طرف الساق، وهو أظهر لأنه ذكرهما بلفظ التثنية، ولو كان اللذان عند مقعد الشراك لذكرهما بلفظ الجمع كما ذكر المرافق، لأنه على ذلك في كل رجل كعب واحد وأما غير المحدودين، فاتفق على وجوب استعاب الوجه. وحده طولًا من أول منابت الشعر إلى آخر الذقن أو اللحية، وحدّه عرضًا من الأذن إلى الأذن وقيل: من العذار إلى العذار، وأما الرأس، فمذهب مالك وجوب إيعابه كالوجه، ومذهب كثير من العلماء جواز الاقتصار على بعضه، لما ورد في الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسح على ناصيته ولكنهم اختلفوا في القدر الذي يجزئ على أقوال كثيرة {وامسحوا بِرُؤُوسِكُمْ} اختلف في هذه الباء فقال قوم: إنها للتبعيض وبنوا على ذلك جواز مسح بعض الرأس، وهذا القول غير صحيح عند أهل العربية، وقال القرافي: إنها باء الاستعانة التي تدخل على الآلات وأن المعنى: امسحوا أيديكم برؤوسكم، وهذا ضعيف، لأن هذا ليس موضع زيادتها والصحيح عندي: أنها باء الإلصاق التي توصل الفعل إلى مفعوله؛ لأن المسح تارة يتعدّى بنفسه، وتارة بحرف الجر: كقوله: فامسحوا بوجوهكم، وكقوله: {فَطَفِقَ مَسْحًا بالسوق والأعناق} [ص: 33] {وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكعبين} قرئ وأرجلَكم بالنصب عطفًا على الوجوه والأيدي فيقتضي ذلك وجوب غسل الرجلين، وقرئ بالخفض، فحمله بعضهم على أنه عطف على قوله: برؤوسكم، فأجاز مسح الرجلين، روي ذلك عن ابن عباس، وقال الجمهور لا يجوز مسحهما بل يجب غسلهما وتأولوا قراءة الخفض بثلاثة تأويلات: أحدها: أنه خفض على الجوار لا على العطف. والآخر: أنه يراد به المسح على الخفين، والثالث: أن ذلك منسوخ بالسنة.
والفرق بين الغسل والمسح أن المسح إمرار اليدين بالبلل الذي يبقى من الماء، والغسل عند مالك إمرار اليد بالماء، وعند الشافعي إمرار الماء، وإن لم يدلك باليد {وَإِن كُنتُم مرضى أَوْ على سَفَرٍ} تقدم الكلام على نظيرتها في النساء {مَا يُرِيدُ الله لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ} أي من ضيق ولا مشقة كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دين الله يسر»، وباقي الآية تفضل من الله على عباده ورحمة وفي ضمن ذلك ترغيب في الطهارة وتنشيط عليها. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ...} الآية.
فيه اثنتان وثلاثون مسألة:
الأُولى ذكر القشيريّ وابن عطية أن هذه الآية نزلت في قصّة عائشة حين فقدت العِقد في غزوة المُرَيْسِيع، وهي آية الوضوء.
قال ابن عطية: لكن من حيث كان الوضوء متقرّرًا عندهم مستعملًا، فكأنّ الآية لم تزدهم فيه إلا تلاوته، وإنما أعطتهم الفائدة والرّخصة في التّيمّم.
وقد ذكرنا في آية، «النساء» خلاف هذا، والله أعلم.
ومضمون هذه الآية داخل فيما أَمَر به من الوَفَاء بالعقود وأحكام الشرع، وفيما ذَكَر من إتمام النعمة؛ فإن هذه الرخصة من إتمام النعم.
الثانية واختلف العلماء في المعنى المراد بقوله: {إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة} على أقوال؛ فقالت طائفة: هذا لفظ عامّ في كلّ قيام إلى الصلاة، سواء كان القائم متطهّرًا أو مُحْدِثا؛ فإنه ينبغي له إذا قام إلى الصلاة أن يتوضّأ، وكان عليّ يفعله ويتلو هذه الآية؛ ذكره أبو محمد الدّارميّ في مسنده، وروى مثله عن عِكْرِمة.
وقال ابن سِيرين: كان الخلفاء يتوضَّئون لكل صلاة.
قلت: فالآية على هذا محكمة لا نسخ فيها.
وقالت طائفة: الخطاب خاصّ بالنبيّ صلى الله عليه وسلم؛ قال عبد الله بن حَنْظَلة بن أبي عامر الغَسِيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم أُمِر بالوضوء عند كل صلاة فشقّ ذلك عليه؛ فأُمِر بالسّواك ورُفع عنه الوضوء إلا من حَدث.
وقال عَلْقَمة بن الفَغْواء عن أبيه وهو من الصحابة، وكان دليل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى تَبُوك: نزلت هذه الآية رخصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنه كان لا يعمل عَمَلًا إلا وهو على وضوء، ولا يكلّم أحدًا ولا يردّ سلامًا إلى غير ذلك؛ فأعلمه الله بهذه الآية أن الوضوء إنما هو للقيام إلى الصلاة فقط دون سائر الأعمال.
وقالت طائفة: المراد بالآية الوضوء لكل صلاة طلبًا للفضل؛ وحَمَلوا الأمر على النَّدْب، وكان كثير من الصحابة منهم ابن عمر يتوضئون لكل صلاة طلبًا للفضل، وكان عليه الصلاة والسلام يفعل ذلك إلى أن جمع يوم الفتح بين الصلوات الخمس بوضوء واحد، إرادةَ البيان لأُمته صلى الله عليه وسلم.
قلت: وظاهر هذا القول أن الوضوء لكل صلاة قبل ورود الناسخ كان مستحبًّا لا إيجابًا وليس كذلك؛ فإن الأمر إذا ورد، مقتضاه الوجوب؛ لاسيما عند الصحابة رضوان الله عليهم، على ما هو معروف من سيرتهم.
وقال آخرون: إن الفرض في كل وضوء كان لكل صلاة ثم نُسخ في فتح مكة؛ وهذا غَلَط لحديث أنس قال: «كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يتوضأ لكل صلاة، وأن أُمّته كانت على خلاف ذلك»، وسيأتي؛ ولحديث سُوَيد بن النعمان «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم: صلّى وهو بالصَّهْباء العصر والمغرب بوضوء واحد»؛ وذلك في غزوة خيبر، وهي سنة ست، وقيل: سنة سبع، وفتح مكة كان في سنة ثمان؛ وهو حديث صحيح رواه مالك في موطّئه، وأخرجه البخاريّ ومسلم؛ فبان بهذين الحديثين أن الفرض لم يكن قبل الفتح لكل صلاة.
فإن قيل: فقد رَوى مسلم عن بُرَيْدَة بن الحُصَيْب: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلّى الصلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر رضي الله عنه: لقد صَنَعتَ اليوم شيئًا لم تكن تصنَعه؛ فقال: «عَمْدًا صنعته يا عمر» فلِمَ سأله عمر واستفهمه؟ قيل له: إنما سأله لمخالفته عادته منذ صلاته بخيبر؛ والله أعلم.
وروَى الترمذيّ عن أنس: «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ لكل صلاة طاهرًا وغير طاهر؛ قال حميد قلت لأنس: وكيف كنتم تصنعون أنتم؟ قال: كنّا نتوضأ وضوءًا واحدًا»؛ قال: حديث حسن صحيح؛ وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «الوضوء على الوضوء نور» فكان عليه السلام يتوضأ مجدّدًا لكل صلاة، وقد سلم عليه رجل وهو يبول فلم يَردّ عليه حتى تيمم ثم ردّ السلام وقال: «إني كَرِهت أن أذكر الله إلا على طُهْر». رواه الدّارقُطْنِي.