فصل: (سورة البقرة: آية 232):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.[سورة البقرة: آية 232]:

{وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (232)}.

.اللغة:

{تَعْضُلُوهُنَّ} العضل هو الحبس والتضييق، ومنه عضلت الدجاجة إذا نشب بيضها فلم يخرج. وقد رمق ابن هرمة سماء القرآن فأخذ اللفظة أخذا رشيقا بقوله:
وإن قصائدي لك فاصطنعني ** عقائل قد عضلن عن النكاح

شبه القصائد بالنساء ورشح ذلك بالعضل وهو المنع من النكاح.
وللعين مع الضاد إذا وقعنا فاء وعينا للكلمة سر غريب، فهما تفيدان عندئذ معنى الحبس والشدة، ومنه سيف عضب: أي شديد قاطع، والعضد معروف وهو أشد عضو في الإنسان. وهذا من أغرب ما تميزت به لغتنا العربية.

.الإعراب:

{وَإِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ} الواو استئنافية وإذا ظرف مستقبل متعلق بالجواب وجملة طلقتم النساء: في محل جر بإضافة الظرف إليها.
والنساء مفعول به {فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ} الفاء عاطفة وبلغن فعل ماض مبني على السكون والنون فاعل وأجلهنّ أي عدتهنّ مفعول به والجملة عطف على جملة طلقتم {فَلا تَعْضُلُوهُنَّ} الفاء رابطة ولا ناهية وتعضلوهن فعل مضارع مجزوم بلا والواو فاعل والهاء مفعول به والجملة لا محل لها لأنها جواب إذا {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ} أن وما بعدها مصدر منصوب بنزع الخافض أي من النكاح. وارتأى أبو حيان أن يكون المصدر في موضع نصب على البدل من الضمير، بدل اشتمال، ولا بأس بما ارتآه. وأزواجهن مفعول به {إِذا تَراضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} إذا ظرف مستقبل متضمن معنى الشرط متعلق بتعضلوهن أو بينكحن. وجملة تراضوا في محل جر بالإضافة، وبينهم ظرف متعلق بتراضوا وبالمعروف متعلقان بمحذوف حال من فاعل تراضوا أو صفة لمصدر محذوف، أي تراضيا كائنا بالمعروف، ولا مانع من تعليقهما بتراضوا أي تراضوا بما يحسن في الدين والمروءة {ذلِكَ} اسم الاشارة مبتدأ والإشارة لجميع ما فصله من الأحكام {يُوعَظُ بِهِ} فعل مضارع مبني للمجهول والجار والمجرور متعلقان بيوعظ وجملة يوعظ به خبر لاسم الاشارة وجملة الاشارة مستأنفة {مَنْ كانَ} من اسم موصول في محل رفع نائب فاعل يوعظ وكان فعل ماض ناقص واسمها ضمير مستتر تقديره هو والجملة صلة {مِنْكُمْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال {يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} الجملة الفعلية في محل نصب خبر كان {ذلِكُمْ أَزْكى لَكُمْ وَأَطْهَرُ} ذلكم: مبتدأ وأزكى خبره ولكم جار ومجرور متعلقان بأزكى أو أظهر والجملة استئنافية {وَاللَّهُ يَعْلَمُ} الواو استئنافية واللّه مبتدأ وجملة يعلم خبر {وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} الواو حرف عطف وأنتم مبتدأ ولا نافية وجملة لا تعلمون خبر أنتم.

.البلاغة:

في الآية مجاز مرسل طريف وهو قوله تعالى: {أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْواجَهُنَّ} فتسمية المطلقين لهن بالأزواج مجاز مرسل علاقته اعتبار ما كان.

.[سورة البقرة: آية 233]:

{وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَها لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ فَإِنْ أَرادا فِصالًا عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (233)}.

.اللغة:

{الحول} السنة لأنها تحول أي تمضي والجمع حئول بضم الحاء وأحوال، وهذه امرأة لا تضع إلا تحاويل ولا تلد إلا تحاويل، أي تلد سنة وسنة لا تلد، وحوليات زهير أي قصائده المطوّلة التي يستغرق في نظمها حولا كاملا.
{تُضَارَّ} مضارع ضارّ بتشديد الراء ولذلك فتح آخره كما سيأتي.
{الفصال} بكسر الفاء: الفطام قبل الحولين، وفصلت الأم رضيعها فطمته، وهذا زمن فصاله كما يقال زمن فطامه.

.الإعراب:

{وَالْوالِداتُ} الواو عاطفة أو استئنافية والجملة معطوفة أو مستأنفة مسوقة لإتمام هذه الأحكام والوالدات مبتدأ {يُرْضِعْنَ} فعل مضارع مبني على السكون والنون فاعل {أَوْلادَهُنَّ} مفعول به والجملة خبر للوالدات {حَوْلَيْنِ} ظرف زمان متعلق بيرضعن {كامِلَيْنِ} صفة لأنه ما يتسامح به، تقول: أقمت عند فلان حولين ولم تستكملهما {لِمَنْ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر لمبتدأ محذوف تقديره ذلك الحكم لمن والجملة مستأنفة {أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ} جملة أراد لا محل لها لأنها صلة من، وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مفعول به فتكون من واقعة على الأم. كأنه قيل: لمن أراد أن يتم الرضاعة من الوالدات. ويجوز أن يعلق الجار والمجرور بيرضعن، فتكون واقعة على الأب، كأنه قيل: لأجل من أراد أن يتم الرضاعة من الآباء {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الواو عاطفة وعلى المولود متعلقان بمحذوف خبر مقدم وله جار ومجرور في محل رفع على أنه نائب فاعل للمولود لأنه اسم مفعول.
ورزقهن مبتدأ مؤخر وكسوتهن عطف عليه. وبالمعروف متعلقان بمحذوف حال {لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَها} الجملة تفسيرية لا محل لها ولا نافية وتكلف فعل مضارع مبني للمجهول ونفس نائب فاعل وإلا أداة حصر ووسعها مفعول به ثان. وكلّف بتشديد اللام فعل يتعدى لاثنين، قال عروة:
يكلفني عمي ثلاثين ناقة ** وما لي يا عفراء غير ثمان

فالياء مفعول أول وثلاثين مفعول ثان {لا تُضَارَّ والِدَةٌ بِوَلَدِها} لا ناهية وتضار فعل مضارع مجزوم بلا وعلامة جزمه السكون، ونابت الفتحة لخفتها في المضعف، والفعل مبني للمجهول، وقرئ في السبع برفع تضارّ، على أن لا نافية. ووالدة نائب فاعل.
والجار والمجرور متعلقان بتضار والجملة حالية {وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ} عطف على ما تقدم والباء فيهما للسببية، أي وأضيف الولد إليها تارة وإليه تارة أخرى، بمثابة استعطاف لكل من الوالدين ومناشدتما بأن يتعهداه ويعملا على استصلاحه، فلا يكون سببا لإلحاق الضر بهما، ولذلك جعلها بعض الحذاق من معربي القرآن زائدة ولا داعي لدعوى الزيادة. {وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ} الواو عاطفة والجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم ومثل ذلك مبتدأ مؤخر {فَإِنْ أَرادا فِصالًا} الفاء استئنافية والجملة مستأنفة مسوقة لاستقصاء الحكم في هذه المسألة الاجتماعية. وإن شرطية وأرادا فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والألف فاعل وفصالا مفعول به {عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَتَشاوُرٍ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف صفة لفصالا ومنهما صفة لتراض وتشاور عطف على تراض {فَلا جُناحَ عَلَيْهِما} الفاء رابطة لجواب الشرط ولا نافية للجنس وجناح اسمها وعليهما خبرها والجملة جواب الشرط {وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ} الواو عاطفة وإن شرطية وأردتم فعل ماض في محل جزم فعل الشرط والتاء فاعل وأن وما في حيزها في تأويل مصدر مفعول به لأردتم وأولادكم مفعول به ثان لتسترضعوا والمفعول الأول محذوف والمعنى أن تسترضعوا المراضع أولادكم، نصّ على هذا الاعراب سيبويه وعلق الشهاب على البيضاوي بأن أرضع يتعدى إلى مفعول واحد، فإن زيدت فيه السين والتاء صار متعديا لاثنين، وجرى الزمخشري أيضا على ذلك. وقيل إنما يتعدى للثاني بحرف جر، فيكون أولادكم منصوبا بنزع الخافض، ويكون الجار والمجرور موضع المفعول الثاني، قال الزجاج والتقدير: أن تسترضعوا لأولادكم غير الوالدة. {فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ} تقدم إعرابها {إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ} إذا ظرف لما يستقبل من الزمن خافض لشرطه منصوب بجوابه المحذوف وجملة سلمتم في محل جر بالإضافة، وما اسم موصول في محل نصب مفعول به، وجملة آتيتم لا محل لها لأنها صلة الموصول، وبالمعروف الجار والمجرور متعلقان بمحذوف حال {وَاتَّقُوا اللَّهَ} الواو استئنافية. وجملة: {اتقوا اللّه} من الفعل والفاعل والمفعول به مستأنفة مسوقة للمبالغة في المحافظة على ما شرع في أمر الأطفال والمراضع وعدم التفريط بحقوقهم {وَاعْلَمُوا} عطف على واتقوا {أَنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أن وما بعدها سدت مسد مفعولي اعلموا وجملة تعملون صلة ما، وبصير خبر أن.

.الفوائد:

الفعل المضعف إذا جزم أو بني على السكون جاز فيه ثلاث لغات:
1- الفتح مطلقا، وعندنا أنه الأولى لخفته على اللسان.
2- الكسر مطلقا، كأنهم شبهوه بالتقاء الساكنين.
3- الاتباع لحركة الفاء وروي قول جرير باللغات الثلاث:
فغضّ الطرف إنك من نمير ** فلا كعبا بلغت ولا كلابا

.[سورة البقرة: الآيات 234- 237]:

{وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْواجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (234) وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلاَّ أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ ما فَرَضْتُمْ إِلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}.

.اللغة:

{يُتَوَفَّوْنَ} بالبناء للمجهول أي تقبض أرواحهم بالموت، وهو مأخوذ من توفّيت الدّين إذا قبضته. والمتوفّي هو اللّه، والمتوفّى بالفتح هو العبد. ويحكى أن أبا الأسود الدّؤليّ كان يمشي خلف جنازة فقال له رجل: من المتوفي؟ بكسر الفاء. فقال: اللّه تعالى.
وكان أحد الأسباب الباعثة لعلي بن أبي طالب على وضع النحو.
{المقتر} الضّيّق الرزق.