فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثالثة والستون: إذا وجد الماء بعد التيمم وقبل الشروع في الصلاة بطل تيممه لأنه وجد الماء فلا يجوز له الشروع في الصلاة بالتيمم. وخالف أبو موسى الأشعري والشعبي.
الرابعة والستون: لو فرغ من الصلاة ثم وجد الماء لا يلزمه إعادة الصلاة لأنه خرج عن عهدة التكليف خلافًا لطاوس.
الخامسة والستون: ولو وجد الماء في أثناء الصلاة لا يلزمه الخروج منها- وبه قال مالك وأحمد-، لأنه انعقدت صلاته صحيحة بحكم التيمم فما لم تبطل صلاته لا يصير قادرًا على استعمال الماء، وما لم يصر قادرًا على استعمال الماء لم تبطل صلاته فيدور. وقال أبو حنيفة والثوري والمزني: يلزمه الخروج لأنه واجد للماء.
السادسة والستون: لو نسي الماء في رحله وتيمم وصلى ثم علم وجود الماء لزمه الإعادة على أحد قولي الشافعي وهو قول أحمد وأبي يوسف. والثاني لا يلزمه وهو قول مالك وأبي حنيفة ومحمد لأن النسيان في حكم العجز وكذا إذا ضل رحله في الرحال بالطريق الأولى لأن مخيم الرفقة أوسع من رحله. ولو تيقن الماء في رحله واستقصى في الطلب فلم يجده وتيمم وصلى ثم وجد فالأكثرون على أنه يلزمه الإعادة لأن العذر ضعيف. وقيل: لا لأن حكمه حكم العاجز.
السابعة والستون: لو صلى بالتيمم ثم وجد ماء في بئر بجنبه يمكنه استعمال ذلك الماء فإن كان قد علمه أوّلًا ثم نسيه فهو كما لو نسي الماء في رحله، وإن يكن عالمًا فإن كان عليها علامة ظاهرة فالإعادة وإلاّ فلا لأنه كالعاجز.
الثامنة والستون: إذا لم يكن معه ماء ولا يمكنه أن يشتري إلاّ بالغبن الفاحش جاز التيمم لقوله: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} ولو وهب منه الماء لزمه القبول لأن المنة فيه سهل، ولو وهب منه ثمنه لم يلزمه القبول لثقل المنة ووجود الحرج، ولمثل هذا يجب قبول إعارة الدلو لاهبته فهذه جملة المسائل الفقهية المستنبطة من الآية سوى ما مرت في سورة النساء.
واعلم أن قوله سبحانه وتعالى: {ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج} أصل معتبر في علم الفقه لأنه يدل على أن الأصل في المضار الحرمة وفي المنافع الإباحة. وقد تمسك به نفاة القياس قالوا: إن كل حادثة فحكمها المفصل إن كان مذكورًا في الكتاب والسنة فذاك وإلاّ فإن كان من باب المضارّ فالأصل فيها الحرمة، وإن كان من باب المنافع فالأصل فيها الإباحة، والقياس المعارض لهذين الأصلين يكون قياسًا واقعًا في مقابلة النص فيكون مردودًا. أما قوله: {ولكن يريد ليطهركم} فله تفسيران: أحدهما وإليه ذهب أكثر أصحاب أبي حنيفة، أن عند خروج الحدث تنجس الأعضاء نجاسة حكمية، فالمقصود من هذا التطهير إزالة تلك النجاسة الحكمية، وزيف بأن أعضاء المؤمن لا تنجس لقول تعالى: {إنما المشركون نجس} [التوبة: 28] ولقوله صلى الله عليه وسلم: «المؤمن لا ينجس لا حيًا ولا ميتًا» وبأنه لو كان رطبًا فأصابه ثوب لم ينجس، ولو حمله إنسان وصلى لم تفسد صلاته بالاتفاق، وبأن الحدث لو كان يوجب نجاسة الأعضاء ثم كان تطهير الأعضاء الأربعة يوجب طهارة كل عضو لوجب أن لا يختلف ذلك باختلاف الشرائع، وبأن خروج النجاسة من موضع كيف يوجب تنجس موضع آخر، وبأن التيمم زيادة في التكدير فكيف يوجب النظافة والتطهير، وبأن المسح على الخفين كيف يقوم مقام غسل الرجلين، وبأن الذي يراد إزالته ليس من الأجسام ولا كان محسوسًا ولا من الأعراض أن انتقال الأعراض محال.
التفسير الثاني أن المراد طهارة القلب عن صفة التمرد عن طاعة الله تعالى لأن إيصال الماء أو التراب إلى هذه الأعضاء المخصوصة ليس فيه فائدة يعقلها المكلف، فالانقياد لمثل هذا التكليف تعبد محض يزيل آثار التمرد وتؤكده الأخبار في أن المؤمن إذا غسل وجهه خرت خطاياه من وجهه وكذا القول في يديه ورأسه ورجليه. {وليتم نعمته عليكم} بإباحة الطيبات الدنيوية من المطاعم والمناكح بهذه النعمة الدينية وهي كيفية فرض الوضوء، أو ليتم برخصه كالتيمم ونحوه إنعامه عليكم بعزائمه. ثم ذكر ما يوجب عليهم قبول تكاليفه وذلك من وجهين:
الأول تذكر نعمته يعني التأمل في هذا النوع الذي لا يقدر عليه غيره لأن هذا النوع وهو إعطاء نعمة الحياة والصحة والعقل والهداية والصون عن الآفات والإيصال إلى الخيرات في الدنيا والآخرة حيث إنه يمتاز عن نعمة غيره وأنه لا يقدر عليه غيره يجب تلقيه بالتشكر وهو الإذعان لأوامره والانقياد لنواهيه. فإن قيل: اذكروا مشعر بسبق النسيان وكيف يعقل نسيانها مع تواترها وتواليها في كل لحظة ولمحة؟ فالجواب أنها صارت لتواليها كالأمر المعتاد فصار من غاية الظهور كالأمر المستور، أو المراد التوبيخ على عدم القيام بمواجبها فكأنها كالشيء المنسي.
الثاني ذكر الميثاق ومعنى: {واثقكم به} عاقدكم به عقدًا وثيقًا يعني ميثاق رسوله حين بايعهم تحت الشجرة وغيرها على السمع والطاعة في المحبوب والمكروه.
وعن ابن عباس: هو الميثاق الذي أخذه على بني إسرائيل حين قالوا: آمنا بالتوراة وبما فيها من البشارة بنبي آخر الزمان ومن غيرها.
وقال مجاهد والكلبي ومقاتل: إنه إشارة إلى قوله للذرية: {ألست بربكم قالوا بلى} [الأعراف: 172] وقال السدي: هو ما ركز في العقول من حسن هذه الشريعة وهو اختيار أكثر المتكلمين. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَاذْكُرُوا نعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الذي وَاثَقَكُم بِهِ}.
الإشارة منه إلى التعريف السابق الذي لولاه ما علمْتَ أنه من هو.
ويقال أمرهم بتذكّر ما سبق لهم من القِسَمِ وهم في كَتْمِ العَدَم، فلا للأغيار عنهم خبر، ولا لهم عين ولا أثر، ولا وقع عليهم بصيرة، وقد سماهم بالإيمان، وحكم لهم بالغفران قبل حصول العصيان، ثم لما أظهرهم وأحياهم عرَّفهم التوحيد قبل أن كلَّفهم الحدود، وعرض عليهم بعد ذلك الأمانة وحذّرهم الخيانة، فقابلوا قوله بالتصديق، ووعَدُوا من أنفسهم الوفاءَ بشرط التحقيق، فأمدَّهم بحسن التوفيق، وثَبَّتهم على الطريق، ثم شكرهم حيث أخبر عنهم بقوله جل ذكره: {إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}.
ثم قال: {وَاتَّقُوا اللهَ}: يعني في نقض ما أبرمتم من العقود، والرجوع عمَّا قدمتم من العهود، {إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} لا يخفى عليه من خطرات قلوبكم ونيات صدوركم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا}.
وللإنسان أن يسأل: وما هو الذكر؟. الذكر هو حفظ الشيء أو استحضاره، فإذا كان حفظ الشيء فهو حفظ لذاته، لكن الاستحضار يكون لمعنى الشيء. إذن فهناك فرق بين حفظ الشيء واستحضار الشيء، هذا هو معنى الذكر. وقد يكون الذكر بمعنى القول؛ لأنك لا تقول الشيء إلا بعد أن تستحضره. ولذلك نجد في تكوين الجهاز العصبي الأعلى ذاكرة، وحافظة، ومخيلة.
ومن عجيب أمر التكوين الخلقي أن تمر أحداث على الإنسان في زمن مضى ولا يذكرها الإنسان لمدة طويلة تصل إلى سنوات، ثم يأتي للإننسان ظرف من تداعي المعاني فيذكر الإنسان هذا الشيء الذي حدث منذ عشرين عامًا.
إذن فالشيء الذي أدركه الإنسان منذ عشرين سنة على سبيل المثال لم يذهب، ولو ذهب ما ذكره الإنسان، لكنه غاب فقط عن الذهن عشرين عامًا أو أكثر؛ فلما تداعت المعاني تذكره الإنسان. ومعنى ذلك أن هذا الشيء كان محفوظًا عند الإنسان وإن توارى عنه مدة طويلة.
فالذاكرة- إذن- معناها أن يستدعي الإنسان المحفوظ ليصير في بؤرة شعوره. مثال ذلك: حادث وقع بين إنسان وآخر منذ أكثر من عشرين عامًا. ونسي الإنسان هذا الحادث. فلما التقى بصديقه، وجلسا يتذاكران الماضي تذكر الصديق الحادث الذي حدث له منذ أكثر من عشرين عامًا.
إذن فالحادثة لم تذهب من الذاكرة، ولكنها محفوظة موجودة في حواشي الشعور البعيدة، وكلما بعد الإنسان في الزمن يبدو وكأنه نسي الحادثة، لكن عندما يأتي تداعي المعاني فالحادثة تأتي في بؤرة الشعور. فإذا ما جاءت في بؤرة الشعور من حواشي الشعور حيث مخزن الحافظة، يتذكرها الإنسان. وهذه هي قوة الخالق جل وعلا.
وقد يسجل أحدنا على شريط تسجيل بعضًا من الكلام. ومن بعد ذلك يجب أن يسجل كلامًا آخر على الشريط نفسه فيمسح الكلام الذي سجله أولًا، ولكن ذاكرة الإنسان تختلف، فساعة تأتي المسائل في بؤرة شعوره فالإنسان يتذكرها. وإذا ما جاءت مسألة أخرى بعدها فلابد أن تتزحزح المسألة الأولى من بؤرة الشعور إلى حاشية الشعور؛ لأن بؤرة الشعور لا تستقبل إلا خاطرًا واحدًا، فإن شغلت بؤرة الشعور بخاطر آخر فهي تحفظ الخاطر الأول في حواشي الحافظة. ولا يمسح خاطر خاطرًا آخر. فإن أراد الإنسان أن يستدعي الخاطر القديم، كان ذلك في مقدوره، وهذا هو الفارق بين تسجيل الخالق وتسجيل المخلوق.
وبعد ذلك نجد ان التذكر يكون للمعاني، فالذي يخزن في ذاكرة الإنسان ليس أَجْرَامًا، فلو كانت أجرامًا لما وسعها المخ. ولهذا فالمعاني لا تتزاحم فيه، بل تتراكم بحيث إذا ما جاء تداعي المعاني فالإنسان يتذكر ما يريد أن يذكره، وذلك لا يمكن أن يحدث إلا إذا كان المخ من صنع الخالق الأعلى.
ومادامت المعاني ليس لها حيز فالإنسان يقدر على حفظها في الذاكرة.
الإنسان قد يجلس ليتذكر أسماء الجبال في العالم فيقول: من جبال العالم قمة «إفريست»، وجبال «الهمالايا»، وجبل «أحد» وجبل «ثور». وساعة يتذكر هذه الأسماء فهو يتصور معانيها، فالموجود في ذهن الإنسان معاني هذا الكلمات وليس أجرام هذه الكائنات؛ لذلك فلا تزاحم أبدًا في المعاني بل تظل موجودة ومختزنة في الذاكرة وحاشية الشعور.
وإياكم أن تفهموا أن إنسانًا يملك من الذكاء ما يحفظ به الشيء من مرة واحدة: وآخرَ أقل ذكاء يحفظ بعد قراءة الشيء مرتين، وثالثًا يحفظ عن ثلاث مرات لا، لأن الإنسان يملك ذهنًا كآلة التصوير يلتقط من مرة واحدة، لكن لو أخذ الإنسان صورة لمكان وجاء شيء يضبب عدسة الصورة فهو يعيد التصوير، وكذلك الذهن إن أراد الإنسان أن يأخذ لقطة لشيء ما لتستقر في بؤرة الشعور وفي بؤرة الشعر شيء آخر، فالشيء لا يستقر في الذهن، بل لابد من قراءة مضمون اللقطة مرة ثانية ليؤكد الإنسان المعلومات لتنطبع في بؤرة الشعور.
ومثال ذلك الطالب الذي يدخل ساحة المدرسة التي يُعقد بها الامتحان. وقبل أن يدق جرس الامتحان بخمس دقائق يأتي له واحد من زملائه ويقول له: ها ذاكرت الموضوع الفلاني. فيقول الطالب: لا لم استذكره. فيقول الصاحب: هذا الموضوع سيأتي منه سؤال في الامتحان. فيخطف الطالب كتابا ويقرأ فيه هذا الموضوع لمرة واحدة. هذا الطالب في هذه اللحظة لا يتذكر ماذا سيأكل على الغداء هذا اليوم، أو من سيقابل. بل يعرف أنه بصدد أمر فرصته ضيقة، ويركز كل ذهنه ليستقبل ما يقرأه. وفي لحظة واحدة يحفظ هذا الموضوع. وإذا جاء الامتحان ووجد السؤال فهو يجيب عليه بأدق التفاصيل. وقد نجد طالبا آخر جلس لأيام يحاول استذكار هذا الدرس بلا طائل.
إذن فالذهن يلتقط مرة واحدة، شريطة ألا يستقبل الإنسان ما يقرأه أو يسمعه من معلومات والذهن مشغول بأشياء أخرى. والدليل على ذلك: أن الإنسان قد يسمع القصيدة مرة واحدة أو يسمع الخطبة مرة واحدة فيحفظ من القصيدة أكثر من بيت، أو يحفظ من الخطبة أكثر من مقطع؛ لأن ذهن الإنسان في تلك اللحظة كان خياليا فالتقط الأبيات التي حفظها، وكذلك الخطبة، أما بقية أجزاء القصيدة أو الخطبة فقد يكون الذهن شرد إلى أشياء أخرى. ولذلك يحاول الإنسان أن يكرر الاستماع والإصغاء والقراءة أكثر من مرة ليهيئ ويعد بؤرة الشعور، فيحفظ الإنسان ما يريد.