فصل: تفسير الآية رقم (12):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآية رقم (12):

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلَأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ (12)}

.اللغة:

{نقيبا} النقيب: كبير القوم الذي يبحث عن أحوالهم ومصالحهم، فهو كالكفيل عن الجماعة.
{وعزرتموهم} التعزير: التعظيم والتوقير.
{سواء السبيل} قصد الطريق ووسطه.
{قاسية} صلبة لا تعي خيرا، والقاسية والعاتية بمعنى واحد.
{خائنة} خيانة، ويجوزأن يكون صفة للخائن، كما يقال: رجل طاغية، ورواية للحديث.
{فأغرينا} هيجنا وألزمنا، مأخوذ من الغراء، وغري بالشيء إذا لصق به.
{فترة} انقطاع.
{يتيهون} التيه: الحيرة والضياع. اهـ.

.القراءات والوقوف:

قال النيسابوري:

.القراءات:

{قسية} حمزة وعلي والمفضل. الباقون {قاسية}.

.الوقوف:

{بني إسرائيل} ج للعدول عن الإخبار إلى الحكاية مع اتحاد القصة. {نقيبًا} ج للعدول عن الحكاية إلى الإخبار. {معكم} ط لأن ما بعده ابتداء قسم محذوف جوابه {لأكفرن}. {الأنهار} ج {السبيل} o {قاسية} ج لاحتمال الاستئناف والحال أي لعناهم محرفين {مواضعه} ط لأنا ما يتلوه حال أي وقد نسوا {ذكروا به} ج للعدول عن الماضي إلى المستقبل مع الواو. {واصفح} ط {المحسنين} o {ذكروا به} ص لعطف المتفقتين {يوم القيامة} ط {يصعنون} o {عن كثير} o {مبين} o لا لأن قوله: {يهدي} وصف الكتاب إلى آخر الآية. {مستقيم} o {المسيح ابن مريم} الأول ط {جميعًا} ط {وما بينهما} ط {ما يشاء} ط {قدير} o {وأحباؤه} ط {بذنوبكم} ط لتناهي الاستفهام إلى الأخبار {ممن خلق} ط {من يشاء} ط {وما بينهما} ز للفصل بين ذكر الحال والمال. {المصير} o {ولا نذير} ر للعطف مع وقوع العارض. {ونذير} ط {قدير} o. اهـ.

.مناسبة الآية لما قبلها:

.قال البقاعي:

{ولقد أخذ الله} أي بما له من جميع الجلال والعظمة والكمال {ميثاق بني إسرائيل} أي العهد الموثق بما أخذ عليكم من السمع والطاعة {وبعثنا} أي بما لنا من العظمة {منهم اثني عشر نقيبًا} أي شاهدًا، على كل سبط نقيب يكفلهم بالوفاء بما عليهم من الوفاء به- كما بعثنا منكم ليلة العقبة اثني عشر نقيبًا وأخذنا منكم الميثاق على ما أحاله الإسلام- كما قال كعب بن مالك رضي الله عنه في تخلفه عن تبوك: «ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة حين تواثقنا على الإسلام» وأما تفصيله فمذكور في السير، والنقيب: الذي ينقب عن أحوال القوم كما قيل: عريف، لأنه يتعرفها، ومن ذلك المناقب وهي الفضائل، لأنها لا تظهر إلا بالتنقيب عنها {وقال الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا لبني إسرائيل، وأكد لتكرر جزعهم وتقلبهم فقال: {إني معكم} وهو كناية عن الكفاية لأن القادر إذا كان مع أحد كان كذلك إذا لم يغضبه.
ولما أنهى الترغيب بالمعية استأنف بيان شرط ذلك بقوله مؤكدًا لمثل ما مضى: {لئن اقمتم} أي أنشأتم {الصلاة} أي التي هي صلة ما بين العبد والخالق بجميع شروطها وأركانها؛ ولما كان المقصود من الإنفاق المؤاساة بالإيتاء قال: {وآتيتم الزكاة} أي التي هي بين الحق والخلائق.
ولما كان الخطاب مع من آمن بموسى عليه الصلاة والسلام، وكانوا في كل قليل يتردعون عن اتباعه أو كمال اتباعه، وكان سبحانه عالمًا بأن ميلهم بعده يكون أكثر، فرتب في الأزل أنه تواتر إليهم بعده الرسل يحفظونهم عن الزيغ ويقومون منهم الميل قال: {وآمنتم برسلي} أي أدمتم الإيمان بموسى عليه السلام، وجددتم الإيمان بمن يأتي بعده، فصدقتموهم في جميع ما يأمرونكم به {وعزرتموهم} أي ذببتم عنهم ونصرتموهم ومنعتموهم أشد المنع، والتعزير والتأزير من باب واحد.
ولما كان من أعظم المصدق للإيمان ونصر الرسل بذل المال فهو البرهان قال: {وأقرضتم الله} أي الجامع لكل وصف جميل {قرضًا حسنًا} أي بالإنفاق في جميع سبل الخير، وأعظمها الجهاد والإعانة فيه للضعفاء.
ولما كان الإنسان محل النقصان، فهو لا ينفك عن زلل أو تقصير وإن اجتهد في صالح العمل، قال سادًّا.
بجواب القسم الذي وطّأت له اللام الداخلة على الشرط- مسدّ جواب الشرط: {لأكفرن} أي لأسترن {عنكم سيئاتكم} أي فعلكم لما من شأنه أن يسوء {ولأدخلنكم} أي فضلًا مني {جنات تجري} ولما كان الماء لا يحسن إلا بقربه وانكشافه عن بعض الأرض قال: {من تحتها الأنهار} أي من شدة الريّ {فمن كفر} ولما كان الله سبحانه لا يعذب حتى يبعث رسولًا.
وكان المهلك من المعاصي بعد الإرسال ما اتصل بالموت فأحبط ما قبله، نزع الجار فقال: {بعد ذلك} أي الشرط المؤكد بالأمر العظيم الشأن {منكم} أي بعد ما رأى من الآيات واقرّ به من المواثيق {فقد ضل} أي ترك وضيّع، يُستعمل قاصرًا بمعنى: حار، ومتعديًا كما هنا {سواء} أي وسط وعدل {السبيل} أي لأن ذلك كفر بعد البيان العظيم فهو أعظم من غيره، وفي هذا تحذير شديد لهذه الأمة، لأن المعنى: فإن نقضتم الميثاق- كما نقضوا- بمثل استدراج شاس بن قيس وغيره، صنعنا بكم ما صنعنا بهم حين نقضوا، من إلزامهم الذلة والمسكنة وغير ذلك من آثار الغضب، وإن وفيتم بالعقود آتيناكم أعظم مما آتيناهم من فتح البلاد والظهور على سائر العباد؛ قال ابن الزبير: ولهذا الغرض والله أعلم- أي غرض التحذير من نقض العهد- ذكر هنا العهد المشار إليه في قوله تعالى: {أوفوا بعهدي} [البقرة: 40] فقال تعالى: {ولقد أخذ الله ميثاق بني إسرائيل} إلى قوله: {فقد ضل سواء السبيل} [المائدة: 12] ثم بين نقضهم وبنى اللعنة وكل محنة ابتلوا بها عليه فقال: {فبما نقضهم ميثاقهم} [النساء: 55 والمائدة: 13] وذكر تعالى عهد الآخرين فقال: {ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم} [المائدة: 14] ثم فصل تعالى للمؤمنين أفعال الفريقين ليتبين لهم ما نقضوا فيه من ادعائهم في المسيح ما ادعوا، وقولهم نحن أبناء الله وأحباؤه، وكفهم عن فتح الأرض المقدسة، وإسرافهم في القتل وغيره، وتغييرهم أحكام التوراة- إلى غير ذلك مما ذكره في هذه السورة، ثم بين تفاوتهم في البعد عن الاستجابة فقال تعالى: {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا} [المائدة: 82] انتهى.
وينبغي ذكر النقباء من هذه الفرق الثلاث بأسمائهم وما دعي إلى ذلك تحقيقًا للأمر وزيادة تبصرة، أما اليهود فكان فيهم ذلك مرتين: الأولى: قال في السفر الرابع من التوراة: إن الرب تبارك اسمه كلم موسى النبي في جبل سينا وفي قبة الأمد في أول يوم من الشهر الثاني في السنة الثانية لخروج بني إسرائيل من مصر وقال الله: احص عدد جماعة بني إسرائيل كلها في قبائلهم.
كل ذكر من أبناء عشرين سنة إلى فوق، كل من يخرج في الحرب، وأحصهم أنت وأخوك هارون، وليكن معكما من كل سبط رجل ويكون الرجل رئيسًا في بيته، ثم بين بعد ذلك أن كل رجل منهم يكون قائد جماعته، ينزلون بنزوله حول قبة الزمان ويرحلون برحيله، ويطيعونه فيما يأمر به، ففعل موسى وهارون ما أمرهما الله به وانتدبوا اثني عشررجلًا كما أمر الله، فمن سبط روبيل: إليصور بن شداور، ومن سبط شمعون: سلوميل بن صور يشدي، ومن سبط يهودا: نحسون بن عمينا ذاب، ومن سبط إيشاخار: نتنائيل بن ضوغر، ومن سبط زابلون: أليب بن حيلون، ومن سبط يوسف من آل إفرائيم: إليسمع بن عميهوذ.
ومن سبط منشا: جماليال بن فداهصور- قلت: ومنشا هو ابن يوسف وهو أخو إفرائيم- ومن سبط بنيامين: أبيذان بن جدعوني، ومن سبط دان: أخيعزر بن عميشدي، ومن سبط آشير: فجعائيل بن عخرن، ومن سبط جاد: إليساف بن دعوائيل، ومن سبط نفتالي: أخيراع ابن عينان؛ وسبط لاوي هم سبط موسى وهارون عليهما السلام لم يذكروا لأنهم كانوا لحفظ قبة الزمان، فموسى وهارون عليهم كما كان النبي صلى الله عليه وسلم على قومه- كما سيأتي، والمرة الثانية كانت ليجسّوا أمر بيت المقدس، قال في أثناء هذا السفر: وكلم الرب موسى وقال له: أرسل قومًا يجسون الأرض التي أعطى بني إسرائيل، وليكون الذين ترسل رجلًا من كل سبط من رؤساء آبائهم، فأرسلهم موسى من برية فاران عن قول الرب، رجالًا من رؤساء بني إسرائيل، وهذه أسماءهم من سبط روبيل: ساموع بن ذكور، ومن سبط شمعون: سافاط بن حوري، ومن سبط يهودا: كالاب بن يوفنا، ومن سبط إيشاخار: إجال بن يوسف، ومن سبط إفرائيم: هو ساع بن نون، ومن سبط بنيامين: فلطي بن رافو، ومن سبط زابلون: جدي إيل بن سودي، ومن سبط يوسف من سبط منشا: جدي بن سوسي، ومن سبط دان: عميال بن جملي، ومن سبط آشير: ساتور بن ميخائيل، ومن سبط نفتالي: نجني بن وفسي، ومن سبط جاد: جوائل بن ماخي؛ هؤلاء الذين أرسلهم وتقدم إليهم بالوصية.
وأما النصارى ففي إنجيل متى ما نصه: ودعا يعني عيسى عليه السلام.
تلاميذه الاثني عشر، وأعطاهم سلطانًا على جميع الأرواح النجسة لكي يخرجوها ويشفوا كل الأمراض؛ وفي إنجيل مرقس: وصعد إلى الجبل ودعا الذين أحبهم فأتوا إليه، وانتخب اثني عشر ليكونوا معه، ولكي يرسلهم ليكروزا، وأعطاهم سلطانًا على شفاء الأمراض وإخراج الشياطين؛ وفي إنجيل لوقا: ودعا الاثني عشر الرسل وأعطاهم قوة وسلطانًا على جميع الشياطين وإشفاء المرضى، وأرسلهم يكرزون مملكوت الله ويشفون الأوجاع، وهذه أسماؤهم: شمعون المسمى بطرس، وأندراوس أخوه، ويعقوب بن زبدي، ويوحنا أخوه- وقال في إنجيل مرقس: وسماهما باسم بوانرجس اللذين هما ابنا الرعد- وفيلبس، وبرتولوماوي، وتوما، ومتى العَشّار، ويعقوب بن حلفا، وليا الذي يدعى بداوس وقد اختلفت الأناجيل في هذا، ففي إنجيل مرقس بدله: تدي، وفي إنجيل لوقا: يهودا بن يعقوب، ثم اتفقوا: وشمعون القاناني- وفي إنجيل لوقا: المدعو الغيور- ويهودا الإسخريوطي الذي أسلمه.
وأما نقباء الإسلام فكانوا ليلة العقبة الأخيرة حين بايع النبي صلى الله عليه وسلم الأنصار رضي الله عنهم على الحرب وأن يمنعوه إذا وصل إلى بلدهم، وقال لهم صلى الله عليه وسلم: أخرجوا إلي منكم اثني عشر نقيبًا يكونون على قومهم كما اختار موسى من قومه، وأخرجوا منهم اثني عشر نقيبًا: تسعة من الخزرج وثلاثة من الأوس، فقال لهم: أنتم على قومكم بما فيهم كفلاء ككفالة الحواريين لعيسى ابن مريم، وأنا كفيل على قومي، قالوا: نعم، وهذه اسماؤهم من الخزرج: أبو أمامة أسعد بن زرارة، وسعد بن الربيع، وسعد بن عبادة، وعبد الله بن رواحة، ورافع بن مالك بن العجلان، والبراء بن معرور، وعبد الله بن عمرو بن حرام أبو جابر، وعبادة بن الصامت، والمنذر بن عمرو؛ ومن الأوس: أسيد بن حضير، وسعد بن خثيمة، ورفاعة بن عبد المنذر، وأبو الهيثم بن التيهان، قال ابن هشام: وقال كعب بن مالك يذكرهم فيما أنشدني أبو زيد الأنصاري وذكر أبا الهيثم بن التيهان ولم يذكر رفاعة فقال:
أبلغ أبيًّا أنه قال رأيه ** وحان غداة الشعب والحين واقع

أبى الله ما منتك نفسك إنه ** بمرصاد أمر الناس راءٍ وسامع

وأبلغ أبا سفيان أن قد بدا لنا ** بأحمد نور من هدى الله ساطع