فصل: قال الفخر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلا ترغبن في حشد أمر تريده ** وألب وجمع كل ما أنت جامع

ودونك فاعلم أن نقض عهودنا ** أباه عليك الرهط حين تبايعوا

أباه البراء وابن عمرو كلاهما ** وأسعد يأباه عليك ورافع

وسعد أباه الساعدي ومنذر ** لأنفك إن حاولت ذلك جادع

وما ابن ربيع إن تناولت عهده ** بمسلمه لا يطمعن ثم طامع

وأيضًا فلا يعطيكه ابن رواحة ** وإخفاره من دونه السم ناقع

وفاء به والقوقلي بن صامت ** بمندوحة عما تحاول يافع

أبو هيثم أيضًا وفى بمثلها ** وفاء بما أعطى من العهد خانع

وما ابن حضير إن أردت بمطمع ** فهل أنت عن أحموقة الغي نازع

وسعد أخو عمرو بن عوف فإنه ** ضروح لما حاولت ملأمر مانع

اولاك نجوم لا يغبك منهم ** عليك بنحس في دجى الليل طالع

فأما نقباء اليهود في جسّ الأرض فلم يوف منهم إلا اثنان- كما سيأتي قريبًا عن بعض التوراة التي بين أيديهم، وأما نقباء النصارى فنقض منهم واحد- كما مضى عند قوله تعالى: {وما قتلوه وما صلبوه} [النساء: 157] وسيأتي إن شاء الله تعالى في الأنعام عند قوله تعالى: {لأنذركم به ومن بلغ} [الأنعام: 19]، وأما نقباؤنا فكلهم وفي وبرّ بتوفيق الله وعونه فله أتم الحمد. اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أن في اتصال هذه الآية بما قبلها وجوهًا:
الأول: أنه تعالى خاطب المؤمنين فيما تقدم فقال: {واذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ وميثاقه الذي وَاثَقَكُم بِهِ إِذْ قُلْتُمْ الله وَأَطَعْنَا} [المائدة: 7] ثم ذكر الآن أنه أخذ الميثاق من بني إسرائيل لكنهم نقضوه وتركوا الوفاء به، فلا تكونوا أيها المؤمنون مثل أولئك اليهود في هذا الخلق الذميم لئلا تصيروا مثلهم فيما نزل بهم من اللعن والذلة والمسكنة، والثاني: أنه لما ذكر قوله: {اذكروا نِعْمَتَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَن يَبْسُطُواْ إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ} [المائدة: 11] وقد ذكرنا في بعض الروايات أن هذه الآية نزلت في اليهود، وأنهم أرادوا إيقاع الشر برسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما ذكر الله تعالى ذلك أتبعه بذكر فضائحهم وبيان أنهم أبدًا كانوا مواظبين على نقض العهود والمواثيق، الثالث: أن الغرض من الآيات المتقدمة ترغيب المكلفين في قبول التكاليف وترك التمرد والعصيان، فذكر تعالى أنه كلف من كان قبل المسلمين كما كلفهم ليعلموا أن عادة الله في التكليف والالزام غير مخصوصة بهم، بل هي عادة جارية له مع جميع عباده. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قال الزجاج: النقيب فعيل أصله من النقب وهو الثقب الواسع، يقال فلان نقيب القوم لأنه ينقب عن أحوالهم كما ينقب عن الأسرار ومنه المناقب وهي الفضائل لأنها لا تظهر إلا بالتنقيب عنها، ونقبت الحائط أي بلغت في النقب إلى آخره، ومنه النقبة من الحرب لأنه داء شديد الدخول، وذلك لأنه يطلي البعير بالهناء فيعجد طعم القطران في لحمه، والنقبة السراويل بغير رجلين لأنه قد بولغ في فتحها ونقبها، ويقال: كلب نقيب، وهو أن ينقب حنجرته لئلا يرتفع صوت نباحه، وإنما يفعل ذلك البخلاء من العرب لئلا يطرقهم ضيف.
إذا عرفت هذا فنقول: النقيب فعيل، والفعيل يحتمل الفاعل والمفعول، فإن كان بمعنى الفاعل فهو الناقب عن أحوال القوم المفتش عنها، وقال أبو مسلم: النقيب هاهنا فعيل بمعنى مفعول يعني اختارهم على علم بهم، ونظيره أنه يقال للمضروب: ضريب، وللمقتول قتيل.
وقال الأصم: هم المنظور إليهم والمسند إليهم أمور القوم وتدبير مصالحهم. اهـ.

.قال القرطبي:

النَّقَّاب: الرجل العظيم الذي هو في الناس على هذه الطريقة؛ ومنه قيل في عمر رضي الله عنه: إنه كان لنقَّابا.
فالنُّقباء الضُّمان، واحدهم نقيب، وهو شاهد القوم وضمينهم؛ يقال: نَقَب عليهم، وهو حسن النَّقِيبة أي حسن الخليقة.
والنَّقْب والنُّقْب الطريق في الجبل.
وإنما قيل: نقِيب لأنه يعلم دخيلة أمر القوم، ويعرِف مناقِبهم وهو الطريق إلى معرفة أُمورهم.
وقال قوم النُّقباء الأمناء على قومهم؛ وهذا كله قريب بعضه من بعض.
والنَّقيب أكبر مكانة من العَريف.
قال عطاء بن يَسار: حملة القرآن عرفاء أهل الجنة؛ ذكره الدَّارمِيّ في مسنده.
قال قَتَادة رحمه الله وغيره: هؤلاء النقباء قوم كبار من كل سِبْط، تكفّل كل واحد بسِبْطه بأن يؤمنوا ويتقوا الله؛ ونحو هذا كان النّقباء ليلة العَقَبة؛ بايع فيها سبعون رجلًا وامرأتان، فاختار رسول الله صلى الله عليه وسلم من السبعين اثني عشر رجلًا، وسماهم النُّقباء اقتداء بموسى صلى الله عليه وسلم.
وقال الرّبيع والسُّدي وغيرهما: إنما بعث النّقباء من بني إسرائيل أمناء على الاطلاع على الجبَّارين والسَّبْر لقوّتهم ومنعتهم؛ فساروا ليختبروا حال من بها، ويُعلِموه بما اطلعوا عليه فيها حتى ينظر في الغزو إليهم؛ فاطلعوا من الجبّارين على قوّة عظيمة على ما يأتي وظنوا أنهم لا قبل لهم بها؛ فتعاقدوا بينهم على أن يُخفوا ذلك عن بني إسرائيل، وأن يُعلموا به موسى عليه السلام، فلما انصرفوا إلى بني إسرائيل خان منهم عشرة فعرّفوا قراباتهم، ومن وثقوه على سرهم؛ ففشا الخبر حتى اعوج أمر بني إسرائيل فقالوا: {فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فقاتلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ناسب ذكرُ ميثاق بني إسرائيل عقب ذكر ميثاق المسلمين من قوله: {وميثاقه الّذي واثقكم به} [المائدة: 7] تحذيرًا من أن يكون ميثاقنا كميثاقهم.
ومحلّ الموعظة هو قوله: {فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضل سواء السبيل}.
وهكذا شأن القرآن في التفنّن ومجيء الإرشاد في قالب القصص، والتنقّل من أسلوب إلى إسلوب.
وتأكيد الخبر الفعلي بقَد وباللام للاهتمام به، كما يجيء التأكيد بإنّ للاهتمام وليس ثَمّ متردّد ولا مُنزّل منزلتَه.
وذكر مواثيق بني إسرائيل تقدّم في سورة البقرة.
والبعث أصله التوجيه والإرسال، ويطلق مجازًا على الإقامة والإنهاض كقوله: {مَنْ بعثنا من مرقَدنا} [يس: 52]، وقوله: {فهذا يوم البعث} [الروم: 56].
ثم شاع هذا المجاز حتّى بني عليه مجاز آخر بإطلاقه على الإقامة المجازية {إذ بعث فيهم رسولًا من أنفسهم} [آل عمران: 164]، ثُمّ أطلق على إثارة الأشياء وإنشاء الخواطر في النفس.
قال مُتمم بن نويرة:
فقلت لهم إنّ الأسى يَبْعَثُ الأسى

أي أنّ الحزن يثير حزنًا آخر.
وهو هنا يحتمل المعنى الأول والمعنى الثّالث.
والعدولُ عن طريق الغيبة من قوله: {ولقد أخذ الله} إلى طريق التكلّم في قوله: {وبعثَنا} التفات.
والنقيب فَعيل بمعنى فاعل: إمّا من نَقَب إذا حفر مجازًا، أو من نقَّب إذا بعث {فنقَّبُوا في البلاد} [ق: 36]، وعلى الأخير يكون صوغ فعيل منه على خلاف القياس، وهو وارد كما صيغ سميع من أسمعَ في قول عمرو بن معد يكرب:
أمِن ريحانةَ الداعي السمِيع

أي المُسْمع.
ووصفه تعالى بالحكيم بمعنى المُحكم للأمور.
فالنقيب الموكول إليه تدبير القوم، لأنّ ذلك يجعله باحثًا عن أحوالهم؛ فيطلق على الرّئيس وعلى قائد الجيش وعلى الرائد، ومنه ما في حديث بيعة العقبة أنّ نقباء الأنصار يومئذٍ كانوا اثني عشر رجلًا.
والمراد بنقباء بني إسرائيل هنا يجوز أن يكونوا رؤساء جيوش، ويجوز أن يكونوا رُوادًا وجواسيس، وكلاهما واقع في حوادث بني إسرائيل.
فأمّا الأوّل فيناسب أن يكون البعث معه بمعنى الإقامة، وقد أقام موسى عليْه السّلام من بني إسرائيل اثني عشر رئيسًا على جيش بني إسرائيل على عدد الأسباط المجنّدين، فجعل لكلّ سبط نقيبًا، وجعل لسبط يوسف نقيبين، ولم يجعل لسبط لاوي نقيبًا، لأنّ اللاويين كانوا غير معدودين في الجيش إذ هم حفظة الشريعة، فقد جاء في أوّل سفر العَدد: كلّم الله موسى: أحصوا كلّ جماعة إسرائيل بعشائرهم بعدد الأسماء من ابن عشرين فصاعدًا كلّ خارج للحرب في إسرائيل حسب أجنادهم، تحسبهم أنت وهارون، ويكون معكما رجل لكلّ سبط رؤوس ألوف إسرائيل «وكلّم الربّ موسى قائلًا: أمّا سبط لاوي فلا تعدّه بل وكِّلْ اللاويين على مسكن الشهادة وعلى جميع أمتعته».
وكان ذلك في الشهر الثّاني من السنة الثّانية من خروجهم من مصر في برية سينا.
وأمّا الثّاني فيناسب أن يكون البعث فيه بمعناه الأصلي، فقد بعث موسى اثني عشر رجلًا من أسباط إسرائيل لاختبار أحوال الأمم الَّتي حولهم في أرض كنعان، وهم غير الاثني عشر نقيبًا الذين جعلهم رؤساء على قبائلهم.
ومن هؤلاء يوشع بن نون من سبط أفرايم، وكالب بن يفنة من سبط يهوذا، وهما الوارد ذكرهما في قوله تعالى: {قال رجلان من الّذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب} [المائدة: 23]، كما سيأتي في هذه السورة.
وقد ذُكرت أسماؤهم في الفصل الثالث عشر من سفر العدد.
والظاهر أنّ المراد هنا النقباء الّذين أقيموا لجند إسرائيل. اهـ.

.قال الفخر:

إن بني إسرائيل كانوا اثنى عشر سبطًا، فاختار الله تعالى من كل سبط رجلًا يكون نقيبًا لهم وحاكمًا فيهم.
وقال مجاهد والكلبي والسدي: أن النقباء بعثوا إلى مدينة الجبارين الذين أمر موسى عليه السلام بالقتال معهم ليقفوا على أحوالهم ويرجعوا بذلك إلى نبيهم موسى عليه السلام أن يحدثوهم، فنكثوا الميثاق إلا كالب بن يوفنا من سبط يهوذا، ويوشع بن نون من سبط إفراثيم ابن يوسف، وهما اللذان قال الله تعالى فيهما {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ} [المائدة: 23] الآية. اهـ.

.قال القرطبي:

في الآية دليل على قبول خبر الواحد فيما يفتقر إليه المرء، ويحتاج إلى اطلاعه من حاجاته الدينية والدنيوية، فتركب عليه الأحكام، ويرتبط به الحلال والحرام؛ وقد جاء أيضًا مثله في الإسلام؛ قال صلى الله عليه وسلم لهَوَازِن: «ارجعوا حتى يَرفع إلينا عُرفاؤكم أمركم». أخرجه البخاري.
وفيها أيضًا دليل على اتخاذ الجاسوس.
والتَّجسُّسُ: التَّبحّث.
وقد: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بسْبَسَة عينا؛ أخرجه مسلم.
وسيأتي حكم الجاسوس في «الممتحنة» إن شاء الله تعالى. اهـ. بتصرف يسير.

.قال الفخر:

في الآية حذف، والتقدير: وقال الله لهم إني معكم، إلا أنه حذف ذلك لاتصال الكلام بذكرهم. اهـ.
وقال الفخر:
قوله: {إِنّى مَعَكُمْ} خطاب لمن؟
فيه قولان:
الأول: أنه خطاب للنقباء، أي وقال الله للنقباء إني معكم.
والثاني: أنه خطاب لكل بني إسرائيل، وكلاهما محتمل إلا أن الأول أولى.
لأن الضمير يكون عائدًا إلى أقرب المذكورات، وأقرب المذكور هنا النقباء والله أعلم. اهـ.