فصل: الفوائد:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الفوائد:

1- ينوب عن الظرف المصدر إذا كان مضافا إليه وأن يكون معينا لوقت أو مقدار نحو جئتك صلاة العصر ومقدم الحاج.
2- هاء السكت: سميت بذلك لأنه يسكت عليها دون آخر الكلمة، ولها ثلاثة مواضع:
أ- الفعل المعتلّ بحذف آخره لجزم أو سكون مثل: لم يتسنه ولم يغزه ولم يخشه ولم يرمه واغزه واخشه وارمه ومنه قوله تعالى: {فبهداهم اقتده} وهي في كل هذا جائزة لا واجبة، إلا في مسألة واحدة، وهي أن يكون الفعل قد دخله الحذف وبقي على حرف واحد، كالأمر من وعى يعي، فإنك تقول: عه، بحذف فائه ولامه.
ب- ما الاستفهامية المجرورة بالحرف، وذلك أنه يجب حذف ألفها إذا جرت، نحو عمّ ومم وبم وفيم. فإذا وقفت عليها ألحقتها الهاء حفظا للفتحة الدالة على الألف.
ج- كل مبني على حركة بناء ولم يشبه المعرب، وذلك كياء المتكلم وهو وهي، فإنك تقف عليها بهاء السكت محافظة على الفتحة، وفي القرآن: {ماهيه} و{ماليه} و{سلطانيه} وقال حسان:
إذا ما ترعرع منا الغلام ** فما إن يقال له ما هوه؟

وحق هاء السكت أن تكون ساكنة وتحريكها لحن عند البصريين. وكان أبو الطيب المتنبي يراغم النحاة فقال:
واحرّ قلباه ممن قلبه شبم ** ومن بجسمي وحالي عنده سقم

وهو- كما تعلم- كوفي، والكوفيون يجيزون ذلك، والواقع أن علماء النحو اضطربوا كثيرا في هذه المسألة، ووفقوا حائرين أمام قول عروة في حبيبته عفراء:
يا مرحباه بحمار عفرا ** ويا مرحباه بحمار ناجيه

وقد دافع أبو البقاء العكبري عن أبي الطيب المتنبي في شرحه لديوانه في بحث شيق حبذا لو رجعت اليه.
3- الاستفهام في هذه الآية خرج عن معناه الأصلي، فالأول {ألم تر} معناه التعجب، أي: أعجب يا محمد من هذه القصة، والاستفهام الثاني للاستعظام، وهو {أنى يحيي هذه اللّه بعد موتها}.

.لمحة تاريخية لابد منها:

كان عزيز بن شرخيا من سكان بيت المقدس، وقد كان في جملة من سباهم بختنصّر، فلما خلص من السبي وجاء ورآها على تلك الحالة، وكان راكبا على حمار، دخلها وطاف فيها، فلم ير أحدا فيها.
وكان أغلب أشجارها حاملا، فأكل من الفاكهة، واعتصر من العنب، ثم ربط حماره بحبل، وجعل فضل الفاكهة في سلة، وفضل العصير في زق أو ركوة، ثم ألقى اللّه عليه النوم فنام، ولما نام نزع اللّه منه الروح، وأمات حماره، وبقي عصيره وتينه عنده، فلما مضى من وقت موته سبعون سنة سلط اللّه ملكا من ملوك فارس، فسار بجنوده حتى أتى بيت المقدس فعمره، وصار أحسن مما كان، وعاد أهلها إليها وأعمى اللّه العيون عن عزير هذه المدة. فلما مضت المائة أحياه اللّه ثم أخذ ينظر إلى حماره تدب فيه الروح وتتلملم الأوصال، إلى آخر تلك القصة التي نتمنى أن يعمد إليها كاتب قصصي بارع فيجعل منها قصة فنية. وهي تشجب أقوال اليهود في عزير أنه ابن اللّه، تعالى اللّه عن ذلك.
ملاحظات هامة:
1- تحدثنا عن قوله تعالى: {ألم تر} في باب الإعراب، وقد عثرنا على تقرير هام للتفتازاني خلاصته: تقرير هذا أن كلا من لفظ {ألم تر} و{أرأيت} مستعمل لقصد التعجب، إلا أن الأول تعلق با لمتعجّب منه فيقال: ألم تر إلى الذي صنع كذا بمعنى انظر اليه، فتعجب من حاله. والثاني تعلق بمثل المتعجب منه فيقال: أرأيت مثل الذي صنع كذا؟ بمعنى أنه من الغرابة بحيث لا يرى له مثل. ولا يصح:
ألم تر إلى مثله، إذ يصير التقدير: انظر إلى المثل وتعجب من الذي صنع. فلذا لم يستقم عطف {كالذي مرّ} على {الذي حاج} واحتيج إلى التأويل في المعطوف بجعله متعلقا بمحذوف، أي أرأيت إلى، أو في المعطوف عليه، نظرا إلى أنه في معنى: أرأيت كالذي حاج، فيصح العطف عليه حينئذ.
قلت: وهذه دقة نظر وبعد غور لا حدّ لهما، واستقصاء علمي منقطع النظير، ولم نصحح إعرابنا كما ارتآه، واكتفينا بإثبات هذه الملاحظة.
2- قال أبو السعود العماري مفتي التخت العثماني الذي تقلد الإفتاء الإسلامي مدة ثلاثين سنة، وصاحب التفسير المسمى إرشاد السليم إلى مزايا الكتاب الكريم والمتوفى سنة ألف وخمسمائة وأربع وسبعين للميلاد في صدد بحثه عن الكاف في قوله: {أو كالذي} والكاف إما اسمية كما اختاره قوم، جيء بها للتنبيه على تعدد الشواهد وعدم انحصارها فيما ذكر، كقولك: الفعل الماضي مثل نصر، وإما زائدة كما ارتضاه آخرون والمعنى: أولم تر إلى الذي مر على قرية كيف هداه اللّه وأخرجه من ظلمة الاشتباه إلى نور العيان والشهود، أي قد رأيت ذلك وشاهدته.
3- قال ابن هشام في المغني: ومن الوهم في هذا الباب قول بعضهم في قوله تعالى: {وانظر إلى العظام كيف ننشزها} أن جملة الاستفهام حالية، والصواب أن {كيف} وحدها حال من مفعول ننشزها، وأن الجملة بدل من {العظام}.
وأورد الدسوقي في حاشيته على ابن هشام أن هذه الجملة لا تحلّ محل المبدل منه، وهو شرط في صحة البدل. وفات الدسوقي أن الالتفات للمعنى أي إلى العظام وكيفية نشوزها، على أن هذه القاعدة أغلبية.

.[سورة البقرة: آية 260]:

{وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (260)}.

.اللغة:

{فَصُرْهُنَّ} بضم الصاد ويجوز كسرها، فعل أمر من صار يصور أو من صار يصير بمعنى ضمّ أو مال، قال:
وفرع يصير الجيد وحف كأنه ** على الليت قنوان الكروم الدّوالح

يصف شعر محبوبته بأنه يميل عنقها لنقله عليه ويشبهه بعناقيد الكروم المثقلات بالحمل. وقال في مختار الصحاح: وصاره أماله، من باب قال وباع، وقرئ: {فصرهن إليك} بضم الصاد وكسرها، وصار الشيء أيضا من البابين قطعه وفصله، فمن فسره بهذا جعل في الآية تقديما وتأخيرا، أي فخذ إليك أربعة من الطير فصرهن.

.الإعراب:

{وَإِذْ قالَ إِبْراهِيمُ} الواو استئنافية والكلام مستأنف مسوق لإيراد دليل آخر على رعاية اللّه للمؤمنين، وفيه تنويه بأن الرؤية والعيان لابد منهما لتدعيم الاعتقاد وترسيخه، إذ لم يكن إبراهيم شاكا في إحياء اللّه للموتى، وإذ ظرف متعلق بما ذكر مقدرا وقال ابراهيم فعل وفاعل والجملة في محل جر بالإضافة {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى} رب منادى مضاف لياء المتكلم المحذوفة، والجملة في محل نصب مقول القول. وأرني فعل أمر من الإراءة البصرية المتعدية لواحد، وبدخول الهمزة صارت متعدية لاثنين. وأصل أرني أرئيني، فحذفت الياء الأولى فصار أرئني، ثم نقلت حركة الهمزة إلى الراء وحذفت الهمزة، وأرني فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والنون للوقاية وياء المتكلم مفعول به أول، وكيف استفهام حال وتحيي فعل مضارع وفاعله مستتر والموتى مفعول به وجملة كيف تحيي الموتى في محل نصب مفعول أرني الثاني {قالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ} قال فعل ماض والفاعل هو والجملة مستأنفة بمثابة التقرير للواقع، أي: أتسأل ولم تؤمن، والهمزة للاستفهام التقريري، لأن الاستفهام إنما هو عن أمر متقرر الوجود عند السائل والمسئول على السواء. والواو عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم وتؤمن فعل مضارع مجزوم بلم والجملة الاستفهامية في محل نصب مقول القول: {قالَ بَلى} جملة مستأنفة مسوقة لتقرير الإيمان، وأتى ب {بلى} التي هي حرف جواب لتثبت الإيمان المنفي، ولو كان الجواب بنعم لكان كفرا {وَلكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي} الواو عاطفة على جملة محذوفة تقديرها: سألتك، ولكن حرف استدراك مهمل وليطمئن اللام للتعليل ويطمئن فعل مضارع منصوب بأن مضمرة ولابد من تقدير محذوف ليصح تعليق اللام، أي ولكن سألتك كيفية الإحياء ليطمئن قلبي، وقلبي فاعل مرفوع بالضمة المقدرة على ما قبل ياء المتكلم، والياء مضاف إليه {قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ} جملة مستأنفة مسوفة للتدليل على ولاية اللّه تعالى للمؤمنين والسير بهم في آماد الطريق المستقيم، والفاء هي الفصيحة أي إذا أردت معرفة ذلك عيانا فخذ، وخذ فعل أمر والفاعل أنت وأربعة مفعول به ومن الطير جار ومجرور متعلقان بمحذوف صفة لأربعة {فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ} الفاء عاطفة وصرهنّ فعل أمر والفاعل مستتر تقديره أنت والهاء مفعول به والنون علامة النسوة لا محل لها من الاعراب وإليك جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال أي مضمومات إليك {ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا}.
ثم حرف عطف للترتيب والتراخي واجعل فعل أمر والفاعل أنت وعلى كل جار ومجرور متعلقان باجعل على أنه مفعول ثان لاجعل وجبل مضاف إليه ومنهن جار ومجرور متعلقان بمحذوف حال لأنه كان في الأصل صفة ل {جزءا} فلما تقدمت على الموصوف أعربت حالا وجزءا هو المفعول الأول {ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا} عطف أيضا وادعهن فعل أمر مبني على حذف حرف العلة والفاعل أنت والهاء مفعول به والنون علامة التأنيث لا محل لها ويأتينك فعل مضارع مبني على السكون في محل جزم جواب الطلب والنون فاعل والكاف مفعول به والجملة جواب الطلب لا محل لها وسعيا مفعول مطلق أي مشيا سريعا. ولك أن تعربها حالا، أي مسرعات {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} الواو عاطفة واعلم فعل أمر والفاعل أنت وإن واسمها وخبراها سدت مسد مفعولي اعلم.

.البلاغة:

في هذه الآية إيجاز بالحذف وقد حذف تتمة القصة، إذ حكى سبحانه أوامره، ولم يتعرض لامتثال إبراهيم عليه السلام لها، لأن ذلك مدرك بالبداهة.

.[سورة البقرة: الآيات 261- 262]:

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (261) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (262)}.

.اللغة:

السنبلة معروفة، وزنها فنعلة، فالنون زائدة، يقال: أسبل الزرع: أرسل ما فيه. وحكى بعض اللغويين: سنبل الزرع، فتكون النون أصلية، ووزنه فعلل. وقد روى الأساس واللسان: وأسبل الزرع وسنبل: خرج سبله وسنبله.
المن: أن يعتدّ على من أحسن إليه بإحسانه.

.الإعراب:

{مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} كلام مستأنف مسوق لضرب المثل لإنفاق الأموال في سبيل اللّه، ولابد من حذف مضاف، أي: مثل نفقتهم. ومثل مبتدأ والذين مضاف إليه وجملة ينفقون لا محل لها لأنها صلة الموصول وأموالهم مفعول به وفي سبيل اللّه جار ومجرور متعلقان بينفقون {كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ} الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر، ولابد من حذف مضاف أيضا، أي كمثل باذر حبة. وأنبتت فعل ماض والفاعل هي وسبع مفعول به وسنابل مضاف إليه وعلامة جره الفتحة لأنه ممنوع من الصرف لأنه على صيغة منتهى الجموع وجملة أنبتت صفة لحبة {فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ} في كل الجار والمجرور متعلقان بمحذوف خبر مقدم وسنبلة مضاف اليه، ومائة حبة مبتدأ مؤخر والجملة الاسمية صفة لسنابل فتكون في محل جر، أو صفة لسبع فتكون في محل نصب {وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ} الواو استئنافية واللّه مبتدأ ويضاعف فعل مضارع وفاعله مستتر تقديره هو يعود على اللّه تعالى وجملة يضاعف في محل رفع خبر للمبتدأ اللّه ولمن الجار والمجرور متعلقان بيضاعف وجملة يشاء لا محل لها لأنها صلة من {وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ} الواو عاطفة واللّه مبتدأ وواسع خبر أول وعليم خبر ثان {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} لك أن تجعلها تابعة للجمل السابقة على أنها مبدلة منها، ولك أن تجعلها مستأنفة مسوقة لذكر الإنفاق غير المشوب بالمن. والذين مبتدأ أو بدل من الذين الأولى وجملة ينفقون أموالهم لا محل لها لأنها صلة وفي سبيل اللّه متعلقان بينفقون {ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَلا أَذىً} ثم حرف عطف للترتيب والتراخي في الزمان والرتبة، ولا نافية ويتبعون فعل مضارع معطوف على ينفقون وما اسم موصول مفعول به أول وجملة أنفقوا صلة ما ومنا مفعول به ثان ولا أذى عطف على {منا} {لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ} الجار والمجرور خبر مقدم وأجرهم مبتدأ مؤخر والظرف متعلق بمحذوف حال وربهم مضاف إليه والجملة الاسمية في محل رفع خبر الذين إذا كانت مبتدأ، أما إذا كانت بدلا فالجملة استئنافية {وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} تقدم إعراب هذه الآية بحروفها.

.البلاغة:

1- التشبيه التمثيلي: فقد شبه نفقة المنفقين في سبيل اللّه بالحبة في مضاعفة الأجر، فهي عند ما يغرسها الغارس تنبت ساقا يتشعّب منه سبع شعب، لكل واحد سنبلة. وفيه تجسيد بديع بعقد المماثلة بين المشبّه والمشبه به. والغرض من التشبيه هنا توضيح المعنى وتقريبه للأذهان أولا، ثم تأييده بالدليل المحسوس الذي لا يكابر فيه المكابر، ولا يتعنّت فيه المتعنّت ثانيا، ثم تزيين المشبه وتجميله، وإلهاب الرغبة فيه، بحيث لا يتردد أحد في الإنفاق بعد أن رأى بعينه سلفا ما أعد له من جزاء ثالثا.
2- {ثم} في أصل وضعها تشير إلى أن ثمة تراخيا بين المعطوف بها والمعطوف عليه، وهذا التراخي قد اختلف فيه، فبعضهم يقول: إنه تراخي الزمن وبعد ما بينهما. والزمخشري يرحمه اللّه يحمله على التفاوت في الرتبة، فإلى أيهما يعتزي في هذه الآية؟
لقد أفاض علماء البيان في هذا الباب، فقال قوم: المراد التراخي في الزمن نظرا للغالب من أن وقوع المنّ والأذى يكون يعد الإنفاق حتما، بل هما مترتبان عليه، ولا يمكن تصورهما قبل وقوعه، وهذا حسن جميل، وذهب الزمخشري إلى أن التراخي هنا محمول على التفاوت في المراتب والتباعد بينهما، حيث لا يمكن حملها على الزمان لسياق يأبى ذلك في الآية. وحاصله أنها استعيرت من تباعد الأزمنة لتباعد المرتبة، وهذا من أبدع ما يصل إليه الفكر الراجح والذكاء البعيد الغور، فإن است خراج هذه الاستعارة على هذا الشكل لا يدركه قصار النظر والابتدائيون، وعلى هذا يقال: معناها الأصلي تراخي زمن وقوع الفعل وحدوثه، ومعناها المستعارة إليه دوام وجود الفعل وتراخي زمان بقائه.