فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَى خَائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (13)}.
أخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {فبما نقضهم ميثاقهم} قال: هو ميثاق أخذه الله على أهل التوراة فنقضوه.
وأخرج ابن جرير عن قتادة في قوله: {فبما نقضهم} يقول: فبنقضهم.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله: {فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم} قال: اجتنبوا نقض الميثاق، فإن الله قدم فيه وأوعد فيه، وذكره في آي من القرآن تقدمة ونصيحة وحجة، وإنما بعظم عظمها الله به عند أولي الفهم والعقل وأهل العلم بالله، وانا ما نعلم الله أوعد في ذنب ما أوعد في نقض الميثاق.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {يحرِّفون الكلم عن مواضعه} يعني حدود الله في التوراة يقول: ان أمركم محمد بما أنتم عليه فاقبلوه، وإن خالفكم فاحذروا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ونسوا حظًا مما ذكروا به} قال: نسوا الكتاب.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ونسوا حظًا مما ذكروا به} قال: نسوا الكتاب.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ونسوا حظًا مما ذكروا به} قال: كتاب الله إذا نزل عليهم.
وأخرج ابن جرير عن السدي في قوله: {ونسوا حظًا} تركوا نصيبًا.
وأخرج ابن جرير عن الحسن في قوله: {ونسوا حظًا مما ذكروا به} قال: عرى دينهم ولطائف الله التي لا يقبل الأعمال إلا بها.
وأخرج عبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة في الآية قال: نسوا كتاب الله بين أظهرهم، وعهده الذي عهده إليهم، وأمره الذي أمرهم به، وضيعوا فرائضه، وعطلوا حدوده، وقتلوا رسله، ونبذوا كتابه.
وأخرج ابن المبارك وأحمد في الزهد عن ابن مسعود قال: إني لأحسب الرجل ينسى العلم كان يعلمه بالخطيئة يعملها.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ولا تزال تطلع على خائنة منهم} قال: هم يهود مثل الذي هموا به من النبي صلى الله عليه وسلم يوم دخل عليهم حائطهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {ولا تزال تطَّلع على خائنة منهم} يقول: على خيانة وكذب وفجور. وفي قوله: {فاعف عنهم واصفح} قال: لم يؤمر يومئذ بقتالهم، فأمرهم الله أن يعفو عنهم ويصفح، ثم نسخ ذلك في براءة فقال: {قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر...} [التوبة: 29] الآية. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
قوله تعالى: {فَبِمَا نَقْضِهِم} تقدم الكلام على نظيره، وكذلك {سَوَاءَ السبيل} [النساء: 155]. وقرأ الجمهور: {قاسيةً} اسم فاعل من قسا يقسو، وقرأ الأَخَوان:- وهي قراءة عبد الله- {قَسِيَّةً} بفتح القاف وكسر السينِ وتشديدِ الياء. واختلفَ الناسُ في هذه القراءةِ: فقال الفارسي: «ليست في ألفاظِ العربِ في الأصل، وإنما هي كلمةٌ أعجميه معرَّبة» يعني أنها مأخوذةٌ من قولِهم: «دِرْهم قِسِيّ» أي: مَغْشُوش، شَبَّه قلوبَهم في كونِها غيرَ صافيةٍ من الكَدَر بالدارهم المغشوشةِ غير الخالصةِ، وأنشدوا قولَ أبي زبيد:
لها صَواهِلُ في صُمِّ السِّلام كما ** صاحَ القَسِيَّات في أَيْدي الصياريفِ

وقوله الآخر:
وما زَوَّدوني غيرَ سَحْقِ عِمامةٍ ** وخمسَ مِئٍ منها قِسِيُّ زائفُ

وقال صحاب الكشاف: «وقرأ عبد الله: {قَسِيَّة} أي: رديئة مغشوشة مِنْ قولِهم: «درهم قَسِيّ» وهو من القسوة؛ لأنَّ الذهبَ والفضة الخالصين فهيما لينٌ، والمغشوشُ فيه صلابةٌ ويُبس، والقسي والقاسح- بالحاءِ المهملة- أَخَوانِ في الدلالة على اليُبْس» وهذا القول سبقه إليه المبردُ فإنه قال: «يُسَمَّى الدرهمُ المغشوشُ قَسِيًّا لصلابته وشدتِه للغشِّ الذي فيه»، وهو يَرْجِعُ للمعنى الأول، والقاسي والقاسح، بمعنى واحد، وعلى هذين القولين تكوت اللفظةُ عربية، وقيل: بل هذه القراءة توافِقُ قراءةُ الجماعة في المعنى والاشتقاق، لأنه فعيل للمبالغة كشاهد وشهيد فكذلك قاسٍ وقسِيّ، وإنما أُنِّث على معنى الجماعةِ. وقرأ الهَيْصم بن شداخ: {قُسِيَّة} بضم القاف وتشديد الياء. وقرئ {قِسَّية} بكسر القاف إتباعًا، وأصل القراءتين: قاسِوَة وقَسِيوة لأنَّ الاشتقاق من القسوة.
قوله: {يُحَرِّفُونَ} في هذه الجملة أربعة أوجه، أنها مستأنفة بيانٌ لقسوة قلوبهم، لأنه لا قسوةَ أعظمُ من الافتراء على الله تعالى. والثاني: أنها حال من مفعول {لعنَّاهم} أي: لعنَّاهم حالَ اتصافهم بالتحريف. والثالث:- قال أبو البقاء- أنه حال من الضمير المستتر في {قاسية}، وقال: «ولا يجوزُ أن يكون حالًا من القلوب، لأن الضمير في {يُحَرِّفون} لا يرجع إلى القلوب» وهذا الذي قاله فيه نظر، لأنه من حيث جَوَّز أن يكونَ حالًا من الضمير في {قاسية} يلزَمُه أن يُجَوِّز أن يكون حالًا من «القلوب» لأنَّ الضميرَ المسترر في {قاسية} يعودُ على القلوب، فكما يمتنع أن يكونَ حالًا مِنْ ظاهره، يمتنع أن يكونَ حالًا من ضميرِه، وكأن المانع الذي توهَّمه كونُ الضمير- وهو الواو في {يُحَرِّفون}- إنما يعود على اليهود بجملتِهم لا على قلوبهم خاصةً، فإنَّ القلوبَ لا تُحَرِّف، إنما يحرِّف أصحاب القلوب، وهذا لازمٌ له في تجويزه الحاليةَ من الضمير في {قاسية}.
ولقائل أن يقولَ: المرادُ بالقلوبِ نفسُ الأشخاص، وإنما عَبَّر عنهم بالقلوب لأن هذه الأعضاءَ هي محلُّ التحريف أي: إنه صادرٌ عنها بتفكُّرها فيه، فيجوزُ على هذا أن يكونَ حالًا من القلوب. والرابع: أن تكون حالًا من «هم» قال أبو البقاء: «وهو ضعيفٌ» يعني لأنَّ الحالَ من المضاف إليه لا تجوزُ، وغيرُه يجوِّزُ ذلك في مثلِ هذا الموضعِ؛ لأنَّ المضاف بعضُ المضاف إليه. وقرأ الجمهورُ بفتح الكافِ وكسرِ اللامِ وهو جمعُ «كلمة» وقرأ أبو رجاء: {الكِلْمِ} بكسر الكافِ وسكونِ اللام، وهو تخفيفُ قراءة الجماعة، وأصلُها أنه كَسَرَ الكافَ إتباعًا ثم سكَّن العينَ تخفيفًا، وقرأ السُلمي والنخغي: {الكلام} بالألف. و{عن مواضِعه} قد ذُكِر مثلُه في النساء.
قوله: {على خَائِنَةٍ} في {خائنة} ثلاثةُ أوجه، أحدها: أنها اسمُ فاعل والهاء للمبالغة كراوية ونسَّابة أي: على شخص خائن، قال الشاعر:
حَدَّثْتَ نفسَك بالوفاءِ ولم تَكُنْ ** للغدرِ خائنةً مُغِلَّ الإصبَعِ

الثاني: أن التاء للتأنيث، وأُنِّث على معنى طائفة أو نفس أو فَعْلَة خائنة. الثالث: أنها مصدرٌ كالعافية والعاقبة، ويؤِّيد هذ الوجه قراءةُ الأعمش: {على خيانة} وأصل خائِنة: خاونة، وخيانة: خِوانة، لقولهم: تَخَوَّن وخَوَّان وهو أَخْوَن، وإنما أُعِلاَّ إعلالَ «قائمة وقيام» و{منهم} صفة ل {خائنة} إن أريد بها الصفة، وإن أريد بها المصدرُ قُدِّر مضافٌ أي: من بعض خياناتهم.
قوله: {إِلاَّ قَلِيلًا} منصوبٌ على الاستثناء، وفي المستنثى منه أربعةُ أقوالٍ، أظهرُها: أنه لفظ خائنة، وهمُ الأشخاصُ المذكورون في الجملة قبله أي: لا تزالُ تَطَّلع على مَنْ يَخْون منهم إلى القليلَ، فإنه لا يخون فلا تَطَّلِعُ عليه، وهؤلاء هم عبد الله بن سلام وأصحابه. قال أبو البقاء «ولو قرئ بالجر على البدل لكان مسقيمًا» يعني على البدل من {خائنة} فإنه في حَيِّز كلام غير موجب. والثاني: ذكره ابن عطية أنه الفعل أي: لا تزال تطَّلع على فِعْل الخيانة إلا فعلًا قليلًا، وهذا واضح إنْ أُريد بالخيانة أنها صفة للفعلة المقدرة كما تقدَّم، ولكن يُبْعِدُ ما قاله ابنُ عطية قولُه بعدَه {منهم}، وقد تقدَّم لنا نظيرُ ذلك في قوله: {مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ} [النساء: 66]، حيث جَوَّز الزمخشري فيه أن يكونَ صفةً لمصدرٍ محذوفٍ. الثالث: أنه {قلوبهم} في قوله: {وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً} قال صاحبُ هذا القول: «والمرادُ بهم المؤمنون لأن القسوة زالَتْ عن قلوبهم» وهذا فيه بُعْدٌ كبير، لقوله: {لعنَّاهم} الرابع: أنه الضمير في {منهم} مِنْ قوله تعالى: {على خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ} قاله مكيّ. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة في الآيات {يَا أَيُّهَا الذين ءامَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصلاة فاغسلوا وُجُوهَكُمْ} أمر بالتطهير لمن أراد الوقوف بين يدي الملك الكبير جل شأنه وعظم سلطانه، وبدأ بالوجه لأنه سبحانه وتعالى نقشه بنقش خاتم صفاته، وفي «الفتوحات» لا خلاف في أن غسل الوجه فرض وحكمة في الباطن المراقبة والحياء من الله تعالى مطلقًا، ثم اختلف الحكم في الظاهر في أن تحديد غسل الوجه في الوضوء في ثلاثة مواضع: منها البياض الذي بين العذار والأذن، والثاني: ما سدل من اللحية، والثالث: تخليل اللحية، فأما البياض المذكور فمن قائل: إنه من الوجه، ومن قائل: إنه ليس من الوجه، وأما ما انسدل من اللحية فمن قائل: بوجوب إمرار الماء عليه، ومن قائل: بأنه لا يجب، وكذلك تخليل اللحية، فمن قائل: بوجوبه، ومن قائل: بأنه لا يجب، وحكم ذلك في الباطن أما غسل الوجه مطلقًا من غير نظر إلى تحديد الأمر في ذلك فإن فيه ما هو فرض، وفيه ما هو ليس بفرض، فأما الفرض فالحياء من الله تعالى أن يراك حيث نهاك، أو يفقدك حيث أمرك، وأما السنة منه فالحياء من الله تعالى أن تنظر إلى عورتك أو عورة امرأتك، وإن كان ذلك قد أبيح لك، ولكن استعمال الحياء فيها أفضل وأولى فما يتعين منه فهو فرض عليك، وما لا يتعين ففعلته فهو سنة واستحباب، فيراقب الإنسان أفعاله ظاهرًا وباطنًا، ويراقب ربه في باطنه، فإن وجه قلبه هو المعتبر، ووجه الإنسان على الحقيقة ذاته يقال: وجه الشيء أي حقيقته وعينه وذاته، فالحياء خير كله، والحياء من الإيمان ولا يأتي إلا بخير، وأما البياض الذي بين العذار والأذن، وهو الحد الفاصل بين الوجه والأذن فهو الحد بين ما كلف الإنسان من العمل في وجهه والعمل في سماعه، فالعمل في ذلك إدخال الحدّ في المحدود، فالأولى بالإنسان أن يصرف حياءه في سمعه كما صرفه في بصره، فكما أن الحياء غض البصر كما قال تعالى: {قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنْ أبصارهم} [النور: 30] كذلك يلزم الحياء من الله تعالى أن لا يسمع ما لا يحل له من غيبة؛ وسوء قول من متكلم بما لا ينبغي فإن ذلك البياض هو بين العذار والأذن وهو محل الشبهة وهو أن يقول: أصغيت إليه لأرد عليه، وهذا معنى العذار فإنه من العذر أي الإنسان يعتذر إذا قيل له: لم أصغيت إلى هذا القول بأذنك؟ فيقول: إني أردت أن أحقق سماع ما قال حتى أنهاه عنه، فكنى عنه بالعذار فمن رأى وجوب ذلك عليه غسله، ومن لم ير وجوب ذلك إن شاء غسل وإن شاء ترك، وأما غسل ما استرسل من اللحية وتخليلها فهي الأمور العوارض، فإن اللحية شيء يعرض في الوجه وليست من أصله، فكل ما يعرض لك في وجه ذلك من المسائل فأنت فيها بحكم ذلك العارض، فإن تعين عليك طهارة ذلك العارض فهو قول من يقول بوجوب غسله، وإن لم يتعين عليك طهارته فطهرته استحبابًا أو تركته لكونه ما تعين عليك فهو قول من لم يقل بوجوب الطهارة فيه، وقد بين أن حكم الباطن يخالف الظاهر بأن فيه وجهًا إلى الفريضة، ووجها إلى السنة والاستحباب، فالفرض من ذلك لابد من إتيانه، وغير الفرض عمله أولى من تركه، وذلك سار في جميع العبادات انتهى.