فصل: القرآن الكريم وموقفه من عقيدة تأليه المسيح:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ولعل هؤلاء هم الذين عناهم جرجي زيدان حين قال: «الخياليون يقولون: إن المسيح لم يصلب، وإنما صلب رجل آخر مكانه».
ومن هذه الفرق التي قالت بصلب غير المسيح بدلًا عنه: الكورنثيون والكربوكراتيون والسيرنثيون. يقول جورج سايل: إن السيرنثيين والكربوكراتيين، وهما من أقدم فرق النصارى، قالوا: إن المسيح نفسه لم يصلب ولم يقتل، وإنما صلب واحد من تلاميذه، يشبهه شبهًا تامًا، وهناك الباسيليديون يعتقدون أن شخصًا آخر صلب بدلًا من المسيح.
وثمة فِرق نصرانية قالت بأن المسيح نجا من الصلب، وأنه رفع إلى السماء، ومنهم الروسيتية والمرسيونية والفلنطنيائية. وهذه الفرق الثلاث تعتقد ألوهية المسيح، ويرون القول بصلب المسيح وإهانته لا يلائم البنوة والإلهية.
كما تناقل علماء النصارى ومحققوهم إنكار صلب المسيح في كتبهم، وأهم من قال بذلك الحواري برنابا في إنجيله.
ويقول ارنست دي بوش الألماني في كتابه «الإسلام: أي النصرانية الحقة» ما معناه: إن جميع ما يختص بمسائل الصلب والفداء هو من مبتكرات ومخترعات بولس، ومن شابهه من الذين لم يروا المسيح، لا في أصول النصرانية الأصلية.
ويقول ملمن في كتابه «تاريخ الديانة النصرانية»: «إن تنفيذ الحكم كان وقت الغلس، وإسدال ثوب الظلام، فيستنتج من ذلك إمكان استبدال المسيح بأحد المجرمين الذين كانوا في سجون القدس منتظرين تنفيذ حكم القتل عليهم كما اعتقد بعض الطوائف، وصدقهم القرآن».
وأخيرًا نذكر بما ذكرته دائرة المعارف البريطانية في موضوع روايات الصلب حيث جعلتها أوضح مثال للتزوير في الأناجيل.
ومن المنكرين أيضًا صاحب كتاب «الدم المقدس، وكأس المسيح المقدس» فقد ذكر في كتابه أن السيد المسيح لم يصلب، وأنه غادر فلسطين، وتزوج مريم المجدلية، وأنهما أنجبا أولادًا، وأنه قد عثر على قبره في جنوب فرنسا، وأن أولاده سيرثون أوربا، ويصبحون ملوكًا عليها.
وذكر أيضًا أن المصلوب هو الخائن يهوذا الأسخريوطي، الذي صلب بدلًا من المسيح المرفوع.
وإذا كان هؤلاء جميعًا من النصارى، يتبين أن لا إجماع عند النصارى على صلب المسيح، فتبطل دعواهم بذلك.
ويذكر معرِّب «الإنجيل والصليب» ما يقلل أهمية إجماع النصارى لو صح فيقول بأن أحد المبشرين قال له: كيف يُنكر وقوع الصليب، وعالم المسيحية مطبق على وقوعه؟
فأجابه: كم مضى على ظهور مذهب السبتيين؟ فأجاب القس المبشر: نحو أربعين سنة.
فقال المعرِّب: إن العالم المسيحي العظيم الذي أطبق على ترك السبت خطأ 1900 سنة، هو الذي أطبق على الصلب.
وأما إجماع اليهود فهو أيضًا لا يصح القول به، إذ أن المؤرخ اليهودي يوسيفوس المعاصر للمسيح والذي كتب تاريخه سنة 71م أمام طيطوس لم يذكر شيئًا عن قتل المسيح وصلبه.
أما تلك السطور القليلة التي تحدثت عن قتل المسيح وصلبه، فهي إلحاقات نصرانية كما جزم بذلك المحققون وقالوا: بأنها ترجع للقرن السادس عشر، وأنها لم تكن في النسخ القديمة.
ولو صح أنها أصلية فإن الخلاف بيننا وبين النصارى وغيرهم قائم في تحقيق شخصية المصلوب، وليس في وقوع حادثة الصلب. {وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه} (النساء: 157) وهذا حال اليهود والنصارى فيه.
ولكن المؤرخ الوثني تاسيتوس كتب عام 117م كتابًا تحدث فيه عن المسيح المصلوب.
وعند دراسة ما كتبه تاسيتوس، يتبين ضعف الاحتجاج بكلامه، إذ هو ينقل إشاعات ترددت هنا وهناك، ويشبه كلامه أقوال النصارى في محمد صلى الله عليه وسلم في القرون الوسطى.
ومما يدل على ضعف مصادره، ما ذكرته دائرة المعارف البريطانية، من أنه ذكرًا أمورًا مضحكة، فقد جعل حادثة الصلب حادثة أممية، مع أنها لا تعدو أن تكون شأنًا محليًا خاصًا باليهود، ولا علاقة لروما بذلك.
ومن الجهل الفاضح عند هذا المؤرخ، أنه كان يتحدث عن اليهود- ومقصده: النصارى. فذكر أن كلوديوس طردهم من رومية، لأنهم كانوا يحدثون شغبًا وقلاقل يحرضهم عليها «السامي» أو «الحسن» ويريد بذلك المسيح.
ومن الأمور المضحكة التي ذكرها تاسيتوس قوله عن اليهود والنصارى بأن لهم إلهًا، رأسه رأس حمار، وهذا هو مدى علمه بالقوم وخبرته.
كما قد شكك المؤرخون بصحة نسبة العبارة إلى تاسيتوس، ومنهم العلامة أندريسن وصاحبا كتابي «ملخص تاريخ الدين» و«شهود تاريخ يسوع».
وقد تحدث أندريسن أن العبارة التي يحتج بها النصارى على صلب المسيح في كلامه مغايِرة لما في النسخ القديمة التي تحدثت عن CHRESTIANOS بمعنى الطيبين، فأبدلها النصارى، وحوروها إلى: CHRISTIANOS بمعنى المسيحيين.
وقد كانت الكلمة الأولى «الطيبين» تطلق على عُبّاد إله المصريين «أوزيريس»، وقد هاجر بعضهم من مصر، وعاشوا في روما، وقد مقتهم أهلها وسموهم: اليهود، لأنهم لم يميزوا بينهم وبين اليهود المهاجرين من الإسكندرية، فلما حصل حريق روما؛ ألصقوه بهم بسبب الكراهية، واضطهدوهم في عهد نيرون.
وقد ظن بعض النصارى أن تاسيتوس يريد مسيحهم الذي صلبوه، فحرف العبارة، وهو يظن أنه يصححها. ويرى العلامة أندريسن أن هذا التفسير هو الصحيح.
وإلا كان هذا المؤرخ لا يعرف الفرق بين اليهود والنصارى، ويجهل أن ليس ثمة علاقة بين المسيح وروما.
وهكذا فإن التاريخ أيضًا ناطق بالحقيقة، مُثبت لما ذكره القرآن عن نجاة المسيح وصلب غيره.
وتذكر دائرة المعارف الكتابية سفرا اسمه «أعمال يوحنا» وهو من الأسفار التي حكمت الكنيسة بعدم قراءته وانه من الأسفار الأبوكريفية. وتقول المصادر المسيحية أن هذا السفر من المحتمل أنه قد كتب فيما بين 150- 180 ميلادية. ومما جاء في هذا السفر أن صلب يسوع كان مجرد مظهر وهمي، وأن الصعود حدث عقب الصلب الظاهري مباشرة فلا مكان لقيامة شخص لم يمت أصلًا. هذا وقد كان لأعمال يوحنا تأثير واسع كما تذكر الدائرة.
ونجد في مخطوطات «نجع حمادي» المكتشفة في مصر؛ حيث كشف بعد الحرب العالمية الثانية عن ثلاثة وخمسين نصًا، تقع في ألف ومائة وثلاثة وخمسين صفحة، ومن هذه النصوص ما تحدث عن نجاة المسيح، وأنه لم يصلب.
ولم يرد في هذه المخطوطات أيُّ ذِكْرٍ لمحاكمة المسيح وصلبه، بل جاء في إنجيل بطرس على لسان بطرس: «رأيته يبدو كأنهم يمسكون به، وقلت: ما هذا الذي أراه يا سيد؟ هل هو أنت حقًا من يأخذون؟.. أم أنهم يدقون قدميّ ويديّ شخص آخر؟.. قال لي المخلص.. من يُدخلون المسامير في يديه وقدميه هو البديل، فهم يضعون الذي بقي في شبهة في العار! انظر إلي، وانظر إليه». [رؤيا بطرس 24-81.4، نجع حمادي 344] Pagels.TGGp.72
وفي مخطوطة أخرى من هذه المخطوطات وهي كتاب «سيت الأكبر Second Treatise of Great Seth» جاء على لسان المسيح «كان شخص آخر، هو الذي شرب المرارة والخل، لم أكن أنا... كان آخر الذي حمل الصليب فوق كتفيه، كان آخر هو الذي وضعوا تاج الشوك على رأسه. وكنت أنا مبتهجًا في العُلا.. أضحك لجهلهم». [رسالة شيث الكبير الثانية 19-56.6، نجع حمادي 332] (Pagels.TGGp.72-73).
وفي مخطوطة «مقالة القيامة»: ما يدل على أن المسيح مات موتًا طبيعيًا، وأن روحه المقدسة لا يمكن أن تموت.
يقول البرفسور بورتون ماك Burton: (أما بالنسبة لقصة الصلب والقيامة، فإن مرقس _ أول من كتب القصة _ أخذ الفكرة الأساسية من أسطورة كريستوس غير أنه تجرأ بأن تخيل كيف يمكن أن تبدو قصة الصلب والقيامة لو كتبها تاريخًا فعليًا تمت أحداثه في القدس وهو ما كانت الأسطورة ترفضه، وهكذا يمكننا أن نفهم قصة مرقس باعتبارها دمجًا لأحداث المسيح الحقيقي مع أسطورة كريستوس) ويقول البرفسور: (كافة القصص في الأسفار الأخرى تبدأ من مرقس، فلا يغير أحد من المؤلفين بعد مرقس أساس القصة) وأيضا: (ثم بعد ذلك صار المسيحيون يتخيلون قصة مرقس الخيالية كما لو كانت تاريخًا واقعًا) (Mack WWNT p.152).
وفوق كل ذلك نلاحظ أنه لا يوجد في سفر الأقوال Q ولا في سفر توما Thomas المكتشف حديثًا، أي إشارة لا من قريب ولا من بعيد عن قصة الآلام والصلب، مع أنهما كتبا في وقت مبكر أي حوالي ثلاثين عامًا قبل أن تكتب أي من الأسفار الأربعة القانونية.
ومن المعلوم ان المجامع الأولى قد حرمت قراءة الكتب التي تخالف الكتب الأربعة والرسائل التي اعتمدتها الكنيسة فصار أتباعها يحرقون تلك الكتب ويتلفونها، وما يدرينا أن تلك الكتب التي فقدت وحوربت كانت تنكر الصليب؟ فنحن لا ثقة لنا باختيار المجامع البشرية لما اختارته فنجعله حجة ونعد ما عداه كالعدم. وها هو مجمع «ترنت» الذي عقد في القرن الخامس عشر والذي صادق على قرارات مجمع (قرطاج Carthage) سنة 397 بشأن الأسفار السبعة وحكم بقانونيتها، فجاءت الكنيسة البروتستنانية بعد ذلك في أوائل القرن السادس عشر ورفضت قرارات هذين المجمعين!
ومن الروعة أن نقارن كل ذلك مع ما ورد في القرآن الكريم بهذا الموضوع: {وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا} [النساء: 4/ 157].

.القرآن الكريم وموقفه من عقيدة تأليه المسيح:

إن القران الكريم اثبت بطلان ما عليه النصارى من عقيدة التثليث وتأليه المسيح وقولهم انه ابن الله وغير ذلك.
فقال الله سبحانه وتعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}. وقال عن الحلول والاتحاد الذي أخذته المسيحية من الوثنية القديمة فكان أساس دينهم وبداية التخبط في الغي والضلال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
وقال سبحانه وتعالى في نسب المسيح إلى الله وجعله ابنا لله: {وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدّا تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا وما وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا}.
وقال سبحانه وتعالى: {مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
وقد رد القرآن الكريم على اعتقادهم ان خلق المسيح من أم بلا أب دليل على ألوهيته فقال القرآن أن عيسى مثل ادم قد خلقه الله من تراب بدون أب ولا أم كما خلق حواء من ادم بدون أم، فالله سبحانه وتعالى إذا أراد أن يخلق شيئا إنما يقول له كن فيكون: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}.
لقد شبه الله خلق المسيح بخلق آدم الذي هو أعجب من خلق المسيح فإذا كان الله سبحانه وتعالى قادرًا أن يخلقه من تراب، والتراب ليس من جنس بدن الإنسان، أفلا يقدر أن يخلقه من امرأة هي من جنس بدن الإنسان؟!