فصل: في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والخلاصة أيها القارئ الكريم:
إن لفظ «ابن الله» أطلق في الكتاب المقدس على كل من له صلة بالله من الأنبياء والشرفاء والمؤمنين وعلى كل مستقيم بار.
والقاعدة:
إن كل الذين ينقادون بروح الله هم «أبناء الله» كما جاء في رسالة بولس لأهل رومية فهو يقول «لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله» [رو 8: 14].
وكل من يعمل الخطايا والآثام، فقد أطلق عليه «ابن إبليس» فقد جاء في سفر أعمال الرسل [13:10] أن بولس قال عن الساحر اليهودي الذي يدعي النبوة كذبًا: «أيها الممتلئ كل غش وكل خبث يا ابن إبليس».
فمن هنا نرى أيها القارئ الكريم انه من كان قريبًا من الله منقادًا له ويعمل بمشيئته ويمتثل أمره فهو ابنه ومن كان قريبًا من إبليس ويعمل المعاصي والآثام فهو ابن له.
وبالتالي فلا حجة ولا يلزم من إطلاق لفظ ابن الله على المسيح أن ندعي فيه الألوهية إنما غاية ما يرمي إليه ذلك الإطلاق أن المسيح عبد بار لله منقاد له يعمل بمشيئته ويمتثل أمره. شأنه شأن باقي أنبياء ورسل الله الكرام الذين بعثهم الله لهداية البشر وكان خاتمهم محمد صلى الله عليه وسلم.
يقول الأستاذ سعد رستم في كتابه (الأناجيل الأربعة ورسائل بولس ويوحنا تنفي ألوهيته كما ينفيها القرآن:
لدى تتبعنا لاستخدام عبارة «ابن الله» في الأناجيل نرى أن هذا التعبير يقصد به معنى الصالح البار الوثيق الصلة بالله والمتخلِّق بأخلاق الله. فقد جاء في إنجيل مرقس [15: 39]: «ولما رأى قائد المائة، الواقف مقابله، أنه صرخ هكذا، وأسلم الروح، قال: حقا كان هذا الإنسان ابن الله» نفس هذا الموقف أورده لوقا في إنجيله فنقل عن قائد المائة أنه قال عن المسيح: بالحقيقة كان هذا الإنسان بارًّا، فما عبر عنه مرقس في إنجيله بعبارة ابن الله عبر عنه لوقا بعبارة بارًا، مما يبين أن المراد من عبارة ابن الله ليس إلا كونه بارا صالحا.
وبهذا المعنى كان يستخدم اليهود- مخاطَبي المسيح- لفظة «ابن الله»، التي لم تكن غريبة عليهم، بل شائعة ومستخدمة لديهم بالمعنى الذي ذكرناه، ولذلك نجد مثل ا، أن أحد علماء اليهود واسمه «نتنائيل» لما سمع من صديقه فيليبس، عن نبيٍّ خرج من مدينة الناصرة، استنكر ذلك في البداية، لكنه لما ذهب ليرى عيسى بنفسه، عرفه عيسى وقال فيه: «هو ذا إسرائيلي خالص لا غش فيه»، فقال له نتنائيل: (من أين تعرفني؟)، أجابه يسوع: «قبل أن يدعوك فيليبس وأنت تحت التينة، رأيتك!» فأجابه نتنائيل: «رابِّي! أنت ابن الله، أنت ملك إسرائيل» [يوحنا 1: 5- 49] ومما لا شك فيه، أن مقصود نتنائيل، كإسرائيلي يهودي موحد، عالم بالكتاب المقدس، من عبارة ابن الله هذه، لم يكن: أنت ابن الله المولود منه والمتجسد! ولا مقصوده: أنت أقنوم الابن المتجسد من الذات الإلهية!! لأن هذه الأفكار كلها لم تكن معروفة في ذلك الوقت، ولا تحدث المسيح نفسه عنها، لأن هذه الحادثة حدثت في اليوم الثاني لبعثة المسيح فقط، بل من الواضح المقطوع به أن مقصود نتنائيل من عبارته أنت ابن الله: أنت مختار الله ومجتباه، أو أنت حبيب الله أو من عند الله، أو أنت النبي الصالح البار المقدس، ونحو ذلك. هذا ومما يؤكد ذلك، أن لقب «ابن الله» جاء بعينه، في الإنجيل، في حق كل بارٍّ صالح غير عيسى، كما استعمل «ابن إبليس» في حق الإنسان الفاسد الطالح. ففي إنجيل متى [5: 9]: «طوبى لصانعي السلام فإنهم أبناءُ الله يُدْعَوْنَ»، وفيه أيضا: «وأما أنا فأقول لكم أحبوا أعداءكم، باركوا لاعنيكم، أحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم، ويطردونكم، لكي تكونوا أبناء أبيكم الذي في السموات» متى [5: 44- 45].
وفي إنجيل لوقا [6: 35]: «بل أحبوا أعداءكم وأحسنوا وأقرضوا وأنتم لا ترجون شيئا فيكون أجركم عظيما وتكونوا بني العَلِيِّ فإنه منعم على غير الشاكرين والأشرار».
فسمَّى الأبرار المحسنين بلا مقابل المتخلِّقين بخُلُقِ الله بِ «أبناء العلي» و«أبناء أبيهم الذي في السموات».
وفي الإصحاح الأول من إنجيل يوحنا يقول: «وأما الذين قبلوه «أي قبلوا السيد المسيح»، وهم الذين يؤمنون باسمه، فقد مكَّنهم أن يصيروا أبناء الله» [1: 12].
كل هذا مما يوضح أنه في لغة مؤلفي الأناجيل واللغة التي كان يتكلمها السيد المسيح، كان يُعَبَّرُ بـ ِ: «ابن الله» عن كل: رجل بار صالح وثيق الصلة بالله مقرب منه تعالى يحبه الله تعالى ويتولاه ويجعله من خاصته وأحبابه، ووجه هذه الاستعارة واضح، وهو أن الأب جُبِلَ على أن يكون شديد الحنان والرأفة والمحبة والشفقة لولده، حريصا على يجلب له جميع الخيرات ويدفع عنه جميع الشرور، فإذا أراد الله تعالى أن يبين هذه المحبة الشديدة والرحمة الفائقة والعناية الخاصة منه لعبده فليس أفضل من استعارة تعبير كونه أبا لهذا العبد وكون هذا العبد كابن له.
وقد جاء في بعض رسائل العهد الجديد ما يوضح هذا المجاز أشد الإيضاح ولا يترك فيه أي مجال للشك أو الإبهام:
فقد جاء في رسالة يوحنا الأولى [5:1- 2] قوله: «كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله. وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضا. بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله إذا أحببنا الله وحفظنا وصاياه». وفي آخر نفس هذه الرسالة: «نعلم أن كل من ولد من الله لا يخطئ بل المولود من الله يحفظ نفسه والشرير لا يمسه» [5: 18]. وأيضا في الإصحاح الثالث من نفس تلك الرسالة، يقول يوحنا: «كل من هو مولود من الله لا يفعل خطيَّة لأن زرعه يثبت فيه ولا يستطيع أن يخطئ لأنه مولود من الله، بهذا أولاد الله ظاهرون وأولاد إبليس... الخ» رسالة يوحنا الأولى: [3: 9ـ10].
وفي الإصحاح الرابع من تلك الرسالة أيضا: «أيها الأحباء لنحب بعضنا بعضا لأن المحبة هي من الله وكل من يحب فقد ولد من الله ويعرف الله» رسالة يوحنا الأول ى: [4: 7].
وفي رسالة بولس إلى أهل رومية [8: 14- 16]: «لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله. إذ لم تأخذوا روح العبودية أيضا للخوف، بل أخذتم روح التبني الذي به نصرخ يا أبا الآب. الروح نفسه يشهد لأرواحنا أننا أولاد الله».
وفي رسالة بولس إلى أهل فيليبس [2: 14- 15]: «افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة. لكي تكونوا بلا لوم وبسطاء أولاد الله بلا عيب في وسط جيل معوج وملتو تضيئون بينهم كأنوار في العالم».
ففي كل هذه النصوص استعملت عبارات: ابن الله، أبناء الله، أولاد الله، والولادة من الله، بذلك المعنى المجازي الذي ذكرناه.
فإن قيل: إنما سمى الإنجيل عيسى بِ «الابن الوحيد» لله مما يفيد أن بنوَّته لله بنوَّة فريدة متميزة لا يشاركه فيها أحد فهي غير بنوَّة أنبياء بني إسرائيل، لِلَّه، وغير بنوَّة المؤمنين الأبرار الصالحين عموما أو بنوَّة شعب بني إسرائيل لله.. الخ،.
فجوابه:
أولًا: إن الكتاب المقدس جاء فيه أن الله سبحانه وتعالى قال لموسى: «إسرائيل ابني البكر» [خروج 4: 22] وفي سفر إرميا، يقول الله تعالى: «لأني صرت لإسرائيل أبا، وأفرايم هو بكري» [إرميا 31: 9] ومن المعروف أن البكر أولى وأفضل عند أبيه من غير البكر، فالبكر أجل قدرًا عند والده من غير البكر على مالا يخفى، والكتاب المقدس يشهد بأن للولد الأكبر سهمين في الميراث ولغيره سهم واحد [تثنية 21: 15، 17].
ثانيا: بما أن البنوة لله تعني الانقياد لله والعمل بمشيئته «لأن كل الذين ينقادون بروح الله فأولئك هم أبناء الله». [رو 8: 14] فتكون عبارة «الابن الوحيد» للمسيح هي كناية عن شدة قرب المسيح لله من بين قومه وذلك لطاعته وانقياده له وهو المبلغ عنه.
ثالثًا: إن عبارة «الابن الوحيد» في الكتاب المقدس لا تعني بالضرورة الانفراد والوحدانية الحقيقية بل قد يقصد بها الحظوة الخاصة والمنزلة الرفيعة، يدل على ذلك أن سفر التكوين من التوراة يحكي أن الله تعالى امتحن إبراهيم فقال له: «يا إبراهيم! فقال: هاأنذا. فقال: خذ ابنك وحيدك الذي تحبه، اسحق، واذهب إلى أرض المريا». [تكوين: 22/ 1ـ2].
فأطلق الكتاب المقدس على اسحق لقب الابن الوحيد لإبراهيم، هذا مع أنه، طبقا لنص التوراة نفسها، كان إسماعيل قد وُلِد لإبراهيم، قبل إسحق، كما جاء في سفر التكوين: «فولدت هاجر لأبرام ابنا ودعا أبرام اسم ابنه الذي ولدته هاجر: إسماعيل. كان أبرام ابن ست وثمانين لما ولدت هاجر إسماعيل لأبرام» [تكوين: 16/ 15- 16]، ثم تذكر التوراة أنه لما بلغ إبراهيم مائة سنة بشر بولادة إسحاق [التكوين: 17: 15- 20]، وبناء عليه لم يكن اسحق ابنًا وحيدًا لإبراهيم بالمعنى الحقيقي للكلمة، مما يؤكد أن تعبير «الابن الوحيد» لا يعني بالضرورة- في لغة الكتاب المقدس- معنى الانفراد حقيقة، بل هو تعبير مجازي يفيد أهمية هذا الابن وأنه يحظى بعطف خاص ومحبة فائقة وعناية متميزة من أبيه، بخلاف سائر الأبناء، ولا شك أن محبة لله تعالى للمسيح وعنايته أعظم من عنايته جميع من سبقه من الأنبياء لذا صح إطلاق تعبير: «ابني الوحيد» عليه.
رابعًا: إن الكتاب المقدس قد أطلق على غير المسيح أوصافًا وأسماء لا تليق إلا بالله وحده وهي أكبر وأعظم من إطلاق عبارة الابن الوحيد في حق المسيح ومع ذلك لم يقل أحد من الناس أنهم آلهة، فعلى سبيل المثال:
1- ورد في سفر القضاة [13: 21، 22] إطلاق لفظ الله على الملك: يقول النص «وَلَمْ يَتَجَلَّ مَلاَكُ الرَّبِّ ثَانِيَةً لِمَنُوحَ وَزَوْجَتِهِ. عِنْدَئِذٍ أَدْرَكَ مَنُوحُ أَنَّهُ مَلاَكُ الرَّبِّ. فَقَالَ مَنُوحُ لاِمْرَأَتِه نموت موتًا لأَنَّنَا قَدْ رَأَيْنَا اللهَ». وواضح أن الذي تراءى لمنوح وامرأته كان الملك.
2- ورد في سفر الخروج [22: 8] إطلاق لفظ الله على القاضي:
يقول النص: «وإن لم يوجد السارق يقدم صاحب البيت إلى الله ليحكم، هل يمد يده إلى ملك صاحبه» فقوله: إلى الله، أي: إلى القاضي.
3- وكذلك أيضًا جاء في سفر الخروج [22: 9] إطلاق لفظ الله على القاضي:
يقول النص «في كل دعوى جنائية من جهة ثور أو حمار أو شاة أو ثوب أو مفقود ما، يقال: إن هذا هو، تقدم إلى الله دعواها، فالذي يحكم الله بذنبه يعوض صاحبه باثنين» فقوله إلى الله، أي: إلى القاضي نائب الله.
4- كما أطلق الكتاب المقدس لفظ إله على القاضي فقد ورد في المزمور [82: 1]: «الله قائم في مجمع الله، في وسط الآلهة يقضي».
5- وأطلق الكتاب المقدس لفظ الآلهة على الأشراف فقد ورد في المزمور [138: 1] قول داود عليه السلام:
«أحمدك من كل قلبي، قدام الآلهة أعزف لك».

.في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله:

يستدل المسيحيون على لاهوت المسيح المزعوم بما ورد في افتتاحية إنجيل يوحنا حيث يقول النص: «في البدء كان الكلمة والكلمة كان عند الله وكان الكلمة الله هذا كان في البدء عند الله».

.الرد على هذا الاستدلال:

أولًا: بالتأمل في هذا النص سنجد أن فيه إبطال لعقيدة التثليث، لأنه يتحدث عن الله والكلمة فقط ولا يوجد أثر للأقنوم الثالث المزعوم وهو الروح القدس!
فإذا كان الروح القدس هو إله حق مساوي للأب والابن في كل شيء وأن له كل المجد الذي للأب والابن. فلماذا لم يذكر في هذه الافتتاحية المهمة؟
ثانيا: أن قول يوحنا: «وكان الكلمة الله» يؤدي إلى القول أن الجسد هو الله لأن يوحنا يقول: «والكلمة صار جسدًا» وهنا أصبح للكلمة كيان مستقل إلهي وهذا تصور شيطاني لا عقلاني لا يقلبه إلا وثني.