فصل: قول المسيح: وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قول المسيح: وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء:

.الرد على هذه الشبهة:

أولا: في هذه الآية، جملة محرفة مضافة، وهي جملة «الذي هو في السماء» الأخيرة. وقد أقر بذلك شراح الأناجيل، كما جاء ذلك في كتاب تفسير الكتاب المقدس حيث قال: «الذي هو في السماء: هذه العبارة لم ترد في أقدم المخطوطات». ولذلك فإن الترجمة العربية الجديدة المنقحة للكتاب المقدس التي قامت بها الرهبانية اليسوعية، حذفت هذه الجملة من ترجمتها وأوردت النص كما يلي: «فما من أحد يصعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء وهو ابن الإنسان». «راجع العهد الجديد للمطبعة الكاثوليكية».
ثانيا: لو أخذنا النزول من السماء على معناه الحرفي فليس فيه أي إثبات لإلهية المسيح، إذ أن نزول الشخص أو الكائن من السماء إلى الأرض لا يفيد ألوهيته لا من قريب ولا من بعيد، فكثير من الكائنات الملكوتية نزلت من السماء، كجبريل مثلا الذي كان ينزل من السماء إلى الأرض حاملا رسالات الله أو منفذا أمرا من أوامر الله عز وجل، كما أنه في كثير من الأحيان، هبطت بعض الملائكة إلى الأرض آخذة لباسا بشريا، كالملائكة الثلاثة، الذين جاؤوا لزيارة إبراهيم وبشارته ثم ذهبوا إلى لوط ليطمئنوه حول نزول العذاب على قومه الفاسقين.
فأقصى ما يفيده مثل هذا النص، لو أخذ على معناه الحرفي، هو أن المسيح كان مخلوقا بالروح قبل أن يلد كإنسان على الأرض، ثم لما جاء وقته نزل بأمر الله إلى الأرض وولد كسائر البشر بالجسد والروح. فأين في هذا أي دليل على ألوهيته؟!
ثالثا: والحقيقة أن هذا التعبير بنزول المسيح من السماء لا يقصد به معناه الحرفي بل هو ذو معنى مجازي، ولفهمه على وجهه الصحيح لابد أن نقرأ ذلك النص وتلك الآية ضمن سياقها، فقصة هذا الكلام تبدأ من أول الإصحاح الثالث في إنجيل لوقا هكذا: «كان إنسان من الفريسيين اسمه نيقوديموس رئيسا لليهود. هذا جاء إلى يسوع ليلا وقال له يا معلم نعلم أنك قد أتيت من الله معلما لأن ليس أحد يقدر أن يعمل هذه الآيات التي أنت تعمل إن لم يكن الله معه. أجاب يسوع وقال له: الحق الحق أقول لك إن كان أحد لا يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله. قال له نيقوديموس: كيف يمكن الإنسان أن يولد وهو شيخ؟ ألعله يقدر أن يدخل بطن أمه ثانية ويولد؟ أجاب يسوع: الحق الحق أقول لك، إن كان أحد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يرى ملكوت الله. المولود من الجسد جسد هو، والمولود من الروح هو روح. لا تتعجب أني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق. الريح تهب حيث تشاء وتسمع صوتها لكنك لا تعلم من أين تأتي ولا إلى أين تذهب. هكذا كل من ولد من الروح. أجاب نيقوديموس وقال له: كيف يمكن أن يكون هذا؟ أجاب يسوع وقال له: أنت معلم إسرائيل ولست تعلم هذا؟ الحق الحق أقول لك، إننا إنما نتكلم بما نعلم ونشهد بما رأينا ولستم تقبلون شهادتنا. إن كنت قلت لكم الأرضيات ولستم تؤمنون فكيف تؤمنون إن قلت لكم السمويات. وليس أحد صعد إلى السماء إلا الذي نزل من السماء ابن الإنسان الذي هو في السماء» يوحنا: 3/ 1- 13.
قلت: بتأمل هذا النص يتبين لنا أن المسيح يمثل للولادة الروحية الجديدة بالولادة من فوق أو الولادة من الروح، وأن من لم يولد من فوق لا يقدر أن يرى ملكوت الله، فالولادة من فوق أو من الروح، تعبير مجازي عن الانقلاب الروحي الشامل للإنسان الذي يشرح الله تعالى فيه صدره ويفتح قلبه وبصيرته لنوره، فتتغير كل رغباته وهدفه في الحياة حيث يخرج عن عبادة ذاته وحرصه على الدنيا لتصبح إرادته مستسلمة وموافقة لإرادة الله ويصبح هدفه هو الله تعالى ورضوانه ومحبته وصحبته وجواره في دار السلام لا غير، فكأنه بهذا ولد من جديد، ومن هذا المنطلق يقول المسيح عن نفسه أنه نزل من السماء: أي أنه رسول الله ومبعوث السماء، اجتباه الله وقدسه وجعله سفيره إلى الخلق، فهذا معنى نزوله من السماء، بدليل مقارنته ومشابهته بين هذا النزول من السماء وبين الولادة من فوق التي يجب أن يحصل عليها كل إنسان لكي يرى ملكوت الله. ولو رجعنا لتفسير الكتاب المقدس لوجدناه يفسر العبارة بتفسير غير بعيد عما ذكرناه فيقول: «لم يصعد أحد إلى السماء، ومع ذلك فقد أراد الله أن يكون هناك نزول من السماء إلى الأرض قد أتى يسوع من السماء بمعرفة كاملة لله، ليعلن اللهَ للناس».

.قول المسيح: ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا:

ووجه استدلالهم بهذا النص أن غفران الخطايا أمر منحصر بالله، فإذا كان للمسيح ذلك السلطان، فهذا يعني أنه الله تعالى.

.الرد على هذه الشبهة:

لاحظ أيها القارىء الكريم أن المسيح قال: «أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا» متى [9: 6].
وإذا سألنا المسيح نفسه من أين لك هذا السلطان؟
سنجد الإجابة واضحة بقوله الوارد في متى [28: 18]: «دفع إلي كل سلطان».
إذن انه ليس سلطانه هو! ولكن الله هو الذي أعطاه إياه!
فقد أعطاه الله سلطان إبراء الأكمه والأبرص وسلطان إحياء الموتى ومغفرة الخطايا و... إلخ.
إذن من أين جاءه هذا السلطان؟ الإجابة من الله سبحانه وتعالى:
إذن المجد لله سبحانه وتعالى الذي منح المسيح هذه المعجزات:
وهذا ما شهد به الجموع في كل مرة، حينما كان المسيح يصنع المعجزات أمامهم فكانوا يمجدون الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا. متى [9: 8].
وفي لوقا [5: 26] عندما رأوا الخرس يتكلمون والعرج يمشون... ما كان منهم سوى أنهم مجدوا إله إسرائيل.
وفي لوقا [7: 16] عندما رأى الجموع أعظم معجزة للمسيح وهي قيامه بإحياء الميت ما كان منهم سوى انهم مجدوا الله قائلين: «قد قام فينا نبي عظيم».
نعم أيها القارئ الكريم إن الأناجيل تصرخ قائلة: المجد لله وليس للمسيح. أنه سلطان الله وليس سلطان المسيح.
ثم إن النص لا يدل على أن قيام المسيح بغفران الخطايا دليل على لاهوته لأن النص صرح بأن من قام بذلك هو ابن الإنسان فالمسيح قال «أن لابن الإنسان سلطانًا على الأرض أن يغفر الخطايا» متى [9: 6].
فالقول بأن المسيح غفر لأنه إله هو قول يرده النص نفسه.
يقول الأستاذ سعد رستم في معرض رده على هذه الشبهة:
أولا: لمناقشة هذه الشبهة علينا أن نرجع إلى النص الكامل للواقعة التي جاء هذا الكلام للمسيح فيها.
يبتدأ الإصحاح التاسع من إنجيل متى بذكر هذه الواقعة فيقول:
«فدخل السفينة واجتاز وجاء إلى مدينته. وإذا مفلوج يقدمونه إليه مطروحا على فراش. فلما رأى يسوع إيمانهم قال للمفلوج ثق يا بني. مغفورة لك خطاياك. وإذا قوم من الكتبة قد قالوا في أنفسهم هذا يجدف. فعلم يسوع أفكارهم فقال: لماذا تفكرون بالشر في قلوبكم. أيما أيسر أن يقال مغفورة لك خطاياك، أم أن يقال قم وامش؟ ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا. حينئذ قال للمفلوج. قم احمل فراشك واذهب إلى بيتك. فقام ومضى إلى بيته. فلما رأى الجموع تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا» متى: [9: 1].
هناك أمران في هذا النص تنبغي ملاحظتهما لأنهما يلقيان ضوءا على حقيقة سلطان السيد المسيح لغفران الخطايا:
الأول: أن المسيح لم يقل للمفلوج: ثق يا بني لقد غفرتُ لك خطاياك! بل أنبأه قائلا: مغفورة لك خطاياك. والفرق واضح بين الجملتين، فالجملة الثانية لا تفيد أكثر من إعلام المفلوج بأن الله تعالى قد غفر ذنوبه، وليس في هذا الإعلام أي دليل على ألوهية المسيح، لأن الأنبياء والرسل المؤيدين بالوحي والمتصلين بجبريل الأمين، يطلعون، بإطلاع الله تعالى لهم، على كثير من المغيبات والشؤون الأخروية ومنها العاقبة الأخروية لبعض الناس، كما أخبر نبينا محمد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عن بعض صحابته فبشرهم أنهم من أهل الجنة وعن آخرين فبشرهم أنهم من أهل النار.
ثانيا: قد يشكل على ما قلناه قول المسيح فيما بعد: ولكن لتعلموا أن لابن الإنسان سلطانا على الأرض أن يغفر الخطايا، فنسب غفران الخطايا لنفسه. قلنا: آخر النص يجعلنا نحمل هذه النسبة على النسبة المجازية، أي على معنى أن ابن الإنسان «المسيح» خوله الله أن يعلن غفران خطايا، وذلك لأن الجملة الأخيرة في النص السابق تقول: فلما رأى الجموع ذلك تعجبوا ومجدوا الله الذي أعطى الناس سلطانا مثل هذا، فالغافر بالأصل والأساس هو الله تعالى، ثم هو الذي منح هذا الحق للمسيح وأقدره عليه، لأن المسيح كان على أعلى مقام من الصلة بالله والكشف الروحي ولا يتحرك إلا ضمن حكمه وإرادته فلا يبشر بالغفران إلا من استحق ذلك.
ومما يؤكد أن غفران المسيح للذنوب هو تخويل إجمالي من الله تعالى له بذلك، وليس بقدرة ذاتية له، هو أن المسيح، في بعض الحالات، كان يطلب المغفرة للبعض من الله تعالى فقد جاء في إنجيل لوقا [23: 34]: فقال يسوع: «يا أبتاه! اغفر لهم، لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون».
فانظر كيف طلب من الله غفران ذنبهم ولو كان إلها يغفر الذنوب بذاته ومستقلا، كما ادعوا، لغفر ذنوبهم بنفسه.
فهذا السلطان بغفران الخطايا الذي أعطاه الله تعالى للمسيح، شبيه بذلك السلطان الذي منحه المسيح أيضا لحوارييه حين قال:
«فقال لهم يسوع أيضا: سلام لكم. كما أرسلني الآب أرسلكم أنا. ولمّا قال هذا نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس. من غفرتم خطاياه تغفر له. من أمسكتم خطاياه أمسكت» يوحنا: [20: 21، 23].
وشبيه بذلك السلطان الذي منحه لبطرس رئيس الحواريين حين قال له: «طوبى لك يا سمعان بن يونى، إن لحما ودما لم يعلنا لك. لكن أبي الذي في السموات. وأنا أقول أيضا: أنت بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها. وأعطيك مفاتيح ملكوت السموات. فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطا في السموات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولا في السموات» متى: [11/ 17 18].
فكما أن هذا السلطان بغفران الخطايا الذي ناله بطرس خاصة والحواريون عامة، بإذن الله، عبر المسيح، لا يفيد ألوهيتهم؛ فكذلك امتلاك المسيح لذلك السلطان، بإذن الله، لا يفيد ألوهيته.

.صعود المسيح إلي السماء حيًا:

يدعي المسيحيون أن المسيح صعد حيًا إلي السماء، وهو حي فيها الآن مما يفيد ألوهيته!