فصل: ويرد على ذلك بالآتي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.ويرد على ذلك بالآتي:

أولًا: إن القول بكون المسيح «هو صورة الله» معناه أنه هو غير الله سبحانه وتعالى، لأن كون شيء على صورة شيء لا يقتضي أنه هو، بل بالعكس يفيد أنه غيره، فمثلًا صور الآلهة المعبودة من دون الله والمصنوعة من الذهب والنحاس والخشب هي بالقطع ليست عين الإله المعبود، وبناء على هذا المثال فإن القول بأن المسيح «هو صورة الله» يفيد بلا شك أنه غيره لا عينه.
ثانيًا: إن كون المسيح «هو صورة الله» معناه أن الله جعله نائبًا عنه في إبلاغ شريعته الأدبية والروحية إلي من أرسل إليهم، والدليل على ذلك قول بولس نفسه في رسالته الأولى إلي أهل كورنثوس [11: 7]:
«فإن الرجل لا ينبغي أن يغطي رأسه لكونه صورة الله ومجده، وأما المرأة فهي مجد الرجل».
فهذا معناه أن الله أناب الرجل عنه في سلطانه على المرأة، ومقتضى هذا السلطان أن لا يغطي رأسه بخلاف المرأة.
ثالثًا: إن الله خلق آدم كما خلق المسيح، فلا ميزة للمسيح في هذا المعنى فقد ورد في سفر التكوين [1: 26] قوله:
«قال الله نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه».
كما ورد نفس المعنى في سفر التكوين [9: 9] قوله:
«لأن الله على صورته عمل الإنسان».
أن وصف بولس للمسيح بأنه «صورة الله»، ليس فيه أي تأليه للمسيح، لأن هذه الصفة تكررت بعينها مرات عديدة في الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد، ووصف بها الإنسان، بشكل عام والرجل بشكل عام أيضا، ويفهم من تتبع موارد استعمالها في الكتاب المقدس أنها تعني نوع من التشابه العام أو العلاقة والترابط بين الإنسان ككل والله.
فقد جاء في سفر التكوين من التوراة الحالية: «وقال الله: لنصنع الإنسان على صورتنا كمثالنا وليتسلط على أسماك البحر وطيور السماء والبهائم وجميع وحوش الأرض وجميع الحيوانات التي تدب على الأرض، فخلق الله الإنسان على صورته، على صورة الله خلقه ذكرا وأنثى». تكوين [1/ 26- 27].
يقول مفسرو التوراة أن المقصود بكون الإنسان خلق على صورة الله هو ما يتميز به الإنسان عن الجمادات والنباتات والحيوانات بالعقل الكامل والقدرة على النطق والتعبير عما يريد وبالإرادة والاختيار الحر وبالاستطاعة والقدرة، فضلا عن السمع والبصر والحياة والإدراك والعلم... الخ، أي أن هناك تشابه عام بين صورة الله في صفاته والإنسان، لذا قال سبحانه أنه خلق الإنسان على صورته، وبتعبير آخر أن الله شاء أن يخلق مخلوقا تنعكس وتتجلى فيه ومضة من صفاته تعالى من العقل والإرادة والاختيار والحياة والعلم والمعرفة والكلام والقدرة والسمع والبصر... إلخ.
ولما كانت صفات الكمال، من قوة وقدرة وعقل وحكمة، موجودة في الرجل أكثر من المرأة، لذا نجد بولس يعبر عن الرجل- كل رجل- بأنه «صورة الله» فيقول مثلا في رسالته الأولى إلى أهل قورنتس [11/ 7]:
«وأما الرجل فما عليه أن يغطي رأسه لأنه صورة الله ومجده».
وطبعا كلما ترقى الإنسان في الكمالات وتخلق أكثر بأخلاق الله، كلما صار أكثر عكسا لصفات الله، وكلما تجلت فيه أسماء الله وصفاته الحسنى كالعلم والقدرة والعزة والعدل والحلم والكرم والرحمة والرأفة والصبر والقداسة... أكثر، لذا نجد بولس يتكلم عن نفسه وعن سائر الأولياء والقديسين فيقول:
«ونحن جميعا نعكس صورة مجد الرب بوجوه مكشوفة كما في مرآة، فتتحول إلى تلك الصورة ونزداد مجدا على مجد وهذا من فضل الرب الذي هو روح» قورنتس [3/ 18].
كما يقول في موضع آخر موصيا المؤمنين بالتخلُّق بأخلاق الله والعيش حياة مسيحية كاملة:
«أما الآن فألقوا عنكم أنتم أيضا كل ما فيه غضب وسخط وخبث وشتيمة. لا تنطقوا بقبيح الكلام ولا يكذب بعضكم بعضا، فقد خلعتم الإنسان القديم وخلعتم معه أعماله، ولبستم الإنسان الجديد ذاك الذي يجدد على صورة خالقه ليصل إلى المعرفة» رسالة بولس إلى أهل قولسي [3/ 8- 10] فإذا كانت صفة «صورة الله» تقتضي الألوهية، فبمقتضى كلام بولس نفسه ينبغي أن يكون جميع القديسين بل جميع الرجال آلهة! وهذا ما لا يتفوه به عاقل ولا يشك في بطلانه أحد.
ولا شك أن الأنبياء هم المظهر الأتم والأكمل لأسماء الله الحسنى وصفات جلاله وجماله، فمن هذا المنطلق يعبر بولس عن المسيح بعبارة «صورة الله».
ومن جانب آخر:
نقول للمسيحيين انتم تدعون ان الله سبحانه وتعالى، أراد أن يؤنس البشرية ويقترب منها بصورة يتجلى فيها، فجاء بالمسيح عليه السلام لذلك.
وللرد على هذا الادعاء نقول لكم:
إن المسيح عليه السلام أنتم تقرون وتقولون: أنه كان طفلًا، ثم تدرج في المراحل، وصار ينمو حتى صار كبيرًا.
فأي صورة من صور حياته المرحلية تمثل الله سبحانه وتعالى لتؤنس البشرية؟
إن كانت صورته وهو طفل، فقد نسيتم صورته وهو في الشباب وان كانت صورته وهو في الشباب فقد نسيتم صورته وهو في دور الكهولة.
فالله سبحانه وتعالى على أي صورة من هذه الصور إذن؟!
أم هو على كل هذه الصور؟!
إن كان هو الله على كل هذه الصور، فالله على هذا أغيار، أي يتغير، من طفل إلي شاب إلي كهل. ورب العالمين منزه عن ذلك.
ثم نقول للمسيحيين:
إن كان الله أراد أن يجعل صورته في بشر ليؤنس الناس بالإله، فما هي المدة التي عاشها المسيح في الدنيا بين البشر؟ ثلاثون سنة.
إذن الله قد آنس الناس بنفسه ثلاثين سنة فقط.
وكم عمر الكون قبل المسيح؟ إنه ملايين السنين.
في هذه الملايين من السنين الماضية، ترك الله خلقه بلا إيناس، وبدون أن يبدو لهم في صورة، ثم ترك خلقه بعد المسيح بلا صور، ورب مثل هذا رب ظالم لا يستحق العبادة، لأنه آنس خلقه ثلاثين سنة وترك الناس قبل ذلك وبعد ذلك بدون صورة.

.استدلال النصارى على لاهوت المسيح بما جاء من قوله: أنا الألف والياء، والأول والآخر، والبداية والنهاية:

يستدل النصارى على لاهوت المسيح بما جاء في رؤيا يوحنا من قوله: أنا الألف والياء، والأول والآخر، والبداية والنهاية.

.الرد على هذه الشبهة:

الحقيقة أن هذه الشبهة واهية للغاية وبطلانها أوضح من الشمس، وذلك لسببين:
أولا: أن هذه العبارات: «أنا الألف والياء... الخ»، التي تكررت في الرؤيا عدة مرات إنما ينقلها الملاك، الذي ظهر ليوحنا في رؤياه، عن قول الله عن نفسه، لا عن قول المسيح عن نفسه!
نظرة بسيطة لأول مرة جاءت فيها هذه العبارة في أول إصحاح من سفر رؤيا يوحنا هذا توضح ذلك:
(من يوحنا إلى الكنائس السبع في آسية. عليكم النعمة والسلام من لدن الذي هو كائن وكان وسيأتي، ومن الأرواح السبعة الماثلة أمام عرشه، ومن لدن يسوع الشاهد الأمين والبكر من بين الأموات وسيد ملوك الأرض. لذاك الذي أحبنا فحلنا من خطايانا بدمه، وجعل منا مملكة من الكهنة لإلهه وأبيه، له المجد والعزة أبد الدهور آمين. ها هو ذا آتٍ في الغمام. ستراه كل عين حتى الذين طعنوه، وتنتحب عليه جميع قبائل الأرض. أجل، آمين. أنا الألف والياء «هذا ما يقوله الرب الإله، الذي هو كائن وكان وسيأتي وهو القدير». رؤيا يوحنا: [1: 4- 8].
فنلاحظ بوضوح أن قائل أنا الألف والياء هو: الرب الإله الذي هو كائن وكان وسيأتي، وهو غير المسيح، بدليل أنه عطفه عليه في البداية عندما قال: عليكم النعمة والسلام من الذي هو كائن وكان و.. ومن الأرواح السبعة... ومن لدن يسوع الشاهد...، والعطف يقتضي المغايرة.
ثانيا: إن هذه العبارة حتى لو قلنا أنها للمسيح، فلا تتضمن نصا في تأليهه، لأنه يمكن تفسير عبارته: «أنا الأول والآخر والبداية والنهاية» بمعنى:أنا أول خلق الله «أو بكر كل خليقة على حد تعبير يوحنا» فبهذا يكون الأول والبداية، والحاكم يوم الدينونة بأمر الله، فبهذا يكون الآخر والنهاية لعالم الخليقة، وما دام هذا الاحتمال وارد، فالاستدلال بالعبارة ساقط، كيف ومثل هذه العقيدة الخطيرة تقتضي الأدلة القطعية الصريحة التي لا تحتمل أي معنى آخر.
ثالثًا: ثم لو افترضنا أن المسيح هو الألف والياء فإن ملكي صادق الكاهن هو بلا بداية وبلا نهاية كما جاء في الرسالة إلى العبرانيين [7: 1 _ 3]!!!!
رابعًا: أن نصوص سفر الرؤيا والتي ذكرت أن المسيح الألف والياء، وأنه الأول والآخر، لا تصلح للدلالة في مثل هذه المسائل، فهي كما أشار العلامة ديدات وجميع ما في هذا السفر مجرد رؤيا منامية غريبة رآها يوحنا، ولا يمكن أن يعول عليها، فهي منام مخلط كسائر المنامات التي يراها الناس، فقد رأى يوحنا حيوانات لها أجنحة وعيون من أمام، وعيون من وراء، وحيوانات لها قرون بداخل قرون... (انظر الرؤيا 4/ 8)، فهي تشبه إلى حد بعيد ما يراه في نومه من أتخم في الطعام والشراب، وعليه فلا يصح به الاستدلال.
يقول المهندس محمد فاروق الزين في كتابه المسيحية والإسلام والاستشراق صفحة 233: «الرؤيا» هو بحث كتبه يوحنا العراف- الملقب باللاهوتي- في أواخر الستينيات من القرن الأول، لم يكن يعتبر سفرًا مقدسًا وقت كتابته وحتى حلول القرن الرابع الميلادي، إذ بعد مؤتمر نيقية 325 م طلب الإمبراطور الوثني قسطنطين من يوزيبيوس Eusebius أسقف قيسارية إعداد كتاب مسيحي مقدس للكنيسة الجديدة، وليس مؤكدًا إن يوزيبيوس في ذلك الوقت قرر إدخال كتاب «الرؤيا» ضمن أسفار العهد الجديد، ذلك أن بعض المراجع المسيحية لم تكن تؤمن بصحة معلوماته، وعليه أن «الرؤيا» أضيف إلى «الكتاب المسيحي المقدس» بعد زمن يوزيبيوس بكثير.
وقد كتب ديونيسيوس Dionysius أسقف الإسكندرية، الذي كان معاصرًا ليوزيبيوس، أن يوحنا مؤلف «الرؤيا» ليس هو الحواري يوحنا بن زبيدي قطعًا، وأضاف أنه لا يستطيع فهم «الرؤيا»، وأن الكثيرين من معاصريه انتقدوا «الرؤيا» بشدة.، وذكروا أن المؤلف لم يكن حواريًا ولا قديسًا ولا حتى عضوًا في الكنيسة بل هو سيرنثوس Cerinthus الذي تزعم الطائفة المنحرفة المعروفة باسمه. Eusebius HTC p. 88،89،240-243، Mack WWNT p.288
ومع هذا فسيبقى السؤال مطروحًا دائمًا وأبدًا:
هل ادعى المسيح عليه السلام بنفسه أنه الله؟
هل قال بنفسه: إنني أنا الله فاعبدوني؟
والإجابة: أنه ليس هناك قول صريح واحد في أي من الأسفار الـ 66 عند البروتستانت أو الـ 73 عند الكاثليك يقول فيه المسيح: أنني أنا الله فاعبدوني!!
وهذه الحياة الأبدية أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته.
قول يوحنا: كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء، مما كان. فيه كانت الحياة، والحياة كانت نور الناس.