فصل: قال أبو البقاء العكبري:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال أبو البقاء العكبري:

سورة البقرة:
قوله تعالى: {الم} هذه الحروف المقطعة كل واحد منها اسم، فألف اسم يعبر به عن مثل الحرف الذي في قال، ولام يعبر بها عن الحرف الأخير من قال، وكذلك ما أشبهها، والدليل على أنها أسماء أن كلا منها يدل على معنى في نفسه، وهى مبنية لأنك لا تريد أن تخبر عنها بشئ، وإنما يحكى بها ألفاظ الحروف التي جعلت أسماء لها فهى كالأصوات نحو: غاق، في حكاية صوت الغراب.
وفى موضع {الم} ثلاثة أوجه: أحدها الجر على القسم، وحرف القسم محذوف وبقى عمله بعد الحذف لأنه مراد، فهو كالملفوظ به كما قالوا الله ليفعلن في لغة من جر، والثانى: موضعها نصب، وفيه وجهان: أحدهما هو على تقدير حذف القسم كما تقول الله لأفعلن والناصب فعل محذوف تقديره: التزمت الله، أي اليمين به، والثانى هي مفعول بها تقديره اتل الم.
والوجه الثالث: موضع رفع بأنها مبتدأ وما بعدها الخبر.
قوله عز وجل: {ذلك} ذا اسم إشارة والألف من جملة الاسم.
وقال الكوفيون الذال وحدها هي الاسم، والألف زيدت لتكثير الكلمة، واستدلوا على ذلك بقولهم ذه أمة الله، وليس ذلك بشئ لأن هذا الاسم اسم ظاهر، وليس في الكلام اسم ظاهر على حرف واحد حتى يحمل هذا عليه، ويدل على ذلك قولهم في التصغير: ذيا فردوه إلى الثلاثي والهاء في ذه بدل من الياء في ذى.
وأما اللام فحرف زيد ليدل على بعد المشار إليه، وقيل هي بدل من ها، ألا تراك تقول: هذا وهذاك ولا يجوز هذلك، وحركت اللام لئلا يجتمع ساكنان وكسرت على أصل التقاء الساكنين، وقيل كسرت للفرق بين هذه اللام ولام الجر، إذ لو فتحتها فقلت ذلك لالتبس بمعنى الملك، وقيل ذلك هاهنا بمعنى هذا، وموضعه رفع إما على أنه خبر ألم والكتاب عطف بيان ولا ريب في موضع نصب على الحال أي هذا الكتاب حقا أو غير ذى شك وإما أن يكون ذلك مبتدأ والكتاب خبره ولا ريب حال، ويجوز أن يكون الكتاب عطف بيان ولا ريب فيه الخبر، وريب مبنى على الأكثرين لأنه ركب مع لا وصير بمنزلة خمسة عشر، وعلة بنائه تضمنه معنى من، إذ التقدير لا من ريب، واحتيج إلى تقدير من لتدل لا على نفى الجنس.
ألا ترى أنك تقول: لا رجل في الدار، فتنفى الواحد وما زاد عليه، فإن قلت لا رجل في الدار فرفعت ونونت نفيت الواحد ولم تنف ما زاد عليه، إذ يجوز أن يكون فيها اثنان أو أكثر.
وقوله: {فيه} فيه وجهان: أحدهما هو في موضع خبر لا ويتعلق بمحذوف تقريره: لا ريب كائن فيه، فيقف حينئذ على فيه.
والوجه الثاني: أن يكون لا ريب آخر الكلام وخبره محذوف للعلم به، ثم تستأنف فتقول فيه هدى فيكون هدى مبتدأ وفيه الخبر، وإن شئت كان هدى فاعلا مرفوعا بفيه ويتعلق في على الوجهين بفعل محذوف، وأما هدى فألفه منقلبة عن ياء لقولك هديت والهدى، وفى موضعه وجهان: أحدهما رفع إما مبتدأ أو فاعل على ما ذكرنا، وإما أن يكون خبر مبتدإ محذوف: أي هو هدى، وإما أن يكون خبرا لذلك بعد خبر.
والوجه الثاني: أن يكون في موضع نصب على الحال من الهاء في فيه: أي لا ريب فيه هاديا فالمصدر في معنى اسم الفاعل، والعامل في الحال معنى الجملة تقديره: أحققه هاديا، ويجوز أن يكون العامل فيه معنى التنبيه والإشارة الحاصل من قوله: {ذلك}.
قوله تعالى: {للمتقين} اللام متعلقة بمحذوف تقديره كائن أو كائنا على ما ذكرناه من الوجهين في الهدى، ويجوز أن يتعلق اللام بنفس الهدى لأنه مصدر والمصدر يعمل عمل الفعل، وواحد المتقين متقى، وأصل الكلمة من وقى فعل، ففاؤها واو ولامها ياء، فإذا بنيت من ذلك افتعل قلبت الواو تاء وأدغمتها في التاء الأخرى فقلت اتقى، وكذلك في اسم الفاعل وما تصرف منه نحو متقى ومتقى ومتقى اسم ناقص، وياؤه التي هي لام محذوفة في الجمع لسكونها وسكون حرف الجمع بعدها كقولك: متقون ومتقين، ووزنه في الأصل مفتعلون، لأن أصله موتقيون فحذفت اللام لما ذكرنا فوزنه الآن مفتعون ومفتعين، وإنما حذفت اللام دون علامة الجمع لأن علامة الجمع دالة على معنى إذا حذفت لا يبقى على ذلك المعنى دليل، فكان إبقاؤها أولى.
قوله تعالى: {الذين يؤمنون} هو في موضع جر صفة المتقين، ويجوز أن يكون في موضع نصب إما على موضع للمتقين أو بإضمار أعنى، ويجوز أن يكون في موضع رفع على إضمارهم أو مبتدأ وخبره أولئك على هدى وأصل يؤمنون يؤمنون، لأنه من الأمن والماضي منه آمن فالألف بدل من همزة ساكنة قلبت ألفا كراهية اجتماع همزتين، ولم يحققوا الثانية في موضع ما لسكونها وانفتاح ما قبلها، ونظيره في الأسماء آدم آخر، فأما في المستقبل فلا تجمع بين الهمزتين اللتين هما الأصل، لأن ذلك يفضى بك في المتكلم إلى ثلاث همزات: الأولى همزة المضارعة، والثانية همزة أفعل التي في آمن، والثالثة الهمزة التي هي فاء الكلمة، فحذفوا الوسطى كما حذفوها في أكرم لئلا تجتمع الهمزات، وكان حذف الوسطى أولى من حذف الأولى لأنها حرف معنى، ومن حذف الثالثة لأن الثالثة فاء الكلمة والوسطى زائدة، وإذا أردت تبين ذلك فقل: إن آمن أربعة أحرف فهو مثل دحرج، فلو قلت أدحرج لأتيت بجميع ما كان في الماضي وزدت عليه همزة المتكلم، فمثله يجب أن يكون في أو من، فالباقي من الهمزات الأولى والواو التي بعدها مبدلة من الهمزة الساكنة التي هي فاء الكلمة والهمزة الوسطى هي المحذوفة وإنما قلبت الهمزة الساكنة واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، فإذا قلت نؤمن وتؤمن ويؤمن جاز لك فيه وجهان: أحدهما الهمز على الأصل، والثانى قلب الهمزة واوا تخفيفا، وحذفت الهمزة الوسطى حملا على أو من والأصل يؤمن، فأما أؤمن فلا يجوز همز الثانية بحال لما ذكرناه، والغيب هنا مصدر بمعنى الفاعل: أي يؤمنون بالغائب عنهم، ويجوز أن يكون بمعنى المفعول: أي المغيب كقوله: هذا خلق الله: أي مخلوقه، ودرهم ضرب الأمير: أي مضروبه.
قوله عز وجل: {ويقيمون} أصله يؤقومون: وماضيه أقام، وعينه واو لقولك فيه يقوم، فحذفت الهمزة كما حذفت في أقيم لاجتماع الهمزتين، وكذلك جميع ما فيه حرف مضارعة لئلا يختلف باب أفعال المضارعة، وأما الواو فعمل فيها ما عمل في نستعين، وقد ذكرناه، وألف الصلاة منقلبة عن واو لقولك: صلوات، والصلاة مصدر صلى ويراد بها هاهنا الأفعال والأقوال المخصوصة فلذلك جرت مجرى الأسماء غير المصادر.
قوله تعالى: {ومما رزقناهم} من متعلقة بينفقون، والتقدير: وينفقون مما رزقناهم، فيكون الفعل قبل المفعول كما كان قوله: {يؤمنون} {ويقيمون} كذلك، وإنما أخر الفعل عن المفعول لتتوافق رءوس الآى، وما بمعنى الذى، ورزقنا يتعدى إلى مفعولين، وقد حذف الثاني منهما هنا وهو العائد على ما تقديره: رزقناهموه أو رزقناهم إياه، ويجوز أن تكون مانكرة موصولة بمعنى شئ، أي ومن مال رزقناهم فيكون رزقناهم في موضع جر صفة لما.
وعلى القول الأول لا يكون له موضع، لأن الصلة لا موضع لها، ولا يجوز أن تكون ما مصدرية لأن الفعل لا ينفق، ومن للتبعيض، ويجوز أن تكون لابتداء غاية الإنفاق، وأصل ينفقون: يؤنفقون لأن ماضيه أنفق، وقد تقدم نظيره.
قوله تعالى: {بما أنزل إليك} ما هاهنا بمعنى الذى، ولا يجوز أن تكون نكرة موصوفة أي بشئ أنزل إليك، لأنه لا عموم فيه على هذا، ولا يكمل الإيمان إلا أن يكون بجميع ما أنزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وما للعموم، وبذلك يتحقق الإيمان.
والقراءة الجيدة بأنزل إليك، بتحقيق الهمزة، وقد قرئ في الشاذ أنزل إليك بتشديد اللام والوجه فيه أنه سكن لام أنزل وألقى عليها حركة الهمزة فانكسرت اللام وحذفت الهمزة فلقيتها لام إلى فصار اللفظ بما أنزل إليك فسكنت اللام الأولى وأدغمت في اللام الثانية، والكاف هنا ضمير المخاطب وهو النبي صلى الله عليه وسلم، ويجوز أن يكون ضمير الجنس المخاطب ويكون في معنى الجمع، وقد صرح به في آى أخر كقوله: {لقد أنزلنا إليك كتابا فيه ذكركم}.
قوله تعالى: {وبالآخرة} الباء متعلقة بيوقنون، ولا يمتنع أن يعمل الخبر فيما قبل المبتدإ، وهذا يدل على أن تقديم الخبر على المبتدإ جائز إذ المعمول لا يقع في موضع لا يقع فيه العامل، والآخر صفة والموصوف محذوف تقديره: وبالساعة الآخرة أو بالدار الآخرة كما قال: {وللدار الآخرة خير} وقال: {واليوم الآخر}.
قوله تعالى: {هم يوقنون} هم مبتدأ ذكر على جهة التوكيد، ولو قال: وبالآخرة يوقنون لصح المعنى والإعراب، ووجه التوكيد في هم تحقيق عود الضمير إلى المذكورين لا إلى غيرهم، ويوقنون الخبر، وأصله يؤيقنون، لأن ماضيه أيقن، والأصل أن يؤتى في المضارع بحروف الماضي، إلا أن الهمزة حذفت لما ذكرنا في يؤمنون وأبدلت الياء واوا لسكونها وانضمام ما قبلها.
قوله تعالى: {أولئك} هذه صيغة جمع على غير لفظ واحده، وواحده ذا، ويكون أولئك للمؤنث والمذكر، والكاف فيه حرف للخطاب وليست اسما إذ لو كانت اسما لكانت إما مرفوعة أو منصوبة، ولا يصح شيء منهما إذ لا رافع هنا ولا ناصب، وإما أن تكون مجرورة بالإضافة، وأولاء لا تصح إضافته لأنه مبهم، والمبهمات لا تضاف، فبقى أن تكون حرفا مجردا للخطاب، ويجوز مد أولاء وقصره في غير القرآن، وموضعه هنا رفع بالابتداء، و{على هدى} الخبر، وحرف الجر متعلق بمحذوف: أي أولئك ثابتون على هدى، ويجوز أن يكون أولئك خبر الذين يؤمنون بالغيب، وقد ذكر.
فإن قيل: أصل {على} الاستعلاء، والهدى لا يستعلى عليه فكيف يصح معناها هاهنا؟
قيل: معنى الاستعلاء حاصل، لأن منزلتهم علت باتباع الهدى، ويجوز أن يكون لما كانت أفعالهم كلها على مقتضى الهدى كان تصرفهم بالهدى كتصرف الراكب بما يركبه.
قوله تعالى: {من ربهم} في موضع جر صفة لهدى، ويتعلق الجار بمحذوف تقديره هدى كائن وفى الجار والمجرور ضمير يعود على الهدى، ويجوز كسر الهاء وضمها على ما ذكرنا في عليهم في الفاتحة.
قوله تعالى: {وأولئك} مبتدأ و{هم} مبتدأ ثان و{المفلحون} خبر المبتدأ الثاني، والثانى خبره خبر الأول، ويجوز أن يكون هم فصلا لا موضع له من الإعراب، والمفلحون خبر أولئك، والأصل في مفلح مؤفلح، ثم عمل فيه ما ذكرناه في يؤمنون.
قوله تعالى: {سواء عليهم} رفع بالابتداء، وأأنذرتهم أم لم تنذرهم جملة في موضع الفاعل وسدت هذه الجملة مسد الخبر، والتقدير يستوى عندهم الإنذار وتركه، وهو كلام محمول على المعنى، ويجوز أن تكون هذه الجملة في موضع مبتدإ وسواء خبر مقدم، والجملة على القولين خبر أن، ولا يؤمنون لا موضع له على هذا ويجوز أن يكون سواء خبر أن ومابعده معمول له، ويجوز أن يكون لا يؤمنون خبر أن، وسواء عليهم ومابعده معترض بينهما، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر وسواء مصدر واقع موقع اسم الفاعل وهو مستو، ومستو يعمل عمل يستوى، ومن أجل أنه مصدر لا يثني ولايجمع، والهمزة في سواء مبدلة من ياء لأن باب طويت وشويت أكثر من باب قوة وحوة فحمل على الأكثر.
قوله تعالى: {أأنذرتهم} قرأ بن محيصن بهمزة واحدة على لفظ الخبر، وهمزة الاستفهام مرادة ولكن حذفوها تخفيفا، وفى الكلام ما يدل عليها وهو قوله: أم لم، لأن أم تعادل الهمزة، وقرأ الأكثرون على لفظ الاستفهام ثم اختلفوا في كيفية النطق به، فحقق قوم الهمزتين ولم يفصلوا بينهما وهذا هو الأصل، إلا أن الجمع بين الهمزتين مستثقل لأن الهمزة نبرة تخرج من الصدر بكلفة فالنطق بها يشبه التهوع، فإذا اجتمعت همزتان كان أثقل على المتكلم، فمن هنا لايحققهما أكثر العرب، ومنهم من يحقق الأولى ويجعل الثانية بين بين: أي بين الهمزة والألف، وهذه في الحقيقة همزة ملينة وليست ألفا، ومنهم من يجعل الثانية ألفا صحيحا كما فعل ذلك في آدم وآمن، ومنهم من يلين الثانية ويفصل بينها وبين الأولى بالألف، ومنهم من يحقق الهمزتين ويفصل بينهما بألف، ومن العرب من يبدل الأولى هاء ويحقق الثانية، ومنهم من يلين الثانية مع ذلك، ولا يجوز أن يحقق الأولى ويجعل الثانية ألف صحيحا ويفصل بينهما بألف، لأن ذلك جمع بين ألفين، ودخلت همزة الاستفهام هنا للتسوية، وذلك شبيه بالاستفهام لإن المستفهم يستوى عنده الوجود والعدم، فكذلك يفعل من يريد التسوية، ويقع ذلك بعد سواء كهذه الآية، وبعد ليت شعرى كقولك: ليت شعرى أقام أم قعد، وبعد: لا أبالي، ولا أدري، وأم هذه هي المعادلة لهمزة الاستفهام، ولم ترد المستقبل إلى معنى المضى حتى يحسن معه أمس، فإن دخلت عليها إن الشرطية عاد الفعل إلى أصله من الاستقبال.
قوله تعالى: {وعلى سمعهم} السمع في الأصل مصدر سمع، وفى تقديره هنا وجهان: أحدهما أنه استعمل مصدرا على أصله، وفى الكلام حذف تقديره على مواضع سمعهم لأن نفس السمع لا يختم عليه.
والثانى أن السمع هنا استعمل بمعنى السامعة وهى الأذن، كما قالوا الغيب بمعنى الغائب، والنجم بمعنى الناجم، واكتفى بالواحد هنا عن الجمع كما قال الشاعر:
بها جيف الحسرى فأما عظامها ** فبيض وأما جلدها فصليب

يريد جلودها.
قوله تعالى: {وعلى أبصارهم غشاوة} يقرأ بالرفع على أنه مبتدأ، وعلى أبصارهم خبره، وفى الجار على هذا ضمير، وعلى قول الأخفش غشاوة مرفوع بالجار كارتفاع الفاعل بالفعل، ولا ضمير في الجار على هذا لارتفاع الظاهرية، والوقف على هذه القراءة على {وعلى سمعهم} ويقرأ بالنصب بفعل مضمر تقديره وجعل على أبصارهم غشاوة، ولا يجوز أن ينتصب بختم لأنه لا يتعدى بنفسه، ويجوز كسر الغين وفتحها وفيها ثلاث لغات أخر، غشوة بغير ألف بفتح الغين وضمها وكسرها.
قوله تعالى: {ولهم عذاب} مبتدأ وخبر أو فاعل عمل فيه الجار على ما ذكرنا قبل، وفى {عظيم} ضمير يرجع على العذاب لأنه صفته.
قوله تعالى: {ومن الناس} الواو دخلت هنا للعطف على قوله: {الذين يؤمنون بالغيب} وذلك أن هذه الآيات استوعبت أقسام الناس، فالآيات الأول تضمنت ذكر المخلصين في الإيمان، وقوله: {إن الذين كفروا} تضمن ذكر من أظهر الكفر وأبطنه، وهذه الآية تضمنت ذكر من أظهر الإيمان وأبطن الكفر، فمن هنا دخلت الواو لتبين أن المذكورين من تتمة الكلام الأول، ومن هنا للتبعيض، وفتحت نونها ولم تكسر لئلا تتوالى الكسرتان، وأصل الناس عند سيبويه أناس حذفت همزته وهى فاء الكلمة، وجعلت الألف واللام كالعوض منها، فلا يكاد يستعمل الناس إلا بالألف واللام، ولا يكاد يستعمل أناس بالألف واللام، فالألف في الناس على هذا زائدة واشتقاقه من الإنس.
وقال غيره ليس في الكلمة حذف، والألف منقلبة عن واو وهى عين الكلمة، واشتقاقه من ناس ينوس نوسا إذا تحرك، وقالوا في تصغيره: نويس.
قوله: {من يقول} من: في موضع رفع بالابتداء وما قبله الخبر، أو هو مرتفع بالجار قبله على ما تقدم، ومن هنا نكرة موصوفة، ويقول: صفة لها، ويضعف أن تكون بمعنى الذى، لأن الذي يتناول قوما بأعيانهم، والمعنى هاهنا على الإبهام والتقدير: ومن الناس فريق يقول، ومن موحدة للفظ، وتستعمل في التثنية والجمع والتأنيث بلفظ واحد، والضمير الراجع إليها يجوز أن يفرد حملا على لفظها، وأن يثنى ويجمع ويؤنث حملا على معناها، وقد جاء في هذه الآية على الوجهين، فالضمير في يقول مفرد، وفى آمنا وماهم جمع، والأصل في يقول: يقول بسكون القاف وضم الواو لأنه نظير يقعد ويقتل، ولم يأت إلا على ذلك، فنقلت ضمة الواو إلى القاف ليخف اللفظ بالواو، ومن هاهنا إذا أمرت لم تحتج إلى الهمزة بل تقول قل، لأن فاء الكلمة قد تحركت فلم تحتج إلى همزة الوصل.
قوله تعالى: {آمنا} أصل الألف همزة ساكنة، فقلبت ألفا لئلا تجتمع همزتان، وكان قلبها ألفا من أجل الفتحة قبلها، ووزن آمن أفعل من الأمن، و{الآخر} فاعل فالألف فيه غير مبدلة من شيء.
قوله: {وما هم} {هم} ضمير منفصل مرفوع بما عند أهل الحجاز، ومبتدأ عند تميم والباء في الخبر زائدة للتوكيد غير متعلقة بشئ، وهكذا كل حرف جر زيد في المبتدإ أو الخبر أو الفاعل، وما تنفى {ما} في الحال، وقد تستعمل لنفى المستقبل.
قوله تعالى: {يخادعون الله} في الجملة وجهان: أحدهما لا موضع لها، والثانى موضعها نصب على الحال، وفى صاحب الحال والعامل فيها وجهان: أحدهما هي من الضمير في يقول، فيكون العامل فيها يقول، والتقدير: يقول آمنا مخادعين: والثانى هي حال من الضمير في قوله: {بمؤمنين} والعامل فيها اسم الفاعل، والتقدير: وماهم بمؤمنين في حال خداعهم، ولا يجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لمؤمنين، لأن ذلك يوجب نفى خداعهم، والمعنى على إثبات الخداع: ولا يجوز أن تكون الجملة حالا من الضمير في آمنا، لأن آمنا محكى عنهم بيقول، فلو كان يخادعون حالا من الضمير في آمنا لكانت محكية أيضا، وهذا محال لوجهين: أحدهما أنهم ما قالوا آمنا وخادعنا.
والثانى أنه أخبر عنهم بقوله يخادعون، ولو كان منهم لكان نخادع بالنون، وفى الكلام حذف تقديره: يخادعون نبى الله، وقيل هو على ظاهره من غير حذف.
قوله عز وجل: {وما يخادعون} وأكثر القراءة بالألف، وأصل المفاعلة أن تكون من اثنين، وهى على ذلك هنا لأنهم في خداعهم ينزلون أنفسهم منزلة أجنبي يدور الخداع بينهما، فهم يخدعون أنفسهم وأنفسهم تخدعهم، وقيل المفاعلة هنا من واحد كقولك: سافر الرجل، وعاقبت اللص، ويقرأ، يخدعون بغير ألف مع فتح الياء، ويقرأ بضمها على أن يكون الفاعل للخدع الشيطان فكأنه قال: ومايخدعهم الشيطان {إلا أنفسهم} أي عن أنفسهم، وأنفسهم نصب بأنه مفعول وليس نصبه على الاستثناء، لأن الفعل لم يستوف مفعوله قبل إلا.
قوله تعالى: {فزادهم الله} زاد يستعمل لازما كقولك: زاد الماء، ويستعمل متعديا إلى مفعولين كقولك زدته درهما، وعلى هذا جاء في الآية، ويجوز إمالة الزاى لأنها تكسر في قولك زدته، وهذا يجوز فيما عينه واو مثل خاف، إلا أنه أحسن فيما عينه ياء.
قوله تعالى: {أليم} هو فعيل بمعنى مفعل لأنه من قولك آلم فهو مؤلم وجمعه الماء وألام مثل شريف وشرفاء وشراف.
قوله تعالى: {بما كانوا يكذبون} هو في موضع رفع صفة لأليم، وتتعلق الباء بمحذوف تقديره أليم كائن بتكذيبهم أو مستحق وما هنا مصدرية، وصلتها يكذبون، وليست كان صلتها لأنها الناقصة، ولا تستعمل منها مصدر، ويكذبون في موضع نصب خبر كان، وما المصدرية حرف عند سيبويه واسم عند الأخفش: وعلى كلا القولين لا يعود عليها من صلتها شيء.
قوله عز وجل: {وإذا قيل لهم} إذا في موضع نصب على الظرف، والعامل فيها جوابها وهو قوله: {قالوا} وقال قوم: العامل فيها قيل، وهو خطأ لأنه في موضع جر بإضافة إذا إليه، والمضاف إليه لا يعمل في المضاف وأصل قيل قول، فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت وكسرت القاف لتنقلب الواو ياء كما فعلوا في أدل وأحق، ومنهم من يقول: نقلوا كسرة الواو إلى القاف وهذا ضعيف، لأنك لا تنقل إليها الحركة إلا بعد تقدير سكونها فيحتاج في هذا إلى حذف ضمة القاف وهذا عمل كثير، ويجوز إشمام القاف بالضمة مع بقاء الياء ساكنة تنبيها على الأصل، ومن العرب من يقول في مثل قيل وبيع: قول وبوع، ويسوى بين ذوات الواو والياء، قالوا: وتخرج على أصلها وما هو من الياء تقلب الياء فيه واوا لسكونها وانضمام ما قبلها، ولا يقرأ بذلك ما لم تثبت به رواية والمفعول القائم مقام الفاعل مصدر وهو القول وأضمر لأن الجملة بعده تفسره، والتقدير: وإذا قيل لهم قول هو لا تفسدوا ونظيره- ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه- أي بدا لهم بداء ورأى، وقيل لهم هو القائم مقام الفاعل وهو بعيد، لأن الكلام لايتم به، وما هو مما تفسره الجملة بعده، ولا يجوز أن يكون قوله: لا تفسدوا قائما مقام الفاعل، لأن الجملة لا تكون فاعلا فلا تقوم مقام الفاعل، ولهم في موضع نصب مفعول قيل.
قوله: {في الأرض} الهمزة في الأرض أصل، وأصل الكلمة من الاتساع ومنه قولهم: أرضت القرحة إذا اتسعت، وقول من قال: سميت أرضا لأن الأقدام ترضها ليس بشئ، لأن الهمزة فيها أصل والرض ليس من هذا، ولا يجوز أن يكون في الأرض حالا من الضمير في تفسدوا، لأن ذلك لا يفيد شيئا وإنما هو ظرف متعلق بتفسدوا.
قوله: {إنما نحن} ما هاهنا كافة لإن عن العمل لأنها هيأتها للدخول على الاسم تارة وعلى الفعل أخرى، وهى إنما عملت لاختصاصها بالاسم، وتفيد إنما حصر الخبر فيما أسند إليه الخبر كقوله: إنما الله إله واحد، وتفيد في بعض المواضع اختصاص المذكور بالوصف المذكور دون غيره، كقولك: إنما زيد كريم، أي ليس فيه من الأوصاف التي تنسب إليه سوى الكرم، ومنه قوله تعالى: {إنما أنا بشر مثلكم} لأنهم طلبوا منه ما لا يقدر عليه البشر، فأثبت لنفسه صفة البشر ونفى عنه ما عداها.
قوله: نحن: هو اسم مضمر منفصل مبنى على الضم، وإنما بنيت الضمائر لافتقارها إلى الظواهر التي ترجع إليها، فهى كالحروف في افتقارها إلى الأسماء، وحرك آخرها لئلا يجتمع ساكنان، وضمت النون لأن الكلمة ضمير مرفوع للمتكلم فأشبهت التاء في قمت، وقيل ضمت لأن موضعها رفع، وقيل النون تشبه الواو فحركت بما يجانس الواو، ونحن ضمير المتكلم ومن معه، وتكون للاثنين والجماعة، ويستعمله المتكلم الواحد العظيم، وهو في موضع رفع بالابتداء و{مصلحون} خبره.
قوله تعالى: {ألا} هي حرف يفتتح به الكلام لتنبيه المخاطب، وقيل معناها حقا، وجوز هذا القائل أن تفتح أن بعدها كما تفتح بعد حقا، وهذا في غاية البعد.
قوله: {هم المفسدون} هم مبتدأ والمفسدون خبره والجملة خبر إن، ويجوز أن تكون هم في موضع نصب توكيد لاسم إن، ويجوز أن يكون فصلا لا موضع لها، لأن الخبر هنا معرفة، ومثل هذا الضمير يفصل بين الخبر والصفة، فيعين ما بعده للخبر.
قوله تعالى: {وإذا قيل لهم آمنوا} القائم مقام المفعول هو القول، ويفسره آمنوا لأن الأمر والنهى قول.
قوله: {كما آمن الناس} الكاف في موضع نصب صفة لمصدر محذوف: أي إيمانا مثل إيمان الناس، ومثله- كما آمن السفهاء-.
قوله: {السفهاء ألا إنهم} في هاتين الهمزتين أربعة أوجه: أحدها تحقيقهما وهو الأصل، والثانى تحقيق الأولى وقلب الثانية واوا خالصة فرارا من توالى الهمزتين وجعلت الثانية واوا لانضمام الأولى، والثالث تليين الأولى، وهو جعلها بين الهمزة وبين الواو وتحقيق الثانية، والرابع كذلك إلا أن الثانية واو، ولا يجوز جعل الثانية بين الهمزة والواو لأن ذلك تقريب من الألف، والألف لا يقع بعد الضمة والكسرة، وأجازه قوم.
قوله تعالى: {لقوا الذين آمنوا} أصله لقيوا فأسكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لسكونها وسكون الواو بعدها، وحركت القاف بالضم تبعا للواو، وقيل نقلت ضمة الياء إلى القاف بعد تسكينها ثم حذفت، وقرأ ابن السميقع: لاقوا بألف وفتح القاف وضم الواو، وإنما فتحت القاف وضمت الواو لما نذكره في قوله: {اشتروا الضلالة}.
قوله: {خلوا إلى} يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل، ويقرأ بإلقاء حركة الهمزة على الواو وحذف الهمزة فتصير الواو مكسورة بكسرة الهمزة، وأصل خلوا خلووا فقلبت الواو الأولى ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها، ثم حذفت الألف لئلا يلتقى ساكنان، وبقيت الفتحة تدل على الألف المحذوفة.
قوله: {إنا معكم} الأصل: إننا، فحذفت النون الوسطى على القول الصحيح، كما حذفت في إن إذا خففت، كقوله تعالى: {وإن كل لما جميع} ومعكم ظرف قائم مقام الخبر، أي كائنون معكم.
قوله تعالى: {مستهزءون} يقرأ بتحقيق الهمزة وهو الأصل، وبقلبها ياء مضمومة لانكسار ما قبلها، ومنهم من يحذف الياء لشبهها بالياء الأصلية في مثل قولك: يرمون، ويضم الزاى، وكذلك الخلاف في تليين همزة {يستهزئ بهم}.
قوله تعالى: {يعمهون} هو حال من الهاء والميم في يمدهم وفى طغيانهم متعلق بيمدهم أيضا، وإن شئت بيعمهون، ولا يجوز أن تجعلهما حالين من يمدهم لأن العامل الواحد لا يعمل في حالين.
قوله تعالى: {اشتروا الضلالة} الأصل اشتريوا فقلبت الياء ألفا ثم حذفت الألف لئلا يلتقى ساكنان الألف والواو.
فإن قلت: فالوا وهنا متحركة.
قيل: حركتها عارضة فلم يعتد بها وفتحة الراء دليل على الألف المحذوفة، وقيل سكنت الياء لثقل الضمة عليها ثم حذفت لئلا يلتقى ساكنان، وإنما حركت الواو بالضم دون غيره ليفرق بين واو الجمع والواو الأصلية في نحو قوله: لو استطعنا، وقيل ضمت لأن الضمة هنا أخف من الكسرة لأنها من جنس الواو، وقيل حركت بحركة الياء المحذوفة، وقيل ضمت لأنها ضمير فاعل، فهى مثل التاء في قمت، وقيل هي للجمع فهى مثل نحن، وقد همزها قوم شبهوها بالواو المضمومة ضما لازما نحو: أثؤب، ومنهم من يفتحها إيثارا للتخفيف، ومنهم من يكسرها على الأصل في التقاء الساكنين، ومنهم من يختلسها فيحذفها لالتقاء الساكنين، وهو ضعيف لأن قبلها فتحة، والفتحة لا تدل عليها.
قوله تعالى: {مثلهم كمثل} ابتداء وخبر، والكاف يجوز أن يكون حرف جر فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون اسما بمعنى مثل فلا يتعلق بشيء.
قوله: {الذى استوقد} الذي هاهنا مفرد في اللفظ، والمعنى على الجمع بدليل قوله: {ذهب الله بنورهم} وما بعده، وفى وقوع المفرد هنا موقع الجمع وجهان:
أحدهما هو جنس مثل: من وما: فيعود الضمير إليه تارة بلفظ المفرد، وتارة بلفظ الجمع.
والثانى أنه أراد الذين، فحذفت النون لطول الكلام بالصلة، ومثله:
{والذى جاء بالصدق وصدق به} ثم قال: أولئك هم المتقون، واستوقد بمعنى أوقد، مثل استقر بمعنى قر، وقيل استوقد استدعى الإيقاد.
قوله تعالى: {فلما أضاءت} لما هنا اسم، وهى ظرف زمان، وكذا في كل موضع وقع بعدها الماضي، وكان لها جواب والعامل فيها جوابها مثل: إذا، وأضاءت متعد فيكون ما على هذا مفعولا به، وقيل أضاء لازم، يقال: ضاءت النار وأضاءت بمعنى، فعلى هذا يكون ما ظرفا، وفى ما ثلاثة أوجه: أحدها هي بمعنى الذى، والثانى هي نكرة موصوفة، أي مكانا حوله، والثالث هي زائدة.
قوله: {ذهب الله بنورهم} الباء هنا معدية للفعل كتعدية الهمزة له، والتقدير أذهب الله نورهم، ومثله في القرآن كثير، وقد تأتى الباء في مثل هذا للحال كقولك ذهبت بزيد، أي ذهبت ومعى زيد.
قوله تعالى: {وتركهم في ظلمات} تركهم هاهنا يتعدى إلى مفعولين لأن المعنى صيرهم، وليس المراد به الترك هو الإهمال، فعلى هذا يجوز أن يكون المفعول الثاني في ظلمات، فلا يتعلق الجار بمحذوف ويكون لا يبصرون حالا، ويجوز أن يكون لا يبصرون هو المفعول الثاني، وفى ظلمات ظرف يتعلق بتركهم أو بيبصرون، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في يبصرون، أو من المفعول الأول.
قوله تعالى: {صم بكم} الجمهور على الرفع على أنه خبر ابتداء محذوف: أي هم صم، وقرئ شإذا بالنصب على الحال من الضمير في يبصرون.
قوله تعالى: {فهم لا يرجعون} جملة مستأنفة، وقيل موضعها حال وهو خطأ، لأن ما بعد الفاء لا يكون حالا، لأن الفاء ترتب، والأحوال لا ترتيب فيها، ويرجعون فعل لازم، أي لا ينتهون عن باطلهم، أو لا يرجعون إلى الحق، وقيل هو متعد ومفعوله محذوف تقديره: فهم لا يردون جوابا، مثل قوله: {إنه على رجعه لقادر} قوله تعالى: {أو كصيب} في أو أربعة أوجه:
أحدها أنها للشك، وهو راجع إلى الناظر في حال المنافقين، فلا يدرى أيشبههم بالمستوقد أو بأصحاب الصيب، كقوله: {إلى مائة ألف أو يزيدون} أي يشك الرائى لهم في مقدار عددهم، والثانى أنها للتخيير: أي شبهوهم بأى القبيلتين شئتم، والثالث أنها للإباحة، والرابع أنها للإبهام، أي بعض الناس يشبههم بالمستوقد، وبعضهم بأصحاب الصيب، ومثله قوله تعالى: {كونوا هودا أو نصارى} أي قالت اليهود كونوا هودا، وقالت النصارى كونوا نصارى، ولا يجوز عند أكثر البصريين أن تحمل {أو} على الواو، ولا على بل ماوجدن ذلك مندوحة والكاف في موضع رفع عطفا على الكاف في قوله: {كمثل الذى} ويجوز أن يكون خبر ابتداء محذوف تقديره: أو مثلهم كمثل صيب، وفى الكلام حذف تقديره: أو كأصحاب صيب، وإلى هذا المحذوف يرجع الضمير من قوله: {يجعلون} والمعنى على ذلك، لأن تشبيه المنافقين بقوم أصابهم مطر فيه ظلمة ورعد وبرق لا بنفس المطر، وأصل صيب: صيوب على فيعل، فأبدلت الواو ياء وأدغمت الأولى فيها، ومثله: مين وهين، وقال الكوفيون: أصله صويب على فعيل، وهو خطأ، لأنه لو كان كذلك لصحت الواو كما صحت في طويل وعويل {من السماء} في موضع نصب {ومن} متعلقة بصيب، لأن التقدير: كمطر صيب من السماء، وهذا الوصف يعمل عمل الفعل، ومن لابتداء الغاية، ويجوز أن يكون في موضع جر على الصفة لصيب فيتعلق من بمحذوف: أي كصيب كائن من السماء، والهمزة في السماء بدل من واو قلبت همزة لوقوعها طرفا بعد ألف زائدة، ونظائره تقاس عليه {فيه ظلمات} الهاء تعود على صيب، وظلمات رفع بالجار والمجرور لأنه قد قوى بكونه صفة لصيب، ويجوز أن يكون ظلمات مبتدأ وفيه خبر مقدم، وفيه على هذا ضمير، والجملة في موضع جر صفة لصيب، والجمهور على ضم اللام، وقد قرئ بإسكانها تخفيفا، وفيه لغة أخرى بفتح اللام، والرعد مصدر رعد يرعد، والبرق مصدر أيضا، وهما على ذلك موحدتان هنا، ويجوز أن يكون الرعد والبرق بمعنى الراعد والبارق كقولهم: رجل عدل وصوم {يجعلون} يجوز أن يكون في موضع جر صفة لأصحاب صيب، وأن يكون مستأنفا، وقيل يجوز أن يكون حالا من الهاء في فيه، والراجع على الهاء محذوف تقديره من صواعقه وهو بعيد، لأن حذف الراجع على ذى الحال كحذفها من خبر المبتدأ، وسيبويه يعده من الشذوذ {من الصواعق} أي من صوت الصواعق {حذر الموت} مفعول له، وقيل مصدر: أي يحذرون حذرا مثل حذر الموت، والمصدر هنا مضاف إلى المفعول به {محيط} إصله محوط لأنه من حاط يحوط فنقلت كسرة الواو إلى الحاء فانقلبت ياء.