فصل: من فوائد الخطيب الشربيني في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الضحاك: أربعمائة سنة وبضع وثلاثون سنة.
وقيل: أربعمائة ونيف وستون.
وذكر محمد بن سعد في كتاب الطبقات له عن ابن عباس: أن كان بين ميلاد عيسى والنبي عليهما الصلاة والسلام خمسمائة سنة وتسع وستون سنة، بعث في أولها ثلاثة أنبياء.
وهو قوله تعالى: {إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث} وهو شمعون وكان من الحواريين.
وقال الكلبي مثل قول ابن عباس إلا أنه قال: بينهما أربعة أنبياء، واحد من العرب من بني عبس وهو خالد بن سنان الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: «ضيعه قومه».
وروي عن الكلبي أيضًا خمسمائة وأربعون.
وقال وهب: ستمائة سنة وعشرون.
وقيل: سبعمائة سنة.
وقال مقاتل: ستمائة سنة، وروي هذا عن قتادة والضحاك.
وذكر ابن عطية أن هذا روي في الصحيح.
فإن كانا كما ذكر وجب أن لا يعدل عنه لسواه.
وهذه التواريخ نقلها المفسرون من كتب اليونان وغيرهم ممن لا يتحرّى النقل.
وذكر ابن سعد في الطبقات عن ابن عباس والزمخشري عن الكلبي قالا: كان بين موسى وعيسى ألف سنة وسبعمائة سنة، وألف نبيّ، زاد ابن عباس من بني إسرائيل دون من أرسل من غيرهم، ولم يكن بينهما فترة.
والمعنى: الامتنان عليهم بإرسال الرسل على حين انطمست آثار الوحي، وهم أحوج ما يكونون إليه ليعدوه أعظم نعمة من الله وفتح باب إلى الرحمة، ويلزمهم الحجة فلا يعتلوا غدًا بأنه لم يرسل إليهم من ينبههم من غلفتهم.
وأن تقولوا: مفعول من أجله فقده البصريون: كراهة أو حذار أن تقولوا.
وقدره الفراء: لئلا تقولوا.
ويعني يوم القيامة على سبيل الاحتجاج.
{فقد جاءكم بشير ونذير} قيل: وفي الكلام حذف أي: لا تعتدوا فقد جاءكم بشير، أي لمن أطاع بالثواب، ونذير لمن عصى بالعقاب.
وفي هذا ردّ على اليهود حيث قالوا: ما أنزل الله من كتاب بعد موسى ولا أرسل بعده.
{والله على كل شيء قدير} هذا عامّ فقيل على كل شيء من الهداية والضلال.
وقيل: من البعثة وإمساكها.
والأولى العموم فيندرج فيه ما ذكروا. اهـ.

.من فوائد الخطيب الشربيني في الآية:

قال رحمه الله:
{يا أهل الكتاب} أي: من الفريقين {قد جاءكم رسولنا} محمد صلى الله عليه وسلم {يبيّن لكم} أي: ما كتمتم وحذف لتقدّم ذكره أو الدين وحذف لظهوره ويجوز أن لا يقدر مفعول على معنى ويبذل لكم البيان وجملة يبيّن لكم في موضع الحال أي: جاءكم رسولنا مبينًا لكم وقوله تعالى: {على فترة من الرسل} متعلق بجاءكم أي: جاءكم على حين فتور من إرسال الرسل وانقطاع من الوحي، قال ابن عباس: يريد على انقطاع من الأنبياء فشبّه فقدهم وبعد العهد بهم ونسيان أخبارهم وبلاء رسومهم وآثارهم وانطماس معالمهم وأنوارهم بشيء كان يغلي ففتر ولم يبق من وصفه المقصود منه إلا أثرٌ خافٍ ورسْمٌ دارسٌ.
يقال: فتر الشيء يفتر فتورًا إذا سكنت حركته وصار أقلّ مما كان عليه وسميت المدّة بين الأنبياء فترة لفتور الدواعي في العمل بترك الشرائع واختلفوا في مدّة الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم فقال أبو عثمان النهدي: ستمائة سنة، وقال قتادة: خمسمائة وستون سنة وقال معمر والكلبيّ: خمسمائة وستة وأربعون سنة وعن الكلبيّ: بين موسى وعيسى ألف وسبعمائة سنة وألف نبيّ، وبين عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم أربعة من الأنبياء ثلاثة من بني إسرائيل وواحد من العرب وهو خالد بن سنان العبسيّ، وفي الآية امتنان عليهم بأن بعث إليهم حين انطمست آثار الوحي وكانوا أحوج ما يكون إليه قال البقاعي: ولعله عبّر بالمضارع في يبيّن إشارة إلى أنّ دينه وبيانه لا ينقطع أصلًا بحفظ كتابه فكلما درست سنة منح الله تعالى بعالم يردّ الناس إليها بالكتاب العزيزالمعجز القائم أبدًا فلذلك لا يحتاج الأمر إلى نبيّ مجدّد إلا عند الفتنة التي لا تطيقها العلماء وهي فتنة الدجال ويأجوج ومأجوج.
ثم علل ذلك بقوله تعالى: {أن} أي: كراهة أن {تقولوا} أي: إذا حشرتم وسئلتم عن إهمالكم {ما جاءنا من بشير} أيّ بشير فمن زائدة لتأكد النفي أي: يبشرنا لنرغب فنعمل بما يسعدنا فنفوز {ولا نذير} أي: يحذرنا لنرهب فنترك ما يشقينا فنسلم وقوله تعالى: {فقد جاءكم بشير ونذير} متعلق بمحذوف أي: لا تعتذروا بما جاءنا من بشير ولا نذير فلا جاءكم بشير ونذير {والله على كل شيء قدير} أي: فيقدر على الإرسال تَتْرًا واحدًا بعد واحد على التعاقب كما فعل بين موسى وعيسى عليهما الصلاة والسلام وعلى الإرسال على فترة كما فعل بين عيسى ومحمد عليهما الصلاة والسلام. اهـ.

.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ}.
أي: ما أمرتم به وما نهيتم عنه {عَلَى فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ} متعلق بـ {جاءكم} أي: جاءكم على حين فتورٍ من إرسال الرسل، وانقطاعٍ من الوحي. إذا لم يكن بينه وبين عيسى رسولٌ. ومدة الفترة بينهما خمسمائة وتسع وستون سنة {أَنْ تَقُولُوا مَا جَاءَنَا مِنْ بَشِيرٍ وَلا نَذِيرٍ} تعليل لمجيء الرسول بالبيان على حذف المضاف. أي: كراهة أن تعتذزوا بذلك يوم القيامة، وتقولوا: ما جاءنا من رسولٍ- بعد ما درس الدينُ- يبشرنا لنرغب فتعمل بما يسعدنا فنفوز. وينذرنا لنرهب فنترك ما يشقينا فنسلم. وقد كان اختلط في تلك الفترة الحق بالباطل- كما سنبيّنه-: {فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} متعلق بمحذوف تنبئ عنه الفاء الفصيحة وتبين أنه معلل به. أي: لا تعتذروا «بما جاءنا» فقد جاءكم بشير أي: بشير، ونذير أي: نذير {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير} من إرسال الرسل، والصواب لمن أجاب الرسل، والعقاب لمن لم يُجبْهم.
قال البقاعي: وفي الختم بوصف القدرة، وأتباعه تذكيرهم ما صاروا إليه من العز بالنبوّة والملك، بعد ما كانوا فيه من الذل بالعبودية والجهل، إشارة إلى أن إنكارهم لأن يكون من ولد إسماعيل عليه السلام نبيّ، يلزم منه إنكارهم للقدرة.
تنبيه:
قال ابن كثير: كانت الفترة بين عيسى ابن مريم- آخر أنبياء بني إسرائيل- وبين محمد خاتم النبيين من بني آدم على الإطلاق. كما ثبت في «صحيح البخاري»، عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أولى الناس بابن مريم ليس بيني وبينه نبي ّ». وهذا فيه ردّ على من زعم أنه بعث عيسى نبيّ يقال له خالد بن سنان. كما حكاه القضاعي وغيره. انتهى.
وقال الحافظ ابن حجر في «فتح الباري»: استدل به- يعني بحديث أبي هريرة- على أنه لم يبعث بعد عيسى أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم. وفيه نظر لأنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية- المذكورة قصتهم في سورة «يس»- كانوا من أتباع عيسى. وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيَّيْن، وكانا بعد عيسى. والجواب: أن هذا الحديث يضعف ما ورد من ذلك. فإنه صحيح بلا تردد. وفي غيره مقال. أو المراد: إنه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة. وإنما بعث بعده، مَنْ بُعِثَ، بتقرير شريعة عيسى. وقصة خالد بن سنان أخرجها الحاكم في «المستدرك» من حديث ابن عباس، ولها طرق جمعتها في ترجمتها في كتابي في «الصابة». انتهى.
وقد ذكرت في كتابي «إيضاح الفطرة في أهل الفترة» في الباب الحادي عشر مِنْ كان في الفترة من الأنبياء على ما روي. فارجع إليه.
قال ابن كثير: والمقصود من هذه الآية، أن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، وطموسٍ من السبل، وتغير الأديان، وكثرة عبّاد الأوثان والنيران والصلبان. فكانت النعمة به أتمّ النعم، والحاجة إليه أمر عام، فإن الفساد كان قد عمّ جميع البلاد، والطغيان والجهل قد ظهر في سائر العباد. إلاّ قليلًا من المتمسكين ببقايا من دين الأنبياء الأقدمين. كما روى أحمد عن عياض المجاشعي رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم خطب ذات يومٍ فقال في خطبته: «وإن ربّي، أمرني أن أعلّمكم ما جهلتم مما علمنّي في يومي هذا. كلّ مال نحلته عبادي حلال. وإني خلقت عبادي حنفاءَ كلهم، وأنهم أتتهم الشياطين فأضلّتْهم عن دينهم. وحرمتْ عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا ثم إن الله عزّ وجل نظر إلى أهل الأرض فمقتهم. عجميهم وعربيهم. إلاّ بقايا من أهل الكتاب. وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك. وأنزلت عليك كتابًا لا يغسله الماء. تقرؤه نائمًا ويقظانًا...» انتهى.
وقال الأستاذ النحرير الشيخ محمد عبده مفتي مصر في «رسالة التوحيد» في بحث رسالة نبينا صلى الله عليه وسلم ما نصّه: ليس من غرضنا في هذه الوريقات أن نلمّ بتاريخ الأمم عامة، وتاريخ العرب خاصة، في زمن البعثة المحمدية، لنبين كيف كانت حاجة سكان الأرض ماسّة إلى قارعة تهزّ عروش الملوك، وتزلزل قواعد سلطانهم الغاشم، وتخفض من أبصارهم المعقودة بعنان السماء، إلى من دونهم من رعاياهم الضعفاء. وإلى ناٍر تنقض من سماء الحق على أدم الأنفس البشرية لتأكل ما اعشوشبت به من الأباطيل القاتلة للعقول. وصيحة فصحى تزعج الغافلين، وترجع بألباب الذاهلين، وتنبه المرؤوسين إلى أنهم ليسوا بأبعد عن البشرية من الرؤساء الظالمين، والهداة الضالين، والقادة الغارّين، وبالجملة تؤوب بهم إلى رشد يقيهم الإنسان على الطريق التي سنّها الإله: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان: 3]. ليبلغ بسلوكها كماله، ويصل على نهجها إلى ما أُعدّ في الدارين له. ولكنا نستعير من التاريخ كلمةً يفهمها من نظر فيها اتفق عليه مؤرّخو ذلك العهد، نظر إمعانٍ وإنصافٍ.
كانت دولتا العالم «دولة الفرس في الشرق، ودولة الرومان في الغرب» في تنازعٍ وتجالد مستمرّ دماء بين العالمين مسفوكة، وقوى منهوكة، وأموال هالكة، وظلم من الإحن حالكة. ومع ذلك، فقد كان الزهو والترف والإسراف والفخفخة والتفنّن في الملاذ بالغةً حدّ مالا يوصف في قصور السلاطين والأمراء، والقواد ورؤساء الأديان من كل أمّة، وكان شره هذه الطبقة من الأمم لا يقف عند حدّ. فزادوا في الضرائب، وبالغوا في فرض الإتاوات، حتى أثقلوا ظهور الرعية بمطالبهم. وأتوا على ما في أيديها من ثمرات أعمالها، وانحصر سلطان القويّ في اختطاف ما بيد الضعيف. وفكّر العاقل، في الاحتيال لسلب الغافل، وتبع ذلك أن استولى على تلك الشعوب ضروب من الفقر والذل والاستكانة والخوف والاضطراب، لفقد الأمن على الأرواح والأموال. غمرت مشيئة الرؤساء إرادة من دونهم. فعاد هؤلاء كأشباح اللاعب. يديرها من وراء حجاب، ويظنها الناظر إليها من ذوي الألباب، ففقد بذلك الاستقلال الشخصيّ، وظنّ أفراد الرعايا أنهم لم يخلقوا إلا لخدمة ساداتهم وتوفير لذّاتهم، كما هو الشأن في العجماوات مع من يقتنيها. ضلت السادات في عقائدها وأهوائها، وغلبتها على الحق والعدل شهواتها. ولكن بقي لها من قوة الفكر أردأ بقاياها. فلم يفارقها الذر من أنّ بصيص النور الإلهي، الذي يخالط الفطر الإنسانية، قد يفتق الغُلُفَ التي أحاطت بالقلوب، ويمزّق الحجب التي أسدلت على العقول. فتهتدي العامة إلى السبيل، ويثور الجم الغفير على العدد القليل، ولذلك لم يغفل الملوك والرؤساء أن يُنْشِئوا سحبًا من الأوهام. ويهيِّئوا كسفًا من الأباطيل والخرافات، ليقذفوا بها في عقول العامة. فيغلظ الحجاب، ويعظم الرَّين، ويختنق بذلك نور الفطرة. ويتم لهم ما يريدون من المغلوبين لهم.