فصل: تفسير الآية رقم (21):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس في قوله: {وجعلكم ملوكًا} قال: الزوجة والخادم والبيت.
وأخرج الفريابي وابن جرير وابن المنذر والحاكم وصححه والبيهقي في شعب الإيمان، عن ابن عباس في قوله: {إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكًا} قال: المرأة الخادم {وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} قال: الذين هم بين ظهرانيهم يومئذ.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «كانت بنو إسرائيل إذا كان لأحدهم خادم ودابة وامرأة كتب ملكًا».
وأخرج ابن جرير والزبير بن بكار في الموفقيات عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان له بيت وخادم فهو ملك».
وأخرج أبو داود في مراسيله عن زيد بن أسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من كان له بيت وخادم فهو ملك».
وأخرج أبو داود في مراسيله عن زيد بن أسلم في قوله: {وجعلكم ملوكًا} قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «زوجة ومسكن وخادم».
وأخرج سعيد بن منصور وابن جرير عن عبد الله بن عمرو بن العاص. أنه سأله رجل: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ قال: ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم. قال: ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم. قال: فأنت من الأغنياء. قال: إن لي خادمًا. قال: فأنت كم الملوك.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {وجعلكم ملوكًا} قال: جعل لهم أزواجًا وخدمًا وبيوتًا {وآتاكم ما لم يؤتِ أحدًا من العالمين} قال: المنَّ والسلوى والحجر والغمام.
وأخرج ابن جرير عن الحسن {وجعلكم ملوكًا} قال: وهل الملك إلا مركب وخادم ودار؟..
وأخرج ابن جرير من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله: {وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} قال: المنَّ والسلوى. اهـ.

.تفسير الآية رقم (21):

قوله تعالى: {يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21)}

.من أقوال المفسرين:

.قال البقاعي:

{وآتاكم ما لم يؤت} أي في زمانكم ولا فيما قبله من سالف الزمان- كما اقتضاه التعبير بلم {أحدًا من العالمين} من الآيات التي أظهرها على يد موسى عليه السلام، فأخرجكم بها من الظلمات إلى النور، والكتاب الذي جعله تبيانًا لكل شيء ثم أتبعه ما يقيد به هذه النعم من الشكر بامتثال الأمر في جهاد الأعداء في سياق مؤذن بالنصر معلم بأنه نعمة أخرى يجب شكرها، فلذلك وصله بما قبله وصل المعلول بالعلة فقال: {يا قوم ادخلوا} عن أمر الله الذي أعلمكم بما صنع من الآيات أنه غالب على جميع أمره {الأرض المقدسة} أي المطهرة المباركة التي حكم الله أن يطهرها بأنبيائه ورسله من نجس الشرك وضر المعاصي والإفك، ويبارك فيها، ثم وصفها بما يوجب للمؤمن الإقدام لتحققه النصر فقال: {التي كتب الله} أي الذي له الأمر كله فلا مانع لما أعطى {لكم} أي بأن تجاهدوا أعداءه فترثوا أرضهم التي لا مثل لها، فتحوزوا سعادة الدارين، وهي بيت المقدس والتي وعد أباكم إبراهيم عليه السلام أن تكون ميراثًا لولده بعد أن جعلها مهاجرة.
ولما أمرهم بذلك نهاهم عن التقاعد عنه، فقال مشيرًا إلى أن مخالفة أمر الله لا تكون إلا بمعالجة للفطرة الأولى: {ولا ترتدوا} أي تكلفوا أنفسكم الرجوع عن أخذها، وصوَّر لهم الفتور عن أخذها بما يستحيي من له همة من ذكره فقال: {على أدباركم} ولما جمع بين الأمر والنهي، خوفهم عواقب العصيان معلمًا بأن ارتدادهم سبب لهلاكهم بغير شك، فقال معبرًا بصيغة الانفعال: {فتنقلبوا} أي من عند أنفسكم من غير قالب يسلط عليكم {خاسرين} أي بخزي المعصية عند الله وعار الجبن عن الناس وخيبة السعي من خيري الدارين. اهـ.

.قال الفخر:

روي أن إبراهيم عليه السلام لما صعد جبل لبنان قال له الله تعالى: انظر فما أدركه بصرك فهو مقدس، وهو ميراث لذريتك.
وقيل: لما خرج قوم موسى عليه السلام من مصر وعدهم الله تعالى إسكان أرض الشام، وكان بنو إسرائيل يسمون أرض الشام أرض المواعيد، ثم بعث موسى عليه السلام اثنى عشر نقيبًا من الأمناء ليتجسسوا لهم عن أحوال تلك الأراضي، فلما دخلوا تلك البلاد رأوا أجسامًا عظيمة هائلة.
قال المفسرون: لما بعث موسى عليه السلام النقباء لأجل التجسس رآهم واحد من أولئك الجبارين فأخذهم وجعلهم في كمه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وأتى بهم الملك، فنثرهم بين يديه وقال متعجبًا للملك: هؤلاء يريدون قتالنا، فقال الملك: ارجعوا إلى صاحبكم وأخبروه بما شاهدتم، ثم انصرف أولئك النقباء إلى موسى عليه السلام فأخبروه بالواقعة، فأمرهم أن يكتموا ما عاهدوه فلم يقبلوا قوله، إلا رجلان منهم، وهما يوشع بن نون وكالب بن يوفنا، فإنهما سهلا الأمر وقالا: هي بلاد طيبة كثيرة النعم، والأقوام وإن كانت أجسادهم عظيمة إلا أن قلوبهم ضعيفة، وأما العشرة الباقية فقد أوقعوا الجبن في قلوب الناس حتى أظهروا الامتناع من غزوهم، فقالوا لموسى عليه السلام {إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] فدعا موسى عليه السلام عليهم فعاقبهم الله تعالى بأن أبقاهم في التيه أربعين سنة.
قالوا: وكانت مدة غيبة النقباء للتجسس أربعين يومًا فعوقبوا بالتيه أربعين سنة، ومات أولئك العصاة في التيه، وأهلك النقباء العشرة في التيه بعقوبات غليظة.
ومن الناس من قال: إن موسى وهارون عليهما السلام ماتا أيضًا في التيه: ومنهم من قال: إن موسى عليه السلام بقي وخرج معه يوشع وكالب وقاتلوا الجبارين وغلبوهم ودخلوا تلك البلاد، فهذه هي القصة والله أعلم بكيفية الأمور. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة} هو الغرض من الخطاب، فهو كالمقصد بعد المقدّمة، ولذلك كرّر اللفظ الذي ابتدأ به مقالته وهو النداء بـ {يَا قَوم} لزيادة استحضار أذهانهم.
والأمر بالدخول أمر بالسعي في أسبابه، أي تهيَّأوا للدخول.
والأرض المقدّسة بمعنى المطهّرة المباركة، أي الّتي بارك الله فيها، أو لأنّها قُدّست بدفن إبراهيم عليه السلام في أوّل قرية من قراها وهي حَبْرون. اهـ.

.قال الفخر:

الأرض المقدسة هي الأرض المطهرة طهرت من الآفات.
قال المفسرون: طهرت من الشرك وجعلت مسكنًا وقرارًا للأنبياء، وهذا فيه نظر، لأن تلك الأرض لما قال موسى عليه الصلاة والسلام {ادْخُلُوا الاْرْضَ المُقَدَّسَةَ} ما كانت مقدسة عن الشرك، وما كانت مقرًا للأنبياء، ويمكن أن يجاب بأنها كانت كذلك فيما قبل. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وهي هنا أرض كنعان من برية «صِين» إلى مدخل «حَمَاة وإلى حبرون».
وهذه الأرض هي أرض فلسطين، وهي الواقعة بين البحر الأبيض المتوسّط وبين نهر الأردن والبحر الميت فتنتهي إلى «حماة» شمالًا وإلى «غَزّة وحبرون» جنوبًا. اهـ.

.قال الفخر:

في قوله: {كَتَبَ الله لَكُمْ} وجوه:
أحدها: كتب في اللوح المحفوظ أنها لكم وثانيها: وهبها الله لكم، وثالثها: أمركم بدخولها. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وفي وصفها بـ {التي كتب الله} تحريض على الإقدام لدخولهَا.
ومعنى {كتب الله} قَضَى وقدّر، وليس ثمّة كتابة ولكنّه تعبير مجازي شائع في اللّغة، لأنّ الشيء إذا أكده الملتزم به كتبه، كما قال الحارث بن حلّزة:
وهل ينقض ما في المهارق الأهواء

فأطلقت الكتابة على ما لا سبيل لإبطاله، وذلك أنّ الله وعد إبراهيم أن يورثها ذرّيته.
ووعدُ الله لا يُخلف. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا قوم ادخلوا الأَرْضَ المقدسة} كرر النداء مع الإضافة التشريفية اهتمامًا بشأن الأمر، ومبالغة في حثهم على الامتثال به، والأرض المقدسة هي ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما والسدي.
وابن زيد بيت المقدس، وقال الزجاج: دمشق وفلسطين والأردن، وقال مجاهد هي أرض الطور وما حوله، وعن معاذ بن جبل هي ما بين الفرات وعريش مصر، والتقديس: التطهير، ووصفت تلك الأرض بذلك إما لأنها مطهرة من الشرك حيث جعلت مسكن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، أو لأنها مطهرة من الآفات، وغلبة الجبارين عليها لا يخرجها عن أن تكون مقدسة، أو لأنها طهرت من القحط والجوع، وقيل: سميت مقدسة لأن فيها المكان الذي يتقدس فيه من الذنوب.
{التي كَتَبَ الله لَكُمْ} أي قدرها وقسمها لكم، أو كتب في اللوح المحفوظ أنها تكون مسكنًا لكم.
روي أن الله تعالى أمر الخليل عليه الصلاة والسلام أن يصعد جبل لبنان فما انتهى بصره إليه فهو له ولأولاده فكانت تلك الأرض مدى بصره، وعن قتادة والسدي أن المعنى التي أمركم الله تعالى بدخولها وفرضه عليكم، فالكتب هنا مثله في قوله تعالى: {كتب عليكم الصيام} [البقرة: 183] وذهب إلى الاحتمالين الأولين كثير من المفسرين، والكتب على أولهما مجاز، وعلى ثانيهما حقيقة، وقيدوه بإن آمنتم وأطعتم لقوله تعالى لهم بعدما عصوا: {فإنها محرمة عليهم} [المائدة: 26]. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم فَتَنقَلِبُواْ خاسرين} فيه وجهان:
الأول: لا ترجعوا عن الدين الصحيح إلى الشك في نبوّة موسى عليه السلام، وذلك لأنه عليه السلام لما أخبر أن الله تعالى جعل تلك الأرض لهم كان هذا وعدًا بأن الله تعالى ينصرهم عليهم، فلو لم يقطعوا بهذه النصرة صاروا شاكين في صدق موسى عليه السلام فيصيروا كافرين بالإلهية والنبوّة.
والوجه الثاني: المراد لا ترجعوا عن الأرض التي أمرتم بدخولها إلى الأرض التي خرجتم عنها.
يروى أن القوم كانوا قد عزموا على الرجوع إلى مصر.
وقوله: {فَتَنقَلِبُواْ خاسرين} فيه وجوه:
أحدها: خاسرين في الآخرة فإنه يفوتكم الثواب ويلحقكم العقاب، وثانيها: ترجعون إلى الذل، وثالثها: تموتون في التيه ولا تصلون إلى شيء من مطالب الدنيا ومنافع الآخرة. اهـ.

.قال الألوسي:

وقوله سبحانه: {وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَاركُمْ فَتَنْقَلبُواْ خاسرين} فإن ترتيب الخيبة والخسران على الارتداد يدل على اشتراط الكتب بالمجاهدة المترتبة على الإيمان قطعًا، والأدبار جمع دبر وهو ما خلفهم من الأماكن من مصر وغيرها، والجار والمجرور حال من فاعل {ترتدوا} أي لا ترجعوا عن مقصدكم منقلبين خوفًا من الجبابرة، وجوز أن يتعلق بنفس الفعل، ويحتمل أن يراد بالارتداد صرف قلوبهم عما كانوا عليه من الاعتقاد صرفًا غير محسوس أي لا ترجعوا عن دينكم بالعصيان وعدم الوثوق بالله تعالى وإليه ذهب أبو علي الجبائي، وقوله تعالى: {فتنقلبوا} إما مجزوم بالعطف وهو الأظهر، وإما منصوب في جواب النهي، قال الشهاب: على أنه من قبيل لا تكفر تدخل النار وهو ممتنع خلافًا للكسائي، وفيه نظر لا يخفى، والمراد بالخسران خسران الدارين. اهـ.