فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {قال رجلان من الذين يخافون} في الرجلين ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهما يوشع بن نون، وكالب بن يوقنة، قاله ابن عباس.
وقال مجاهد: ابن يوقنّا، وهما من النقباء.
والثاني: أنهما كانا من الجبارين فأسلما، روي عن ابن عباس.
والثالث: أنهما كانا في مدينة الجبارين، وهما على دين موسى، قاله الضحاك.
وقرأ ابن عباس، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وأبو رجاء، وأيوب: {يُخافون} بضم الياء، على معنى أنهما كانا من العدوّ، فخرجا مؤمنين.
وفي معنى «خوفهم» ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم خافوا الله وحده.
والثاني: خافوا الجبارين، ولم يمنعهم خوفهم قول الحق.
والثالث: يُخاف منهم، على قراءة ابن جبير.
وفيما أنعم به عليهما أربعة أقوال:
أحدها: الإِسلام، قاله ابن عباس.
والثاني: الصلاح والفضل واليقين، قاله عطاء.
والثالث: الهُدى، قاله الضحاك.
والرابع: الخوف، ذكره ابن جرير عن بعض السلف. اهـ.

.قال الفخر:

في قوله: {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا} وجهان:
الأول: أنه صفة لقوله: {رَجُلاَنِ}، والثاني: أنه اعتراض وقع في البين يؤكد ما هو المقصود من الكلام. اهـ.

.قال ابن عاشور:

ووُصف الرجلان بأنّهم {من الّذين يخافون} فيجوز أن يكون المراد بالخوف في قوله: {يخافون} الخوفُ من العدوّ؛ فيكون المراد باسم الموصول بني إسرائيل.
جعل تعريفهم بالموصولية للتعريض بهم بمذمّة الخوف وعدم الشجاعة، فيكون {مِن} في قوله: {من الذين يخافون} اتّصالية وهي الّتي في نحو قولهم: لستُ منك ولستَ منّي، أي ينتسبون إلى الذين يخافون.
وليس المعنى أنّهم متّصفون بالخوف بقرينة أنّهم حرّضوا قومهم على غزو العدوّ، وعليه يكون قوله: {أنعم الله عليهما} أنّ الله أنعم عليهما بالشجاعة، فحذف متعلّق فعل {أنعم} اكتفاء بدلالة السياق عليه.
ويجوز أن يكون المراد بالخوف الخوفَ من الله تعالى، أي كان قولهما لقومها {ادخلوا عليهم الباب} ناشئًا عن خوفهما الله تعالى، فيكون تعريضًا بأنّ الذين عصوهما لا يخافون الله تعالى، ويكون قوله: {أنعم الله عليهما} استئنافًا بيانيًا لبيان منشأ خوفهما الله تعالى، أي الخوف من الله نعمة منه عليهما.
وهذا يقتضي أنّ الشجاعة في نصر الدّين نعمة من الله على صاحبها.
ومعنى {أنعم الله عليهما} أنعم عليهما بسلب الخوف من نفوسهم وبمعرفة الحقيقة.
و{الباب} يجوز أن يراد به مدخل الأرض المقدّسة، أي المسالك الّتي يسلك منها إلى أرض كنعان، وهو الثغر والمضيق الذي يسلك منه إلى منزل القبيلة يكون بين جبلين وعْرَيْن، إذ ليس في الأرض المأمورين بدخولها مدينة بل أرض لقوله: {ادخلوا الأرض المقدّسة}، فأرادَا: فإذا اجتزتم الثغر ووطئتم أرض الأعداء غلبتموهم في قتالهم في ديارهم.
وقد يسمّى الثغر البحري بابًا أيضًا، مثل باب المندب، وسمّوا موضعًا بجهة بخاري الباب.
وحمل المفسّرون الباب على المشهور المتعارف، وهو باب البلد الذي في سوره، فقالوا: أرادا باب قريتهم، أي لأنّ فتح مدينة الأرض يعدّ ملكًا لجميع تلك الأرض.
والظاهر أن هذه القرية هي «أريحا» أو «قادش» حاضرة العمالقة يومئذٍ، وهي المذكورة في سورة البقرة.
والباب بهذا المعنى هو دفّة عظيمة متّخذة من ألواح تُوصل بجزأيّ جدار أو سور بكيفية تسمح لأن يكون ذلك اللوح سادًّا لتلك الفرجة متى أريد سدّها وبأن تفتح عند إرادة فتحها؛ فيسمّى السَّد به غلقًا وإزالة السدّ فتحًا. اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب} مبالغة في الوعد بالنصر والظفر، كأنه قال: متى دخلتم باب بلدهم انهزموا ولا يبقى منهم نافخ نار ولا ساكن دار، فلا تخافوهم. والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
إنما جزم هذان الرجلان في قولهما {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالبون} لأنهما كانا جازمين بنبوّة موسى عليه السلام، فلما أخبرهم موسى عليه السلام بأن الله قال: {ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ التي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} [المائدة: 21] لا جرم قطعًا بأن النصرة لهم والغلبة حاصلة في جانبهم، ولذلك ختموا كلامهم بقولهم {وَعَلَى الله فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} يعني لما وعدكم الله تعالى النصر فلا ينبغي أن تصيروا خائفين من شدة قوتهم وعظم أجسامهم، بل توكلوا على الله في حصول هذا النصر لكم إن كنتم مؤمنين مقرين بوجود الإله القادر ومؤمنين بصحة نبوّة موسى عليه السلام. اهـ.

.قال الألوسي:

{قَالَ رَجُلاَن منَ الذين يَخَافُونَ} أي يخافون الله تعالى وبه قرئ، والمراد رجلان من المتقين وهما كما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد والسدي والربيع يوشع بن نون وكالب بن يوقنا، وفي وصفهم بذلك تعريض بأن من عداهما من القوم لا يخافونه تعالى بل يخافون العدو، وقيل: المراد بالرجلين ما ذكر، و{من الذين يخافون} بنو إسرائيل؛ والمراد يخافون العدو، ومعنى كون الرجلين منهم أنهما منهم في النسب لا في الخوف، وقيل: في الخوف أيضًا، والمراد: أنهما لم يمنعهما الخوف عن قول الحق، وأخرج ابن المنذر عن ابن جبير أن الرجلين كانا من الجبابرة أسلما وصارا إلى موسى عليه السلام، فعلى هذا يكون {الذين} عبارة عن الجبابرة، والواو ضمير بني إسرائيل، وعائد الموصول محذوف أي يخافونهم، وقرأ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ومجاهد وسعيد بن جبير {يخافون} بضم الياء، وجعلها الزمخشري شاهدة على أن الرجلين من الجبارين كأنه قيل: من المخوّفين أي يخافهم بنو إسرائيل، وفيها احتمالان آخران: الأول: أن يكون من الإخافة، ومعناه من الذين يخوّفون من الله تعالى بالتذكير والموعظة؛ أو يخوّفهم وعيد الله تعالى بالعقاب، والثاني: أن معنى {يخافون} يهابون ويوقرون، ويرجع إليهم لفضلهم وخيرهم؛ ومع هذين الاحتمالين لا ترجيح في هذه القراءة لكونهما من الجبارين، وترجيح ذلك بقوله تعالى: {أنْعَمَ الله عَلَيْهمَا} أي بالإيمان والتثبيت غير ظاهر أيضًا لأنه صفة مشتركة بين يوشع وكالب وغيرهما، وكونه إنما يليق أن يقال لمن أسلم من الكفار لا لمن هو مؤمن في حيز المنع، والجملة صفة ثانية لرجلين أو اعتراض، وقيل: حال بتقدير قد من ضمير {يخافون} أو من {رجلان} لتخصيصه بالصفة، أو من الضمير المستتر في الجار والمجرور أي قالا مخاطبين لهم ومشجعين.
{ادخلوا عَلَيْهمُ الباب} أي باب مدينتهم وتقديم {عليها} عليه للاهتمام به لأن المقصود إنما هو دخول الباب وهم في بلدهم أي فاجئوهم وضاغطوهم في المضيق ولا تمهلوهم ليصحروا ويجدوا للحرب مجالًا {فَإذَا دَخَلْتُمُوهُ} عليهم الباب {فَإنَّكُمْ غالبون} من غير حاجة «إلى» القتال فإنا قد رأيناهم وشاهدناهم أن قلوبهم ضعيفة وإن كانت أجسامهم عظيمة فلا تخشوهم واهجموا عليهم في المضايق فإنهم لا يقدرون على الكر والفر، وقيل: إنما حكما بالغلبة لما علماها من جهة موسى عليه السلام، و«من» قوله: {التي كتب الله لكم} [المائدة: 21]، وقيل: من جهة غلبة الظن، وما تبينا من عادة الله تعالى في نصرة رسله، وما عهدا من صنع الله تعالى لموسى عليه السلام في قهر أعدائه، قيل: والأول: أنسب بتعليق الغلبة بالدخول.
{وَعَلَى الله} تعالى خاصة {فَتَوَكَّلُواْ} بعد ترتيب الأسباب ولا تعتمدوا عليها فإنها لا تؤثر من دون إذنه إن {كُنْتُمْ مُّؤْمنينَ} بالله تعالى، والمراد بهذا الإلهاب والتهييج وإلا فإيمانهم محقق، وقد يراد بالإيمان التصديق بالله تعالى وما يتبعه من التصديق بما وعده أي: إن كنتم مؤمنين به تعالى مصدقين لوعده فإن ذلك مما يوجب التوكل عليه حتمًا. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ البابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}.
أنعم الله عليهما بأنوار العرفان فلم يحتشما من المخلوقين، وعلما أن من رجع إليه بنعت الاستكفاء تداركتْه عواجلُ الكفاية ثم قال: {وَعَلَى اللهِ فَتَوَكَّلُوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ}.
أي من شأن المؤمنين أن يتوكلوا، وينبغي للمؤمن أن يتوكل.
ويحتمل أن يقال التوكل من شرط الإيمان. وظاهر التوكل الذي لعوام المؤمنين العلم بأن قضاءه لا رادَّ له، وحقائق التوكل ولطائفه التي لخواص المؤمنين شهود الحادثات بالله ومِنْ الله ولله، فإنَّ مَنْ فَقَدَ ذلك انتفى عنه اسم الإيمان. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما ادخلوا عليهم الباب} الأشهر عند المفسرين أنّ الرجلين هما يوشع بن نون بن افراثيم بن يوسف وهو ابن أخت موسى، وكالب بن يوقنا ختن موسى على أخته مريم بنت عمران ويقال فيه: كلاب، ويقال: كالوب، وهما اللذان وفيا من النقباء الذين بعثهم موسى في كشف أحوال الجبابرة فكتما ما اطلعا عليه من حال الجبابرة إلا عن موسى، وأفشى ذلك بقية النقباء في أسباطهم فآل بهم ذلك إلى الخور والجبن بحيث امتنعوا عن القتال.
وقيل: الرجلان كانا من الجبارين آمنا بموسى واتبعاه، وأنعم الله عليهما بالإيمان.
فإن كان الرجلان هما يوشع وكالب فمعنى قوله: يخافون، أي: يخافون الله، ويكون إذ ذاك مع موسى أقوام يخافون الله فلا يبالون بالعدو لصحة إيمانهم وربط جأشهم، وهذان منهم.
أو يخافون العدو، ولكن أنعم الله عليهما بالإيمان والثبات، أو يخافهم بنو إسرائيل فيكون الضمير في يخافون عائدًا على بني إسرائيل، والضمير الرابط للصلة بالموصول محذوفًا تقديره: من الذين يخافونهم أي: يخافهم بنو إسرائيل.
ويدل على هذا التأويل قراءة ابن عباس، وابن جبير، ومجاهد، يخافون بضم الياء.
وتحتمل هذه القراءة أن يكون الرجلان يوشع وكالب.
ومعنى يخافون أي: يهابون ويوقرون ويسمع كلامهم لتقواهم وفضلهم، ويحتمل أن يكون من أخاف أي يخيفون: بأوامر الله ونواهيه وزجره ووعيده، فيكون ذلك مدحًا لهم كقوله: {أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى} والجملة من أنعم الله عليهما صفة لقوله: رجلان، وصفا أولًا بالجار والمجرور، ثم ثانيًا بالجملة.
وهذا على الترتيب الأكثر في تقديم المجرور أو الظرف على الجملة إذا وصفت بهما، وجوز أن تكون الجملة حالًا على إضمار قد، وأن تكون اعتراضًا، فلا يكون لها موضع من الإعراب.
وفي قراءة عبد الله.
أنعم الله عليهما ويلكم ادخلوا عليهم الباب.
والباب: باب مدينة الجبارين، والمعنى: اقدموا على الجهاد وكافحوا حتى تدخلوا عليهم الباب، وهذا يدل على أنّ موسى كان قد أنزل محلته قريبًا من المدينة.
{فإذا دخلتموه فإنكم غالبون} قالا ذلك ثقة بوعد الله في قوله: {التي كتب الله لكم} وقيل: رجاء لنصر الله رسله، وغلب ذلك على ظنهم.
وما غزى قوم في عقر ديارهم إلا ذلوا، وإذا لم يكونوا حافظي باب مدينتهم حتى دخل وهو المهم، فلأن لا يحفظوا ما وراء الباب أولى.
وعلى قول أنّ الرجلين كانا من الجبارين فقيل: إنهما قالا لهم: إنّ العمالقة أجسام لا قلوب فيها فلا تخافوهم، وارجعوا إليهم فإنكم غالبوهم تشجيعًا لهم على قتالهم.
{وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين} لما رأيا بني إسرائيل قد عصوا الرسول في الإقدام على الجهاد مع وعد الله لهم السابق، استرابا في إيمانهم، فأمراهم بالتوكل على الله إذ هو الملجأ والمفزع عند الشدائد، وعلق ذلك بشرط الإيمان الذي استرابا في حصوله لبني إسرائيل. اهـ.