فصل: من فوائد الجصاص في الآيتين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد الجصاص في الآيتين:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {إنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} فَإِنَّهُ قَدْ قِيلَ إنَّ الْجَبَّارَ هُوَ مَنْ الْإِجْبَارِ عَلَى الْأَمْرِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ عَلَيْهِ، وَجَبَرَ الْعَظْمَ لِأَنَّهُ كَالْإِكْرَاهِ عَلَى الصَّلَاحِ، وَالْجُبَارُ هَدْرُ الْأَرْشِ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنَى الْكُرْهِ، وَالْجُبَارُ مِنْ النَّخْلِ مَا فَاتَ الْيَدَ طُولًا لِأَنَّهُ كَالْجَبَّارِ مِنْ النَّاسِ، وَالْجَبَّارُ مِنْ النَّاسِ الَّذِي يُجْبِرُهُمْ عَلَى مَا يُرِيدُ.
وَالْجَبَّارُ صِفَةُ مَدْحٍ لَهُ تَعَالَى وَهُوَ ذَمٌّ فِي صِفَةِ غَيْرِهِ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ يَتَعَظَّمُ بِمَا لَيْسَ لَهُ وَالْعَظَمَةُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَحْدَهُ الْجَبَّارُ الْمُتَعَظِّمُ بِالِاقْتِدَارِ؛ وَلَمْ يَزَلْ اللَّهُ جَبَّارًا، وَالْمَعْنَى أَنَّ ذَاتَه يَدْعُو الْعَارِفَ بِهِ إلَى تَعْظِيمِهِ.
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْجَبَّارِ وَالْقَهَّارِ أَنَّ فِي الْقَهَّارِ مَعْنَى الْغَالِبِ لِمَنْ نَاوَأَهُ أَوْ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُنَاوِئِ بِعِصْيَانِهِ إيَّاه.
قَوْله تَعَالَى: {قَالَ رَجُلَانِ مِنْ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا اُدْخُلُوا عَلَيْهِمْ الْبَابَ} رُوِيَ عَنْ قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ: {يَخَافُونَ} أَنَّهُمْ يَخَافُونَ اللَّهَ تَعَالَى.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَهْلِ الْعَلْمِ: «يَخَافُونَ الْجَبَّارِينَ» وَلَمْ يَمْنَعْهُمْ الْخَوْفُ مِنْ أَنْ يَقُولُوا الْحَقَّ فَأَثْنَى اللَّهُ عَلَيْهِمَا بِذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى فَضِيلَةِ قَوْلِ الْحَقِّ عِنْدَ الْخَوْفِ وَشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ؛ وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يَمْنَعَنَّ أَحَدَكُمْ مَخَافَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ الْحَقَّ إذَا رَآهُ وَعَلِمَهُ فَإِنَّهُ لَا يُبْعِدُ مِنْ رِزْقٍ وَلَا يُدْنِي مِنْ أَجَلٍ» وَقَالَ لِأَبِي ذَرٍّ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِ: «وَأَنْ لَا يَأْخُذَك فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ» وَقَالَ حِينَ سُئِلَ عَنْ أَفْضَلِ الْجِهَادِ، فَقَالَ: «كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ». اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ}.
وهما رجلان يخالفان النكوص عن أمر الله، بينما بنو إسرائيل- كمجموع- لم يفهموا عن الله حق الفهم؛ لأنهم لو نفذوا أمر الله لهم بالدخول إلى الأرض المقدسة ولم ينكصوا لمكنهم الله من ذلك. لكن لم يفهم عن الله فيها إلا رجلان. وهما كالب، ويوشع بن نون، أحدهما من سبط يهوذا والآخر من سبط افرايم، وهما ابنا يوسف عليه السلام، فقد قالا: مادام الله قد كتب لكم الدخول، فهو لا يطلب منا إلا قليلًا من الجهاد.
فحين يأمر الله الإنسان بعمل من الأعمال، فيكفيه أن يتوجه إلى العمل اتجاهًا والمعونة من الله. وسبحانه يقول للعبد: «أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني. فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأٍ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرّب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة».
فإذا كان الشأن في المشي أن يتعب الذاهب والسائر، فالله لا يرد أن يرهق بالمشي من يقصده ويطلبه؛ لذلك يُهرول فضله ورحمته سبحانه إلى العبد. فالرغبة الأولى أن يكون العمل لك أنت أيها العبد. ومن عظائم فضل الله أنه فعل ونسب إليك. وسبحانه يسعد بالعبد الساعي إليه. وأضرب هذا المثل- ولله المثل الأعلى- لنفترض أنك أردت أن تمسك سيفًا، لماذا لا تحلل المسألة؟. السيف الذي تمسكه، صنعته من الحديد، والحديد استخرجته من الأرض.
والحق قال: {وَأَنزَلْنَا الحديد فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [الحديد: 25].
إن الحق هو الذي أنزل الحديد، وهو الذي علمنا كيف نصقل الحديد ونشكله بالنار: {وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِّن بَأْسِكُمْ} [الأنبياء: 80].
وأنا أريد من علماء وظائف الأعضاء أن يحددوا لنا ساعة أن يمسك الإنسان بشيء وليكن السيف. فبأي عضلة يمسك الإنسان السيف؟. وكيف يأمرها الإنسان بذلك؟. وكم عضلة وكم خلية عصبية تحركت من أجل أداء هذا الفعل؟. على الرغم من أن الإنسان بمجرد إرادته أن يمسك شيئًا. فهو يمسك به. والإنسان إذا ما مشى خطوة واحدة، فبأي العضلات بدأ المشي.
إن الإنسان عندما يحرك ذراعًا آليًا في جهاز آلي؛ يصمم عشرات الوصلات والأدوات والدورات الكهربية من أجل تحريك ذراع آلي، فكم إذن من عضلات في الإنسان تتحرك بالسير لخطوة واحدة؟ إن الكثير جدًا من أجهزة الإنسان تتحرك بالسير لخطوة واحدة. إن الكثير جدًا من أجهزة الإنسان تتحرك لمجرد الإرادة منه!!. فإذا كانت إرادة الإنسان تفعل لمجرد أن يريد سواء أكانت هذه الإرادة هي الإمساك بالسيف أم حتى المشي لخطوة واحدة، أم حتى الإمساك بالقلم بين الأصابع للكتابة.
فليعلم الإنسان أن الإرادة عطاء من الله والإنسان لا يستطيع تحديد مواقع إرادته من جسده فما بالنا بالحق حين يريد أمرًا؟
ولنعد إلى الآية التي نحن بصدد خواطرنا عنها الآن: {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى الله فتوكلوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23].
لقد أنعم الله على هذين الرجلين بحسن الفهم عن الله، فقالا لبني إسرائيل: ساعدوا أنفسكم بدخول هذه الأرض وسينصركم الله. ومثل الرجلين كمثل الأم التي طلب منها ابنها أن تدعو له بالنجاح، فقالت الأم لابنها: سأدعو لك ولكن عليك فقط أن تساعد الدعاء بالإقبال على الاستذكار. وكأن الخوف من مخالفة أمر الله نعمة على هذين الرجلين، وكأن الفهم عن الله لعباراته نعمة.
{ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ} كأنهم بمجرد الدخول سيغلبون هؤلاء العمالقة. فلم يطلب منهم قتال هؤلاء العمالقة. بل ساعة يراهم القوم الجبارون يدخلون عليهم فجأة فسوف يذهلهم الرعب.
وهم عندما نسجوا الأساطير حول هذه القصة قالوا: إن أحد هؤلاء العمالقة واسمه عوج بن عناق خرج إلى بستان خارج المدينة ليقطف بعض الثمار لرئيسه؛ فخطف اثنين من هؤلاء الناس وخبأهما في كمّه، وألقاهما أمام رئيسه وهو يقدم الفاكهة إليه وقال الرجل العملاق لرئيسه: هذان من الجماعة التي تريد أن تدخل مدينتنا. هذه هي المبالغة التي صنعها خوفهم من هؤلاء العمالقة، برغم أن رجلين منهما أحسنا الفهم عن اللَّه بقولهما: {ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب}؛ لأن هذا هو مراد الله، وهو الذي يحقق لهم النصر.
وبعض المفسرين قالوا في شرح هذه الآية: إن الرجلين اللذين قالا ذلك ليسا من بني إسرائيل؛ لأن هؤلاء المفسرين فهموا القول الحكيم: {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ} قالوا هما رجلان من الذين يخاف منهم بنو إسرائيل، وقالا لبني إسرائيل: لا يُخيفكم ولا يُرهبكم عظم أجسام هؤلاء فإن جنود الله ستنصركم: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاَّ هُوَ} [المدثر: 31].
ويختتم الحق الآية بهذا التذييل: {وَعَلَى الله فتوكلوا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} أي لا تتوقفوا عند حساب العدد في مواجهة العدد، والعُدة في مواجهة العُدة، ولكن احسبوا الأمر إيمانيًا لأن اللَّه معكم {إِن تَنصُرُواْ الله يَنصُرْكُمْ}.
وهو سبحانه القائل: {وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الغالبون} [الصافات: 173].
وعلى المؤمن باللَّه أن يضع هذا الإيمان في كف قوته. فإن كان هؤلاء الناس من بني إسرائيل المأمورين بدخول تلك الأرض مؤمنين بحق فليتوكلوا على اللَّه.
فماذا قال هؤلاء القوم: {قَالُواْ يا موسى...}. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23)}.
أخرج ابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {إن فيها قومًا جبارين} قال: ذكر لنا أنهم كانت لهم أجسام وخلق ليست لغيرهم.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد عن قتادة في قوله: {قالوا يا موسى إن فيها قومًا جبارين} قال: هم أطول منا أجسامًا وأشد قوّة.
وأخرج ابن عبد الحكم في فتوح مصر عن أبي ضمرة قال: استظل سبعون رجلًا من قوم موسى خلف رجل من العماليق.
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان عن زيد بن أسلم قال: بلغني أنه رُئِيَتْ ضبع وأولادها رابضة في فجاج عين رجل من العمالقة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس بن مالك. أنه أخذ عصا فذرع فيها شيئًا، ثم قاس في الأرض خمسين أو خمسًا وخمسين، ثم قال: هكذا أطول العماليق.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أمر موسى أن يدخل مدينة الجبارين، فسار بمن معه حتى نزل قريبًا من المدينة وهي أريحاء، فبعث إليهم اثني عشر نقيبًا من كل سبط منهم عين فيأتوه بخبر القوم فدخلوا المدينة فرأوا أمرًا عظيمًا من هيبتهم وجسمهم وعظمهم، فدخلوا حائطًا لبعضهم، فجاء صاحب الحائط ليجني من حائطه، فجعل يحش الثمار، فنظر إلى آثارهم فتبعهم، فكلما أصاب واحدًا منهم أخذه فجعله في كمه مع الفاكهة وذهب إلى ملكهم فنثرهم بين يديه، فقال الملك: قد رأيتم شأننا وأمرنا اذهبوا فأخبروا صاحبكم. قال: فرجعوا إلى موسى فأخبروه بما عاينوا من أمرهم. فقال: اكتموا عنا، فجعل الرجل يخبر أباه وصديقه ويقول: اكتم عني فأشيع ذلك في عسكرهم، ولم يكتم منهم إلا رجلان يوشع بن نون، وكالب بن يوحنا، وهم اللذان أنزل الله فيهما {قال رجلان من الذين يخافون}.
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {ادخلوا الأرض المقدسة} قال: هي مدينة الجبارين، لما نزل بها موسى وقومه بعث منهم اثني عشر رجلًا، وهم النقباء الذين ذكرهم الله تعالى ليأتوهم بخبرهم، فساروا فلقيهم رجل من الجبارين فجعلهم في كساءته، فحملهم حتى أتى بهم المدينة ونادى في قومه: فاجتمعوا إليه فقالوا: من أنتم؟ قالوا: نحن قوم موسى بعثنا لنأتيه بخبركم، فأعطوهم حبة من عنب تكفي الرجل، وقالوا لهم: اذهبوا إلى موسى وقومه فقولوا لهم: أقدروا قدر فاكهتهم، فلما أتوهم قالوا: يا موسى {اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] {فقال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما} وكانا من أهل المدينة أسلما واتبعا موسى، فقالا لموسى {ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {قال رجلان} قال: يوشع بن نون وكالب.
وأخرج عبد بن حميد عن عطية العوفي في قوله: {قال رجلان} قال: كالب ويوشع بن النون فتى موسى.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن قتادة في قوله: {من الذين يخافون أنعم الله عليهما} قال: في بعض القراءة {يخافون أنعم الله عليهما}.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير. أنه كان يقرأها بضم الياء {يخافون}.
وأخرج ابن منذر عن سعيد بن جبير قال: كانا من العدو، فصارا مع موسى.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عباس {قال رجلان من الذين يخافون} برفع الياء.
وأخرج عبد بن حميد عن عاصم أنه قرأ {من الذين يخافون} بنصب الياء في يخافون.
وأخرج ابن جرير عن الضحاك {قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما} بالهدى فهداهما فكانا على دين موسى، وكانا في مدينة الجبارين.
وأخرج ابن جرير عن سهل بن علي {قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما} بالخوف.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {قال رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما} قال: هم النقباء. وفي قوله: {ادخلوا عليهم الباب} قال: هي قرية الجبارين. اهـ.