فصل: من فوائد الزمخشري في الآيات:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فلما رأى موسى عليه السلام عتوهم عليه {قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلا نَفْسِي وَأَخِي} أي: فلا يدان لنا بقتالهم، ولست بجبار على هؤلاء. {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} أي: احكم بيننا وبينهم، بأن تنزل فيهم من العقوبة ما اقتضته حكمتك، ودل ذلك على أن قولهم وفعلهم من الكبائر العظيمة الموجبة للفسق.
{قَالَ} الله مجيبا لدعوة موسى: {فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأرْضِ} أي: إن من عقوبتهم أن نحرم عليهم دخول هذه القرية التي كتبها الله لهم، مدة أربعين سنة، وتلك المدة أيضا يتيهون في الأرض، لا يهتدون إلى طريق ولا يبقون مطمئنين، وهذه عقوبة دنيوية، لعل الله تعالى كفر بها عنهم، ودفع عنهم عقوبة أعظم منها، وفي هذا دليل على أن العقوبة على الذنب قد تكون بزوال نعمة موجودة، أو دفع نقمة قد انعقد سبب وجودها أو تأخرها إلى وقت آخر.
ولعل الحكمة في هذه المدة أن يموت أكثر هؤلاء الذين قالوا هذه المقالة، الصادرة عن قلوب لا صبر فيها ولا ثبات، بل قد ألفت الاستعباد لعدوها، ولم تكن لها همم ترقيها إلى ما فيه ارتقاؤها وعلوها، ولتظهر ناشئة جديدة تتربى عقولهم على طلب قهر الأعداء، وعدم الاستعباد، والذل المانع من السعادة.
ولما علم الله تعالى أن عبده موسى في غاية الرحمة على الخلق، خصوصا قومه، وأنه ربما رق لهم، واحتملته الشفقة على الحزن عليهم في هذه العقوبة، أو الدعاء لهم بزوالها، مع أن الله قد حتمها، قال: {فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} أي: لا تأسف عليهم ولا تحزن، فإنهم قد فسقوا، وفسقهم اقتضى وقوع ما نزل بهم لا ظلما منا. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة المائدة: الآيات 20- 24]

{وَإِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا}.
{جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ} لأنه لم يبعث في أمّة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء.
{وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا} لأنه ملكهم بعد فرعون ملكه، وبعد الجبابرة ملكهم ولأنّ الملوك تكاثروا فيهم تكاثر الأنبياء. وقيل: كانوا مملوكين في أيدي القبط فأنقذهم اللَّه، فسمى إنقاذهم ملكا. وقيل:
الملك من له مسكن واسع فيه ماء جار. وقيل: من له بيت وخدم. وقيل: من له مال لا يحتاج معه إلى تكلف الأعمال وتحمل المشاق {ما لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعالَمِينَ} من فلق البحر، وإغراق العدوّ، وتظليل الغمام، وإنزال المنّ والسلوى، وغير ذلك من الأمور العظام، وقيل: أراد عالمي زمانهم {الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ} يعنى أرض بيت المقدس. وقيل: الطور وما حوله. وقيل:
الشام. وقيل: فلسطين ودمشق وبعض الأردن. وقيل: سماها اللَّه لإبراهيم ميراثا لولده حين رفع على الجبل، فقيل له. انظر، فلك ما أدرك بصرك، وكان بيت المقدس قرار الأنبياء ومسكن المؤمنين كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ قسمها لكم وسماها، أو خط في اللوح المحفوظ أنها لكم {وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ} ولا تنكصوا على أعقابكم مدبرين من خوف الجبابرة جبنًا وهلعًا، وقيل: لما حدثهم النقباء بحال الجبابرة رفعوا أصواتهم بالبكاء وقالوا: ليتنا متنا بمصر. وقالوا: تعالوا نجعل علينا رأسًا ينصرف بنا إلى مصر. ويجوز أن يراد:
لا ترتدوا على أدباركم في دينكم بمخالفتكم أمر ربكم وعصيانكم نبيكم: فترجعوا خاسرين ثواب الدنيا والآخرة. الجبار «فعال» من جبره على الأمر بمعنى أجبره عليه وهو العاتي الذي يجبر الناس على ما يريد {قالَ رَجُلانِ} هما كالب ويوشع {مِنَ الَّذِينَ يَخافُونَ} من الذين يخافون اللَّه ويخشونه، كأنه قيل: رجلان من المتقين. ويجوز أن تكون الواو لبنى إسرائيل والراجع إلى الموصول محذوف تقديره: من الذين يخافهم بنو إسرائيل وهم الجبارون، وهما رجلان منهم {أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا} بالإيمان فآمنا، قالا لهم: إن العمالقة أجسام لا قلوب فيها، فلا تخافوهم وازحفوا إليهم فإنكم غالبوهم، يشجعانهم على قتالهم. وقراءة من قرأ: {يخافون}، بالضم شاهدة له: وكذلك أنعم اللَّه عليهما، كأنه قيل: من الخوفين. وقيل: هو من الإخافة، ومعناه من الذين يخوفون من اللَّه بالتذكرة والموعظة. أو يخوّفهم وعيد اللَّه بالعقاب. فإن قلت: ما محل أنعم اللَّه عليهما؟ قلت: إن انتظم مع قوله: {من الذين يخافون} في حكم الوصف لرجلان فمرفوع.
وإن جعل كلاما معترضًا فلا محلّ له. فإن قلت: من أين علما أنهم غالبون؟ قلت: من جهة إخبار موسى بذلك. وقوله تعالى: {كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} وقيل، من جهة غلبة الظن وما تبينا من عادة اللَّه في نصرة رسله، وما عهدا من صنع اللَّه لموسى في قهر أعدائه، وما عرفا من حال الجبابرة.
والباب: باب قريتهم {لَنْ نَدْخُلَها} نفى لدخولهم في المستقبل على وجه التأكيد المؤيس.
وأَبَدًا تعليق للنفي المؤكد بالدهر المتطاول. وما دامُوا فِيها بيان للأبد {فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ} يحتمل أن لا يقصدوا حقيقة الذهاب ولكن كما تقول: كلمته فذهب يجيبنى، تريد معنى الإرادة والقصد للجواب، كأنهم قالوا: أريدا قتالهم. والظاهر أنهم قالوا ذلك استهانة باللَّه ورسوله وقلة مبالاة بهما واستهزاء، وقصدوا ذهابهما حقيقة بجهلهم وجفاهم وقسوة قلوبهم التي عبدوا بها العجل وسألوا بها رؤية اللَّه عز وجل جهرة. والدليل عليه مقابلة ذهابهما بقعودهم ويحكى أنّ موسى وهرون عليهما السلام خرّا لوجوههما قدّامهم لشدّة ما ورد عليهما، فهموا برجمهما. ولأمر مّا قرن اللَّه اليهود بالمشركين وقدمهم عليهم في قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}.

.[سورة المائدة: الآيات 25- 26]

{قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (25) قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ (26)}.
لما عصوه وتمرّدوا عليه وخالفوه وقالوا ما قالوا من كلمة الكفر ولم يبق معه مطيع موافق يثق به إلا هرون قالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ لنصرة دينك إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي وهذا من البث والحزن والشكوى إلى اللَّه والحسرة ورقة القلب التي بمثلها تستجلب الرحمة وتستنزل النصرة ونحوه قول يعقوب عليه السلام: {إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}.
وعن على رضى اللَّه عنه أنه كان يدعو الناس على منبر الكوفة إلى قتال البغاة، فما أجابه إلا رجلان فتنفس الصعداء. ودعا لهما وقال: أين تقعان مما أريد؟ وذكر في إعراب «أخى» وجوه: أن يكون منصوبا عطفا على نفسي أو على الضمير في «إنى»، بمعنى: ولا أملك إلا نفسي وإن أخى لا يملك إلا نفسه. ومرفوعا عطفًا على محل إن واسمها، كأنه قيل: أنا لا أملك إلا نفسي، وهرون كذلك لا يملك إلا نفسه أو على الضمير في لا أملك. وجاز للفصل. ومجرورًا عطفا على الضمير في نفسي، وهو ضعيف لقبح العطف على ضمير المجرور إلا بتكرير الجار. فإن قلت: أما كان معه الرجلان المذكوران؟
قلت: كأنه لم يثق بهما كل الوثوق ولم يطمئن إلى ثباتهما، لما ذاق على طول الزمان واتصال الصحبة من أحوال قومه وتلونهم وقسوة قلوبهم، فلم يذكر إلا النبي المعصوم الذي لا شبهة في أمره.
ويجوز أن يقول ذلك لفرط ضجره عند ما سمع منهم تقليلا لمن يوافقه. ويجوز أن يريد: ومن يؤاخينى على دينى فَافْرُقْ فافصل بَيْنَنا وبينهم بأن تحكم لنا بما نستحق، وتحكم عليهم بما يستحقون، وهو في معنى الدعاء عليهم. ولذلك وصل به قوله: {فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ} على وجه التسبيب، أو فباعد بيننا وبينهم وخلصنا من صحبتهم «كقوله: {وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} فَإِنَّها فإن الأرض المقدسة مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ لا يدخلونها ولا يملكونها، فان قلت: كيف يوفق بين هذا وبين قوله: {الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ}؟ قلت: فيه وجهان، أحدهما: أن يراد كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا أهلها فلما أبوا الجهاد قيل: فإنها محرمة عليهم. والثاني: أن يراد فإنها محرمة عليهم أربعين سنة، فإذا مضت الأربعون كان ما كتب، فقد روى أن موسى سار بمن بقي من بنى إسرائيل وكان يوشع على مقدمته ففتح أريحاء وأقام فيها ما شاء اللَّه ثم قبض صلوات اللَّه عليه. وقيل: لما مات موسى بعث يوشع نبيًا، فأخبرهم بأنه نبىّ اللَّه، وأن اللَّه أمره بقتال الجبابرة، فصدقوه وبايعوه وسار بهم إلى أريحاء وقتل الجبارين وأخرجهم، وصار الشام كله لبنى إسرائيل. وقيل: لم يدخل الأرض المقدسة أحد ممن قال: {إِنَّا لَنْ نَدْخُلَها} وهلكوا في التيه ونشأت نواشئ من ذرّياتهم فقاتلوا الجبارين ودخلوها والعامل في الظرف إما {مُحَرَّمَةٌ} وإما {يَتِيهُونَ} ومعنى يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ يسيرون فيها متحيرين لا يهتدون طريقًا. والتيه: المفازة التي يتاه فيها. روى أنهم لبثوا أربعين سنة في ستة فراسخ يسيرون كل يوم جادين، حتى إذا سئموا وأمسوا إذا هم بحيث ارتحلوا عنه، وكان الغمام يظللهم من حرّ الشمس، ويطلع لهم عمود من نور بالليل يضيء لهم، وينزل عليهم المنّ والسلوى، ولا تطول شعورهم، وإذا ولد لهم مولود كان عليه ثوب كالظفر يطول بطوله. فإن قلت: فلم كان ينعم عليهم بتظليل الغمام وغيره وهم معاقبون؟ قلت: كما ينزل بعض النوازل على العصاة عركا لهم، وعليهم مع ذلك النعمة متظاهرة. ومثل ذلك مثل الوالد المشفق يضرب ولده ويؤذيه ليتأدب ويتثقف ولا يقطع عنه معروفه وإحسانه. فإن قلت: هل كان معهم في التيه موسى وهرون عليهما السلام؟
قلت: اختلف في ذلك، فقيل لم يكونا معهم لأنه كان عقابا، وقد طلب موسى إلى ربه أن يفرق بينهما وبينهم. وقيل: كانا معهم إلا أنه كان ذلك روحا لهما وسلامة، لا عقوبة، كالنار لإبراهيم، وملائكة العذاب. وروى أن هرون مات في التيه، ومات موسى بعده فيه بسنة.
ودخل يوشع أريحاء بعد موته بثلاثة أشهر. ومات النقباء في التيه بغتة، إلا كالب ويوشع فَلا تَأْسَ فلا تحزن عليهم لأنه ندم على الدعاء عليهم، فقيل: إنهم أحقاء لفسقهم بالعذاب، فلا تحزن ولا تندم. اهـ.

.قال نظام الدين النيسابوري في الآيات السابقة:

{وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآَتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ (20) يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ (21) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ (22) قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (23) قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ (24) قَالَ رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إِلَّا نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (25) قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ (26)}.
التفسير: وجه النظم أنه سبحانه كأنه قال: أخذ الله ميثاق بني إسرائيل وذكرهم موسى نعم الله وأمرهم بمحاربة الجبارين فخالفوا في الكل. منّ الله عليهم بأمور ثلاثة: أوّلها قوله: {إذ جعل فيكم أنبياء} وذلك أنه لم يبعث في أمة ما بعث في بني إسرائيل من الأنبياء. وثانيها قوله: {وجعلكم ملوكًا} قال السدي: أي جعلكم أحرارًا تملكون أنفسكم بعد ما استعبدكم القبط. وقال الضحاك: كانت منازلهم واسعة وفيها مياه جارية وكان لهم أموال كثيرة وخدم يقومون بأمرهم ومن كان كذلك كان ملكًا. وقال الزجاج: الملك من لا يدخل عليه أحد إلاّ بإذنه. وقيل: الملك هو الصحة والإسلام والأمن والفوز وقهر النفس. وقيل: من كان مستقلًا بأمر نفسه ومعيشته ولم يكن محتاجًا في مصالحه إلى أحد فهو ملك. وقيل: كان في أسلافهم وأخلافهم ملوك وعظماء، وقد يقال لمن حصل فيهم ملوك إنهم ملوك مجازًا. وقيل: كل نبي ملك لأنه يملك أمر أمته ينفذ فيهم حكمه. وثالثها: {وآتاكم ما لم يؤت أحدًا من العالمين} من فلق البحر وإغراق العدوّ وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى وغير ذلك من الخوارق والعظائم. وقيل: أراد عالمي زمانهم. روي أن إبراهيم عليه السلام لما صعد جبل لبنان قال الله تعالى له: انظر فما أدرك بصرك فهو مقدّس وميراث لذريتك. وقيل: لما خرج قوم موسى من مصر وعدهم الله إسكان أرض الشام، فكان بنو إسرائيل يسمون أرض الشام أرض المواعيد. ثم بعث موسى عليه السلام اثني عشر نقيبًا من الأمناء ليتجسسوا لهم عن أحوال تلك الأراضي. فلما دخلوا تلك البلاد رأوا أجسامًا عظيمة هائلة. قال المفسرون: لما بعث موسى النقباء لأجل التجسس رآهم واحد من أولئك الجبارين فأخذهم وجعلهم في كمه مع فاكهة كان قد حملها من بستانه وأتى بهم الملك فنثرهم بين يديه وقال متعجبًا للملك: هؤلاء يريدون قتالنا. فقال الملك: ارجعوا إلى صاحبكم وأخبروه بما شاهدتم. فانصرف النقباء إلى موسى وأخبروه بالواقعة فأمرهم أن يكتموا ما شاهدوه فلم يقبلوا قوله إلاّ رجلان- هما كالب بن يوفنا من سبط يهودا، ويوشع بن نون من سبط افراييم بن يوسف- فإنهما قالا هي بلاد طيبة كثيرة النعم وأجسامهم عظيمة إلاّ أن قلوبهم ضعيفة، وأما العشرة الباقية فإنهم أوقعوا الجبن في قلوب الناس حتى أظهروا الامتناع من غزوهم.