فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
و«اللاَّم» في قوله: {لَئِنْ بَسَطْتَ} هي المُوَطِّئة.
وقوله: {مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ} جوابُ القسم المَحْذُوف، وهذا على القاعِدَة المُقَرَّرةِ من أنَّه إذا اجْتَمَع شَرْطٌ وقسمٌ أجِيبَ سابقُهما إلا في صُورة تَقدّم التَّنْبِيه عليها.
وقال الزَّمَخْشَرِي: «فإن قلت: لِم جاء الشَّرْط بلفظ الفِعْل، والجزاء بلفظ اسم الفاعل، في قوله: {لَئِنْ بَسَطْتَ}، {مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ}؛ قلت: ليفيد أنه لا يفعلُ هذا الوَصْفَ الشَّنِيع، ولذلك أكَّدَهُ بـ «الباء» المفيدة لِتَأكِيد النَّفْي».
وناقَشَهُ أبُو حيَّان في قوله: إنَّ {مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ} جزاء للشَّرْط.
قال: لأنَّ هذا الجواب لِلقَسَم لا للشَّرط قال: «لأنه لو كان جوابًا للشَّرط للزمته الفاء لِكَوْنه منفيًّا بـ {ما} والأداة جَازِمة، وللزِمَهُ أيضًا تلك القَاعِدة، وهو كَوْنه لم يجب الأسْبَق منهما» وهذا ليس بشيء؛ لأن الزَّمَخْشَرِيَّ سماه جزاء للشَّرط لما كان دالًا على جزاء الشَّرْط، ولا نَكِيرَ في ذلك ولكنه مُغْرى بأن يقال: قد اعترض على الزَّمَخْشَرِي.
وقال أيضًا: وقد خالف الزمخشريّ كلامه هنا بما ذكره في «البَقَرة» في قوله تعالى: {وَلَئِنْ أَتَيْتَ الذين} [البقرة: 145]، من كونه جعله جوابًا للقسم سادًّا مسدّ جوابِ الشَّرْط، وقد تقدَّم بحثه مَعَهُ هناك. اهـ.

.تفسير الآية رقم (29):

قوله تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان من النهايات للواصلين إلى حضرات القدس ومواطن الأنس بالله، المتمكنين في درجة الغناء عن غير الفاعل المختار أن لا يراد إلا ما يريد سبحانه، فإن كان طاعة أراده العبد ورضيه، وإن كان معصية أراده من حيث إنه مراد الله ولم يرضه لكونه معصية، فيرضى بالقضاء دون المقضي، وكأنه من الممكن القريب أن يكون هابيل قد كشف له عن أنه سبق في علم الله أن أخاه يقتله، قال مرهبًا له معللًا بتعليل آخر صاد له أيضًا عن الإقدام على القتل: {إني أريد} أي بعدم الممانعة لك {أن تبوأ} أي ترجع من قتلي إن قتلتني {بإثمي} أي الإثم الذي ينالك من أجل قتلك لي، وبعقوبته الذي من جملته أنه يطرح عليك من سيئاتي بمقدار ما عليك من حقي إذا لم تجد ما ترضيني به من الحسنات {وإثمك} أي الذي لا سبب لي فيه، وهو الذي كان سببًا لرد قربانك واجترائك عليّ وعدوانك، وأفوز أنا بأجري وأجرك، أي أجري الذي لا سبب لك فيه والأجر الذي أثمره استسلامي لك وكفُّ يدي عنك {فتكون} أي أنت بسبب ذلك {من أصحاب النار} أي الخالدين فيها جزاءً لك لظلمك بوضعك القتل في غير موضعه، ثم بين أن هذا يعم كل من فعل هذا الفعل فقال: {وذلك جزاء الظالمين} أي الراسخين في وصف الظلم كلهم، وأكون أنا من أصحاب الجنة جزاءً لي بإحساني في إيثار حياتك لإرادة المعصية من حيث كونها معصية بإرادة ظهور الكفار، لما علم من أن النصر بيد الله، فهو قادر على نصر الباقي بعد استشهاد الشهيد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} قيل: معناه معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار» قيل: يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» وكأن هابيل أراد أني لست بحريص على قتلك؛ فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصًا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي.
وقيل المعنى {بإثمي} الذي يختصُّ بي فيما فرَّطت؛ أي يؤخذ من سيئاتي فتطرح عليك بسبب ظلمك لي، وتبوء بإثمك في قتلك؛ وهذا يعضده قوله عليه الصلاة والسلام: «يؤتى يوم القيامة بالظالم والمظلوم فيؤخذ من حسنات الظالم فتزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف فإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه».
أخرجه مسلم بمعناه، وقد تقدّم؛ ويعضده قوله تعالى: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَّعَ أَثْقَالِهِمْ} [العنكبوت: 13] وهذا بيّن لا إشكال فيه.
وقيل: المعنى إني أريد ألاّ تبوء بإثمي وإثمك كما قال تعالى: {وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] أي لئلا تميد بكم.
وقوله تعالى: {يُبَيِّنُ الله لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} [النساء: 176] أي لئلا تضلوا فحذف «لا».
قلت: وهذا ضعيف؛ لقوله عليه السلام: «لا تُقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأوّل كِفْل من دمها لأنه أوّل من سَنّ القتل» فثبت بهذا أن إثم القتل حاصل؛ ولهذا قال أكثر العلماء: إنّ المعنى؛ ترجع بإثم قتلي وإثمك الذي عملته قبل قتلي.
قال الثعلبي: هذا قول عامة أكثر المفسرين.
وقيل: هو استفهام، أي أو إني أريد؟ على جهة الإنكار؛ كقوله تعالى: {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ} [الشعراء: 22] أي أو تلك نعمة؟ وهذا لأن إرادة القتل معصية؛ حكاه القشيري وسئل أبو الحسن بن كَيْسان: كيف يريد المؤمن أن يأثم أخوه وأن يدخل النار؟ فقال إنما وقعت الإرادة بعد ما بسط يده إليه بالقتل؛ والمعنى: لئن بسطت إلي يدك لتقتلني لأمتنعنّ من ذلك مريدًا للثواب؛ فقيل له: فكيف قال: بإثمي وإثمك؛ وأي إثم له إذا قتل؟ فقال: فيه ثلاثة أجوبة؛ أحدها أن تبوء بإثم قتلي وإثم ذنبك الذي من أجله لم يتقبل قربانك؛ ويروى هذا القول عن مجاهد.
والوجه الآخر أن تبوء بإثم قتلي وإثم اعتدائك علي؛ لأنه قد يأثم بالاعتداء وإن لم يقتل.
والوجه الثالث أنه لو بسط يده إليه أَثِم؛ فرأى أنه إذا أمسك عن ذلك فإثمه يرجع على صاحبه.
فصار هذا مثل قولك: المال بينه وبين زيد؛ أي المال بينهما، فالمعنى أن تبوء بإثمنا.
وأصل باء رجع إلى المَبَاءة، وهي المنزل.
{وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِّنَ الله} [البقرة: 61] أي رجعوا.
وقد مضى في «البقرة» مستوفى.
وقال الشاعر:
ألاَ تَنْتَهي عَنَّا مُلُوكٌ وتَتَّقي ** مَحارِمَنا لا يبُؤ الدَّمُ بالدَّمِ

أي لا يرجع الدّم بالدم في القود.
{فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النار} دليل على أنهم كانوا في ذلك الوقت مكلّفين قد لحقهم الوعد والوعيد.
وقد استدل بقول هابيل لأخيه قابيل: {فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النار} على أنه كان كافرًا؛ لأن لفظ أصحاب النار إنما ورد في الكفار حيث وقع في القرآن.
وهذا مردود هنا بما ذكرناه عن أهل العلم في تأويل الآية.
ومعنى {مِنْ أَصْحَابِ النار} مدّة كونك فيها. والله أعلم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله عز وجل إخبارًا عن هابيل {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك}.
يعني ترجع بإثم قتلي إلى إثم معاصيك التي عملتها من قبل.
فإن قلت: كيف؟ قال هابيل إني أريد وإرادة القتل والمعصية من الغير لا تجوز.
قلت: أجاب ابن الأنباري عن هذا بأن قال: إن قابيل لما قال لأخيه هابيل لأقتلنك وعظه هابيل وذكره الله واستعطفه وقال لئن بسطت إليّ يدك الآية فلم يرجع فلما رآه هابيل قد صمم على القتل وأخذ له الحجارة ليرميه بها قال له هابيل عند ذلك إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك أي إذا قتلتني ولم يندفع قتلك إياي إلا بقتلي إياك فحينئذ يلزمك إثم قتلي إذا قتلتني فكان هذا عدلًا من هابيل وإليه أشار الزجاج فقال: معناه إن قتلتني فما أنا مريد ذلك فهذه الإرادة منه بشرط أن يكون قاتلًا له والإنسان إذا تمنى أن يكون إثم دمه على قاتله لم يلم على ذلك وعلى هذا التأويل.
قال بعضهم: معناه إني أريد أن تبوء بعقاب إثمي وإثمك فحذف المضاف وما باء بإثم باءَ بعقاب ذلك الإثم ذكره الواحدي وقال الزمخشري: ليس ذلك بحقيقة الإرادة لكنه لما علم أنه يقتله لا محالة ووطن نفسه على الاستسلام للقتل طلبًا للثواب فكأنه صار مريدًا لقتله مجازًا وإن لم يكن مريدًا حقيقة {فتكون من أصحاب النار} ينعي الملازمين لها {وذلك جزاء الظالمين} يعني جهنم جزاء من قتل أخاه ظلمًا. اهـ.

.قال أبو حيان:

{إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار}.
ذهب قوم إلى أنّ الإرادة هنا مجاز لا محبة إيثار شهوة، وإنما هي تخيير في شرين كما تقول العرب: في الشر خيار، والمعنى: إنْ قتلتني وسبق بذلك قدر، فاختياري أن أكون مظلومًا ينتصر الله لي في الآخرة.
وذهب قوم إلى أنّ الإرادة هنا حقيقة لا مجاز، لا يقال: كيف جاز أن يريد شقاوة أخيه وتعذيبه بالنار، لأن جزاء الظالم حسن أن يراد، وإذا جاز أن يريده الله تعالى جاز أن يريده العبد لأنه لا يريد إلا ما هو حسن قاله الزمخشري، وفيه دسيسة الاعتزال.
وقال ابن كيسان: إنما وقعت الإرادة بعد ما بسط يده للقتل وهو مستقبح، فصار بذلك كافرًا لأن من استحل ما حرم الله فقد كفر، والكافر يريد أن يراد به الشر.
وقيل: المعنى أنه لما قال: لأقتلنك استوجب النار بما تقدم في علم الله، وعلى المؤمن أن يريد ما أراد الله، وظاهر الآية أنهما آثمان.
قال ابن مسعود، وابن عباس، والحسن وقتادة: تحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي، فحذف المضاف، هذا قول عامة المفسرين.
وقال الزجاج: بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك، وهو راجع في المعنى إلى ما قبله.
وقيل: المعنى بإثمي إنْ لو قاتلتك وقتلتك، وإثم نفسك في قتالي وقتلي، وهذا هو الإثم الذي يقتضيه قوله صلى الله عليه وسلم: «إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النار».
قيل: يا رسول الله هذا القاتل، فما بال المقتول؟ قال: «إنه كان حريصًا على قتل صاحبه» فكأنّ هابيل أراد أني لست بحريص على قتلك، فالإثم الذي كان يلحقني لو كنت حريصًا على قتلك أريد أن تحمله أنت مع إثمك في قتلي.
قال الزمخشري فإن قلت: كيف يحتمل إثم قتله له {ولا تزر وازرة وزر أخرى} قلت: المراد بمثل إثمي على الاتساع في الكلام كما تقول: قرأت قراءة فلان، وكتبت كتابته، تريد المثل وهو اتساع فاش مستفيض لا يكاد يستعمل غيره.
فإن قلت: فحين كف هابيل عن قتل أخيه واستسلم وتحرج عما كان محظورًا في شريعته من الدفع، فأين الإثم حتى يتحمل أخوه مثله، فيجتمع عليه الإثمان؟ قلت: هو مقدّر فهو يتحمل مثل الإثم المقدر، كأنه قال: إني أريد أن تبوء بمثل إثمي لو بسطت إليك يدي انتهى.
وقيل: بإثمي، الذي يختص بي فيما فرط لي، أي: يؤخذ من سيئآتي فتطرح عليك بسبب ظلمك لي، وتبوء بإثمك في قتلي.
ويعضد هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم: «يؤتى بالظالم والمظلوم يوم القيامة فيؤخذ من حسنات الظالم فيزاد في حسنات المظلوم حتى ينتصف، فإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم فتطرح عليه» وتلخص من قوله بإثمي وإثمك وجهان: أحدهما: بإثمي اللاحق لي، أي: بمثل إثمي اللاحق لي على تقدير وقوع قتلي لك، وإثمك اللاحق لك بسبب قتلي.
الثاني: بإثمي اللاحق لك بسبب قتلي، وأضافه إليه لما كان سببًا له، وإثمك اللاحق لك قبل قتلي.
وهذان الوجهان على إثبات الإرادة المجازية والحقيقية.