فصل: من فوائد القاسمي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من فوائد القاسمي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنِّي أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاء الظَّالِمِينَ} [29].
{إِنِّي أُرِيدُ} أي: باستسلامي لك وامتناعي عن التعرض لك: {أَنْ تَبُوءَ} أي: ترجع إلى الله ملتبسًا: {بإِثْمِي} أي: بإثم قتلي: {وَإِثْمِكَ} أي: الذي كان منك قبل قتلي، أو الذي من أجله لم يتقبل قربانك: {فَتَكُونَ} أي: بالإثْمَيْن: {مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ}. قال الناصر في الانتصاف: فأما إرادته لإثم أخيه وعقوبته فمعناه: إني لا أريد أن أقتلك فأعاقب. ولمَّا لم يكن بدٌّ من إرادة أحد الأمرين، إمَّا إثمه بتقدير أن يدفع عن نفسه فيقتل أخاه، وإمَّا إثم أخيه بتقدير أن يستسلم- وكان غيرَ مريدٍ للأول، اضطر إلى الثاني، فلم يرد إذًا إثم أخيه لعينه، وإنما أراد أنّ الإثم هو بالمدافعة المؤدية إلى القتل- ولم تكن حينئذٍ مشروعة- فلزم من ذلك إرادة إثم أخيه. وهذا، كما يتمنّى الإنسان الشادة. ومعناها أن يبوء الكافر بقتله وبما عليه في ذلك من الإثم، ولكن لم يقصد هو إثم الكافر لعينه، وإنما أراد أن يبذل نفسه في سبيل الله رجاء إثم الكافر بقتله ضمنًا وتبعًا. والذي يدل على ذلك؛ أنّه لا فرق في حصول درجة الشهادة وفَضِيلَتَها بين أن يموت القاتل على الكفر وبين أن يختم له بالإيمان، فيحبط عنه إثم القتل الذي به كان الشهيد شهيدًا. أعني بقي الإثم على قاتله، أو حبط عنه، إذ ذلك لا ينتقص من فضيلة شهادته ولا يزيدها، ولو كان إثم الكافر بالقتل مقصودًا لاختلف التمني باعتبار بقائه وإحباطه، فدلّ على أنه أمر لازم تبع، لا مقصود. والله أعلم. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)}.
و{تبوء} أي ترجع من صفقة قتلى بأن تحمل إثم تلك الفعلة وتنال عقوبتها {وإثمك} وكذلك الإثم الذي كان من أجله أنك أردت أن تقتلني؛ لأنك تأبيت على المنهج، حين لم يتقبل ربنا قربانك. فقد أثمت في عدم قبولك التباعُد المطلوب في الزوجية. إذن فأنت عندك إثمان: الإثم الأول: وهو رفضك وعدم قبولك حكم الله ومنهجه وهو الذي من أجله لم يَقبل الله قربانك، والإثم الثاني: هو قتلي وأنا لا دخل لي في هذه المسألة؛ لأن الظالم لابد أن يأخذ جزاءه.
إن هابيل يقول: {إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ} لم يتمن أن يكون أخوه عاصيًا. بل قال: إن كان يعصي بهذه يبوء بإثمي ويأخذ جزاءه؛ فيكون قد تمنى وأراد له أن يعود إلى العقاب ويناله إن فعل وهو لا يريده أن يفعل.
{إني أُرِيدُ أَن تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النار وَذَلِكَ جَزَاءُ الظالمين} وجزاء الظالمين تربية عاجلة للوقوف أمام سُعارات الظلم من الظالمين؛ لأن الحق لو تركها للآخرة لاستشرى الظُلم، والذي لا يؤمن بالآخرة يصبح مُحترفًا للظُلم، ولذلك قلنا من قبل: إن الحق سبحانه وتعالى ضرب لنا ذلك المثل في سورة «الكهف» حينما ذكر لنا قصة ذي القرنين: الذي آتاه الله من كل شيء سببا فأتبع سببا، وبعد ذلك بين لنا مُهمة من أوتي الأسباب واتبع الأسباب، وجعل قضيته في الأرض لعمارة الكون وصلاحه، وتأمين المجتمع. ماذا قال: {حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ} [الكهف: 86].
هذا في رأي العين، فحين تكون راكبًا البحر. ترى الشمس تغرب في الماء، هي لا تغرب في الماء؛ لأن الماء هو نهاية امتداد أُفقك. {حتى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشمس وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا ياذا القرنين إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا} [الكهف: 86].
إذن فقد خيره: إمأ ان تعمل هذا وإما أن تعمل ذاك. {قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} [الكهف: 87].
ذلك هو القانون الذي يجب أن يسير في المجتمع. جتى لا أترك لمن لا يؤمن بإله ولا يؤمن بآخرة أن يستشري في الظلم. فَلْيأخذ عقابه في الدنيا. {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَابًا دُونَ ذَلِكَ} [الطور: 47].
أي قبل الآخرة لهم عذاب. ولذلك حين يرى الناس مصرع الظالم، أو ترى الخيبة التي حدثت لهم فهم يأخذون من ذلك العظة، وجيلنا نحن عاصر ظالمين كثيرين نكل بعضهم ببعض؛ ولو مُكِّن المظلومون منهم ما فعلوا بهم ما فعله بعضهم ببعض، وأراد الحق أن يجري عذابهم أمامنا لتتضح المسألة. {قَالَ أَمَّا مَن ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ} [الكهف: 87].
ولا ينتهي أمره بذلك، وبعد ذلك يُردّ لمن؟ يُردّ لله: {ثُمَّ يُرَدُّ إلى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُّكْرًا} [الكهف: 87].
يعني عذاب الدنيا؛ إن عذابها سيكون محتملا لأنه عذاب منوط بقدرة العاجزين، إنما العذاب في الآخرة فهو بقوة القادر الأعلى: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الحسنى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف: 88].
تلك هي مهمة الله القوي المتين: إنّ الذي يظلم يضربه على يده، والذي يحسن عمله يعطيه الحوافز. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ (28) إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ (29)}.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد في قوله: {لئن بسطت إلي يدك...} الآية. قال: كان كتب عليهم إذا أراد الرجل رجلًا تركه ولا يمتنع منه.
وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج في الآية. قال: كانت بنو إسرائيل كتب عليهم إذا الرجل بسط يده إلى الرجل لا يمتنع عنه حتى يقتله أو يدعه، فذلك قوله: {لئن بسطت} الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله: {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك} قال: بقتلك إياي {وإثمك} قال: بما كان منك قبل ذلك.
وأخرج عن قتادة والضحاك. مثله.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك} قال: ترجع بإثمي وإثمك الذي عملت فتستوجب النار. قال: وهل تعرف العرب ذلك؟ قال: نعم، أما سمعت الشاعر يقول:
من كان كاره عيشه فليأتنا ** يلقى المنية أو يبوء عناء

وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه عن سعد بن أبي وقاص: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إنها ستكون فتنة، القاعد فيها خير من القائم، والقائم خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قال: أفرأيت إن دخل علي بيتي فبسط إليّ يده ليقتلني؟ قال: كن كابن آدم، وتلا {لئن بسطت إلىّ يدك لتقتلني} الآية».
وأخرج أحمد ومسلم والحاكم عن أبي ذر قال «ركب النبي صلى الله عليه وسلم حمارًا وأردفني خلفه فقال: يا أبا ذر أرأيت إن أصاب الناس جوع لا تستطيع أن تقوم من فراشك إلى مسجدك، كيف تصنع؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: تعفف يا أبا ذر، أرأيت إن أصاب الناس موت شديد يكون البيت فيه بالعبد يعني القبر؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: اصبر يا أبا ذر. قال: أرأيت إن قتل الناس بعضهم بعضًا حتى تغرق حجارة الزيت من الدماء، كيف تصنع؟ قلت: الله ورسوله أعلم! قال: اقعد في بيتك واغلق بابك. قلت: فإن لم أترك؟ قال: فائت من أنق منهم فكن فيهم. قلت: فآخذ سلاحي؟ قال: إذن تشاركهم فيما هم فيه، ولكن إن خشيت أن يروّعك شعاع السيف فالق طرف ردائك على وجهك حتى يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار».
وأخرج البيهقي عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «اكسروا سيفكم يعني في الفتنة، واقطعوا أوتاركم، والزموا أجواف البيوت، وكونوا فيها كالخير من ابني آدم».
وأخرج ابن مردويه عن حذيفة قال: لئن اقتتلتم لأنتظرن أقصى بيت في داري فلألجنَّه فلئن دخل عليَّ فلأقولن: ها بؤ بإثمي وإثمك كخير ابني آدم.
وأخرج ابن سعد وابن عساكر عن أبي نضرة قال: دخل أبو سعيد الخدري يوم الحرة غارًا، فدخل عليه الغار رجل ومع أبي سعيد السيف، فوضعه أبو سعيد وقال: بؤ بإثمي وإثمك وكن من أصحاب النار، ولفظ ابن سعد وقال: {إني أريد أن تبوء بإثمي وإثمك فتكون من أصحاب النار} قال أبو سعيد الخدري: أنت...؟! قال: نعم. قال: فاستغفر لي. قال: غفر الله لك.
وأخرج عبد الرزاق وابن جرير عن الحسن قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «إن ابني آدم ضربا مثلًا لهذه الأمة فخذوا بالخير منهما».
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «يا أيها الناس ألا إن ابني آدم ضربا لكم مثلًا، فتشبهوا بخيرهما ولا تتشبهوا بشرهما».
وأخرج ابن جرير من طريق المعتمر بن سليمان عن أبيه قال: قلت لبكر بن عبد الله: أما بلغك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «إن الله ضرب لكم ابني آدم مثلًا، فخذوا خيرهما ودعوا شرهما؟.. قال بلى».
وأخرج الحاكم بسند صحيح عن أبي بكرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ألا إنها ستكون فتن، ألا ثم تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي إليها، فإذا نزلت فمن كان له إبل فليلحق بإبله، ومن كان له أرض فليلحق بأرضه. فقيل: أرأيت يا رسول الله إن لم يكن له ذلك؟ قال: فليأخذ حجرًا فليدق به على حد سيفه، ثم لينج إن استطاع النجاة، اللهم هل بلغت ثلاثًا. فقال رجل: يا رسول الله، أرأيت إن أكرهت حتى ينطلق بي إلى أحد الصفين، فيرميني رجل بسهم أو يضربني بسيف فيقتلني؟ قال يبوء بإثمه وإثمك فيكون من أصحاب النار. قالها ثلاثًا».
وأخرج الحاكم وصححه عن حذيفة أنه قيل له: ما تأمرنا إذا قتل المصلون؟ قال: آمرك أن تنظر أقصى بيت في دارك فتلج فيه، فإن دخل عليك فتقول له: بُؤْ بإثمي وإثمك فتكون كابن آدم.
وأخرج أحمد والحاكم عن خالد بن عرفطة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يا خالد إنه سيكون بعدي أحداث وفتن واختلاف، فإن استطعت أن تكون عبد الله المقتول لا القاتل فافعل».
وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول «يكون فتنة النائم فيها خير من المضطجع، والمضطجع خير من القاعد، والقاعد خير من الماشي، والماشي خير من الساعي، قتلاها كلها في النار. قال: يا رسول الله، فيم تأمرني إن أدركت ذلك؟ قال: ادخل بيتك. قلت: أفرأيت إن دخل عليَّ؟ قال: قل بؤ بإثمي وإثمك، وكن عبد الله المقتول».
وأخرج البيهقي في شعب الإيمان وابن عساكر عن الأوزاعي قال: من قتل مظلومًا كفَّر الله كل ذنب عنه، وذلك في القرآن {إني أريد أن تبوأ بإثمي وإثمك}.
وأخرج ابن سعد عن خباب بن الأرت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه ذكر فتنة القاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فإن أدركت ذلك فكن عبد الله المقتول ولا تكن عبد الله القاتل».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «يعجز أحدكم أتاه الرجل أن يقتله أن يقول هكذا، وقال بإحدى يديه على الأخرى، فيكون كالخير من ابني آدم، وإذا هو في الجنة وإذا هو في الجنة وإذا قاتله في النار». اهـ.

.أسئلة وأجوبة:

السؤال الأول: كيف يعقل أن يبوء القاتل بإثم المقتول مع أنه تعالى قال: {وَلاَ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} [فاطر: 18].
والجواب من وجهين: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما وابن مسعود والحسن وقتادة رضي الله عنهم: معناه تحمل إثم قتلي وإثمك الذي كان منك قبل قتلي، وهذا بحذف المضاف، والثاني: قال الزجاج: معناه ترجع إلى الله بإثم قتلي وإثمك الذي من أجله لم يتقبل قربانك.