فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: جاء غراب إلى غراب ميت، فحثا عليه التراب حتى واراه، فقال الذي قتل أخاه {يا ويلتا أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأواري سوأة أخي}.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: مكث يحمل أخاه في جراب على رقبته سنة، حتى بعث الله الغرابين، فرآهما يبحثان فقال: {أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب} فدفن أخاه.
وأخرج ابن جرير وابن عساكر عن سالم بن أبي الجعد قال: ان آدم لما قتل أحد ابنيه الآخر، مكث مائة عام لا يضحك حزنًا عليه، فأتى على رأس المائة فقيل له: حياك الله وبياك وبشر بغلام، فعند ذلك ضحك.
وأخرج ابن جرير عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما قتل ابن آدم، بكى آدم فقال:
تغيرت البلاد ومن عليها ** فلون الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي لون وطعم ** وقل بشاشة الوجه المليح

فأجيب آدم عليه السلام:
أبا هابيل قد قتلا جميعًا ** وصار الحي بالميت الذبيح

وجاء بشره قد كان منه ** على خوف فجاء بها يصيح

وأخرج الخطيب وابن عساكر عن ابن عباس قال: لما قتل ابن آدم أخاه قال آدم عليه الصلاة والسلام:
تغيرت البلاد ومن عليها ** فوجه الأرض مغبر قبيح

تغير كل ذي لون وطعم ** وقل بشاشة الوجه الصبيح

قتل قابيل هابيلًا أخاه ** فوا حزنًا مضى الوجه المليح

فأجابه إبليس عليه اللعنة:
تنح عن البلاد وساكنيها ** فبي في الخلد ضاق بك الفسيح

وكنت بها وزوجك في رخاء ** وقلبك من أذى الدنيا مريح

فما انفكت مكايدتي ومكري ** إلى أن فاتك الثمن الربيح

. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ (31)}.
إرادة الحق سبحانه وصولُ الخلْقِ إلى لطف الاحتياط في أسباب التعيش، فإذا أشكل عليهم وجهٌ من لطائف الحيلة سبَّب الله شيئًا يَعَرِّفُهم ذلك به. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الْأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ...} الآية.
فيه خمس مسائل:
الأُولى قوله تعالى: {فَبَعَثَ الله غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأرض} قال مجاهد: بعث الله غرابين فاقتتلا حتى قتل أحدهما صاحبه ثم حفر فدفنه.
وكان ابن آدم هذا أوّل من قُتِل.
وقيل: إن الغراب بحث الأرض على طُعْمِه ليخفيه إلى وقت الحاجة إليه؛ لأنه من عادة الغراب فعل ذلك؛ فتنبه قابيل بذلك على مواراة أخيه.
ورُوي أن قابيل لما قتل هابيل جعله في جراب، ومشى به يحمله في عنقه مائة سنة؛ قاله مجاهد.
وروى ابن القاسم عن مالك أنه حمله سنة واحدة؛ وقاله ابن عباس.
وقيل: حتى أَرْوَح ولا يدري ما يصنع به إلى أن اقتدى بالغراب كما تقدّم.
وفي الخبر عن أنس قال سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: «امتن الله على ابن آدم بثلاث بعد ثلاث بالرّيح بعد الرُّوح فلولا أن الرّيح يقع بعد الروح ما دفن حميم حميمًا وبالدود في الجثة فلولا أن الدود يقع في الجثة لاكتنزتها الملوك وكانت خيرًا لهم من الدراهم والدنانير وبالموت بعد الكبر وإن الرجل ليكبر حتى يملّ نفسه ويملّه أهله وولده وأقرباؤه فكان الموت أستر له» وقال قوم: كان قابيل يعلم الدفن، ولكن ترك أخاه بالعراء استخفافًا به، فبعث الله غرابًا يبحث التراب على هابيل ليدفنه، فقال عند ذلك: {يَاوَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هذا الغراب فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} حيث رأى إكرام الله هابيل بأن قيض له الغراب حتى واراه، ولم يكن ذلك ندم توبة، وقيل: إنما ندمه كان على فقده لا على قتله، وإن كان فلم يكن موفيًا شروطه.
أو ندم ولم يستمر ندمه؛ فقال ابن عباس: ولو كانت ندامته على قتله لكانت الندامة توبة منه.
ويقال: إن آدم وحوّاء أتيا قبره وبكيا أيامًا عليه.
ثم إن قابيل كان على ذِروة جبل فنطحه ثور فوقع إلى السفح وقد تفرّقت عروقه.
ويقال: دعا عليه آدم فانخسفت به الأرض.
ويقال: إن قابيل استوحش بعد قتل هابيل ولزم البريّة، وكان لا يقدر على ما يأكله إلا من الوحش، فكان إذا ظفر به وقَذَه حتى يموت ثم يأكله.
قال ابن عباس: فكانت الموقوذة حرامًا من لدن قابيل بن آدم، وهو أوّل من يساق من الآدميين إلى النار؛ وذلك قوله تعالى: {رَبَّنَا أَرِنَا اللذين أَضَلاَّنَا مِنَ الجن والإنس} [فصلت: 29] الآية فإبليس رأس الكافرين من الجنّ، وقابيل رأس الخطيئة من الإنس؛ على ما يأتي بيانه في «حم فصلت» إن شاء الله تعالى.
وقد قيل: إن الندم في ذلك الوقت لم يكن توبة، والله بكل ذلك أعلم وأحكم.
وظاهر الآية أن هابيل هو أوّل ميت من بني آدم؛ ولذلك جُهِلت سُنّة المواراة؛ وكذلك حكى الطبريّ عن ابن إسحاق عن بعض أهل العلم بما في كتب الأوائل.
وقوله: {يَبْحَثُ} معناه يفتش التراب بمنقاره ويثيره.
ومن هذا سميت سورة «براءة» البحوث؛ لأنها فتشت عن المنافقين؛ ومن ذلك قول الشاعر:
إن الناس غطّوني تغطّيتُ عنهم ** وإن بحثوني كان فيهم مباحثُ

وفي المثل: لا تكن كالباحث على الشَّفْرة؛ قال الشاعر:
فكانت كعَنْزِ السُّوء قامت برجلِها ** إلى مُدْية مدفونة تَسْتَثيرُها

الثانية بعث الله الغراب حكمة؛ ليري ابن آدم كيفية المواراة، وهو معنى قوله تعالى: {ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} [عبس: 21] فصار فعل الغراب في المواراة سنّة باقية في الخلق، فرضًا على جميع الناس على الكفاية، من فعله منهم سقط فرضه عن الباقين.
وأخص الناس به الأقربون الذين يلونه، ثم الجيرة، ثم سائر المسلمين.
وأما الكفار فقد روى أبو داود عن عليّ قال: قلت للنبيّ صلى الله عليه وسلم إن عمك الشيخ الضال قد مات؛ قال: «اذهب فوارِ أباك التراب ثم لا تُحدِثَنّ شيئًا حتى تأتيني» فذهبت فواريته وجئته فأمرني فاغتسلت ودعا لي.
الثالثة ويستحب في القبر سعته وإحسانه؛ لما رواه ابن ماجه عن هشام بن عامر رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «احفِروا وأوسعوا وأحسنوا» وروى عن الأَدْرَع السُّلَمِيّ قال: جئت ليلة أحرس النبيّ صلى الله عليه وسلم؛ فإذا رجل قراءته عالية، فخرج النبيّ صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله: هذا مُرَاء؛ قال: فمات بالمدينة ففرغوا من جهازه فحملوا نعشه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ارفقوا به رفق الله به إنه كان يحب الله ورسوله» قال: وحضر حفرته فقال: «أوسعوا له وسع الله عليه» فقال بعض أصحابه: يا رسول الله لقد حزنتَ عليه؟ فقال: «أَجَلْ إنه كان يحب الله ورسوله»؛ أخرجه عن أبي بكر بن أبي شيبة عن زيد بن الحُبَاب عن موسى بن عبيدة عن سعيد بن أبي سعيد.
قال أبو عمر بن عبد البر: أدْرَع السَّلمَيّ روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثًا واحدًا، وروى عنه سعيد بن أبي سعيد المَقْبُرِيّ؛ وأما هشام بن عامر بن أُمية بن الحَسْحَاس بن عامر بن غَنْم بن عديّ بن النجّار الأنصاريّ، كان يُسمَّى في الجاهلية شهابًا فغيّر النبي صلى الله عليه وسلم اسمه فسماه هشامًا، واستشهد أبوه عامر يوم أُحُد.
سكن هشام البصرة ومات بها؛ ذُكر هذا في كتاب الصحابة.
الرابعة ثم قيل: اللّحد أفضل من الشّق؛ فإنه الذي اختاره الله لرسوله صلى الله عليه وسلم؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم: لما تُوفّي كان بالمدينة رجلان أحدهما يلحد والآخر لا يلحد؛ فقالوا: أيهما جاء أوّلَ عمِلَ عمله، فجاء الذي يلحد فلحد لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ذكره مالك في الموطأ عن هشام بن عُروة عن أبيه، وأخرجه ابن ماجه عن أنس بن مالك وعائشة رضي الله عنهما.
والرجلان هما أبو طلحة وأبو عبيدة؛ وكان أبو طلحة يلحد وأبو عبيدة يشقّ.
واللَّحد هو أن يحفر في جانب القبر إن كانت تربة صلبة، يوضع فيه الميت ثم يوضع عليه اللَّبِن ثم يُهال التراب؛ قال سعد بن أبي وَقَّاص في مرضه الذي هلك فيه: ألْحِدوا لي لَحْدًا وانصبوا عليّ اللَّبِن نصبًا كما صنِع برسول الله صلى الله عليه وسلم. أخرجه مسلم.
وروى ابن ماجه وغيره عن ابن عباس قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اللحد لنا والشق لغيرنا».
الخامسة روى ابن ماجة عن سعيد بن المسيّب قال: حضرت ابن عمر في جنازة فلما وضعها في اللّحد قال: بسم الله وفي سبيل الله وعلى مِلة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أخذ في تسوية اللبن على اللحد قال: اللهم أجرِها من الشيطان ومن عذاب القبر، اللهم جافِ الأرض عن جنبيها، وصَعِّد روحها ولَقِّها منك رضوانًا.
قلت يا ابن عمر أشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم أم قلته برأيك؟ قال: إني إذا لقادر على القول! بل شيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ورُوي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صلّى على جنازة ثم أَتَى قبر الميت فحثا عليه من قِبل رأسه ثلاثًا.
فهذا ما تعلق في معنى الآية من الأحكام.
والأصل في «يَا ويلتاى» يا ويلتي ثم أبدل من الياء ألف.
وقرأ الحسن على الأصل بالياء، والأوّل أفصح؛ لأن حذف الياء في النداء أكثر.
وهي كلمة تدعو بها العرب عند الهلاك؛ قاله سيبويه.
وقال الأصمعي: «وَيْلٌ» بُعْدٌ.
وقرأ الحسن: {أَعَجِزْتُ} بكسر الجيم.
قال النحاس: وهي لغة شاذة؛ إنما يقال عَجِزت المرأة إذا عظمت عجِيزتها، وعَجَزتُ عن الشيء عَجْزًا ومَعْجِزَة ومَعْجَزَةً. والله أعلم. اهـ.

.من فوائد الفخر الرازي:

{لِيُرِيَهُ} فيه وجهان:
الأول: ليريه الله أو ليريه الغراب، أي ليعلمه، لأنه لما كان سبب تعلمه فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز. اهـ.

.من فوائد الرازي:

قوله: {يا ويلتى} اعتراف على نفسه باستحقاق العذاب، وهي كلمة تستعمل عند وقوع الداهية العظيمة، ولفظها لفظ النداء، وكأن الويل غير حاضر له فناداه ليحضره، أي أيها الويل احضر، فهذا أوان حضورك، وذكر {يا} زيادة بيان كما في قوله: {يا ويلتى أألد} [هود: 72] والله أعلم. اهـ.