فصل: من فوائد الخازن في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ومن لم يقتل أحدًا فقد حيي الناس منه، وقال ابن زيد المعنى أي من قتل نفسًا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من {قتل الناس جميعًا}. قال ومن أحياها أنقذها من حرق أو غرق، وقال قوم لما كان المؤمنون كلهم يطلبون القاتل كان كمن قتل الناس جميعًا.
قال القاضي أبو محمد رضي الله عنه: وهذا قول متداع ولم يتخلص التشبيه إلى طرف في شيء من هذه الأقوال، والذي أقول إن الشبه بين قاتل النفس وقاتل الكل لا يطرد من جميع الجهات، لكن الشبه قد تحصل من ثلاث جهات، إحداها القود فإنه واحد، والثانية الوعيد، فقد توعد الله قاتل النفس بالخلود في النار، وتلك غاية العذاب، فإن فرضناه يخرج من النار بعد بسبب التوحيد فكذلك قاتل الجميع ان لو اتفق ذلك، والثالثة انتهاك الحرمة، فإن نفسًا واحدة، في ذلك وجميع الأنفس سواء، والمنتهك في واحدة ملحوظ بعين منتهك الجميع، ومثال ذلك رجلان حلفا على شجرتين ألا يطعما من ثمرهما شيئًا، فطعم أحدهما واحدة من ثمر شجرته وطعم الآخر ثمر شجرته كله، فقد استويا في الحنث، وقوله تعالى: {ومن أحياها} فيه تجوز لأنها عبارة عن الترك والإنقاذ فالإحياء حقيقة الذي هو الاختراع إنما هو لله تعالى. وإنما هذا الإحياء بمنزلة قول نمرود، أنا أحيي، سمى الترك إحياء، ومحيي نفس كمحيي الجميع في حفظ الحرمة واستحقاق الحمد، ثم أخبر الله تعالى عن بني إسرائيل أنهم جاءتهم الرسل من الله بالبينات في هذا وفي سواه، ثم لم يزل الكثير منهم بعد ذلك في كل عصر يسرفون ويتجاوزون الحدود، وفي هذه الآية إشارة إلى فعل اليهود في همهم بقتل النبي صلى الله عليه وسلم وغيره إلى سائر ذلك من أعمالهم. اهـ.

.من فوائد الخازن في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله تعالى: {من أجل ذلك} يعني بسبب ذلك القتل الذي حصل وقيل الأجل في اللغة الجناية يقال أجل عليهم شرًا أي جنى عليهم شرًا {كتبنا} أي فرضنا وأوجبنا {على بني إسرائيل}.
فإن قلت: من أجل ذلك معناه من أجل ما مر من قصة قابيل وهابيل كتبنا على بني إسرائيل.
وهذا مشكل لأنه لا مناسبة بين واقعه قابيل وهابيل وبين وجوب القصاص على بني إسرائي.
قلت: قال بعضهم هو من تمام الكلام الذي قبله والمعنى فأصبح من النادمين من أجل ذلك أي من أجل أنه قتل هابيل ولم يواره.
ويروي عن نافع أنه كان يقف على قوله من أجل ذلك ويجعله تمام الكلام الأول فعلى هذا يزول الإشكال.
لكن جمهور المفسرين وأصحاب المعاني على أن قوله من أجل ذلك ابتداء كلام وليس يوقف عليه.
فعلى هذا قال بعضهم: إن قوله من أجل ذلك ليس هو إشارة إلى قصة قابيل وهابيل، بل هو إشارة إلى ما مر ما ذكره في هذه القصة من أنواع المفاسد الحاصلة بسبب هذا القتل الحرام منه قوله: {فأصبح من الخاسرين} وفيه إشارة إلى أنه حصلت له خسارة في الدين والدنيا والآخرة.
ومنه قوله: {فأصبح من النادمين} وفيه إشارة إلى أنه حظر في أنواع الندم والحسرة والحزن مع أنه لا دافع لذلك البتة فقوله من أجل ذلك كتبنا على بني إسرائيل أي من أجل ذلك الذي ذكرنا في أثناء القصة من أنواع المفاسد التولدة من القتل العمد المحرم شرعنا القصاص على القاتل.
فإن قلت: فعلى هذا تكون شريعة القصاص حكمًا ثابتًا في جميع الأمم، فما الفائدة بتخصيصه ببني إسرائيل.
قلت: إن وجوب القصاص وإن كان عامًّا في جميع الأديان والملل إلا أن التشديد المذكور هاهنا في حق بني إسرائيل غير ثابت في جميع الأديان والملل لأنه تعالى حكم في هذه الآية بأن من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعًا ولا يشك أن المقصود منه المبالغة في عقاب قاتل النفس عدوانًا وأن اليهود مع علمهم بهذه المبالغة العظيمة أقدموا على قتل الأنبياء والرسل وذلك يدل على قساوة قلوبهم وبعدهم عن الله عز وجل ولما كان الفرض من ذكر هذه القصة تسلية النبي صلى الله عليه وسلم على ما أقدم عليه اليهود بالفتك بالنبي صلى الله عليه وسلم وبأصحابه فتخصيص بني إسرائيل في هذه القصة بهذه المبالغة مناسب للكلام وتوكيد للمقصود والله أعلم بمراده.
قوله عز وجل: {أنه من قتل نفسًا} يعني من قتل نفسًا ظلمًا {بغير نفس} يعني بغير قتل نفس لا على وجه الاقتصاص فيقاد من قاتل النفس على وجه العدوان المحرم {أو فساد في الأرض} هو عطف على بغير نفس يعني وبغير فساد في الأرض فيستحق به القتل لأن القتل على أسباب كثيرة منها القصاص وهو المراد من قوله: قتل نفسًا بغير نفس.
ومنها الشرك والكفر بعد الإيمان ومنها قطع الطريق ونحو ذلك وهو المراد من قوله أو فساد في الأرض {فكأنما قتل الناس جميعًا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا} قال مجاهد: من قتل نفسًا محرمة يصلى النار بقتلها كما يصلاها بقتل الناس جميعًا ومن سلم من قتلها فكأنما سلم من قتل الناس جميعًا.
وقال ابن عباس: من قتل نبيًا أو إمام عدل فكأنما قتل الناس جميعًا.
ومن شد عضد نبي أو إمام عدل فكأنما أحيا الناس جميعًا.
وقيل: معناه أن من قتل نفسًا محرمة يجب عليه القصاص مثل الذي يجب عليه لو قتل الناس جميعًا ومن أحياها يعني من غرق أو حرق أو وقوع في هلكة فكأنما أحيا الناس جميعًا يعني أن له من الثواب مثل ثواب من أحيا الناس جميعًا وقيل: معناه من استحل قتل مسلم بغير حقه فكأنما استحل قتل الناس جميعًا لأنهم لا يسلمون منه ومن تورع عن قتل مسلم فكأنما تورع عن قتل جميع الناس فقد سلموا منه قال أهل المعاني قوله ومن أحياها على المجاز لأن المحيي هو الله تعالى في الحقيقة فيكون المعنى ومن ناجاها من الهلاك فكأنما نجى جميع الناس منه.
سئل الحسن عن هذه الآية أهي لنا كما كانت لبني إسرائيل فقال: أي والذي لا إله غيره ما كانت دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا.
وقوله تعالى: {ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات} يعني: ولقد جاءت بني إسرائيل رسلنا ببيان الأحكام والشرائع والدلالات الواضحات {ثم إن كثيرًا منهم بعد ذلك} يعني بعد مجيء الرسل وبعد ما كتبنا عليهم تحريم القتل {في الأرض لمسرفون} يعني بالقتل لا ينتهون عنه وقيل معناه لمجازون حد الحق وإنما قال تعالى: {وإن كثيرًا منهم}، لأنه تعالى علم أن منهم من يؤمن بالله ورسوله وهم قليل من كثير. اهـ.

.من فوائد ابن كثير في الآية:

قال رحمه الله:
يقول تعالى: {مِنْ أَجْلِ} قَتْل ابن آدم أخاه ظلما وعدوانًا: {كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ} أي: شرعنا لهم وأعلمناهم {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} أي: ومن قتل نفسًا بغير سبب من قصاص، أو فساد في الأرض، واستحل قتلها بلا سبب ولا جناية، فكأنما قتل الناس جميعًا؛ لأنه لا فرق عنده بين نفس ونفس، {وَمَنْ أَحْيَاهَا} أي: حرم قتلها واعتقد ذلك، فقد سلم الناس كلهم منه بهذا الاعتبار؛ ولهذا قال: {فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}.
وقال الأعمش وغيره، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: دخلت على عثمان يوم الدار فقلت: جئت لأنصرك وقد طاب الضرب يا أمير المؤمنين. فقال: يا أبا هريرة، أيسرك أن تَقْتُل الناس جميعًا وإياي معهم؟ قلت: لا. قال فإنك إن قتلت رجلا واحدًا فكأنما قتلت الناس جميعًا، فانْصَرِفْ مأذونًا لك، مأجورًا غير مأزور. قال: فانصرفت ولم أقاتل.
وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: هو كما قال الله تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} وإحياؤها: ألا يقتل نفسًا حَرّمها الله، فذلك الذي أحيا الناس جميعًا، يعني: أنه من حَرّم قتلها إلا بحق، حَيِي الناس منه جميعا.
وهكذا قال مجاهد: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} أي: كف عن قتلها.
وقال العَوْفِيّ عن ابن عباس، في قوله: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} يقول: من قتل نفسًا واحدة حرمها الله، فهو مثل من قتل الناس جميعًا. وقال سعيد بن جبير: من استحل دمَ مُسْلِم فكأنما استحل دماء الناس جميعًا، ومن حرم دم مسلم فكأنما حرم دماء الناس جميعًا.
هذا قول، وهو الأظهر، وقال عِكْرمة والعوفي، عن ابن عباس في قوله: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} يقول من قتل نبيًا أو إمام عَدْل، فكأنما قتل الناس جميعًا، ومن شَدّ على عَضد نبي أو إمام عَدل، فكأنما أحيا الناس جميعًا. رواه ابن جرير.
وقال مجاهد في رواية أخرى عنه: من قتل نفسًا بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعًا؛ وذلك لأنه من قتل النفس فله النار، فهو كما لو قتل الناس كلهم.
وقال ابن جُرَيْج عن الأعرج، عن مجاهد في قوله: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} من قتل النفس المؤمنة متعمدا، جعل الله جزاءه جهنم، وغضب الله عليه ولعنه، وأعد له عذابًا عظيمًا، يقول: لو قتل الناس جميعًا لم يزد على مثل ذلك العذاب.
قال ابن جريج: قال مجاهد {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} قال: من لم يقتل أحدًا فقد حيي الناس منه.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: من قتل نفسًا فكأنما قتل الناس جميعا يعني: فقد وجب عليه القصاص، فلا فرق بين الواحد والجماعة {وَمَنْ أَحْيَاهَا} أي: عفا عن قاتل وليه، فكأنما أحيا الناس جميعًا. وحكي ذلك عن أبيه. رواه ابن جرير.
وقال مجاهد- في رواية-: {وَمَنْ أَحْيَاهَا} أي: أنجاها من غَرق أو حَرق أو هَلكة.
وقال الحسن وقتادة في قوله: {أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} هذا تعظيم لتعاطي القتل- قال قتادة: عَظُم والله وزرها، وعظم والله أجرها.
وقال ابن المبارك، عن سلام بن مسكين، عن سليمان بن علي الرِّبْعِي قال: قلت للحسن: هذه الآية لنا يا أبا سعيد، كما كانت لبني إسرائيل؟ فقال: إي والذي لا إله غيره، كما كانت لبني إسرائيل. وما جعل دماء بني إسرائيل أكرم على الله من دمائنا.
وقال الحسن البصري: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} قال: وزرًا. {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} قال: أجرًا.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لَهِيعَة، حدثنا حُيَي بن عبد الله، عن أبي عبد الرحمن الحُبُلي، عن عبد الله بن عمرو قال: جاء حمزة بن عبد المطلب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، اجعلني على شيء أعيش به. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا حمزة، نفس تحييها أحب إليك أم نفس تميتها؟».
قال: بل نفس أحييها: قال: «عليك بنفسك».
وقوله: {وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ} أي: بالحجج والبراهين والدلائل الواضحة {ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الأرْضِ لَمُسْرِفُونَ} وهذا تقريع لهم وتوبيخ على ارتكابهم المحارم بعد علمهم بها، كما كانت بنو قُرَيْظَة والنَّضير وغيرهم من بني قَيْنُقاع ممن حول المدينة من اليهود، الذين كانوا يقاتلون مع الأوس والخزرج إذا وقعت بينهم الحروب في الجاهلية، ثم إذا وضعت الحروب أوزارها فدوا من أسروه، وودوا من قتلوه، وقد أنكر الله عليهم ذلك في سورة البقرة، حيث يقول: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلا تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنْتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِنْكُمْ مِنْ دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالإثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة: 84، 85]. اهـ.