فصل: فوائد لغوية وإعرابية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن جرير عن قتادة وعطاء الخراساني في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله..} الآية. قال: هذا الذي يقطع الطريق فهو محارب، فإن قتل وأخذ مالًا صلب، وإن قتل ولم يأخذ مالًا قتل، وإن أخذ مالًا ولم يقتل قطعت يده ورجله، وإن أخذ قبل أن يفعل شيئًا من ذلك نفي، وأما قوله: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فهؤلاء خاصة، ومن أصاب دمًا ثم تاب من قبل أن يقدر عليه أهدر عنه ما مضى.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن عطاء ومجاهد قالا: الإمام في ذلك مخير، إن شاء قتل، وإن شاء قطع، وإن شاء صلب، وإن شاء نفى.
وأخرج ابن أبي شيبة عن سعيد بن المسيب والحسن والضحاك في الآية قالوا: الإمام مخيَّر في المحارب يصنع به ما شاء.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الضحاك فال «كان قوم بينهم وبين النبي صلى الله عليه وسلم ميثاق، فنقضوا العهد وقطعوا السبل، وأفسدوا في الأرض، فخير الله نبيه فيهم إن شاء قتل، وإن شاء صلب، وإن شاء قطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض. قال: هو أن يطلبوا حتى يعجزوا، فمن تاب قبل أن يقدروا عليه قبل ذلك منه».
وأخرج أبو داود في ناسخه عن الضحاك قال: نزلت هذه الآية في المشركين.
وأخرج ابن جرير عن ابن عباس قال: نفيه أن يطلبه الإمام حتى يأخذه، أقام عليه إحدى هذه المنازل التي ذكر الله بما استحل.
وأخرج عبد بن حميد عن الحسن في قوله: {أو ينفوا من الأرض} قال: من بلد إلى بلد.
وأخرج ابن جرير عن الحسن قال: ينفى حتى لا يقدر عليه.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن الزهري في قوله: {أو ينفوا من الأرض} قال: نفيه أن يطلب فلا يقدر عليه، كلما سمع به أرض طلب.
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس في الآية قال: يخرجوا من الأرض، أينما أدركوا خرجوا حتى يلحقوا بأرض العدو.
وأخرج ابن جرير عن سعيد بن جبير في الآية قال: من أخاف سبيل المؤمنين نفي من بلد إلى غيره.
وأخرج عبد بن حميد عن مجاهد في قوله: {ويسعون في الأرض فسادًا} قال: الزنا، والسرقة، وقتل النفس، وهلاك الحرث، والنسل.
وأخرج ابن جرير عن محمد بن كعب القرظي وسعيد بن جبير قالا: ان جاء تائبًا لم يقطع مالًا، ولا سفك دمًا، فذلك الذي قال الله: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم}.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا في كتاب الأشراف وابن جرير وابن أبي حاتم عن الشعبي قال: كان حارثة بن بدر التميمي من أهل البصرة، قد أفسد في الأرض وحارب، وكلم رجالًا من قريش أن يستأمنوا له عليًا فأبوا، فأتى سعيد بن قيس الهمذاني، فأتى عليًا فقال: يا أمير المؤمنين ما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا؟ قال: أن يقتلوا، أو يصلبوا، أو تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف، أو ينفوا من الأرض، ثم قال: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فقال سعيد: وإن كان حارثة بن بدر؟ فقال: هذا حارثة بن بدر قد جاء تائبًا فهو آمن؟ قال: نعم.
قال: فجاء به إليه، فبايعه وقَبِل ذلك منه وكتب له أمانًا.
وأخرج ابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن الأشعث عن رجل قال: صلى رجل مع أبي موسى الأشعري الغداة، ثم قال: هذا مقام العائذ التائب، أنا فلان بن فلان، أنا كنت ممن حارب الله ورسوله وجئت تائبًا من قبل أن يقدر عليَّ، فقال أبو موسى: إن فلان ابن فلان كان ممن حارب الله ورسوله وجاء تائبًا من قبل أن يقدر عليه، فلا يعرض له أحد إلا بخير، فإن يكن صادقًا فسبيلي ذلك، وإن يك كاذبًا فلعل الله أن يأخذه بذنبه.
وأخرج عبد بن حميد عن عطاء أنه سئل عن رجل سرق سرقة فجاء تائبًا من غير أن يؤخذ عليه، هل عليه حد؟ قال: لا، ثم قال: {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم...} الآية.
وأخرج أبو داود في ناسخه عن السدي في قوله: {إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله} قال: سمعنا انه إذا قَتَلَ قُتِلَ، واذا أخذ المال ولم يقتل قطعت يده بالمال، ورجله بالمحاربة، وإذا قتل وأخذ المال قطعت يده ورجلاه وصلب {إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم} فإن جاء تائبًا إلى الإمام قبل أن يقدر عليه فأمنه الإمام فهو آمن، فإن قتله إنسان بعد أن يعلم أن الإمام قد أمنه قتل به، فإن قتله ولم يعلم أن الإمام قد أمنه كانت الدية. اهـ.

.فوائد لغوية وإعرابية:

قال ابن عادل:
قوله تعالى: {إِلاَّ الذين تَابُواْ} فيه وجهان:
أحدهما: أنَّه مَنْصُوب على الاسْتِثْنَاء من المحاربين، وللعُلَماء خلافٌ في التَّائِب من قُطَّاع الطَّريق، هل تَسْقط عنه العُقُوبات كُلُّها، أو عقوبة قَطْع الطَّريق فقط؟.
وأما ما يتعَلَّق بالأمْوَال وقتل الأنْفُس، فلا تسقط، بل حُكْمُه إلى صاحِبِ المال، وَوَلِيّ الدَّم، والظَّاهر الأوّل.
الثاني: أنَّه مرفوع بالابْتِدَاء، والخبر قوله: {فإنَّ الله غَفُورٌ رحيم} والعَائِد مَحْذُوف، أي: غفور له؛ ذكر هذا الثَّاني أبُو البقاء.
وحينئذٍ يكون استثناءً مُنْقَطِعًا بمعنى: لكن التَّائِب يُغْفَر لَهُ. اهـ.

.التفسير الإشاري:

قال الألوسي:
ومن باب الإشارة في الآيات: {وَمِنَ الذين قَالُواْ إِنَّا نصارى أَخَذْنَا ميثاقهم فَنَسُواْ حَظًّا مّمَّا ذُكِرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ العداوة والبغضاء} أي ألزمناهم ذلك لتخالف دواعي قواهم باحتجابهم عن نور التوحيد وبعدهم عن العالم القدسي {إلى يَوْمِ القيامة} أي إلى وقت قيامهم بظهور نور الروح، أو القيامة الكبرى بظهور نور التوحيد {وَسَوْفَ يُنَبّئُهُمُ الله بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ} [المائدة: 14] وذلك عند الموت وظهور الخسران بظهور الهيئات القبيحة المؤذية الراسخة فيهم {يَصْنَعُونَ يَأَهْلَ الكتاب قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيّنُ لَكُمْ} بحسب الدواعي والمقتضيات {كَثِيرًا مّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ} عن الناس في أنفسكم {مِنَ الكتاب وَيَعْفُواْ عَن كَثِيرٍ} إذا لم تدع إليه داعية {قَدْ جَاءكُمْ مّنَ الله نُورٌ} أبرزته العناية الإلهية من مكامن العماء {وكتاب} [المائدة: 15] خطه قلم الباري في صحائف الإمكان جامعًا لكل كمال، وهما إشارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك وحد الضمير في قوله سبحانه: {يَهْدِى بِهِ الله} أي بواسطته {مَنِ اتبع رِضْوَانَهُ} أي من أراد ذلك {سُبُلَ السلام} وهي الطرق الموصلة إليه عز وجل.
وقد قال بعض العارفين: الطرق إلى الله تعالى مسدودة إلا على من اتبع النبي صلى الله عليه وسلم {وَيُخْرِجُهُمْ مّنِ الظلمات} وهي ظلمات الشك والاعتراضات النفسانية والخطرات الشيطانية {إِلَى النور} وهو نور الرضا والتسليم {وَيَهْدِيهِمْ إلى صراط مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16] وهو طريق الترقي في المقامات العلية، وقد يقال: الجملة الأولى: إشارة إلى توحيد الأفعال، والثانية: إلى توحيد الصفات، والثالثة: إلى توحيد الذات {لَّقَدْ كَفَرَ الذين قَالُواْ إِنَّ الله هُوَ المسيح ابن مَرْيَمَ} فحصروا الألوهية فيه وقيدوا الإله بتعينه وهو الوجود المطلق حتى عن قيد الإطلاق {قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ الله شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ المسيح ابن مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن في الأرض جَمِيعًا} فإن كل ذلك من التعينات والشؤون والله من ورائهم محيط {وَللَّهِ مُلْكُ السموات والأرض وَمَا بَيْنَهُمَا} أي عالم الأرواح وعالم الأجساد وعالم الصور {يَخْلُقُ مَا يَشَاء} [المائدة: 17] ويظهر ما أراد من الشؤون {وَقَالَتِ اليهود والنصارى نَحْنُ أَبْنَاء الله وَأَحِبَّاؤُهُ} فادّعوا بنوة الإسرار والقرب من حضرة نور الأنوار، وقد قال ذلك قوم من المتقدمين كما مرت الإشارة إليه، وقال ما يقرب من ذلك بعض المتأخرين، فقال الواسطي: ابن الأزل والأبد لكن هؤلاء القوم لم يعرفوا الحقائق ولم يذوقوا طعم الدقائق فرد الله تعالى دعواهم بقوله سبحانه: {قُلْ فَلِمَ يُعَذّبُكُم بِذُنُوبِكُم} والأبناء والأحباب لا يذنبون فيعذبون، أو لا يمتحنون إذ قد خرجوا من محل الامتحان من حيث الأشباح {بَلْ أَنتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} كسائر عباد الله تعالى لا امتياز لكم عليهم بشيء كما تزعمون {يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء} منهم فضلًا {وَيُعَذّبُ مَن يَشَاء} [المائدة: 18] منهم عدلًا {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يا قوم قَوْمٌ اذكروا نِعْمَةَ الله عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاء وَجَعَلَكُمْ مُّلُوكًا} بالولاية ومعرفة الصفات، أو بسلطنة الوجد وقوة الحال وعزة علم المعرفة، أو مالكين أنفسكم بمنعها عن غير طاعتي، والملوك عندنا الأحرار من رق الكونين وما فيه {وَإِذْ قَالَ موسى لِقَوْمِهِ يا قوم اذكروا نِعْمَةَ} [المائدة: 20] أي عالمي زمانكم، ومنه اجتلاء نور التجلي من وجه موسى عليه السلام {العالمين يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الاْرْضَ المُقَدَّسَةَ} وهي حضرة القلب {الَّتِى كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} في القضاء السابق حسب الاستعداد {وَلاَ تَرْتَدُّوا على أدباركم} في الميل إلى مدينة البدن، والإقبال عليه بتحصيل لذاته {فَتَنقَلِبُواْ خاسرين} [المائدة: 21] لتفويتكم أنوار القلب وطيباته {قَالُواْ يا موسى أَنِ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ} وهي صفات النفس {وَإِنَّا لَن نَّدْخُلَهَا حتى يَخْرُجُواْ مِنْهَا} بأن يصرفهم الله تعالى بلا رياضة منا ولا مجاهدة، أو يضعفوا عن الاستيلاء بالطبع {فَإِن يَخْرُجُواْ مِنْهَا فَإِنَّا داخلون} [المائدة: 22] حينئذٍ {قَالَ رَجُلاَنِ مِنَ الذين يَخَافُونَ} سوء عاقبة ملازمة الجسم {أَنْعَمَ الله عَلَيْهِمَا} بالهداية إلى الصراط السوي وهما العقل النظري والعقل العملي {ادخلوا عَلَيْهِمُ الباب} أي باب قرية القلب وهو التوكل بتجلي الأفعال كما أن باب قرية الروح هو الرضا {فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غالبون} بخروجكم عن أفعالكم وحولكم، ويدل على أن الباب هو التوكل قوله تعالى: {وَعَلَى الله فَتَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [المائدة: 23] بالحقيقة وهو الإيمان عن حضور، وأقل درجاته تجلي الأفعال {قَالُواْ يا موسى إِنَّا لَنْ نَّدْخُلَهَا أَبَدًا مَّا دَامُواْ فِيهَا فاذهب أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا} أولئك الجبارين عنا وأزيلاهم لتخلو لنا الأرض {إِنَّا هاهنا قاعدون} [المائدة: 24] أي ملازمون مكاننا في مقام النفس معتكفون على الهوى واللذات {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ في الأرض} [المائدة: 26] أي أرض الطبيعة، وذلك مدة بقائهم في مقام النفس، وكان ينزل عليهم من سماء الروح نور عقد المعاش فينتفعون بضوئه {واتل عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابنى ءادَمَ} القلب اللذين هما هابيل العقل؛ وقابيل الوهم {إِذْ قَرَّبَا قربانا} وذلك كما قال بعض العارفين: إن توأمة العقل البوذا العاقلة العملية المدبرة لأمر المعاش والمعاد بالآراء الصالحة المقتضية للأعمال الصالحة والأخلاق الفاضلة المستنبطة لأنواع الصناعات والسياسات، وتوأمة الوهم إقليميا القوة المتخيلة المتصرفة في المحسوسات والمعاني الجزئية لتحصيل الآراء الشيطانية، فأمر آدم القلب بتزوج الوهم توأمة العقل لتدبره بالرياضات الإذعانية والسياسات الروحانية وتصاحبه بالقياسات العقلية البرهانية فتسخره للعقل، وتزويج لعقل توأمة الوهم ليجعلها صالحة ويمنعها عن شهوات التخيلات الفاسدة وأحاديث النفس الكاذبة ويستعمل فيما ينفع فيستريح أبوها وينتفع، فحسد قابيل الوهم هابيل العقل لكون توأمته أجمل عنده وأحب إليه لمناسبتها إياه فأمرا عند ذلك بالقربان، فقربا قربانًا {فَتُقُبّلَ مِن أَحَدِهِمَا} وهو هابيل العقل بأن نزلت نار من السماء فأكلته، والمراد بها العقل الفعال النازل من سماء عالم الأرواح، وأكله إفاضته النتيجة على الصورة القياسية التي هي قربان العقل وعمله الذي يتقرب به إلى الله تعالى: {وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخر} وهو قابيل الوهم إذ يمتنع قبول الصورة الوهمية لأنها لا تطابق ما في نفس الأمر {قَالَ لاَقْتُلَنَّكَ} لمزيد حسده بزيادة قرب العقل من الله تعالى وبعده عن رتبة الوهم في مدركاته وتصرفاته، وقتله إياه إشارة إلى منعه عن فعله وقطع مدد الروح ونور الهداية الإلهية الذي به الحياة عنه بإيراد التشكيكات الوهمية والمعارضات في تحصيل المطالب النظرية {قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ الله مِنَ المتقين} [المائدة: 27] الذين يتخذون الله تعالى وقاية، أو يحذرون الهيئات المظلمة البدنية والأهواء المردية والتسويلات المهلكة {لَئِن بَسَطتَ إِلَىَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِى مَا أَنَاْ بِبَاسِطٍ يَدِىَ إِلَيْكَ لاِقْتُلَكَ} أي إني لا أبطل أعمالك التي هي سديدة في مواضعها {إِنّى أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} [المائدة: 28] أي لأني أعرف الله سبحانه فأعلم أنه خلقك لشأن وأوجدك لحكمة، ومن جملة ذلك أن أسباب المعاش لا تحصل إلا بالوهم ولولا الأمل بطل العمل {إِنّى أُرِيدُ أَن تَبُوء بِإِثْمِى وَإِثْمِكَ} أي بإثم قتلي وإثم عملك من الآراء الباطلة {فَتَكُونَ مِنْ أصحاب النار} وهي نار الحجاب والحرمان {وَذَلِكَ جَزَاء الظالمين} [المائدة: 29] الواضعين للأشياء في غير موضعها كما وضع الأحكام الحسية موضع المعقولات {فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ} بمنعه عن أفعاله الخاصة وحجبه عن نور الهداية {فَأَصْبَحَ مِنَ الخاسرين} [المائدة: 30] لتضرره باستيلائه على العقل فإن الوهم إذا انقطع عن معاضده العقل حمل النفس على أمور تتضرر منها {فَبَعَثَ الله غُرَابًا} وهو غراب الحرص {يَبْحَثُ في الأرض} أي أرض النفس {لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِى مِنْ أَخِيهِ} وهو العقل المنقطع عن حياة الروح المشوب بالوهم والهوى المحجوب عن عالمه في ظلمات أرض النفس {قَالَ يَاءادَمُ لّسَانِى يَفْقَهُواْ قَوْلِي واجعل لّى وَزِيرًا مّنْ أَهْلِى هارون أَخِى} بإخفائها في ظلمة النفس فأنتفع بها {فَأَصْبَحَ مِنَ النادمين} [المائدة: 31] عند ظهور الخسران وحصول الحرمان {مِنْ أَجْلِ ذلك كَتَبْنَا على بَنِى إسرائيل أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ في الأرض فَكَأَنَّمَا قَتَلَ} [المائدة: 32] لأن الواحد مشتمل على ما يشتمل عليه جميع أفراد النوع، وقيام النوع بالواحد كقيامه بالجميع في الخارج، ولا اعتبار بالعدد فإن حقيقة النوع لا تزيد بزيادة الأفراد ولا تنقص بنقصها، ويقال في جانب الأحياء مثل ذلك {إِنَّمَا جَزَاء الذين يُحَارِبُونَ الله وَرَسُولَهُ} أي أولياءهما {وَيَسْعَوْنَ في الأرض فَسَادًا} بتثبيط السالكين {أَن يُقَتَّلُواْ} بسيف الخذلان {أَوْ يُصَلَّبُواْ} بحبل الهجران على جذع الحرمان {أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ} عن أذيال الوصال {وَأَرْجُلُهُم مّنْ خلاف} عن الاختلاف والتردد إلى السالكين {أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأرض} أي أرض القربة والائتلاف فلا يلتفت إليهم السالك ولا يتوجه لهم {ذلك لَهُمْ خِزْىٌ} وهوان {فِى الدنيا وَلَهُمْ في الآخرة عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] لعظم جنايتهم، وقد جاء أن الله تعالى يغضب لأوليائه كما يغضب الليث الحرب، ومن آذى وليًا فقد آذنته بالمحاربة نسأل الله تعالى العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة. اهـ.