فصل: قال الشوكاني:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ثم قال الطبراني: «لم يروه عن ابن أبي ذئب إلا موسى بن أعين». كذا قال، وقد رواه ابن مَرْدُويه: حدثنا محمد بن علي بن دحيم، حدثنا أحمد بن حازم، حدثنا عبيد الله بن موسى، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن عمرو بن عطاء، فذكر بإسناده نحوه.
حديث آخر: روى ابن مردويه بإسناده عن عمارة بن غَزِيةَ، عن موسى بن وَرْدان: أنه سمع أبا سعيد الخدري يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الوسيلة درجة عند الله، ليس فوقها درجة، فسَلُوا الله أن يؤتيني الوسيلة على خلقه».
حديث آخر: روى ابن مردويه أيضًا من طريقين، عن عبد الحميد بن بحر: حدثنا شَريك، عن أبي إسحاق، عن الحارث، عن علي، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «في الجنة درجة تدعى الوسيلة، فإذا سألتم الله فسلوا لي الوسيلة». قالوا: يا رسول الله، من يسكن معك؟ قال: «علي وفاطمة والحسن والحسين».
هذا حديث غريب منكر من هذا الوجه.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا الحسن الدَّشْتَكِيّ، حدثنا أبو زهير، حدثنا سعد بن طَرِيف، عن علي بن الحسين الأزْدِي- مولى سالم بن ثَوْبان- قال: سمعت علي بن أبي طالب ينادي على منبر الكوفة: يا أيها الناس، إن في الجنة لؤلؤتين: إحداهما بيضاء، والأخرى صفراء، أما الصفراء فإنها إلى بُطْنَان العرش، والمقام المحمود من اللؤلؤة البيضاء سبعون ألف غرفة، كل بيت منها ثلاثة أميال، وغرفها وأبوابها وأسرتها وكأنها من عرق واحد، واسمها الوسيلة، هي لمحمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته، والصفراء فيها مثل ذلك، هي لإبراهيم، عليه السلام، وأهل بيته.
وهذا أثر غريب أيضا. اهـ.

.قال الشوكاني:

الوسيلة: القربة التي ينبغي أن تطلب، وبه قال أبو وائل والحسن ومجاهد، وقتادة والسدي وابن زيد.
وروي عن ابن عباس، وعطاء، وعبد الله بن كثير.
قال ابن كثير في تفسيره: وهذا الذي قاله هؤلاء الأئمة، لا خلاف بين المفسرين فيه.
والوسيلة أيضًا درجة في الجنة مختصة برسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد ثبت في صحيح البخاري من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قال حين يسمع النداء: اللهم ربّ هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة، وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته، إلا حلت له الشفاعة يوم القيامة» وفي صحيح مسلم، من حديث عبد الله بن عمرو، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا سمعتم المؤذن فقولوا مثل ما يقول، ثم صلوا عليّ، فإنه من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه عشرًا ثم سلوا لي الوسيلة، فإنها منزلة في الجنة، لا تنبغي إلا لعبد من عباد الله، وأرجو أن أكون أنا هو، فمن سأل لي الوسيلة حلت عليه الشفاعة» وفي الباب أحاديث، وعطف {وابتغوا إِلَيهِ الوسيلة} على {يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله} يفيد أن الوسيلة غير التقوى.
وقيل هي التقوى، لأنها ملاك الأمر، وكل الخير، فتكون الجملة الثانية على هذا مفسرة للجملة الأولى.
والظاهر أن الوسيلة: هي القربة تصدق على التقوى، وعلى غيرها من خصال الخير التي يتقرب العباد بها إلى ربهم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}.
اعتراض بين آيات وعيد المحاربين وأحكام جزائهم وبين ما بعده من قوله: {إنّ الذين كفروا لو أنّ لهم ما في الأرض جميعًا} [المائدة: 36] الآية.
خاطب المؤمنين بالتّرغيب بعد أن حذّرهم من المفاسد، على عادة القرآن في تخلّل الأغراض بالموعظة والتّرغيب والتّرهيب، وهي طريقة من الخطابة لاصطياد النّفوس، كما قال الحريري: «فلمّا دَفنوا الميْتْ، وفاتَ قول ليتْ، أقبل شَيخ من رِباوَة، متأبّطًا لهراوة،.
فقال: لمثل هذا فليعمل العاملون، إلخ.
فعُقّب حكم المحاربين من أهل الكفر بأمر المؤمنين بالتّقوى وطلب ما يوصلهم إلى مرضاة الله.
وقابل قتالًا مذمومًا بقتال يحمد فاعله عاجلًا وآجلًا»
.
والوسيلة: كالوصيلة.
وفعل وَسَل قريب من فعل وَصَلَ، فالوسيلة: القُربة، وهي فعيلة بمعنى مفعولة، أي متوسّل بها أي اتبعوا التقرّب إليه، أي بالطاعة.
و{إليه} متعلّق بـ {الوسيلة} أي الوسيلة إلى الله تعالى.
فالوسيلة أريد بها ما يبلغ به إلى الله، وقد علم المسلمون أنّ البلوغ إلى الله ليس بلوغ مسافة ولكنّه بلوغ زلفى ورضى.
فالتّعريف في الوسيلة تعريف الجنس، أي كلّ ما تعلمون أنّه يقرّبكم إلى الله، أي ينيلكم رضاه وقبول أعمالكم لديه.
فالوسيلة ما يقرّب العبد من الله بالعمل بأوامره ونواهيه.
وفي الحديث القُدسي: «ما تَقَرّب إلَيّ عبدي بشيء أحبّ إليّ ممّا افترضته عليه» الحديث.
والمجرور في قوله: {وابتغوا إليه الوسيلة} متعلّق بـ {ابتغوا}.
ويجوز تعلّقه بـ {الوسيلة}، وقدم على متعلّقه للحصر، أي لا تتوسّلوا إلاّ إليه لا إلى غيره فيكون تعريضًا بالمشركين لأنّ المسلمين لا يظنّ بهم ما يقتضي هذا الحصر. اهـ.

.قال الألوسي:

{يا أيها الذين ءامَنُواْ اتقوا الله} لما ذكر سبحانه جزاء المحارب وعظم جنايته وأشار في تضاعيف ذلك إلى مغفرته تعالى لمن تاب أمر المؤمنين بتقواه عز وجل في كل ما يأتون ويذرون بترك ما يجب اتقاؤه من المعاصي التي من جملتها المحاربة والفساد، وبفعل الطاعة التي من عدادها التوبة والاستغفار ودفع الفساد {وابتغوا إِلَيهِ} أي اطلبوا لأنفسكم إلى ثوابه والزلفى منه {الوسيلة} هي فعيلة بمعنى ما يتوسل به ويتقرب إلى الله عز وجل من فعل الطاعات وترك المعاصي من وسل إلى كذا أي تقرب إليه بشيء، والظرف متعلق بها وقدم عليها للاهتمام وهي صفة لا مصدر حتى يمتنع تقدم معموله عليه، وقيل: متعلق بالفعل قبله، وقيل: بمحذوف وقع حالًا منها أي كائنة إليه، ولعل المراد بها الاتقاء المأمور به كما يشير إليه كلام قتادة، فإنه ملاك الأمر كله.
والذريعة لكل خير والمنجاة من كل ضير، والجملة حينئذٍ جارية مما قبلها مجرى البيان والتأكيد، وقيل: الجملة الأولى أمر بترك المعاصي، والثانية أمر بفعل الطاعات، وأخرج ابن الأنباري وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن الوسيلة الحاجة، وأنشد له قول عنترة:
إن الرجال لهم إليك وسيلة ** إن يأخذوك تكحلي وتخضبي

وكأن المعنى حينئذٍ اطلبوا متوجهين إليه حاجتكم فإن بيده عز شأنه مقاليد السموات والأرض ولا تطلبوها متوجهين إلى غيره فتكونوا كضعيف عاذ بقرملة، وفسر بعضهم الوسيلة بمنزلة في الجنة، وكونها بهذا المعنى غير ظاهر لاختصاصها بالأنبياء عليهم الصلاة والسلام بناءًا على ما رواه مسلم وغيره «إنها منزلة في الجنة جعلها الله تعالى لعبد من عباده وأرجو أن أكون أنا فاسألوا لي الوسيلة» وكون الطلب هنا للنبي صلى الله عليه وسلم مما لا يكاد يذهب إليه ذهن سليم، وعليه يمتنع تعلق الظرف بها كما لا يخفى.
واستدل بعض الناس بهذه الآية على مشروعية الاستغاثة بالصالحين وجعلهم وسيلة بين الله تعالى وبين العباد والقسم على الله تعالى بهم بأن يقال: اللهم إنا نقسم عليك بفلان أن تعطينا كذا، ومنهم من يقول للغائب أو الميت من عباد الله تعالى الصالحين: يا فلان ادع الله تعالى ليرزقني كذا وكذا، ويزعمون أن ذلك من باب ابتغاء الوسيلة، ويروون عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال إذا أعيتكم الأمور فعليكم بأهل القبور، أو فاستغيثوا بأهل القبور وكل ذلك بعيد عن الحق بمراحل.
وتحقيق الكلام في هذا المقام أن الاستغاثة بمخلوق وجعله وسيلة بمعنى طلب الدعاء منه لا شك في جوازه إن كان المطلوب منه حيًا ولا يتوقف على أفضليته من الطالب بل قد يطلب الفاضل من المفضول، فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمر رضي الله تعالى عنه لما استأذنه في العمرة: «لا تنسنا يا أخي من دعائك» وأمره أيضًا أن يطلب من أويس القرني رحمة الله تعالى عليه أن يستغفر له، وأمر أمته صلى الله عليه وسلم بطلب الوسيلة له كما مر آنفًا وبأن يصلوا عليه، وأما إذا كان المطلوب منه ميتًا أو غائبًا فلا يستريب عالم أنه غير جائز وأنه من البدع التي لم يفعلها أحد من السلف، نعم السلام على أهل القبور مشروع ومخاطبتهم جائزة؛ فقد صح أنه صلى الله عليه وسلم كان يعلم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين وإنا إن شاء الله تعالى بكم لاحقون يرحم الله تعالى المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله تعالى لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم» ولم يرد عن أحد من الصحابة رضي الله تعالى عنهم وهم أحرص الخلق على كل خير أنه طلب من ميت شيئًا، بل قد صح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أنه كان يقول إذا دخل الحجرة النبوية زائرًا: السلام عليك يا رسول الله؛ السلام عليك يا أبا بكر السلام عليك يا أبت، ثم ينصرف ولا يزيد على ذلك ولا يطلب من سيد العالمين صلى الله عليه وسلم أو من ضجيعيه المكرمين رضي الله تعالى عنهما شيئًا وهم أكرم من ضمته البسيطة وأرفع قدرًا من سائر من أحاطت به الأفلاك المحيطة نعم الدعاء في هاتيك الحضرة المكرمة والروضة المعظمة أمر مشروع فقد كانت الصحابة تدعوا الله تعالى هناك مستقبلين القبلة ولم يرد عنهم استقبال القبر الشريف عند الدعاء مع أنه أفضل من العرش، واختلف الأئمة في استقباله عند السلام، فعن أبي حنيفة رحمه الله تعالى أنه لا يستقبل بل يستدبر ويستقبل القبلة، وقال بعضهم: يستقبل وقت السلام، وتستقبل القبلة ويستدبر وقت الدعاء، والصحيح المعول عليه أنه يستقبل وقت السلام وعند الدعاء تستقبل القبلة، ويجعل القبر المكرم عن اليمين أو اليسار، فإذا كان هذا المشروع في زيارة سيد الخليقة وعلة الإيجاد على الحقيقة صلى الله عليه وسلم، فماذا تبلغ زيارة غيره بالنسبة إلى زيارته عليه الصلاة والسلام ليزاد فيها ما يزاد، أو يطلب من المزور بها ما ليس من وظيفة العباد؟؟
وأما القسم على الله تعالى بأحد من خلقه مثل أن يقال: اللهم إني أقسم عليك أو أسألك بفلان إلا ما قضيت لي حاجتي، فعن ابن عبد السلام جواز ذلك في النبي صلى الله عليه وسلم لأنه سيد ولد آدم، ولا يجوز أن يقسم على الله تعالى بغيره من الأنبياء والملائكة والأولياء لأنهم ليسوا في درجته، وقد نقل ذلك عنه المناوي في «شرحه الكبير للجامع الصغير»، ودليله في ذلك ما رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح عن عثمان بن حنيف رضي الله تعالى عنه أن رجلًا ضرير البصر أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ادع الله تعالى أن يعافيني فقال: إن شئت دعوت وإن شئت صبرت فهو خير لك، قال: فادعه فأمره أن يتوضأ فيحسن الوضوء ويدعو بهذا الدعاء: «اللهم إني أسألك وأتوجه بنبيك صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة يا رسول الله إني توجهت بك إلى ربي في حاجتي هذه لتقضي لي اللهم فشفعه في»، ونقل عن أحمد مثل ذلك.
ومن الناس من منع التوسل بالذات والقسم على الله تعالى بأحد من خلقه مطلقًا وهو الذي يرشح به كلام المجد ابن تيمية؛ ونقله عن الإمام أبي حنيفة رضي الله تعالى عنه وأبي يوسف وغيرهما من العلماء الأعلام، وأجاب عن الحديث بأنه على حذف مضاف أي بدعاء أو شفاعة نبيك صلى الله عليه وسلم، ففيه جعل الدعاء وسيلة وهو جائز بل مندوب، والدليل على هذا التقدير قوله في آخر الحديث: «اللهم فشفعه في» بل في أوله أيضًا ما يدل على ذلك، وقد شنع التاج السبكي كما هو عادته على المجد، فقال: ويحسن التوسل والاستغاثة بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى ربه ولم ينكر ذلك أحد من السلف والخلف حتى جاء ابن تيمية فأنكر ذلك وعدل عن الصراط المستقيم وابتدع ما لم يقله عالم وصار بين الأنام مثلة انتهى.