فصل: من فوائد الألوسي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الموفية عشرين لا خلاف أن اليمنى هي التي تقطع أولًا، ثم اختلفوا إن سرق ثانية؛ فقال مالك وأهل المدينة والشافعيّ وأبو ثور وغيرهم: تقطع رجله اليسرى، ثم في الثالثة يده اليسرى، ثم في الرابعة رجله اليمنى، ثم إن سرق خامسة يُعزّر ويُحبس.
وقال أبو مُصْعَب من علمائنا: يقتل بعد الرابعة؛ واحتج بحديث خرّجه النسائيّ عن الحارث بن حاطب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتِي بلص فقال: «اقتلوه» فقالوا؛ يا رسول الله إنما سرق قال: «اقتلوه» قالوا: يا رسول إنما سرق قال: «اقطعوا يده» قال: ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه حتى قطعت قوائمه كلها، ثم سرق أيضًا الخامسة فقال أبو بكر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال: «اقتلوه» ثم دفعه إلى فتية من قريش ليقتلوه؛ منهم عبد الله بن الزبير وكان يحب الإمارة فقال: أَمِّروني عليكم فأَمَّروه عليهم، فكان إذا ضرب ضربوه حتى قتلوه.
وبحديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بسارق في الخامسة فقال: «اقتلوه» قال جابر: فانطلقنا به فقتلناه، ثم اجتررناه فرميناه في بئر ورمينا عليه الحجارة. رواه أبو داود وخرجه النسائيّ وقال: هذا حديث منكر وأحد رواته ليس بالقوي.
ولا أعلم في هذا الباب حديثًا صحيحًا.
قال ابن المنذر: ثبت عن أبي بكر وعمر رضي الله عنهما أنهما قطعا اليد بعد اليد والرجل بعد الرجل.
وقيل: تقطع في الثانية رجله اليسرى ثم لا قطع في غيرها، ثم إذا عاد عزر وحبِس؛ وروى عن عليّ ابن أبي طالب، وبه قال الزُّهْرِيّ وحماد بن أبي سليمان وأحمد بن حنبل.
قال الزهريّ: لم يبلغنا في السنة إلا قطع اليد والرجل.
وقال عطاء: تقطع يده اليمنى خاصة ولا يعود عليه القطع: ذكره ابن العربي وقال: أما قول عطاء فإن الصحابة قالوا قبله خلافه.
الحادية والعشرون واختلفوا في الحاكم يأمر بقطع يد السارق اليمنى فتقطع يساره فقال قَتَادة: قد أُقيم عليه الحدّ ولا يزاد عليه؛ وبه قال مالك: إذا أخطأ القاطع فقطع شماله، وبه قال أصحاب الرأي استحسانا.
وقال أبو ثور: على الحزاز الدّية لأنه أخطأ وتقطع يمينه إلا أن يمنع بإجماع.
قال ابن المنذر: ليس يخلو قطع يسار السارق من أحد معنيين؛ إما أن يكون القاطع عَمَد ذلك فعليه القَود، أو يكون أخطأ فديته على عاقلة القاطع؛ وقطع يمين السارق يجب، ولا يجوز إزالة ما أوجب الله سبحانه بتعدّي معتد أو خطأ مخطىء.
وقال الثوريّ في الذي يقتص منه في يمينه فيقدّم شماله فتقطع؛ قال: تقطع يمينه أيضًا.
قال ابن المنذر: وهذا صحيح.
وقالت طائفة: تقطع يمينه إذا برىء؛ وذلك أنه هو أتلف يساره، ولا شيء على القاطع في قول أصحاب الرأي، وقياس قول الشافعي.
وتقطع يمينه إذا برئت.
وقال قَتَادة والشعبيّ: لا شيء على القاطع وحسبه ما قُطِع منه.
الثانية والعشرون وتعلق يد السارق في عنقه، قال عبد الله بن مُحَيْرِيز سألت فضالة عن تعليق يد السارق في عنقه أمن السنة هو؟ فقال: جيء رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده، ثم أَمَر بها فعلقت في عنقه؛ أخرجه الترمذيّ وقال: حديث حسن غريب وأبو داود والنسائي.
الثالثة والعشرون إذا وجب حد السرقة فقتل السارق رجلًا؛ فقال مالك: يقتل ويدخل القطع فيه.
وقال الشافعي: يقطع ويقتل؛ لأنهما حقان لمستحقين فوجب أن يوفى لكل واحد منهما حقه، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى، وهو اختيار ابن العربي.
الرابعة والعشرون قوله تعالى: {أَيْدِيَهُمَا} لما قال «أَيْدِيَهُمَا» ولم يقل يديْهما تكلم علماء اللسان في ذلك قال ابن العربي: وتابعهم الفقهاء على ما ذكروه حسن ظن بهم فقال الخليل بن أحمد والفرّاء: كل شيء يوجد من خلق الإنسان إذا أُضيف إلى اثنين جمع تقول: هشمت رؤوسهما وأشبعت بطونهما، و{إِن تَتُوبَا إِلَى الله فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] ولهذا قال: {فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} ولم يقل يديْهما.
والمراد فاقطعوا يمينًا من هذا ويمينًا من هذا.
ويجوز في اللغة؛ فاقطعوا يديهما وهو الأصل؛ وقد قال الشاعر فجمع بين اللغتين:
ومَهْمَهَيْنِ قَذَفَيْنِ مَرْتَيْنِ ** ظُهراهما مِثْلُ ظُهورِ التُّرْسَينِ

وقيل: فُعِل هذا لأنه لا يشكل.
وقال سيبويه: إذا كان مفردًا قد يجمع إذا أردت به التثنية، وحكى عن العرب؛ وضعا رِحالهما.
ويريد به رحلي راحِلتيهما؛ قال ابن العربي: وهذا بناء على أن اليمين وحدها هي التي تقطع وليس كذلك، بل تقطع الأيدي والأرجل، فيعود قوله: {أيديهما} إلى أربعة وهي جمع في الاثنين، وهما تثنية فيأتي الكلام على فصاحته، ولو قال: فاقطعوا أيديهم لكان وجهًا؛ لأن السارق والسارقة لم يرد بهما شخصين خاصة، وإنما هما اسما جنس يَعُمّان ما لا يحصى.
الخامسة والعشرون قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} مفعول من أجله، وإن شئت كان مصدرًا وكذا {نَكَالًا مِّنَ الله} يقال: نكلتُ به إذا فعلت به ما يوجب أن يَنْكُل به عن ذلك الفعل.
{والله عَزِيزٌ} لا يغالب {حَكِيمٌ} فيما يفعله؛ وقد تقدّم. اهـ.

.من فوائد الألوسي في الآية:

قال رحمه الله:
{والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} شروع في بيان حكم السرقة الصغرى بعد بيان أحكام الكبرى، وقد تقدم بيان اقتضاء الحال لإيراد ما توسط بينهما من المقال، والكلام جملتان عند سيبويه إذ التقدير فيما يتلى عليكم السارق والسارقة أي حكمهما، وجملة عند المبرد، وقرأ عيسى بن عمر بالنصب، وفضلها سيبويه على قراءة العامة لأجل الأمر لأن زيدًا فأضربه أحسن من زيد فأضربه قاله الزمخشري، واتبعه من تبعه ومنهم ابن الحاجب.
وتعقبه العلامة أحمد في «الانتصاف» بكلام كله محاسن فلا بأس في نقله برمته، فنقول.
قال فيه: «المستقرأ من وجوه القراآت أن العامة لا تتفق فيها أبدًا على العدول عن الأفصح، وجدير بالقرآن أن «يحرز» أفصح الوجوه وأن لا يخلو من الأفصح و«ما» يشتمل عليه كلام العرب الذي لم يصل أحد منهم إلى ذروة فصاحته ولم يتعلق بأهدابها، وسيبويه يحاشى من اعتقاد عراء القرآن عن الأفصح واشتمال الشاذ الذي لا يعدّ من القرآن عليه، ونحن نورد الفصل من كلام سيبويه على هذه الآية ليتضح لسامعه براءة سيبويه من عهدة هذا النقل، قال سيبويه في ترجمة باب الأمر والنهي بعد أن ذكر المواضع التي يختار فيها النصب وملخصها: أنه متى بني الاسم على فعل الأمر فذاك موضع اختيار النصب، ثم قال كالموضح لامتياز هذه الآية عما اختار «فيه» النصب: وأما قوله عز وجل: {والسارق والسارقة فاقطعوا أَيْدِيَهُمَا} وقوله تعالى: {الزانية والزانى فاجلدوا} [النور: 2] فإن هذا لم يبن على الفعل ولكنه جاء على مثال قوله عز وجل: {مَّثَلُ الجنة التي وُعِدَ المتقون} ثم قال سبحانه بعد: {فِيهَا أَنْهَارٌ} [محمد: 15] منها كذا، يريد سيبويه تمييز هذه الآي عن المواضع التي بين اختيار النصب فيها، ووجه التمييز أن الكلام حيث يختار النصب يكون الاسم فيه مبنيًا على الفعل، وأما في هذه الآي فليس بمبني عليه فلا يلزم فيه اختيار النصب، ثم قال: وإنما وضع المثل للحديث الذي ذكره بعده فذكر أخبارًا وقصصًا، فكأنه قال: ومن القصص مثل الجنة فهو محمول على هذا الإضمار والله تعالى أعلم، وكذلك الزانية والزاني لما قال جل ثناؤه: {سُورَةٌ أنزلناها وفرضناها} [النور: 1] قال جل وعلا في جملة الفرائض: {الزانية والزانى} ثم جاء {فاجلدوا} [النور: 2] بعد أن مضى فيهما الرفع يريد سيبويه لم يكن الاسم مبنيًا على الفعل المذكور بعد، بل بني على محذوف متقدم، وجاء الفعل طارئًا، ثم قال: كما جاء وقائلةٍ خولان فانكح فتاتهم، فجاء بالفعل بعد أن عمل فيه المضمر، وكذلك {والسارق والسارقة} كأنه قال فيما فرض عليكم السارق والسارقة وإنما دخلت هذه الأسماء بعد قصص وأحاديث، وقد قرأ أناس {والسارق والسارقة} بالنصب وهو في العربية على ما ذكرت لك من القوة، ولكن أبت العامة إلا الرفع، يريد إن قراءة النصب جاء الاسم فيها مبنيًا على الفعل غير معتمد على متقدم، فكان النصب قويًا بالنسبة إلى الرفع، حيث يبنى الاسم على الفعل لا على متقدم، وليس يعني أنه قوي بالنسبة إلى الرفع، حيث يعتمد الاسم على المحذوف المتقدم، فإنه قد بين أن ذلك يخرجه عن الباب الذي يختار فيه النصب، فكيف يفهم عنه ترجيحه عليه، والباب مع القرائن مختلف، وإنما يقع الترجيح بعد التساوي في الباب، فالنصب أرجح من الرفع حيث يبنى الاسم على الفعل، والرفع متعين لا أقول أرجح حيث يبنى الاسم على كلام متقدم، وإنما التبس على الزمخشري كلام سيبويه من حيث اعتقد أنه باب واحد عنده، ألا ترى إلى قوله: لأن زيدًا فأضربه أحسن من زيد فأضربه، كيف رجح النصب على الرفع، حيث يبنى الكلام في الوجهين على الفعل، وقد صرح سيبويه بأن الكلام في الآية مع الرفع مبني على كلام متقدم، ثم حقق «سيبويه» هذا المقدار بأن الكلام واقع بعد قصص وأخبار، ولو كان كما ظنه الزمخشري لم يحتج سيبويه إلى تقدير، بل كان يرفعه على الابتداء، ويجعل الأمر خبره كما أعربه الزمخشري فالملخص على هذا أن النصب على وجه واحد، وهو بناء الاسم على فعل الأمر، والرفع على وجهين، أحدهما: ضعيف وهو الابتداء، وبناء الكلام على الفعل، والآخر: قوي بالغ كوجه النصب، وهو رفعه على خبر ابتداء محذوف دل عليه السياق، وإذا تعارض لنا وجهان في الرفع، أحدهما قوي والآخر ضعيف تعين حمل القراءة على القوي كما أعربه سيبويه رحمه الله تعالى ورضي عنه». انتهى.
والفاء إذا بني الكلام على جملتين سببية لا عاطفة، وقيل: زائدة وكذا على الوجه الضعيف، فإن المبتدأ متضمن معنى الشرط إذ المعنى والذي سرق والتي سرقت، وزعم بعض المحققين أن مثل هذا التركيب لا يتوجه إلا بأحد أمرين: زيادة الفاء كما نقل عن الأخفش، أو تقدير إما لأن دخول الفاء في خبر المبتدأ إما لتضمنه معنى الشرط، وإما لوقوع المبتدأ بعد أما، ولما لم يكن الأول وجب الثاني ولا يخفى ما فيه، وعلى قراءة عيسى بن عمر يكون النصب على إضمار فعل يفسره الظاهر، والفاء أيضًا كما قال ابن جني لما في الكلام من معنى الشرط، ولذا حسنت مع الأمر لأنه بمعناه، ألا تراه جزم جوابه لذلك إذ معنى أسلم تدخل الجنة إن تسلم تدخل الجنة، والمراد كما يشير إليه بعض شروح الكشاف إذ أردتم حكم السارق والسارقة فاقطعوا الخ، ولذا لم يجز زيدًا فضربته لأن الفاء لا تدخل في جواب الشرط إذا كان ماضيًا، وتقديره إن أردتم معرفة الخ أحسن من تقديره إن قطعتم لأنه لا يدل على الوجوب المراد، وقال أبو حيان: إن الفاء في جواب أمر مقدر أي تنبه لحكمهما فاقطعوا، وقيل: إنما دخلت الفاء لأن حق المفسر أن يذكر عقب المفسر كالتفصيل بعد الإجمال في قوله تعالى: {فَتُوبُواْ إلى بَارِئِكُمْ فاقتلوا أَنفُسَكُمْ} [البقرة: 54] وليس بشيء، وبما ذكر صاحب «الانتصاف» يعلم فساد ما قيل: إن سبب الخلاف السابق في مثل هذا التركيب أن سيبويه والخليل يشترطان في دخول الفاء الخبر كون المبتدأ موصولًا بما يقبل مباشرة أداة الشرط، وغيرهما لا يشترط ذلك، والظاهر أن سبب هذا عدم الوقوف على المقصود فليحفظ.
والسرقة أخذ مال الغير خفية، وإنما توجب القطع إذا كان الأخذ من حرز، والمأخوذ يساوي عشرة دراهم فما فوقها، مع شروط تكفلت ببيانها الفروع، ومذهب الشافعي والأوزاعي وأبي ثور والإمامية رضي الله تعالى عنهم أن القطع فيما يساوي ربع دينار فصاعدًا، وقال بعضهم: لا تقطع الخمس إلا بخمسة دراهم، واختاره أبو علي الجبائي، قيل: يجب القطع في القليل والكثير وإليه ذهب الخوارج والمراد بالأيدي الأيمان كما روي عن ابن عباس والحسن والسدي وعامة التابعين رضوان الله عليهم أجمعين ويؤيده قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أيمانهما ولذلك ساغ وضع الجمع موضع المثنى كما في قوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] اكتفاءًا بتثنية المضاف إليه كذا قالوا قال الزجاج: وحقيقة هذا الباب أن ما كان في الشيء منه واحد لم يثن، ولفظ به على الجمع لأن الإضافة تبينه، فإذا قلت: أشبعت بطونهما علم أن للإثنين بطنين فقط.