فصل: من فوائد أبي حيان في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



فقالت اليهود لابن صوريا: ما أسرع ما أخبرته وما كنت لما أثنينا عليك بأهل ولكنك كنت غائبًا فكرهنا أن نغتابك.
فقال لهم ابن صوريا: إنه قد ناشدني بالتوراة ولولا خشيت أن ينزل علينا العذاب ما أخبرته.
فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهما فرجما عند باب المسجد وقال: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه» فأنزل الله هذه الآية.
ق) عن ابن عمر قال أن اليهود جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له أن امرأة منهم ورجلًا زنيا فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ فقالوا: نفضحهم ويجلدون فقال عبد الله بن سلام: كذبتم إن فيها الرجم فأتوا بالتوراة فنشروها فوضع أحدهم يده على آية الرجم فقرأ ما قبلها وما بعدها فقال له عبد الله بن سلام: ارفع يدك، فرفع يده فإذا فيها آية الرجم فقالوا: صدق يا محمد فيها آية الرجم فأمر بهما النبي صلى الله عليه وسلم فرجما قال: فرأيت الرجل ينحني على المرأة يقيها الحجارة.
وفي رواية أخرى لهما قال: «أتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة من اليهود قد زنيا فقال لليهود ما تصنعون بهما قال نفحم وجوههما ونخزيهما قال فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين فجاؤوا بها فقال لرجل ممن يرضون أعور اقرأ فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليها فقال ارفع يدك فرفع يده فإذا آية الرجم تلوح، فقال: يا محمد إن فيها الرجم ولكنا نتكاتمه بيننا فأمر بهما فرجما فرأيته يحنى» زاد في رواية أخرى: «فرجما قربيًا موضع الجنائز قرب المسجد».
(م) عن البراء بن عازب قال: «مر على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي محمم مجلود فدعاهم فقال: هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم.
فدعا رجلًا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قالوا: نعم.
فدعا رجلًا من علمائهم فقال أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى هكذا تجدون حد الزاني في كتابكم؟ قال: لا ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم ولكنه كثر في أشرافنا فكنا إذا أخذنا الشريف تركناه وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد فقلنا تعالوا فلنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه»
، فأمر به فرجم فأنزل الله: {يا أيها الرسول لا يحزنك الذين يسارعون في الكفر} إلى قوله: {إن أوتيتم هذا فخذوه}.
يقول: ائتوا محمدًا فإن أمركم بالتحميم والجلد فخذوه وإن أمركم بالرجم فاحذروه فأنزل الله تبارك وتعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون} في الكفار كلها.
التحميم هو تسويد الوجه بالحمم وهو الفحم وقوله ما تجدون في التوراة في شأن الرجم؟ قال العلماء: هذا السؤال من النبي صلى الله عليه وسلم ليس لتقليدهم ولا لمعرفة الحكم منهم، وإنما هو لإلزامهم بما يعقدونه في كتابهم.
ولعله صلى الله عليه وسلم كان قد أوحى إليه أن الرجم في التوراة الموجودة في أيديهم لم يغيروه كما غيّروا شيئًا منها أو أخبره بذلك من أسلم من أهل الكتاب وهو عبد الله بن سلام كما في حديث بن عمر المتفق عليه ولذلك لم يخف عليه صلى الله عليه وسلم حين كتموه.
قوله تعالى: {يحرفون الكلم} يعني: يغيرون حدود الله التي أوجبها عليهم في التوراة وذلك أنهم بدلوا الرجم بالجلد والتحميم وقال الحسن إنهم يغيرون ما يسمعون من النبي صلى الله عليه وسلم بالكذب عليه.
وقال ابن جرير الطبري: يحرفون حكم الكلم فحذف ذكر الحكم لمعرفة السامعين به {من بعد مواضعه} يعني من بعد أن وضعه الله مواضعه وفرض فروضه وأحلّ حلاله وحرّم حرامه فإن قلت: قد قال الله عز وجل هنا يحرفون الكلم من بعد واضعه.
وقال في موضع آخر: يحرفون الكلم عن مواضعه فهل من فرق بينهما؟ قلت نعم بينهما فرق وذلك أنّا إذا فسرنا يحرفون الكلم عن مواضعه بالتأويلات الباطلة فيكون معنى قوله يحرفون الكلم عن مواضعه أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص وليس فيه بيان أنهم يحرفون تلك اللفظة من الكتاب.
وأما قوله يحرفون الكلم من بعد مواضعه ففيه دلالة على أنهم جمعوا بين الأمرين يعني أنهم كانوا يذكرون التأويلات الفاسدة وكانوا يحرفون اللفظة من الكتاب ففي قوله: يحرفون الكلم عن مواضعه إشارة إلى التأويل الباطل وفي قوله من بعد مواضعه إشارة إلى إخراجه من الكتاب بالكلية وقوله تعالى: {يقولون} يعني اليهود {إن أوتيتم هذا فخذوه} يعني إن أفتاكم محمد بالجلد والتحميم فاقبلوامنه {وإن لم تؤتوه فاحذروا} يعني وإن لم يفتكم بذلك وأفتاكم بالرجم فاحذروا أن تقبلوه {ومن يرد الله فتنته} يعني كفره وضلالته {فلن تملك له من الله شيئًا} يعني فلن تقدر على دفع أمر الله فيك {أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم} قال ابن عباس معناه أن يخلص نياتهم وقيل معناه لم يرد الله أن يهديهم وفي هذه الآية دلالة على أن الله تعالى لم يرد إسلام الكافر وإنه لم يطهر قلبه من الشك والشرك ولو فعل ذلك لآمن وهذه الآية من أشد الآيات على القدرية {لهم في الدنيا خزي} يعني للمنافقين واليهود أما خزي المنافقين، فبالفضيحة وهتك ستارهم بإظهار نفاقهم وكفرهم وأما خزي اليهود فبأخذ الجزية والقتل والسبي والإجلاء من أرض الحجاز إلى غيرها {ولهم في الآخرة عذاب عظيم} يعني الخلود في النار للمنافقين واليهود. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
ومناسبة هذه الآية لما قبلها أنه تعالى لما بين أحكام الحرابة والسرقة، وكان في ذكر المحاربين أنهم يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فسادًا، أمره تعالى أن لا يحزن ولا يهتم بأمر المنافقين، وأمر اليهود من تعنتهم وتربصهم به وبمن معه الدوائر ونصبهم له حبائل المكروه، وما يحدث لهم من الفساد في الأرض.
ونصب المحاربة لله ولرسوله وغير ذلك من الرذائل الصادرة عنهم.
ونداؤه تعالى له: يا أيها الرسول هنا، وفي {يا أيها الرسول بلغ} ويا أيها النبي في مواضع تشريف وتعظيم وتفخيم لقدره، ونادى غيره من الأنبياء باسمه فقال: {يا آدم اسكن} و{يا نوح اهبط} {يا ابراهيم قد صدّقت الرؤيا} {يا موسى إني اصطفيتك} {يا عيسى إني متوفيك} {يا يحيى خذ الكتاب} وقال مجاهد وعبد الله بن كثير: من الذين قالوا آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم، هم اليهود المنافقون، وسماعون للكذب هم اليهود.
والمعنى على هذا: لا تهتم بمسارعة المنافقين في الكفر واليهود بإظهار ما يلوح لهم من آثار الكفر وهو كيدهم للإسلام وأهله، فإنّ ناصرك عليهم ويقال: أسرع فيه السبب، وأسرع فيه الفساد، إذا وقع فيه سريعًا.
ومسارعتهم في الكفر وقوعهم وتهافتهم فيه.
أسرع شيء إذا وجدوا فرصة لم يخطئوها، وتكون من الأولى والثانية على هذا تنبيهًا وتقسيمًا للذين يسارعون في الكفر، ويكون سماعون خبر مبتدأ محذوف أي: هم سماعون، والضمير عائد على المنافقين وعلى اليهود.
ويدل على هذا المعنى قراءة الضحاك: سماعين، وانتصابه على الذم نحو قوله:
أقارع عوف لا أحاول غيرها ** وجوه قرود تبتغي من تخادع

ويجوز أن يكون: {ومن الذين هادوا} استئنافًا، وسماعون مبتدأ وهم اليهود، وبأفواههم متعلق بقالوا لا بآمنا والمعنى: أنهم لم يجاوز قولهم أفواههم، إنما نطقوا بالإيمان خاصة دون اعتقاد.
وقال ابن عطية: ويحتمل أن يكون المعنى: لا يحزنك المسارعون في الكفر من اليهود، وصفهم بأنهم قالوا: آمنا بأفواههم ولم تؤمن قلوبهم إلزامًا منهم ذلك من حيث حرفوا توراتهم وبدلوا أحكامها، فهم يقولون بأفواههم: نحن مؤمنون بالتوراة وبموسى، وقلوبهم غير مؤمنة من حيث بدلوا وجحدوا ما فيها من نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وغير ذلك مما ينكرونه.
ويؤيد هذا التأويل قوله تعالى بعد هذا: {وما أولئك بالمؤمنين} ويجيء على هذا التأويل قوله: من الذين قالوا كأنه قال: ومنهم، ولكنْ صرّح بذكر اليهود من حيث الطائفة السماعة غير الطائفة التي تبدّل التوراة على علم منها انتهى.
وهو احتمال بعيد متكلف، وسماعون من صفات المبالغة، ولا يراد به حقيقة السماع إلا إن كان للكذب مفعولًا من أجله، ويكون المعنى: إنهم سماعون منك أقوالك من أجل أن يكذبوا عليك، وينقلون حديثك، ويزيدون مع الكلمة أضعافها كذبًا.
وإن كان للكذب مفعولًا به لقوله: سماعون، وعدى باللام على سبيل التقوية للعامل، فمعنى السماع هنا قبولهم ما يفتريه أحبارهم ويختلقونه من الكذب على الله وتحريف كتابه من قولهم: الملك يسمع كلام فلان، ومنه «سمع الله لمن حمده» وتقدم ذكر الخلاف في قراءة يحزنك ثلاثيًا ورباعيًا.
وقرأ السلمي: يسرعون بغير ألف من أسرع.
وقرأ الحسن وعيسى بن عمر: للكذب بكسر الكاف وسكون الذال.
وقرأ زيد بن عليّ: الكذب بضم الكاف والذال جمع كذوب، نحو صبور وصبر، أي: سماعون للكذب الكذب.
{سماعون لقوم آخرين لم يأتوك} فيحتمل أن يكون المعنى: سماعون لكذب قوم آخرين لم يأتوك أي كذبهم، والذين لم يأتوه يهود فدك.
وقيل: يهود خيبر.
وقيل: أهل الرأيين.
وقيل: أهل الخصام في القتل والدية.
ويحتمل أن يكون المعنى: سماعون لأجل قوم آخرين، أي هم عيون لهم وجواسيس يسمعون منك وينقلون لقوم آخرين، وهذا الوصف يمكن أن يتصف به المنافقون، ويهود المدينة.
وقيل: السماعون بنو قريظة، والقوم الآخرون يهود خيبر.
وقيل لسفيان بن عيينة: هل جرى ذكر الجاسوس في كتاب الله؟ فقال: نعم.
وتلا هذه الآية سماعون لقوم آخرين، لم يأتوك: صفة لقوم آخرين.
ومعنى لم يأتوك: لم يصلوا إلى مجلسك وتجافوا عنك لما فرط منهم من شدّة العداوة والبغضاء، فعلى هذا الظاهر أن المعنى: هم قائلون من الأحبار كذبهم وافتراؤهم، ومن أولئك المفرطين في العداوة الذين لا يقدرون أن ينظروا إليك.
{يحرّفون الكلم من بعض مواضعه} قرئ الكلم بكسر الكاف وسكون اللام أي: يزيلونه ويميلونه عن مواضعه التي وضعها الله فيها.
قال ابن عباس والجمهور: هي حدود الله في التوراة، وذلك أنهم غيروا الرجم أي: وضعوا الجلد مكان الرجم.
وقال الحسن: يغيرون ما يسمعون من الرسول عليه السلام بالكذب عليه.
وقيل: بإخفاء صفة الرسول.
وقيل: بإسقاط القود بعد استحقاقه.
وقيل: بسوء التأويل.
قال الطبري: المعنى يحرفون حكم الكلام، فحذف للعلم به انتهى.
ويحتمل أن يكون هذا وصفًا لليهود فقط، ويحتمل أن يكون وصفًا لهم وللمنافقين فيما يحرفونه من الأقوال عند كذبهم، لأن مبادىء كذبهم يكون من أشياء قيلت وفعلت، وهذا هو الكذب الذي يقرب قبوله.