فصل: من فوائد القرطبي في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والخلاف إنما هو في الأضراس لا في الأسنان، ففي قضاء عمر الدية ثمانون، وفي قضاء معاوية مائة وستون.
وعلى قول ابن المسيب مائة، وهي الدية كاملة من الإبل.
وقال عطاء في الثنيتين والرباعيتين والنابين: خمس خمس، وفيما بقي بعيران بعيران، أعلى الفم وأسفله سواء.
ولو قلعت سن صبي لم يثغر فنبتت فقال أبو حنيفة، ومالك، والشافعي: لا شيء على القالع.
إلا أن مالكًا والشافعي قالا: إذا نبتت ناقصة الطول عن التي تقاربها أخذ له من ارشها بقدر نقصها.
وقالت طائفة: فيها حكومة، وروي ذلك عن الشعبي، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
ولو قلعت سن كبير فأخذ ديتها ثم نبتت فقال مالك: لا يرد ما أخذ.
وقال أبو حنيفة وأصحابه: يرد، والقولان عن الشافعي.
ولو قلعت سن قودًا فردها صاحبها فالتحمت فلا يجب قلعها عند أبي حنيفة، وبه قال عطاء الخراساني وعطاء بن أبي رباح.
وقال الشافعي وأحمد وإسحاق: يجبر على القلع، به قال ابن المسيب، ويعيد كل صلاة صلاها بها.
وكذا لو قطعت أذنه فردها في حرارة الدم فالتزقت، وروي هذا القول عن عطاء أبو بكر بن العربي قال: وهو غلط.
ولو قلع سنًا زائدة فقال الجمهور: فيها حكومة، فإن كسر بعضها أعطى بحساب ما نقص منها، وبه قال: مالك، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد.
قال الأدفوي: وما علمت فيه خلافًا.
وقال زيد بن ثابت: في السن الزائدة ثلث السن، ولو جنى على سن فاسودت ثم عقلها، روي ذلك عن زيد، وابن المسيب، وبه قال: الزهري، والحسن، وابن سيرين، وشريح، والنخعي، وعبد الملك بن مروان، وأبو حنيفة، ومالك، والثوري.
وروي عن عمران: فيها ثلث ديتها، وبه قال: أحمد وإسحاق.
وقال النخعي والشافعي وأبو ثور: فيها حكومة، فإن طرحت بعد ذلك ففيها عقلها، وبه قال الليث وعبد العزيز بن أبي سلمة، وإنْ اسود بعضها كان بالحساب قاله: الثوري.
والجروح قصاص أي ذات قصاص.
ولفظ الجروح عام، والمراد به الخصوص، وهو ما يمكن فيه القصاص.
وتعرف المماثلة ولا يخاف فيها على النقص، فإن خيف كالمأمومة وكسر الفخذ ونحو ذلك فلا قصاص فيها.
ومدلول: والجروح قصاص، يقتضي أن يكون الجرح بمثله، فإن لم يكن بمثله فليس بقصاص.
واختلفوا في القصاص بين الرجال والنساء، وبين العبد والحر.
وجميع ما عدا النفس هو من الجراحات التي أشار إليها بقوله: والجروح قصاص، لكنه فصل أول الآية وأجمل آخرها ليتناول ما نص عليه وما لم ينص، فيحصل العموم.
معنى: وإن لم يحصل لفظًا.
ومن جملة الجروح الشجاج فيما يمكن فيه القصاص، فلا خلاف في وجوبها فيه، وما لا فلا قصاص فيه كالمأمومة.
وقال أبو عبيد: فليس في شيء من الشجاج قصاص إلا في الموضحة خاصة، لأنه ليس شيء منها له حد ينتهي إليه سواها، وأما غيرها من الشجاج ففيه ديته انتهى.
وقال غيره: في الخارصة القصاص بمقدارها إذا لم يخش منها سراية، وأقاد ابن الزبير من المأمومة، وأنكر الناس عليه.
قال عطاء: ما علمنا أحدًا أقاد منها قبله.
وأما الجروح في اللحم فقال: فقد ذكر بعض أهل العلم أن القصاص فيها ممكن بأن يقاس بمثل، ويوضع بمقدار ذلك الجرح.
{فمن تصدق به فهو كفارة له} المتصدق صاحب الحق.
ومستو في القصاص الشامل للنفس والأعضاء وللجروح التي فيها القصاص، وهو ضمير يعود على التصدق أي: فالتصدق كفارة للمتصدق، والمعنى: أنّ من تصدق بجرحه يكفر عنه، قاله: عبد الله بن مسعود، وعبد الله بن عمرو، وعبد الله بن عمرو، وجابر، وأبو الدرداء، وقتادة، والحسن، والشعبي.
وذكر أبو الدرداء أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «ما من مسلم يصاب بشيء من جسده فيهبه إلا رفعه الله بذلك درجة وحط عنه خطيئة» وذكر مكي حديثًا من طريق الشعبي: «أنه يحط عنه من ذنوبه ما عفى عنه من الدية» وعن عبد الله بن عمر: يهدم عنه ذنوبه بقدر ما تصدق.
وقيل: الضمير في له عائد على الجاني وإنْ لم يتقدّم له ذكر، لكنه يفهم من سياق الكلام، ويدل عليه المعنى.
والمعنى: فذلك العفو والتصدق كفارة للجاني يسقط عنه ما لزمه من القصاص.
وكما أن القصاص كفارة كذلك العفو كفارة، وأجر العافي على الله تعالى قاله: ابن عباس، والسبيعي، ومجاهد، وابراهيم، والشعبي، وزيد بن أسلم، ومقاتل.
وقيل: المتصدق هو الجاني، والضمير في له يعود عليه.
والمعنى: إذا جنى جان فجهل وخفى أمره فتصدق هو بأن عرف بذلك ومكن من نفسه، فذلك الفعل كفارة لذنبه.
وقال مجاهد: إذا أصاب رجل رجلًا ولم يعلم المصاب من أصابه فاعترف له المصيب فهو كفارة للمصيب.
وأصاب عروة عند الركن إنسانًا وهم يستلمون فلم يدر المصاب من أصابه فقال له عروة: أنا أصبتك، وأنا عروة بن الزبير، فإن كان يلحقك بها بأس فأنا بها.
وعلى هذا القول يحتمل أن يكون تصدق تفعل من الصدقة، ويحتمل أن يكون من الصدق.
وقرأ أبي: فهو كفارة له يعني: فالتصدق كفارته، أي الكفارة التي يستحقها له لا ينقص منها، وهو تعظيم لما فعل لقوله: {فأجره على الله} وترغيب في العفو.
وتأول قوم الآية على معنى: والجروح قصاص، فمن أعطى دية الجرح وتصدق به فهو كفارة له إذا رضيت منه وقبلت.
وفي مصحف أبي: ومن يتصدق به فإنه كفارة له.
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الظالمون} ناسب فيما تقدم ذكر الكافرين، لأنه جاء عقيب قوله: {إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور} الآية ففي ذلك إشارة إلى أنه لا يحكم بجميعها، بل يخالف رأسًا.
ولذلك جاء: {ولا تشتروا بآياتي ثمنًا قليلًا} وهذا كفر، فناسب ذكر الكافرين.
وهنا جاء عقيب أشياء مخصوصة من أمر القتل والجروح، فناسب ذكر الظلم المنافي للقصاص وعدم التسوية، وإشارة إلى ما كانوا قرروه من عدم التساوي بين بني النضير وبني قريظة. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ...} الآية.
فيه ثلاثون مسألة:
الأُولى قوله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس} بيَّن تعالى أنه سوّى بين النفس والنفس في التوراة فخالفوا ذلك، فضلوا؛ فكانت دِية النَّضِيريّ أكثر، وكان النَّضِيريّ لا يُقتل بالقُرَظِيّ، ويُقتل به القُرَظيّ فلما جاء الإسلام راجع بنو قُرَيظة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فحكم بالاستواء؛ فقالت بنو النَّضِير: قد حططتَ منا؛ فنزلت هذه الآية.
و{كتبنا} بمعنى فرضنا، وقد تقدم.
وكان شرعهم القصاص أو العفو، وما كان فيهم الديّة؛ كما تقدّم في «البقرة» بيانه.
وتعلق أبو حنيفة وغيره بهذه الآية فقال: يقتل المسلم بالذمي؛ لأنه نفس بنفس، وقد تقدّم في «البقرة» بيان هذا.
وقد روى أبو داود والترمذيّ والنسائي عن عليّ رضي الله عنه.
إنه سئل هل خصك رسول الله صلى الله عليه وسلم بشيء؟ فقال: لا، إلا ما في هذا، وأخرج كتابًا من قِراب سيفه وإذا فيه: «المؤمنون تتكافأ دماؤهم وهم يد على من سواهم ولا يُقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده» وأيضًا فإن الآية إنما جاءت للرد على اليهود في المفاضلة بين القبائل، وأخذهم من قبيلة رجلًا برجل، ومن قبيلة أُخرى رجلًا برجلين.
وقالت الشافعية: هذا خبر عن شرع من قبلنا، وشرع من قبلنا ليس شرعًا لنا؛ وقد مضى في «البقرة» في الردّ عليهم ما يكفي فتأمله هناك.
ووجه رابع وهو أنه تعالى قال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس} وكان ذلك مكتوبًا على أهل التوراة وهم ملة واحدة، ولم يكن لهم أهل ذمة كما للمسلمين أهل ذِمة؛ لأن الجِزية فيءٌ وغنيمة أفاءها الله على المؤمنين، ولم يجعل الفيء لأحد قبل هذه الأُمة، ولم يكن نبيّ فيما مضى مبعوثًا إلا إلى قومه؛ فأوجبت الآية الحكم على بني إسرائيل إذ كانت دماؤهم تتكافأ؛ فهو مثل قول الواحد منا في دماء سوى المسلمين النفس بالنفس، إذ يشير إلى قوم معينين، ويقول: إن الحكم في هؤلاء أن النفس منهم بالنفس؛ فالذي يجب بحكم هذه الآية على أهل القرآن أن يقال لهم فيما بينهم على هذا الوجه: النفس بالنفس، وليس في كتاب الله ما يدل على أن النفس بالنفس مع اختلاف المِلة.
الثانية قال أصحاب الشافعيّ وأبو حنيفة: إذا جرح أو قطع الأُذن أو اليد ثم قتل فُعِل ذلك به؛ لأن الله تعالى قال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس والعين بالعين} فيؤخذ منه ما أخذ، ويفعل به كما فعل.
وقال علماؤنا: إن قصد به المُثلة فُعِل به مثله، وإن كان ذلك في أثناء مضاربته ومدافعته قُتِل بالسيف؛ وإنما قالوا ذلك في المُثلة يجب؛ لأن النبيّ صلى الله عليه وسلم سَمَل أعين العُرنيِين؛ حسبما تقدّم بيانه في هذه السورة.
الثالثة قوله تعالى: {والعين بالعين} قرأ نافع وعاصم والأعمش وحمزة بالنصب في جميعها على العطف، ويجوز تخفيف {أَنَّ} ورفع الكل بالابتداء والعطف.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وأبو عمرو وأبو جعفر بنصب الكل إلا الجروح.
وكان الكِسائيّ وأبو عبيد يقرءان {والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح} بالرفع فيها كلها.
قال أبو عبيد: حدّثنا حجاج عن هرون عن عبّاد بن كثير عن عقيل عن الزّهريّ عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قِصَاصٌ}.
والرفع من ثلاث جهات؛ بالابتداء والخبر، وعلى المعنى على موضع {أَنَّ النَّفْسَ}؛ لأن المعنى قلنا لهم: النفس بالنفس.
والوجه الثالث قاله الزجاج يكون عطفًا على المضمر في النفس؛ لأن الضمير في النفس في موضع رفع؛ لأن التقدير أن النفس هي مأخوذة بالنفس؛ فالأسماء معطوفة على هي.
قال ابن المنذر: ومن قرأ بالرفع جعل ذلك ابتداء كلام حُكْم في المسلمين؛ وهذا أصح القولين، وذلك أنها قراءة رسول الله صلى الله عليه وسلم {وَالْعَيْنُ بِالْعَيْنِ} وكذا ما بعده.
والخطاب للمسلمين أُمِروا بهذا.
ومن خص الجروح بالرفع فعلى القطع مما قبلها والاستئناف بها؛ كأن المسلمين أُمِروا بهذا خاصة وما قبله لم يواجهوا به.