فصل: التفسير المأثور:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



الثَّالِثُ: أَنَّ الْيَدَ بِالْيَدِ لَا تَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ؛ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ، وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ، وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ يَفْتَقِرُ إلَى نَظَرٍ، وَفِيهِ إشْكَالٌ يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} قَرَأَ بِالرَّفْعِ وَالنَّصْبِ، فَالنَّصْبُ إتْبَاعٌ لِلَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ؛ وَالرَّفْعُ، وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ عَطْفًا عَلَى حَالِ النَّفْسِ قَبْلَ دُخُولِ أَنْ.
وَالثَّانِي: أَنْ يَكُونَ اسْتِئْنَافَ كَلَامٍ.
وَلَمْ يَكُنْ هَذَا مِمَّا كُتِبَ فِي التَّوْرَاةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ} لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فَقَأَهَا، أَوْ أَذْهَبَ بَصَرَهَا وَبَقِيَتْ صُورَتُهَا، أَوْ أَذْهَبَ بَعْضَ الْبَصَرِ.
وَقَدْ أَفَادَنَا كَيْفِيَّةَ الْقِصَاصِ مِنْهَا عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ، وَذَلِكَ أَنَّهُ أَمَرَ بِمِرْآةٍ فَحُمِّيَتْ، ثُمَّ وَضَعَ عَلَى الْعَيْنِ الْأُخْرَى قُطْنًا، ثُمَّ أُخِذَتْ الْمِرْآةُ بِكَلْبَتَيْنِ فَأُدْنِيَتْ مِنْ عَيْنِهِ حَتَّى سَالَ إنْسَانُ عَيْنِهِ.
فَلَوْ أَذْهَبَ رَجُلٌ بَعْضَ بَصَرِهِ فَإِنَّهُ تُعْصَبُ عَيْنُهُ وَتُكْشَفُ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَذْهَبُ رَجُلٌ بِالْبَيْضَةِ وَيَذْهَبُ وَيَذْهَبُ حَتَّى يَنْتَهِيَ بَصَرُ الْمَضْرُوبِ فَيُعَلَّمَ، ثُمَّ تُغَطَّى عَيْنُهُ وَتُكْشَفُ الْأُخْرَى، ثُمَّ يَذْهَبُ رَجُلٌ بِالْبَيْضَةِ وَيَذْهَبُ وَيَذْهَبُ، فَحَيْثُ انْتَهَى الْبَصَرُ عَلَّمَ، ثُمَّ يُقَاسُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمَسَّاحَةِ، فَكَيْفَ كَانَ الْفَضْلُ نَسَبًا، وَيَجِبُ مِنْ الدِّيَةِ بِحِسَابِ ذَلِكَ مَعَ الْأَدَبِ الْوَجِيعِ وَالسِّجْنِ الطَّوِيلِ؛ إذْ الْقِصَاصُ فِي مِثْلِ هَذَا غَيْرُ مُمْكِنٍ، وَلَا يَزَالُ هَذَا يُخْتَبَرُ فِي مَوَاضِعَ مُخْتَلِفَةٍ لِئَلَّا يَتَدَاهَى الْمَضْرُوبُ فَيَنْقُصَ مِنْ بَصَرِهِ، لِيَكْثُرَ حَظُّهُ مِنْ مَالِ الضَّارِبِ؛ وَلَا خِلَافَ فِي هَذَا.
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ: لَوْ فَقَأَ أَعْوَرُ عَيْنَ صَحِيحٍ: قِيلَ: لَا قَوَدَ عَلَيْهِ، وَعَلَيْهِ الدِّيَةُ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ.
وَقِيلَ: عَلَيْهِ الْقِصَاصُ؛ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَالشَّافِعِيِّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: إنْ شَاءَ فَقَأَ عَيْنَهُ، وَإِنْ شَاءَ أَخَذَ دِيَةً كَامِلَةً.
وَمُتَعَلَّقُ عُثْمَانَ أَنَّهُ فِي الْقِصَاصِ مِنْهُ أَخَذَ جَمِيعَ الْبَصَرِ بِبَعْضِهِ، وَذَلِكَ لَيْسَ بِمُسَاوَاةِ.
وَمُتَعَلَّقُ الشَّافِعِيِّ قَوْله تَعَالَى: {الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ}.
وَمُتَعَلَّقُ مَالِكٍ أَنَّ الْأَدِلَّةَ لَمَّا تَعَارَضَتْ خُيِّرَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ، وَالْأَخْذُ بِعُمُومِ الْقُرْآنِ أَوْلَى فَإِنَّهُ أَسْلَمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: إذَا فَقَأَ صَحِيحٌ عَيْنَ أَعْوَرَ: فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ كَامِلَةً عِنْدَ عُلَمَائِنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ: فِيهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَهُوَ الْقِيَاسُ الظَّاهِرُ.
وَلَكِنْ عُلَمَاؤُنَا قَالُوا: إنَّ مَنْفَعَةَ الْأَعْوَرِ بِبَصَرِهِ كَمَنْفَعَةِ السَّالِمِ أَوْ قَرِيبٍ مِنْ ذَلِكَ، فَوَجَبَ عَلَيْهِ مِثْلُ دِيَتِهِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ: قَالُوا: إذَا ضَرَبَ سِنَّهُ فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا دِيَتُهَا كَامِلَةً، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فِيهَا حُكُومَةٌ، وَهَذَا عِنْدِي خِلَافٌ يَئُولُ إلَى وِفَاقٍ فَإِنَّهُ إنْ كَانَ سَوَادُهَا أَذْهَبَ مَنْفَعَتَهَا، وَإِنَّمَا بَقِيَتْ صُورَتُهَا كَالْيَدِ الشَّلَّاءِ وَالْعَيْنِ الْعَمْيَاءِ، فَلَا خِلَافَ فِي وُجُوبِ الدِّيَةِ.
وَإِنْ كَانَ بَقِيَ مِنْ مَنْفَعَتِهَا شَيْءٌ أَوْ جَمِيعُهَا لَمْ يَجِبْ إلَّا بِمِقْدَارِ مَا نَقَصَ مِنْ الْمَنْفَعَةِ حُكُومَةٌ.
وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: إذَا ضُرِبَ سِنُّهُ فَاسْوَدَّتْ فَفِيهَا ثُلُثُ دِيَتِهَا، وَهَذَا مِمَّا لَا يَصِحُّ عَنْهُ سَنَدًا وَلَا فِقْهًا.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةَ عَشْرَةَ: قَالَ مَالِكٌ: إذَا أَخَذَ الْكَبِيرُ دِيَةَ ضِرْسِهِ، ثُمَّ ثَبَتَتْ.
فَلَا يَرُدُّهَا.
وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: يَرُدُّهَا؛ لِأَنَّ عِوَضَهَا قَدْ ثَبَتَ، أَصْلُهُ سِنُّ الصَّغِيرِ؛ وَدَلِيلُنَا أَنَّ هَذَا ثَبَاتٌ لَمْ تَجْرِ بِهِ عَادَةٌ، وَلَا يَثْبُتُ الْحُكْمُ بِالنَّادِرِ كَسَائِرِ أُصُولِ الشَّرِيعَةِ، فَلَوْ قَلَعَ رَجُلٌ سِنَّ رَجُلٍ فَرَدَّهَا صَاحِبُهَا فَالْتَحَمَتْ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ ابْنُ الْمُسَيِّبِ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ عَطَاءٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَرُدَّهَا ثَانِيَةً، وَإِنْ رَدَّهَا أَعَادَ كُلَّ صَلَاةٍ صَلَّاهَا لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ.
وَكَذَلِكَ لَوْ قُطِعَتْ أُذُنُهُ فَأَلْصَقَهَا بِحَرَارَةِ الدَّمِ فَالْتَزَقَتْ مِثْلُهُ، وَهِيَ:
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ: قَالَ ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا.
وَقَالَ عَطَاءٌ: يَجْبُرُهُ السُّلْطَانُ عَلَى قَلْعِهَا؛ لِأَنَّهَا مَيْتَةٌ أَلْصَقَهَا؛ وَهَذَا غَلَطٌ بَيِّنٌ، وَقَدْ جَهِلَ مَنْ خَفِيَ عَلَيْهِ أَنَّ رَدَّهَا وَعَوْدَهَا لِصُورَتِهَا مُوجِبٌ عَوْدَهَا لِحُكْمِهَا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ كَانَتْ فِيهَا لِلِانْفِصَالِ، وَقَدْ عَادَتْ مُتَّصِلَةً، وَأَحْكَامُ الشَّرِيعَةِ لَيْسَتْ صِفَاتٍ لِلْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا هِيَ أَحْكَامٌ تَعُودُ إلَى قَوْلِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ فِيهَا وَإِخْبَارِهِ عَنْهَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَسْقُطُ عَنْ قَالِعِ السِّنِّ دِيَتُهَا، وَإِنْ رَجَعَتْ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِقَلْعِهَا، وَذَلِكَ لَا يَنْجَبِرُ.
قُلْنَا: إنَّمَا وَجَبَتْ لِفَقْدِهَا وَذَهَابِ مَنْفَعَتِهَا؛ فَإِذَا عَادَتْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ شَيْءٌ، كَمَا لَوْ ضَرَبَ عَيْنَهُ فَفَقَدَ بَصَرَهُ، فَلَمَّا قَضَى عَلَيْهِ عَادَ بَصَرُهُ لَمْ يَجِبْ لَهُ شَيْءٌ.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: حُكْمُ قَلْعِ السِّنِّ الزَّائِدِ: فَلَوْ كَانَتْ لَهُ سِنٌّ زَائِدَةٌ فَقُلِعَتْ فَفِيهَا حُكُومَةٌ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ: فِيهَا ثُلُثُ الدِّيَةِ، وَلَيْسَ فِي التَّقْدِيرِ دَلِيلٌ، فَالْحُكُومَةُ أَعْدَلُ.
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: حُكْمُ قَطْعِ أُذُنَيْ رَجُلٍ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا فِي الَّذِي يَقْطَعُ أُذُنَيْ رَجُلٍ: عَلَيْهِ حُكُومَةٌ؛ وَإِنَّمَا تَكُونُ عَلَيْهِ الدِّيَةُ فِي السَّمْعِ، وَيُقَاسُ كَمَا يُقَاسُ الْبَصَرُ، فَإِنْ أَجَابَ جَوَابَ مَنْ يَسْمَعُ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُهُ، وَإِنْ لَمْ يُجِبْ أُحْلِفَ، لَقَدْ صُمَّتْ مِنْ ضَرْبِ هَذَا، وَأُغْرِمَ دِيَتَهُ، وَمِثْلُهُ فِي الْيَمِينِ فِي الْبَصَرِ.
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ: اللِّسَانُ: اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْقَوَدِ فِيهِ، وَكَذَلِكَ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ، وَالْعِلَّةُ فِي التَّوَقُّفِ عَنْ الْقَوَدِ فِيهِ عَدَمُ الْإِحَاطَةِ بِاسْتِيفَاءِ الْقَوَدِ، فَإِنْ أَمْكَنَ فَالْقَوَدُ هُوَ الْأَصْلُ، وَيُخْتَبَرُ بِالْكَلَامِ فَمَا نَقَصَ مِنْ الْحُرُوفِ فَبِحِسَابِهِ مِنْ الدِّيَةِ تَجِبُ عَلَى الضَّارِبِ.
فَإِنْ قَلَعَ لِسَانَ أَخْرَسَ، وَهِيَ:
لْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: إذَا قَلَعَ لِسَانُ أَخْرَس: فَفِيهِ حُكُومَةٌ.
وَقَالَ النَّخَعِيُّ: فِيهِ الدِّيَةُ، يُقَالُ لَهُ: إذَا أَسْقَطْت الْقَوَدَ فَلَا يَبْقَى إلَّا الْحُكُومَةُ؛ لِأَنَّ الدِّيَةَ قَرِينَةُ الْقَوَدِ.
الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: الْيَمِينُ بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارُ بِالْيَسَارِ: إذَا قَطَعَ يَمِينَ رَجُلٍ أَوْ يَسَارَهُ لَمْ يُؤْخَذْ الْيَمِينُ إلَّا بِالْيَمِينِ وَالْيَسَارُ إلَّا بِالْيَسَارِ عِنْدَ كَافَّةِ الْفُقَهَاءِ.
وَقَالَ ابْنُ شُبْرُمَةَ: تُؤْخَذُ الْيَمِينُ بِالْيَسَارِ وَالْيَسَارُ بِالْيَمِينِ نَظَرًا إلَى اسْتِوَائِهِمَا فِي الصُّورَةِ وَالِاسْمِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إلَى الْمَنْفَعَةِ، وَهُمَا فِيهَا مُتَفَاوِتَتَانِ أَشَدَّ تَفَاوُتًا مِمَّا بَيْنَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ، فَإِذَا لَمْ تُؤْخَذْ الْيَدُ بِالرِّجْلِ فَلَا تُؤْخَذُ يُمْنَى بِيُسْرَى.
الْمَسْأَلَةُ الْمُوَفِّيَةُ عِشْرِينَ: نَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَى أُمَّهَاتِ الْأَعْضَاءِ وَتَرَكَ بَاقِيَهَا لِلْقِيَاسِ عَلَيْهَا، وَكُلُّ عُضْوٍ فِيهِ الْقِصَاصُ إذَا أَمْكَنَ وَلَمْ يُخْشَ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَكَذَلِكَ كُلُّ عُضْوٍ بَطَلَتْ مَنْفَعَتُهُ وَبَقِيَتْ صُورَتُهُ فَلَا قَوَدَ فِيهِ، وَفِيهِ الدِّيَةُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الْقَوَدِ فِيهِ، وَفِيهِ تَفْصِيلٌ فِي الْأَعْضَاءِ وَالصُّوَرِ بَيَّنَّاهَا فِي أُصُولِ الْفِقْهِ.
الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: حُكْمُ الْجُرُوحِ: لَمَّا بَيَّنَّا أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ مَا ذَكَرَ وَخَصَّ مَا خَصَّ قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} فَعَمَّ بِمَا نَبَّهَ فِيهِ مِنْ ذَلِكَ وَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أَنَسٍ قَالَ: «كَسَرَتْ الرُّبَيِّعُ وَهِيَ عَمَّةُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ثَنِيَّةَ جَارِيَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، فَطَلَبَ الْقَوْمُ الْقِصَاصَ، فَأَتَوْا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْقِصَاصِ.
فَقَالَ أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ، عَمُّ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: لَا وَاَللَّهِ، لَا تُكْسَر ثَنِيَّتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا أَنَسُ، كِتَابُ اللَّهِ الْقِصَاصُ، فَرَضِيَ الْقَوْمُ وَقَبِلُوا الْأَرْشَ.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إنَّ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ مَنْ لَوْ أَقْسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ»
.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى قَوْلَيْنِ: أَحَدُهُمَا: فَهُوَ كَفَّارَةُ لَهُ هُوَ الْمَجْرُوحُ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ الْجَارِحُ.
وَحَقِيقَةُ الْكَلَامِ هَلْ هُوَ فِي الضَّمِيرَيْنِ وَاحِدٌ أَوْ كُلُّ ضَمِيرٍ يَعُودُ إلَى مُضْمَرٍ ثَانٍ؟ وَظَاهِرُ الْكَلَامِ أَنَّهُ يَعُودُ إلَى وَاحِدِ الضَّمِيرَيْنِ جَمِيعًا؛ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُ مَنْ وَجَبَ لَهُ الْقِصَاصُ فَأَسْقَطَهُ كَفَّرَ مِنْ ذُنُوبِهِ بِقَدْرِهِ، وَعَلَيْهِ أَكْثَرُ الصَّحَابَةِ.
وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَابُ بِشَيْءٍ مِنْ جَسَدِهِ فَيَهَبُهُ إلَّا رَفَعَهُ اللَّهُ بِهِ دَرَجَةً، وَحَطَّ عَنْهُ بِهِ خَطِيئَةً».
وَاَلَّذِي يَقُولُ: إنَّهُ إذَا عَفَا عَنْهُ الْمَجْرُوحُ عَفَا اللَّهُ عَنْهُ لَمْ يَقُمْ عَلَيْهِ دَلِيلٌ، فَلَا مَعْنَى لَهُ. اهـ.

.التفسير المأثور:

قال السيوطي:
{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (45)}.
أخرج ابن جرير عن ابن جريج قال «لما رأت قريظة النبي صلى الله عليه وسلم حكم بالرجم، وقد كانوا يخفونه في كتابهم، فنهضت قريظة فقالوا: يا محمد، اقض بيننا وبين إخواننا بني النضير، وكان بينهم دم قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت النضير ينفرون على بني قريظة دياتهم على انصاف ديات النضير، فقال: دم القرظي وفاء دم النضير، فغضب بنو النضير وقالوا: لا نطيعك في الرجم ولكنا نأخذ بحدودنا التي كنا عليها، فنزلت {أفحكم الجاهلية يبغون} [المائدة: 50] ونزل {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس...} الآية».
وأخرج ابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس {وكتبنا عليهم فيها} قال: في التوراة.
وأخرج عبد الرزاق وابن المنذر من طريق مجاهد عن ابن عباس في قوله: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} قال: كتب عليهم هذا في التوراة، فكانوا يقتلون الحر بالعبد، ويقولون: كتب علينا أن النفس بالنفس.
وأخرج عبد الرزاق عن سعيد بن المسيب قال: كتب ذلك على بني إسرائيل، فهذه الآيات لنا ولهم.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن أنه سئل عن قوله: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس...} إلى تمام الآية. أهي عليهم خاصة؟ قال: بل عليهم والناس عامة.
وأخرج عبد بن حميد وأبو الشيخ عن قتادة {وكتبنا عليهم فيها} قال: في التوراة {أن النفس بالنفس...} الآية. قال: إنما أنزل ما تسمعون في أهل الكتاب حين نبذوا كتاب الله، وعطّلوا حدوده، وتركوا كتابه، وقتلوا رسله.
وأخرج عبد الرزاق عن الحسن يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه، فراجعوه، فقال: قضى الله: {أن النفس بالنفس}».
وأخرج البيهقي في سننه عن ابن شهاب قال: لما نزلت هذه الآية {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس} أقيد الرجل من المرأة، وفيما تعمده من الجوارح.
وأخرج البيهقي عن سعيد بن المسيب قال: الرجل يقتل بالمرأة إذا قتلها. قال الله: {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس}.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والبيهقي في سننه في قوله: {أن النفس بالنفس} قال: تقتل بالنفس {والعين بالعين} قال: تفقأ بالعين {والأنف بالأنف} قال: يقطع الأنف بالأنف {والسن بالسن والجروح قصاص} قال: وتقتص الجراح بالجراح {فمن تصدَّق به} يقول: من عفا عنه فهو كفارة للمطلوب.
وأخرج أحمد وأبو داود والترمذي وحسنه والحاكم وصححه وابن مردويه عن أنس «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قرأها {وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين} بنصب النفس ورفع العين وما بعده الآية كلها».