فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (47)}.
قال الله تعالى في هذه السورة: {وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} وقال في موضع آخر {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} وقال في هذه الآية {... فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} أمّا في الأول فقال: {وَلاَ تَشْتَرُوا بِآيَاتىِ ثَمَنًا قَلِيلًا} {فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرِونَ} لأن من لم يحكم بما أنزل الله فهو جاحد والجاحد كافر.
وفي الثاني قال: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} {فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} لأن مَنْ جازو حدّ القصاص واعتبار المماثلة، وتعدى على خصمه فهو ظالم لأنه ظَلَمَ بعضهم على بعض.
وأمّا هاهنا فقال: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ... فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} أراد به معصيةً دون الكفر والجحد. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه} أمر تعالى أهل الإنجيل أن يحكموا بما أنزل الله فيه من الأحكام ويكون هذا الأمر على سبيل الحكاية، وقلنا لهم: احكموا، أي حين إيتائه عيسى أمرناهم بالحكم بما فيه إذ لا يمكن ذلك أن يكون بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ شريعته ناسخة لجميع الشرائع، أو بما أنزل الله فيه مخصوصًا بالدلائل الدالة على نبوّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو قول الأصم، أو بخصوص الزمان إلى بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عبر بالحكم بما أنزل الله فيه عن عدم تحريفه وتغييره.
فالمعنى: وليقرأه أهل الإنجيل على الوجه الذي أنزل لا يغيرونه ولا يبدلونه، وهذا بعيد.
وظاهر الأمر يرد قول من قال: إن عيسى كان متعبدًا بأحكام التوراة.
وقال تعالى: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجًا} ولهذا القائل أن يقول: بما أنزل الله فيه من إيجاب العمل بأحكام التوراة.
والذي يظهر أن الأحكام في الإنجيل قليلة، وإنما أكثره زواجر.
وتلك الأحكام المخالفة لأحكام التوراة أمروا بالعمل بها، ولهذا جاء: {ولأحلّ لكم بعض الذي حرّم عليكم}.
وقرأ الجمهور: وليحكم بلام الأمر ساكنة، وبعض القراء يكسرها.
وقرأ أبيّ: وأن ليحكم بزيادة أن قبل لام كي، وتقدّم كلام الزمخشري فيما يتعلق به.
وقال ابن عطية: والمعنى وآتيناه الإنجيل ليتضمن الهدى والنور والتصديق، وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه انتهى.
فعطف وليحكم على توهم علة ولذلك قال: ليتضمن الهدى.
والزمخشري جعله معطوفًا على هدى وموعظة، على توهم النطق باللام فيهما كأنه قال: وللهدى والموعظة وللحكم أي: جعله مقطوعًا مما قبله، وقدر العامل مؤخرًا أي: وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه آتيناه إياه.
وقول الزمخشري أقرب إلى الصواب، لأن الهدي الأول والنور والتصديق لم يؤت بها على سبيل العلة، إنما جيء بقوله: فيه هدى ونور، على معنى كائنًا فيه ذلك ومصدقًا، وهذا معنى الحال، والحال لا يكون علة.
فقول ابن عطية: ليتضمن كيت وكيت، وليحكم، بعيد.
{ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون} ناسب هنا ذكر الفسق، لأنه خرج عن أمر الله تعالى إذ تقدم قوله: وليحكم، وهو أمر.
كما قال تعالى: {اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجنّ ففسق عن أمر ربه} أي: خرج عن طاعة أمره تعالى.
فقد اتضح مناسبة ختم الجملة الأولى بالكافرين، والثانية بالظالمين، والثالثة بالفاسقين.
وقال ابن عطية: وتكرير هذه الصفات لمن لم يحكم بما أنزل الله هو على جهة التوكيد، وأصوب ما يقال فيها: أنها تعم كل مؤمن وكافر، فيجيء كل ذلك في الكافر على أتم وجوهه، وفي المؤمن على معنى كفر المعصية وظلمها وفسقها.
وقال القفال: هي لموصوف واحد كما تقول: من أطاع الله فهو البر، ومن أطاع فهو المؤمن، ومن أطاع فهو المتقي.
وقيل: الأول في الجاحد، والثاني والثالث في المقر التارك.
وقال الأصم: الأول والثاني في اليهود، والثالث في النصارى.
وعلى قول ابن عطية يعم كل كافر ومؤمن، يكون إطلاق الكافرين والظالمين والفاسقين عليهم للاشتراك في قدر مشترك. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} قَالَ أَبُو بَكْرٍ: فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا لَمْ يُنْسَخْ مِنْ شَرَائِعِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ فَهُوَ ثَابِتٌ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ صَارَ شَرِيعَةً لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَوْلِهِ: {وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ} وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَمْرُهُمْ بِاتِّبَاعِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِي الْإِنْجِيلِ إلَّا عَلَى أَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ صَارَ شَرِيعَةً لَهُ؛ لِأَنَّهُمْ لَوْ اسْتَعْمَلُوا مَا فِي الْإِنْجِيلِ مُخَالِفِينَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَيْرَ مُتَّبِعِينَ لَهُ لَكَانُوا كُفَّارًا، فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مَأْمُورُونَ بِاسْتِعْمَالِ أَحْكَامِ تِلْكَ الشَّرِيعَةِ عَلَى مَعْنَى أَنَّهَا قَدْ صَارَتْ شَرِيعَةً لِلنَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ. اهـ.

.من فوائد محمد أبو زهرة في الآية:

قال رحمه الله:
{وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}.
فى هذا النص السامى، نجد بعض إشارات بيانية تشير إلى مكانة القرآن بين الكتب السماوية، وتبدو هذه الإشارات في ثلاث نواح:
الناحية الأولى- أنه سبحانه لم يقل وقفينا على آثارهم بمحمد أو نحو ذلك، بل بين سبحانه أنه أنزل الكتاب، وفى ذلك إشارة إلى معنى استقلاله، وأنه لم يكن فيه تبعية لغيره من الكتب، بل هو مستقل بالمكانة منفرد بها من غير تبعية أيا كان نوعها، وأيا كان مقدارها، وذكر الكتاب دون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم صراحة للإشارة إلى مكانة الشريعة الإسلامية وكتابها الكريم الباقى والخالد إلى يوم القيامة، وهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم وإذا ذكرها سبحانه في مقام الإكبار والتفخيم يكون بيانا لمكانة الرسالة المحمدية، وبيان أن حجتها أقوى الحجج، وأشدها تثبيتا، وأبقاها في هذا الوجود، وقد ذكر الله سبحانه وتعالى الكتاب من غير تعريف سوى ذلك، و«أل» كما قال علماء اللغة للعهد، وفى ذلك إشارة إلى كماله، أى أنه «الكتاب» الذي هو جدير باسم الكتاب، بحيث إذا أطلق اسم الكتاب لا ينصرف إلا إليه؟ لأنه الفرد الكامل من بين الكتب في هذا الوجود.
وقد زاده الله تعالى شرفا فنسب الإنزال إليه سبحانه، وفى ذلك تأكيد لمنزلته العالية السامية.
الناحية الثانية- من الإشارات البيانية المبينة لمكان القرآن- هو بيان أنه سجل الرسالات السابقة، والشاهد بصدقها فهو مصدق لكل الكتب السابقة، المنزلة قبل تحريفها، وفيه دلائل نبوة الأنبياء السابقين، ومعجزاتهم، والكتاب الآخر في قوله تعالى: {مصدقا لما بين يديه من الكتاب}. هو جنس الكتب السماوية السابقة، ف «أل» فيه للجنس، أى أنه في القرآن الكريم الدلائل المثبتة لصدق ما يصح أن يسمى كتابا سماويا من الكتب السابقة بما فيها الإنجيل والتوراة والزبور، ويصح أن يكون «أل» للعهد أيضا، وهو العهد الذكرى، إذ ذكر من قبل كتابان من الكتب السماوية وهما التوراة والإنجيل، وعبر عنهما بالكتاب باعتبار الجنس، ولأن كليهما متمم للآخر، فهما في معنى كتاب واحد.
والناحية الثالثة مما يدل على مكانة القران- هو أنه يهيمن على الكتب السابقة، فقد قال تعالى في مقامه بالنسبة لغيره من كتب السماء: {ومهيمنا عليه}. والمعنى أنه حاكم بصحة ما فيه، وشاهد بصدقه، ومقرر لمعانيه الباقية التي لم يعترها نسخ، وفوق ذلك يتبين الصحيح الذي نزل، ويشير إلى المحذوف الذي حذفه الأخلاف، إذ نسوا حظا مما ذكروا به، وهناك قراءة بفتح الميم، ذكرها الزمخشرى في الكشاف، ويكون المعنى أنه «مهيمن» عليه أى مراقب محفوظ، كما قال تعالى: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} [الحجر]،. وقد وضح الزمخشرى المعنى على هذه القراءة بقوله رضى الله تعالى عنه: «أى هومن عليه بأن حفظ من التغيير والتبديل، كما قال تعالى: {لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه} فصلت، والذى هيمن عليه الله عز وجل أو الحفاظ في كل بلد، لو حرف حرف منه أو حركة أو سكون لتنبه له كل أحد، ولاشمأزوا رادين ومنكرين».
أى أن الله تعالى هيمن عليه وحفظه إلى يوم الدين، والحفاظ للقرآن جيلا بعد جيل هم بتوفيق الله تعالى شاهدون مانعون لكل تغيير وتبديل؟ لأنهم يحفظونه في صدورهم، ولا يتركونه للقرطاس الذي قد يرد عليه المحو والإثبات والتغيير والتبديل، وبذلك اختص القرآن بالصيانة من بين الكتب السماوية، وهو قد حفظه بنصه وقراءاته، وطريق تلاوته، فالله سبحانه وتعالى هو الذي رتله ترتيلا، بتعليم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك كما قال تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا} الفرقان.
{فاحكم بينهم بما أنزل الله}، الفاء هنا للإفصاح؟ لأنها تومى إلى شرط مقدر، والمعنى على هذا: إذا كان الكتاب قد أنزل إليك من لدن الله العلى القدير عالم غيب السموات والأرض، وأنه يهيمن على الكتب السابقة ومحفوظ بحفظ الله تعالى إلى يوم الدين؟ فاحكم بين اليهود والنصارى ومن يعاصرونك من الناس بهذا الذي جاء به، لأنه نزل لتحكم به أنت ومن يتولى الحكم من بعدك، ولم يقل سبحانه وتعالى لتحكم به، بل ترك الضمير، وعبر بالموصول للإشارة إلى أن السبب الموجب للحكم أنه منزل من عند الله، إذ إن الموصول إذا كان في ضمن حكم تكون الصلة هي علة الحكم، والسبب فيه، وعلى ذلك يكون حكم القرآن وهو حكم الله تعالى الذي لا يختلف باختلاف العصور، ولا يتغير بتغير الأوقات؟ لأنه شريعة الله الذي هو بكل شيء عليم، يعلم الناس وما يصلح لهم في ماضيهم وقابلهم، وهذا يفيد أن اليهود الذين عاصروا النبي صلى الله عليه وسلم ومن جاءوا بعدهم مخاطبون بشريعة القرآن، وأنه نسخ ما قبله من الشرائع، إلا ما جاء النص بوجوب العمل به كالقصاص، أو ما لم يثبت أنه نسخ، والمعول في الحالين هو القرآن وما جاء به محمد عليه الصلاة والسلام، ولقد روى أنه عليه السلام ذكر أن موسى لو كان حيا ما وسعه إلا الإيمان به عليه الصلاة والسلام.
{ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق} والضمير في قوله تعالى: {أهواءهم} يعود إلى اليهود الذين تحاكموا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأرادوا أن يحكموا بما لم ينزل من عند الله، مع أن الحكم عندهم في التوراة التي بأيديهم منصوص عليه، ولم ينسخه القرآن الكريم، وكان مما بقى وهو القصاص العادل.
وقوله تعالى: {ولا تتبع أهواءهم} هو فيه إشارات بيانية نتكلم فيها، وذكرها فيه بيان معنى النص الكريم.
أولاها- قو له تعالى: {ولا تتبع أهو اءهم}.
أكثر العلماء قالوا إن قوله تعالى: {ولا تتبع أهواءهم}. متضمن معنى لا تنحرف، بدليل أنه تعدى بعن في قوله تعالى: {عما جاءك من الحق}. والمعنى في الجملة لا تتبع أهواءهم منحرفا عما جاءك من الحق، وهو ما نزل به القرآن الكريم، ولذلك نرى أن قوله تعالى: {ولا تتبع أهواءهم}. لا تضمين فيها، بل قوله تعالى: {عما جاءك من الحق}. يتعلق بحال محذوفة، والمرمى من هذه الجملة السامية أن الخروح عما أنزل الله تعالى باتباع أهوائهم الفاسدة المردية فيه انحراف عن الحق، وخروح عن الجادة المستقيمة، وبعد عن الإنصاف في ذاته، وكذلك الشأن فيمن يعدل عن حكم الله تعالى اتباعا لأهواء الناس، وإرضاء للشهوات والرغبات المنحرفة.