فصل: من فوائد أبي السعود في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقيل: المخاطب بهذا هذه الأمة، ومعناه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا} القرآن {مِنْكُمْ} أيتها الأمة {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} أي: هو لكم كلكم، تقتدون به. وحُذف الضمير المنصوب في قوله: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ} أي: جعلناه، يعني القرآن، {شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} أي: سبيلا إلى المقاصد الصحيحة، وسنة أي: طريقًا ومسلكًا واضحًا بينًا.
هذا مضمون ما حكاه ابن جرير عن مجاهد، رحمه الله، والصحيح القول الأول، ويدل على ذلك قوله تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} فلو كان هذا خطابًا لهذه الأمة لما صح أن يقول: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} وهم أمة واحدة، ولكن هذا خطاب لجميع الأمم، وإخبار عن قدرته تعالى العظيمة التي لو شاء لجمع الناس كلهم على دين واحد وشريعة واحدة، لا ينسخ شيء منها. ولكنه تعالى شرع لكل رسول شرْعة على حدَة، ثم نسخها أو بعضها برسالة الآخر الذي بعده حتى نسخ الجميع بما بعث به عبده ورسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم الذي ابتعثه إلى أهل الأرض قاطبة، وجعله خاتم الأنبياء كلهم؛ ولهذا قال تعالى: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ} أي: أنه تعالى شرع الشرائع مختلفة، ليختبر عباده فيما شرع لهم، ويثيبهم أو يعاقبهم على طاعته ومعصيته بما فعلوه أو عزموا عليه من ذلك كله.
وقال عبد الله بن كثير: {فِيمَا آتَاكُمْ} يعني: من الكتاب.
ثم إنه تعالى ندبهم إلى المسارعة إلى الخيرات والمبادرة إليها، فقال: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} وهي طاعة الله واتباع شرعه، الذي جعله ناسخًا لما قبله، والتصديق بكتابه القرآن الذي هو آخر كتاب أنزله.
ثم قال تعالى: {إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} أي: معادكم أيها الناس ومصيركم إليه يوم القيامة {فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أي: فيخبركم بما اختلفتم فيه من الحق، فيجزي الصادقين بصدقهم، ويعذب الكافرين الجاحدين المكذبين بالحق، العادلين عنه إلى غيره بلا دليل ولا برهان، بل هم معاندون للبراهين القاطعة، والحجج البالغة، والأدلة الدامغة.
وقال الضحاك: {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ} يعني: أمة محمد صلى الله عليه وسلم. والأظهر الأول. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} أي الفردَ الكاملَ الحقيقيَّ بأن يسمى كتابًا على الإطلاق لحيازته جميعَ الأوصافِ الكمالية لجنس الكتابِ السماويِّ وتفوقِه على بقية أفراده وهو القرآنُ الكريم، فاللام للعهد والجملةُ عطف على {أنزلنا} وما عُطِف عليه، وقوله تعالى: {بالحق} متعلق بمحذوفٍ وقع حالًا مؤكّدة من الكتاب أي ملتبسًا بالحق والصدق، وقيل: من فاعل أنزلنا، وقيل: من الكاف في {إليك} وقوله تعالى: {مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حال من الكتاب أي حالَ كونِه مصدقًا لما تقدَّمَه إما من حيث إنه نازلٌ حسْبما نُعِتَ فيه، أو من حيث إنه موافقٌ له في القِصصِ والمواعيدِ والدعوة إلى الحق والعدلِ بين الناس والنهْيِ عن المعاصي والفواحش، وأما ما يتراءى من مخالفتِه له في بعض جزئياتِ الأحكام المتغيِّرة بسبب تغيُّرِ الأعصارِ فليست بمخالفةٍ في الحقيقة بل هي موافِقةٌ لها من حيث إن كلًا من تلك الأحكام حقٌّ بالإضافة إلى عصره، متضمِّنٌ للحكمة التي عليها يدور أمرُ الشريعة، وليس في المتقدم دلالةٌ على أبديةِ أحكامِه المنسوخة حتى يخالفَه الناسخُ المتأخِّرُ، وإنما يدل على مشروعيتها مطلقًا من غير تعرُّض لبقائها وزوالِها، بل نقول: هو ناطقٌ بزوالها لما أن النطقَ بصحة ما ينسخها نطقٌ بنَسْخِها وزوالِها وقوله تعالى: {مّنَ الكتاب} بيانٌ {لِما}، واللام للجنس، إذ المراد هو الكتابُ السماوي وهو بهذا العنوان جنسٌ برأسه، وإن كان في نفسه نوعًا مخصوصًا من مدلول لفظ الكتاب، وعن هذا قالوا: اللام للعهد، إلا أن ذلك لا ينتهي إلى خصوصية الفردية بل إلى خصوصية النوعية التي هي أخصُّ من مُطلقِ الكتاب وهو ظاهر، ومن الكتاب السماوي أيضًا حيث خُصَّ بما عدا القرآن {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} أي رقيبًا على سائر الكتبِ المحفوظة من التغيير لأنه يشهد بالصحة والثبات ويقرِّر أصولَ شرائعها وما يتأبد من فروعها، ويعيِّن أحكامَها المنسوخةَ ببيان انتهاءِ مشروعيتها المستفادة من تلك الكتب وانقضاءِ وقت العمل بها، ولا ريب في أن تمييزَ أحكامِها الباقيةِ على المشروعية أبدًا عما انتهى وقتُ مشروعيتِه وخرج عنها من أحكام كونِه مهيمنًا عليه، وقرئ {ومُهيمَنًا عليه} على صيغة المفعول أي هُومِنَ عليه وحُوفظ من التغيير والتبديل كقوله عز وجل: {لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ} والحافظُ إما من جهته تعالى كما في قوله: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ} أو الحفاظُ في الأعصار والأمصار والفاء في قوله تعالى: {فاحكم بَيْنَهُمْ} لترتيب ما بعدها على ما قبلها، فإن كونَ شأنِ القرآن العظيم حقًا مصدِّقًا لما قبله من الكتب المنزلة على الأمم مهيمنًا عليه من مُوجباتِ الحكم المأمور به، أي إذا كان القرآن كما ذُكِر فاحكمْ بين أهل الكتابين عند تحاكُمِهم إليك {بِمَا أنزَلَ الله} أي بما أنزله إليك، فإنه مشتملٌ على جميع الأحكام الشرعية الباقيةِ في الكتب الإلهية، وتقديمُ {بينهم} للاعتناء ببيانِ تعميمِ الحكم لهم، ووضعُ الموصول موضعَ الضمير للتنبيه على عِلِّيَّةِ ما في حيز الصلة للحكم، والالتفات بإظهار الاسم الجليل لتربية المهابة والإشعار بعِلَّة الحكم.
{وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} الزائغة {عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحق} الذي لا محيدَ عنه، و«عن» متعلقة بلا تتَّبعْ على تضمين معنى العُدول ونحوِه، كأنه قيل: ولا تعدِلْ عما جاءك من الحق متبعًا أهواءهم، وقيل: بمحذوفٍ وقع حالًا من فاعله، أي لا تتبع أهواءهم عادلًا عما جاءك، وفيه أن ما وقع حالًا لابد أن يكون فعلًا عامًا، ووضع الموصول موضع ضمير الموصول الأول للإيماء بما في حيز الصلة من مجيء الحق إلى ما يوجب كمالَ الاجتناب عن اتباع الأهواء. وقوله تعالى: {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا} كلام مستأنَفٌ جيءَ به لحمل أهل الكتابين من معاصِريه عليه الصلاة والسلام على الانقياد لحُكمه بما أُنزل إليه من القرآن الكريم ببيان أنه هو الذي كُلِّفوا العملَ به دون غيره من الكتابين، وإنما الذين كلفوا العملَ بهما مَنْ مَضَى قبل نسخهما من الأمم السالفة، والخطابُ بطريق التلوين والالتفات للناس كافة لكن لا للموجودين خاصة بل للماضين أيضًا بطريق التغليب، واللام متعلقة بـ {جعلنا} المتعدي لواحد، وهو إخبارٌ بجَعَلَ، ماضٍ لا إنشاءٌ، وتقديمها عليه للتخصيص و{منكم} متعلق بمحذوفٍ وقعَ صفةً لِما عُوِّض عنه تنوينُ كلَ، ولا ضيرَ في توسط {جعلنا} بين الصفة والموصوف كما في قوله تعالى: {غَيْرَ الله أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السموات} الخ، والمعنى لكل أمة كائنةٍ منكم أيها الأمم الباقية والخالية جعلنا أي عيّنّا ووضعنا شرعةً ومنهاجًا خاصَّين بتلك الأمة لا تكاد أمةٌ تتخطى شَرْعيتها التي عُيِّنت لها، فالأمة التي كانت من مبعث موسى إلى مبعث عيسى عليهما السلام شرعِيَّتُهم التوراة والتي كانت من مبعث عيسى إلى مبعث النبي عليهما الصلاة والسلام شرعتهم الإنجيل، وأما أنتم أيها الموجودون فشِرْعتُكم القرآنُ ليس إلا، فآمنوا به واعملوا بما فيه، والشِّرْعةُ والشريعة هي الطريقة إلى الماء شُبِّه بها الدينُ لكونه سبيلًا موصولًا إلى ما هو سببٌ للحياة الأبدية، كما أن الماء سببٌ للحياة الفانية، والمنهاجُ الطريق الواضح في الدين من نهَجَ الأمرُ إذا وضَحَ، وقرئ {شَرْعة} بفتح الشين، قيل: فيه دليل على أنا غيرُ مُتعبَّدين بشرائِعِ مَنْ قبلنا، والتحقيق أنا متعبَّدون بأحكامها الباقية من حيث إنها أحكامُ شرعتِنا لا من حيث إنها شرعة للأولين.
{وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} متفقةٌ على دين واحد في جميع الأعصار من غير اختلاف بينكم وبين من قبلكم من الأمم في شيء من الأحكام الدينية، ولا نسخَ ولا تحويل، ومفعولُ المشيئة محذوفٌ على دلالة الجزاء عليه، أي ولو شاء الله أن يجعلكم أمة واحدة لجعلكم الخ، وقيل: المعنى لو شاء الله اجتماعكم على الإسلام لأجبركم عليه.
{ولكن لّيَبْلُوَكُمْ} متعلِّقٌ بمحذوف يستدعيه النظام، أي ولكن لم يشأ ذلك أي أن يجعلكم أمةً واحدة بل شاء ما عليه السنةُ الإلهية الجاريةُ فيما بين الأمم ليعامِلَكم معاملةَ من يبتليكم {فِيمَا ءاتاكم} من الشرائع المختلفة المناسبة لأعصارها وقرونِها هل تعملون بها مذعِنين لها معتقدين أن اختلافَها بمقتضى المشيئةِ الإلهية المبنيةِ على أساس الحِكَم البالغةِ والمصالحِ النافعة لكم في معاشكم ومعادِكم أو تزيغون عن الحق وتتبعون الهوَى وتستبدلون المضَرَّة بالجدوى وتشترون الضلالة بالهدى، وبهذا اتضح أن مدارَ عدم المشيئةِ المذكورة ليس مجردَ الابتلاء، بل العمدةُ في ذلك ما أشير إليه من انطواءِ الاختلاف على ما فيه مصلحتُهم معاشًا ومعادًا كما ينبىء عنه قوله عز وجل: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} أي إذا كان الأمر كما ذُكر فسارعوا إلى ما هو خيرٌ لكم في الدارين من العقائد الحَقَّة والأعمالِ الصالحة المندرجة في القرآن الكريم، وابتدروها انتهازًا للفرصة وإحرازًا لسابقةِ الفَضْل والتقدم، ففيه من تأكيد الترغيبِ في الإذعان للحق وتشديدِ التحذير عن الزيغ ما لا يخفى، وقوله تعالى: {إلى الله مَرْجِعُكُمْ} استئنافٌ مَسوقٌ مَساقَ التعليل لاستباق الخيرات بما فيه من الوعد والوعيد، وقوله تعالى: {جَمِيعًا} حال من ضمير الخطاب، والعامل فيه إما المصدرُ المنحلُّ إلى حرفٍ مصدريَ وفعل مبني للفاعل أو مبني للمفعول وإما الاستقرارُ المقدَّر في الجار {فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} أي فيفعل بكم من الجزاء الفاصل بين المُحِقّ والمُبطل ما لا يبقى لكم معه شائبةُ شكٍ فيما كنتم فيه تختلفون في الدنيا، وإنما عبر عن ذلك بما ذكر لوقوعه موقع إزالة الاختلاف التي هي وظيفة الإخبار. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
قوله: {وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب} خطاب لمحمد صلى الله عليه وسلم، والكتاب القرآن والتعريف للعهد، و{بالحق} متعلق بمحذوف وقع حالًا: أي متلبسًا بالحق؛ وقيل هو حال من فاعل أنزلنا؛ وقيل من ضمير النبي صلى الله عليه وسلم و{مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ} حال من الكتاب، والتعريف في الكتاب أعني قوله: {مُصَدّقًا لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب} للجنس: أي أنزلنا إليك يا محمد القرآن حال كونه متلبسًا بالحق وحال كونه مصدّقًا لما بين يديه من كتب الله المنزلة؛ لكونه مشتملًا على الدعوة إلى الله، والأمر بالخير، والنهي عن الشرّ، كما اشتمل عليه قوله: {وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} عطف على مصدّقًا، والضمير في عليه عائد إلى الكتاب الذي صدقه القرآن وهيمن عليه، والمهيمن الرقيب؛ وقيل الغالب المرتفع؛ وقيل الشاهد: وقيل الحافظ؛ وقيل المؤتمن.
قال المبرد: أصله مؤيمن أبدل من الهمزة هاء، كما قيل في أرقت الماء هرقت، وبه قال الزجاج وأبو عليّ الفارسي.
وقال الجوهري: هو من أمن غيره من الخوف، وأصله أأمن فهو مؤأمن بهمزتين قلبت الثانية ياء كراهة لاجتماعهما، فصار مؤيمن ثم صيرت الأولى هاء، كما قالوا هراق الماء وأراقه، يقال هيمن على الشيء يهيمن: إذا كان له حافظًا، فهو له مهيمن كذا عن أبي عبيد.
وقرأ مجاهد وابن محيصن: {مهيمنا عليه} بفتح الميم، أي: هيمن عليه الله سبحانه.
والمعنى على قراءة الجمهور: أن القرآن صار شاهدًا بصحة الكتب المنزلة ومقرّرًا لما فيها مما لم ينسخ، وناسخًا لما خالفه منها، ورقيبًا عليها وحافظًا لما فيها من أصول الشرائع، وغالبًا لها لكونه المرجع في المحكم منها والمنسوخ، ومؤتمنًا عليها لكونه مشتملًا على ما هو معمول به منها وما هو متروك.
قوله: {فاحكم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ الله} أي: بما أنزله إليك في القرآن؛ لاشتماله على جميع ما شرعه الله لعباده في جميع الكتب السابقة عليه {وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ} أي: أهواء أهل الملل السابقة.
وقوله: {عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحق} متعلق بلا تتبع على تضمينه معنى لا تعدل أو لا تنحرف {عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحق} متبعًا لأهوائهم؛ وقيل متعلق بمحذوف: أي لا تتبع أهواءهم عادلًا أو منحرفًا عن الحق.
وفيه النهي له صلى الله عليه وسلم عن أن يتبع أهوية أهل الكتاب، ويعدل عن الحق الذي أنزله الله عليه، فإن كل ملة من الملل تهوى أن يكون الأمر على ما هم عليه، وما أدركوا عليه سلفهم، وإن كان باطلًا منسوخًا أو محرّفًا عن الحكم الذي أنزله الله على الأنبياء، كما وقع في الرجم ونحوه مما حرفوه من كتب الله.
قوله: {لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا} الشرعة والشريعة في الأصل: الطريقة الظاهرة التي يتوصل بها إلى الماء، ثم استعملت فيما شرعه الله لعباده من الدين.
والمنهاج: الطريقة الواضحة البينة.
وقال أبو العباس محمد بن يزيد المبرد الشريعة: ابتداء الطريق، والمنهاج الطريق المستمر.
ومعنى الآية: أنه جعل التوراة لأهلها، والإنجيل لأهله، والقرآن لأهله، وهذا قبل نسخ الشرائع السابقة بالقرآن، وأما بعده فلا شرعة ولا منهاج إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
قوله: {وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة} بشريعة واحدة وكتاب واحد ورسول واحد {ولكن لّيَبْلُوَكُمْ} أي ولكن لم يشأ ذلك الاتحاد، بل شاء الابتلاء لكم باختلاف الشرائع، فيكون {لِيَبْلُوَكُمْ} متعلقًا بمحذوف دلّ عليه سياق الكلام وهو ما ذكرنا، ومعنى: {فِيمَا ءاتاكم} فيما أنزله عليكم من الشرائع المختلفة باختلاف الأوقات والرسل هل تعملون بذلك وتذعنون له، أو تتركونه وتخالفون ما اقتضته مشيئة الله وحكمته، وتميلون إلى الهوى وتشترون الضلالة بالهدى؟ وفيه دليل على أن اختلاف الشرائع هو لهذه العلة، أعني الابتلاء والامتحان، لا لكون مصالح العباد مختلفة باختلاف الأوقات والأشخاص.
قوله: {فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ} أي: إذا كانت المشيئة قد قضت باختلاف الشرائع فاستبقوا إلى فعل ما أمرتم بفعله وترك ما أمرتم بتركه.
والاستباق: المسارعة {إلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا} لا إلى غيره وهذه الجملة كالعلة لما قبلها. اهـ.