فصل: قال السمرقندي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال السمرقندي:

{فَتَرَى الذين في قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} يعني: شرك ونفاق {يسارعون فِيهِمْ} يقول: يبادرون في معاونتهم ومعاقدتهم وولايتهم، {يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} يعني: ظهور المشركين.
ويقال: شدة وجدوبة فاحتجنا إليهم.
ويقال: نخشى الدائرة على المسلمين، فلا ننقطع عنهم.
قال الله تعالى: {فَعَسَى الله أَن يَأْتِىَ بالفتح أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ} يعني: نصر محمد صلى الله عليه وسلم الذي أيسوا منه {أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ} يعني: من قتل بني قريظة وإجلاء بني النضير.
ويقال: الفتح أي: فتح مكة {أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ} يعني: الخصب.
وقال القتبي: الفتح أن يفتح المغلق.
ثم قال: النصرة فتح، لأن النصرة يفتح الله بها أمرًا مغلقًا، كقوله: {الذين يَتَرَبَّصُونَ بِكُمْ فَإِن كَانَ لَكُمْ فَتْحٌ مِّنَ الله قالوا أَلَمْ نَكُنْ مَّعَكُمْ وَإِن كَانَ للكافرين نَصِيبٌ قالوا أَلَمْ نَسْتَحْوِذْ عَلَيْكُمْ وَنَمْنَعْكُمْ مِّنَ المؤمنين فالله يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ القيامة وَلَن يَجْعَلَ الله للكافرين عَلَى المؤمنين سَبِيلًا} صلى الله عليه وسلم [النساء: 141] وكقوله: {فَعَسَى الله أَن يَأْتِىَ بالفتح أَوْ أَمْرٍ مّنْ عِندِهِ} يعني: إظهار نفاقهم، {فَيُصْبِحُواْ على مَا أَسَرُّواْ في أَنفُسِهِمْ} من النفاق، {نادمين} لأن المنافقين لما رأوا من أمر بني قريظة والنضير ندموا على ما قالوا. اهـ.

.قال ابن عطية:

وقوله تعالى: {فترى الذين في قلوبهم مرض} الآية، مخاطبة محمد صلى الله عليه وسلم والإشارة إلى عبد الله بن أبيّ ابن سلول ومن تبعه من المنافقين على مذهبه في حماية بني قينقاع، ويدخل في الآية من كان من مؤمني الخزرج يتابعه جهالة وعصبية، فهذا الصنف له حظه من مرض القلب، وقراءة جمهور الناس {ترى} بالتاء من فوق، فإن جعلت رؤية عين {فيسارعون} حال وفيها الفائدة المقصودة، وإن جعلت رؤية قلب ف {يسارعون} في موضع المفعول الثاني، ويقولون حال، وقرأ إبراهيم النخعي ويحيى بن وثاب {فيرى} بالياء من تحت والفاعل على هذه القراءة محذوف ولك أن تقدر فيرى الله أو فيرى الرأي و{الذين} مفعول، ويحتمل أن يكون {الذين} فاعل والمعنى أن يسارعوا فحذفت «أن» إيجازًا {يسارعون فيهم} معناه في نصرتهم وتأنيسهم وتجميل ذكرهم، وقوله تعالى: {يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} لفظ محظوظ عن عبد الله بن أبيّ، ولا محالة أنه قال بقوله منافقون كثير، والآية تعطي ذلك، و{دائرة} معناه نازلة من الزمان وحادثة من الحوادث تحوجنا إلى موالينا من اليهود، وتسمى هذه الأمور دوائر على قديم الزمان من حيث الليل والنهار في دوران، فكأن الحادث يدور بدورانها حتى ينزل فيمن نزل، ومنه قول الله تعالى: {دائرة السوء} [التوبة: 98، الفتح: 6] و{يتربص بكم الدوائر} [التوبة: 98] ومنه قول الشاعر:
والدهر بالإنسان دواريّ

وقول الآخر:
ويعلم أن النائبات تدور

وقول الآخر:
يرد عنك القدر المقدورا ** ودائرات الدهر أن تدورا

ويعضده قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الزمان قد استدار».
قال القاضي أبو محمد: وفعل عبد الله بن أبيّ في هذه النازلة لم يكن ظاهره مغالبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو فعل ذلك لحاربه رسول الله، وإنما كان يظهر للنبي صلى الله عليه وسلم أن يستبقيهم لنصرة محمد ولأن ذلك هو الرأي، وقوله إني امرؤ أخشى الدوائر أي من العرب وممن يحارب المدينة وأهلها، وكان يبطن في ذلك كله التحرز من النبي والمؤمنين وآلفت في أعضادهم، وذلك هو الذي أسر هو في نفسه ومن معه على نفاقه ممن يفتضح بعضهم إلى بعض، وقوله تبارك وتعالى: {فعسى الله} مخاطبة للنبي صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين ووعد لهم، و«عسى» من الله واجبة، واختلف المتأولون في معنى {الفتح} في هذه الآية فقال قتادة: يعني به القضاء في هذه النوازل، والفتاح القاضي، فكان هذا الوعد هو مما نزل ببني قينقاع بعد ذلك وبقريظة والنضير، وقال السدي؟ يعني به فتح مكة.
قال القاضي أبو محمد: وظاهر الفتح في هذه الآية ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو كلمته، أي فيبدو الاستغناء عن اليهود ويرى المنافق أن الله لم يوجد سبيلًا إلى ما كان يؤمل فيهم من المعونة على أمر محمد صلى الله عليه وسلم والدفع في صدر نبوته فيندم حينئذ على ما حصل فيه من محادة الشرع، وتجلل ثوب المقت من الله تعالى ومن رسوله عليه السلام والمؤمنين كالذي وقع وظهر بعد، وقوله تعالى: {أو أمر من عنده} قال السدي المراد ضرب الجزية.
قال القاضي أبو محمد: ويظهر أن هذا التقسيم إنما هو لأن الفتح الموعود به هو ما يتركب على سعي النبي وأصحاب ويسببه جدهم وعملهم، فوعد الله تعالى إما بفتح بمقتضى تلك الأفعال وإما بأمر من عنده يهلك أعداء الشرع هو أيضًا فتح لا يقع للبشر فيه تسبيب، وقوله تعالى: {فيصبحوا} معناه يكونون كذلك طول دهرهم، وخص الإصباح بالذكر لأن الإنسان في ليله مفكر متستر، فعند الصباح يرى بالحالة التي اقتضتها فكره أو أمراضه ونحو ذلك ومنه قول الشاعر:
أصبحت لا أحمل السلاح

إلى غير هذا من الأمثلة، والذي أسروه هو ما ذكرناه من التمرس بالنبي صلى الله عليه وسلم وإعداد اليهود للثورة عليه يومًا ما، وقرأ ابن الزهري {فيصبح الفساق على ما أسروا في أنفسهم نادمين}. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَتَرَى الذين فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ} شك ونفاق، وقد تقدّم في «البقرة» والمراد ابن أبي وأصحابه {يُسَارِعُونَ فِيهِمْ} أي في موالاتهم ومعاونتهم.
{يَقُولُونَ نخشى أَن تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ} أي يدور الدهر علينا إمّا بقحط فلا يَميروننا ولا يُفْضِلوا علينا، وإمّا أن يظفر اليهود بالمسلمين فلا يدوم الأمر لمحمد صلى الله عليه وسلم.
وهذا القول أشبه بالمعنى؛ كأنه من دارت تدور، أي نخشى أن يدور الأمر؛ ويدل عليه قوله عز وجل: {فَعَسَى الله أَن يَأْتِيَ بالفتح}؛ وقال الشاعر:
يردّ عنك القَدَر المقدورا ** ودائراتِ الدهر أن تَدورا

يعني دول الدهر الدائرة من قوم إلى قوم.
واختلف في معنى الفتح؛ فقيل: الفتح الفصل والحكم؛ عن قَتَادة وغيره.
قال ابن عباس: أتى الله بالفتح فقُتِلت مُقاتِلة بني قُرَيظة وسُبيت ذراريهم وأُجْلَي بنو النَّضِير.
وقال أبو علي: هو فتح بلاد المشركين على المسلمين.
وقال السّدي: يعني بالفتح فتحَ مكة.
{أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} قال السّدي: هو الجزية.
الحسن: إظهار أمر المنافقين والإخبار بأسمائهم والأمر بقتلهم.
وقيل: الخصب والسّعة للمسلمين.
{فَيُصْبِحُواْ على مَا أَسَرُّواْ في أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} أي فيصبحوا نادمين على توليهم الكفار إذا رأوا نصر الله للمؤمنين، وإذا عاينوا عند الموت فبُشّروا بالعذاب. اهـ.

.قال أبو حيان:

{فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة} الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم، والذين في قلوبهم مرض عبد الله بن أبيّ ومن تبعه من المنافقين، أو من مؤمني الخزرج متابعة جهالة وعصبية، فهذا الصنف له حصة من مرض القلب قاله ابن عطية.
ومعنى يسارعون فيهم: أي في موالاتهم ويرغبون فيها.
وتقدّم الكلام في المرض في أول البقرة.
وقرأ ابراهيم بن وثاب: فيرى بالياء من تحت، والفاعل ضمير يعود على الله، أو الرأي.
قال ابن عطية: ويحتمل أن يكون الذين فاعل ترى، والمعنى: أن يسارعوا، فحذفت أن إيجازًا انتهى.
وهذا ضعيف لأنّ حذف إنْ من نحو هذا لا ينقاس.
وقرأ قتادة والأعمش: يسرعون بغير ألف من أسرع، وفترى أن كانت من رؤية العين كان يسارعون حالًا، أو من رؤية القلب ففي موضع المفعول الثاني، يقولون: نخشى أن تصيبنا دائرة، هذا محفوظ من قول عبد الله بن أُبيّ، وقاله معه منافقون كثيرون.
قال ابن عباس: معناه نخشى أن لا يتم أمر محمد فيدور الأمر علينا.
وقيل: الدائرة من جدب وقحط.
ولا يميروننا ولا يقرضوننا.
وقيل: دائرة تحوج إلى يهود وإلى معونتهم.
{فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده} هذا بشارة للرسول والمؤمنين بوعده تعالى بالفتح والنصرة.
قال قتادة: عنى به القضاء في هذه النوازل والفتاح القاضي.
وقال السدّي: يعني به فتح مكة.
قال ابن عطية: وظاهر الفتح في هذه الآية ظهور رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلو كلمته فيستغني عن اليهود.
وقيل: فتح بلاد المشركين.
وقيل: فتح قرى اليهود، يريدون قريظة والنضير وفدك وما يجري مجراهما.
وقيل: الفتح الفرج، قاله ابن قتيبة.
وقيل في قوله تعالى: {أو أمر من عنده} هو إجلاء بني النضير وأخذ أموالهم، لم يكن للناس فيه فعل بل طرح الله في قلوبهم الرعب فأعطوا بأيديهم من غير أن يوجف عليهم بخيل ولا ركاب، وقتل قريظة وسبي ذراريهم قاله: ابن السائب ومقاتل.
وقيل: إذلالهم حتى يعطوا الجزية.
وقيل: الخصب والرّخاء قاله ابن قتيبة.
وقال الزجاج: إظهار أمر المنافقين وتربصهم الدوائر.
وقال ابن عطية: ويظهر أنّ هذا التقسيم إنما هو لأن الفتح الموعود به هو مما ترتب على سعي النبي وأصحابه ونسب جدهم وعملهم، فوعد الله تعالى إمّا بفتح يقتضي تلك الأعمال، وإما بأمر من عنده يهلك أعداء الشرع، هو أيضًا فتح لا يقع للبشر فيه تسبب انتهى.
{فيصبحوا على ما أسرّوا في أنفسهم نادمين} أي يصيرون نادمين على ما حدثتهم أنفسهم أنّ أمر النبي لا يتم، ولا تكون الدولة لهم إذا أتى الله بالفتح أو أمر من عنده.
وقيل: موالاتهم.
وقرأ ابن الزبير: فتصبح الفساق جعل الفساق مكان الضمير.
قال ابن عطية: وخص الإصباح بالذكر لأنّ الإنسان في ليله مفكر، فعند الصباح يرى الحالة التي اقتضاها فكره انتهى.
وتقدم لنا نحو من هذا الكلام، وذكرنا أن أصبح تأتي بمعنى صار من غير اعتبار كينونة في الصباح، واتفق الحوفي وأبو البقاء على أن قوله: فيصبحوا معطوف على قوله: {أن يأتي} وهو الظاهر، ومجور ذلك هو الفاء، لأن فيها معنى التسبب، فصار نظير الذي يطير فيغضب زيد الذباب، فلو كان العطف بغير الفاء لم يصح، لأنه كان يكون معطوفًا على أن يأتي خبر لعسى، وهو خبر عن الله تعالى، والمعطوف على الخبر خبر، فيلزم أن يكون فيه رابط إن كان مما يحتاج إلى الرابط، ولا رابط هنا، فلا يجوز العطف.
لكنّ الفاء انفردت من بين سائر حروف العطف بتسويغ الاكتفاء بضمير واحد فيما تضمن جملتين من صلة كما مثله، أو صفة نحو مررت برجل يبكي فيضحك عمرو، أو خبر نحو زيد يقوم فيقعد بشر.
وجوز أن لا يكون معطوفًا على أن يأتي، ولكنه منصوب بإضمار أن بعد الفاء في جواب التمني، إذ عسى تمنّ وترج في حق البشر، وهذا فيه نظر. اهـ.