فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)}.
الولي أي الناصر، ولا موالاة بين المؤمنين وبين أعداء الحق سبحانه فأعداء الحقِّ هم أعداء الدِّين.
و«إنما» حرفٌ يقتضي أن ما عداه بخلافه، وأعدى عدوِّك نَفْسُكَ- كما في الخبر- ومَنْ عادى نَفْسَه لم يخرج بالمخاصمة عنها مع الخلْق وبالمعارضة فيها مع الحق. اهـ.

.من فوائد الجصاص في الآية:

قال رحمه الله:
قوله تعالى: {إنَّمَا وَلِيُّكُمْ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَاَلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.
رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ وَالسُّدِّيِّ وَأَبِي جَعْفَرٍ وَعُتْبَةَ بْنِ أَبِي حَكِيمٍ: أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ حِينَ تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ وَهُوَ رَاكِعٌ وَرُوِيَ عَنْ الْحَسَنِ أَنَّهُ قَالَ: «هَذِهِ الْآيَةُ صِفَةُ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} صِفَةٌ لِلْجَمَاعَةِ وَلَيْسَتْ لِلْوَاحِدِ».
وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قوله: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} فَقِيلَ فِيهِ: إنَّهُمْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ فِي وَقْتِ نُزُولِ الْآيَةِ، مِنْهُمْ مَنْ قَدْ أَتَمَّ الصَّلَاةَ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ رَاكِعٌ فِي الصَّلَاةِ.
وَقَالَ آخَرُونَ: «مَعْنَى {وَهُمْ رَاكِعُونَ} أَنَّ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَأُفْرِدَ الرُّكُوعُ بِالذِّكْرِ تَشْرِيفًا لَهُ».
وَقَالَ آخَرُونَ: «مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ بِالنَّوَافِلِ كَمَا يُقَالُ فُلَانٌ يَرْكَعُ أَيْ يَتَنَفَّلُ».
فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ فِعْلَ الصَّدَقَةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَةِ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَارٌ فِي إبَاحَةِ الْعَمَلِ الْيَسِيرِ فِيهَا، فَمِنْهَا أَنَّهُ خَلَعَ نَعْلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَمِنْهَا أَنَّهُ مَسَّ لِحْيَتَهُ وَأَنَّهُ أَشَارَ بِيَدِهِ، وَمِنْهَا حَدِيثُ «ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَامَ عَلَى يَسَارِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخَذَ بِذُؤَابَتِهِ وَأَدَارَهُ إلَى يَمِينِهِ»، وَمِنْهَا «أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ بْنِ الرَّبِيعِ، فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ حَمَلَهَا».
فَدَلَالَةُ الْآيَةِ ظَاهِرَةٌ فِي إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ فِي الصَّلَاةِ لِأَنَّهُ إنْ كَانَ الْمُرَادُ الرُّكُوعَ فَكَانَ تَقْدِيرُهُ: الَّذِينَ يَتَصَدَّقُونَ فِي حَالِ الرُّكُوعِ فَقَدْ دَلَّتْ عَلَى إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ وَهُمْ يُصَلُّونَ فَقَدْ دَلَّتْ عَلَى إبَاحَتِهَا فِي سَائِرِ أَحْوَالِ الصَّلَاةِ؛ فَكَيْفَمَا تَصَرَّفَتْ الْحَالُ فَالْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى إبَاحَةِ الصَّدَقَةِ فِي الصَّلَاةِ.
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَالْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَتَصَدَّقُونَ وَيُصَلُّونَ، وَلَمْ يُرِدْ بِهِ فِعْلَ الصَّدَقَةِ فِي الصَّلَاةِ.
قِيلَ لَهُ: هَذَا تَأْوِيلٌ سَاقِطٌ، مِنْ قِبَلِ أَنَّ قَوْله تعالى: {وَهُمْ رَاكِعُونَ} إخْبَارٌ عَنْ الْحَالِ الَّتِي تَقَعُ فِيهَا الصَّدَقَةُ، كَقَوْلِك: تَكَلَّمَ فُلَانٌ وَهُوَ قَائِمٌ، وَأَعْطَى فُلَانًا وَهُوَ قَاعِدٌ، إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ حَالِ الْفِعْلِ وَأَيْضًا لَوْ كَانَ الْمُرَادُ مَا ذَكَرْت، كَانَ تَكْرَارًا لِمَا تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ فِي أَوَّلِ الْخِطَابِ.
قَوْله تَعَالَى: {الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ} وَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ: «الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُصَلُّونَ» وَهَذَا لَا يَجُوزُ فِي كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى فَثَبَتَ أَنَّ الْمَعْنَى مَا ذَكَرْنَا مِنْ مَدْحِ الصَّدَقَةِ فِي حَالِ الرُّكُوعِ أَوْ فِي حَالِ الصَّلَاةِ وقَوْله تَعَالَى: {وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ تُسَمَّى زَكَاةً لِأَنَّ عَلِيًّا تَصَدَّقَ بِخَاتَمِهِ تَطَوُّعًا وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمْ الْمُضْعِفُونَ} انْتَظَمَ صَدَقَةَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ فَصَارَ اسْمُ الزَّكَاةِ يَتَنَاوَلُ الْفَرْضَ وَالنَّفَلَ كَاسْمِ الصَّدَقَةِ وَكَاسْمِ الصَّلَاةِ يَنْتَظِمُ الْأَمْرَيْنِ.
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَإِذَا نَادَيْتُمْ إلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} قَدْ دَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ لِلصَّلَاةِ أَذَانًا يُدْعَى بِهِ النَّاسُ إلَيْهَا؛ وَنَحْوُهُ قَوْله تَعَالَى: {إذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إلَى ذِكْرِ اللَّهِ}.
وَقَدْ رَوَى عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى عَنْ مُعَاذٍ قَالَ: كَانُوا يَجْتَمِعُونَ لِلصَّلَاةِ لِوَقْتٍ يَعْرِفُونَهُ وَيُؤْذِنُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا، حَتَّى نَقَسُوا أَوْ كَادُوا أَنْ يَنْقُسُوا، فَجَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَذَكَرَ الْأَذَانَ، فَقَالَ عُمَرُ: قَدْ طَافَ بِي الَّذِي طَافَ بِهِ وَلَكِنَّهُ سَبَقَنِي.
وَرَوَى الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: «اسْتَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى مَا يَجْمَعُهُمْ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالُوا الْبُوقُ؛ فَكَرِهَهُ مِنْ أَجْلِ الْيَهُودِ وَذَكَرَ قِصَّةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَأَنَّ عُمَرَ رَأَى مِثْلَ ذَلِكَ».
فَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ الْأَذَانَ لَمْ يَكُنْ مَسْنُونًا قَبْلَ الْهِجْرَةِ، وَأَنَّهُ إنَّمَا سُنَّ بَعْدَهَا.
وَقَدْ رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ مُحَمَّدِ بْن بِشْرٍ الْهَمْدَانِيِّ قَالَ: سَأَلْت مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ عَنْ الْأَذَانِ كَيْفَ كَانَ أَوَّلُهُ وَمَا كَانَ؟ فَقَالَ: شَأْنُ الْأَذَانِ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَلَكِنَّ «رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا أُسْرِيَ بِهِ جُمِعَ النَّبِيُّونَ ثُمَّ نَزَلَ مَلَكٌ مِنْ السَّمَاءِ لَمْ يَنْزِلْ قَبْلَ لَيْلَتِهِ فَأَذَّنَ كَأَذَانِكُمْ وَأَقَامَ كَإِقَامَتِكُمْ ثُمَّ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالنَّبِيِّينَ».
قَالَ أَبُو بَكْرٍ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ كَانَ بِمَكَّةَ، وَقَدْ صَلَّى بِالْمَدِينَةِ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَاسْتَشَارَ أَصْحَابَهُ فِيمَا يَجْمَعُهُمْ بِهِ لِلصَّلَاةِ، وَلَوْ كَانَتْ تَبْدِئَةُ الْأَذَانِ قَدْ تَقَدَّمَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ لَمَا اسْتَشَارَ فِيهِ وَقَدْ ذَكَرَ مُعَاذٌ وَابْنُ عُمَرَ فِي قِصَّةِ الْأَذَانِ مَا ذَكَرْنَا.
وَالْأَذَانُ مَسْنُونٌ لِكُلِّ صَلَاةٍ مَفْرُوضَةٍ مُنْفَرِدًا كَانَ الْمُصَلِّي أَوْ فِي جَمَاعَةٍ، إلَّا أَنَّ أَصْحَابَنَا قَالُوا جَائِزٌ لِلْمُقِيمِ الْمُنْفَرِدِ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ أَذَانٍ؛ لِأَنَّ أَذَانَ النَّاسِ دُعَاءٌ لَهُ، فَيَكْتَفِي بِهِ؛ وَالْمُسَافِرُ يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ، وَإِنْ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِقَامَةِ دُونَ الْأَذَانِ أَجْزَأَهُ، وَيُكْرَهُ لَهُ أَنْ يُصَلِّيَ بِغَيْرِ أَذَانٍ وَلَا إقَامَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَذَانٌ يَكُونُ دُعَاءً لَهُ.
وَرُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ «مَنْ صَلَّى فِي أَرْضٍ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ صَلَّى خَلْفَهُ صَفٌّ مِنْ الْمَلَائِكَةِ لَا يُرَى طَرَفَاهُ» وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ سُنَّةِ صَلَاةِ الْمُنْفَرِدِ الْأَذَانَ.
وَقَالَ فِي خَبَرٍ آخَرَ: «إذَا سَافَرْتُمَا فَأَذِّنَا وَأَقِيمَا» وَقَدْ ذَكَرْنَا الْأَذَانَ وَالْإِقَامَةَ وَالِاخْتِلَافَ فِيهِمَا فِي غَيْرِ هَذَا الْكِتَابِ. اهـ.

.من فوائد أبي حيان في الآية:

قال رحمه الله:
{إنما وليكم الله ورسوله} لما نهاهم عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، بيّن هنا من هو وليهم، وهو الله ورسوله.
وفسر الولي هنا بالناصر، أو المتولي الأمر، أو المحب.
ثلاثة أقوال، والمعنى: لا وليّ لكم إلا الله.
وقال: وليكم بالأفراد، ولم يقل أولياؤكم وإن كان المخبر به متعددًا، لأن وليًا اسم جنس.
أو لأنّ الولاية حقيقة هي لله تعالى على سبيل التأصل، ثم نظم في سلكه من ذكر على سبيل التبع، ولو جاء جمعًا لم يتبين هذا المعنى من الأصالة والتبعية.
وقرأ عبد الله: مولاكم الله.
وظاهر قوله: والذين آمنوا، عموم من آمن من مضى منهم ومن بقي قاله الحسن.
وسئل الباقر عمن نزلت فيه هذه الآية، أهو على؟ فقال: عليّ من المؤمنين.
وقيل: الذين آمنوا هو عليّ رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال مقاتل، ويكون من إطلاق الجمع على الواحد مجازًا.
وقيل ابن سلام وأصحابه.
وقيل: عبادة لما تبرأ من حلفائه اليهود.
وقيل: أبو بكر رضي الله عنه، قاله عكرمة.
{والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون} هذه أوصاف ميز بها المؤمن الخالص الإيمان من المنافق، لأن المنافق لا يدوم على الصلاة ولا على الزكاة.
قال تعالى: {وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى} وقال تعالى: {أشحة على الخير} ولما كانت الصحابة وقت نزول هذه الآية من مقيمي صلاة ومؤتي زكاة، وفي كلتا الحالتين كانوا متصفين بالخضوع لله تعالى والتذلل له، نزلت الآية بهذه الأوصاف الجليلة.
والركوع هنا ظاهره الخضوع، لا الهيئة التي في الصلاة.
وقيل: المراد الهيئة، وخصت بالذكر لأنها من أعظم أركان الصلاة، فعبر بها عن جميع الصلاة، إلا أنه يلزم في هذا القول تكرير الصلاة لقوله: يقيمون الصلاة.
ويمكن أن يكون التكرار على سبيل التوكيد لشرف الصلاة وعظمها في التكاليف الإسلامية.
وقيل: المراد بالصلاة هنا الفرائض، وبالركوع التنفل.
يقال: فلان يركع إذا تنفل بالصلاة.
وروي أنّ عليًا رضي الله عنه تصدّق بخاتمه وهو راكع في الصلاة.
والظاهر من قوله: وهم راكعون، أنها جملة اسمية معطوفة على الجمل قبلها، منتظمة في سلك الصلاة.
وقيل: الواو للحال أي: يؤتون الزكاة وهم خاضعون لا يشتغلون على من يعطونهم إياها، أي يؤتونها فيتصدقون وهم ملتبسون بالصلاة.
وقال الزمخشري.
فإن قلت: الذين يقيمون ما محله؟ قلت: الرفع على البدل من الذين آمنوا، أو على هم الذين يقيمون انتهى.
ولا أدري ما الذي منعه من الصفة إذ هو المتبادر إلى الذهن، لأن المبدل منه في نية الطرح، وهو لا يصح هنا طرح الذين آمنوا لأنه هو الوصف المترتب عليه صحة ما بعده من الأوصاف. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ الله وَرَسُولُهُ والذين ءامَنُواْ} لما نهاهم الله عز وجل عن موالاة الكفرة وعلّله بأن بعضَهم أولياءُ بعض لا يُتصوَّرُ ولايتُهم للمؤمنين، وبين أن من يتولاهم يكون من جملتهم، بيَّن هاهنا من هو وليُّهم بطريقٍ قصَرَ الولايةَ عليه كأنه قيل: لا تتخذوهم أولياءَ، لأن بعضَهم أولياءُ بعضٍ وليسوا بأوليائكم، إنما أولياؤكم الله ورسولُه والمؤمنون فاختصُّوهم بالموالاة ولا تتخطّوهم إلى غيرهم، وإنما أفرد الوليَّ مع تعدده للإيذان بأن الولايةَ أصالةً لله تعالى وولايتُه عليه السلام، وكذا ولايةُ المؤمنين بطريقِ التبعية لولايتِه عز وجل: {الذين يُقِيمُونَ الصلاة وَيُؤْتُونَ الزكاة} صفة للذين آمنوا لجرَيانه مجرى الاسمِ أو بدلٌ منه أو نصْبٌ على المدح أو رفعٌ عليه {وَهُمْ رَاكِعُونَ} حال من فاعل الفعلين أي يعملون ما ذكر من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وهم خاشعون ومتواضعون لله تعالى، وقيل: هو حال مخصوصةٌ بإيتاء الزكاة، والركوعُ ركوعُ الصلاة، والمراد بيانُ كمال رغبتهم في الإحسان ومسارعتهم إليه، ورُوي أنها نزلت في علي رضي الله عنه حين سأله سائل وهو راكعٌ فطرح إليه خاتمه كأنه كان مرجًا في خِنْصَرِه غيرَ محتاجٍ في إخراجه إلى كثير عمل يؤدِّي إلى فساد الصلاة، ولفظ الجمع حينئذ لترغيب الناس في مثل فعلِه رضي الله عنه، وفيه دلالة على أن صدقة التطوُّع تسمّى زكاةً {وَمَن يَتَوَلَّ الله وَرَسُولَهُ والذين ءامَنُواْ} أُوثرَ الإظهارُ على أن يقال: ومن يتولَّهم رعايةً لما مر من نُكتةِ بيانِ أصالتِه تعالى في الولاية كما ينبىء عنه قوله تعالى: {فَإِنَّ حِزْبَ الله هُمُ الغالبون} حيث أضيفَ الحِزبُ إليه تعالى خاصة وهو أيضًا من باب وضْعِ الظاهِرِ موضعَ الضمير العائد إلى «من»، أي فإنهم الغالبون لكنهم جُعِلوا حزبَ الله تعالى تعظيمًا لهم وإثباتًا لغَلَبتهم بالطريق البرهاني، كأنه قيل: ومن يتولَّ هؤلاء فإنهم حزبُ الله وحزبُ الله هم الغالبون. اهـ.

.من فوائد الشعراوي في الآية:

قال رحمه الله:
{إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55)}.
وحين نهانا الحق عن أن نتخذ اليهود والنصارى أولياء فعلينا أن نأخذ بالقياس أن النهي إنما يشمل كل خصوم ديننا، فلا نتخذ أيًّا من أعداء الدين وليًّا لنا؛ لأنه سبحانه وتعالى لم يتركنا بغير ولاية، وهو وليّنا وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم والذين آمنوا.