فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الحسن: جند الله. أبو روق: أولياء الله. أبو العالية: شيعة الله. وقيل: أنصار الله. الأخفش: هم الذين يدينون بدينه ويطيعونه فينصرهم. صاحب الكشاف: يحتمل أن يراد بحزب الله الرسول والمؤمنون أي ومن يتولهم فقد تولى حزب الله واعتضد بمن لا يغالب. ثم عمم النهي عن موالاة جميع الكفار فقال: {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا} عن ابن عباس: كان رفاعة بن زيد وسويد بن الحرث قد أظهرا الإسلام ثم نافقا، فكان رجال من المسلمين يوادّونهما فنزلت، يعني أن اتخاذهم دينكم هزوًا ولعبًا ينافي اتخاذكم إياهم أولياء بل يجب أن يقابل ذلك بالشنآن والبغضاء. وإنما عطف الكفار على أهل الكتاب مع أن أهل الكتاب أيضًا كفار والعطف يقتضي المغايرة، لأنه أراد بالكفار المشركين الوثنيين خاصة لما أن كفرهم أغلظ فكانوا أحق باسم الكفر. ومعنى تلاعبهم بالدين واستهزائهم به إظهارهم ذلك باللسان دون مواطأة الجنان. {واتقوا الله} في موالاة الكفار {إن كنتم مؤمنين} حقًا لأن الإيمان الحقيقي يأبى موالاة أعداء الدين. قال الكلبي: كان منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نادى إلى الصلاة فقام المسلمون إليها قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا صلوا لا صلوا ركعوا لا ركعوا على طريق الاستهزاء والضحك فنزل {وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها} أي الصلاة والمناداة. وهذا بعض ما اتخذوه من هذا الدين هزوًا ولعبًا، فلهذا أردفه بالآية المقدمة الكلية. وقال السدي: نزلت في رجل من النصارى بالمدينة كان إذا سمع المؤذن يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله. قال: حرق الكاذب. فدخل خادمه بنار ذات ليلة وهو نائم وأهله نيام فتطايرت منها شرارة في البيت فاحترق البيت واحترق هو وأهله. وقال آخرون: إن الكفار لما سمعوا الأذان حسدوا رسول الله والمسلمين على ذلك فدخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد لقد أبدعت شيئًا لم نسمع به فيما مضى من الأمم الخالية. فإن كنت تدعي النبوة فقد خالفت فيما أحدثت من هذا الأذان الأنبياء قبلك، ولو كان في هذا الأمر خير كان أولى الناس به الأنبياء والرسل قبلك، فمن أين لك صياح كصياح العنز؟ فما أقبح من صوت وما أسمج من أمر. فأنزل الله تعالى هذه الآية، وأنزل: {ومن أحسن قولًا ممن دعا إلى الله} قال بعض العلماء: فيه دليل على ثبوت الآذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده. وأقول: لو قيل إن أصل الأذان بالمنام والتفرير بنص الكتاب كان اصوب ذلك الاتخاذ. {بأنهم قوم لا يعقلون} ما في الصلاة من المنافع لأنها التوجه إلى الخالق والاشتغال بخدمة المعبود، أو لا يفهمون ما في اللعب والهزء من السفه والجهل. قال بعض الحكماء: أشرف الحركات الصلاة وأنفع السكنات الصيام. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)}.
الأَذانُ دعاءٌ إلى محلِّ النجوى، فَمَنْ تحقَّقَ بعلوِّ المحلِّ فسماعُ الأذانِ يوجب له روْحَ القلب واسترواح الروح، ومن كان محجوبًا عن حقيقة الحال لاحَظَ ذلك بعين اللعب وأدركه بسمع الاستهزاء، وذلك حكمُ الله: غايَرَ بين عباده على ما يشاء. اهـ.

.من فوائد الإمام الرازي:

قالوا: دلت الآية على ثبوت الأذان بنص الكتاب لا بالمنام وحده. اهـ.

.من فوائد القرطبي في الآية:

قال رحمه الله:
{وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ (58)}.
فيه اثنتا عشرة مسألة:
الأُولى قال الكلبيّ: كان إذا أذن المؤذن وقام المسلمون إلى الصلاة قالت اليهود: قد قاموا لا قاموا؛ وكانوا يضحكون إذا ركع المسلمون وسجدوا وقالوا في حق الأذان: لقد ابتدعت شيئًا لم نسمع به فيما مضى من الأُمم، فمِن أين لك صِياح مثل صِياح العير؟ فما أقبحه من صوت، وما أسمجه من أمر.
وقيل: إنهم كانوا إذا أذن المؤذن للصلاة تضاحكوا فيما بينهم وتغامزوا على طريق السخف والمجون؛ تجهيلًا لأهلها، وتنفيرًا للناس عنها وعن الداعي إليها.
وقيل: إنهم كانوا يرون المنادي إليها بمنزلة اللاعب الهازِىء بفعلها، جهلًا منهم بمنزلتها؛ فنزلت هذه الآية، ونزل قوله سبحانه: {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِّمَّن دَعَا إِلَى الله وَعَمِلَ صَالِحًا} [فصّلت: 33] والنداء الدعاء برفع الصوت، وقد يضم مثل الدُّعاء والرُّغاء.
وناداه مناداة ونِداء أي صاح به.
وتنادوا أي نادى بعضهم بعضًا.
وتَنَادوا أي جلسوا في النادي، وناداه جالسَه في النادي.
وليس في كتاب الله تعالى ذكر الأذان إلا في هذه الآية، أمَا أنه ذُكر في الجمعة على الاختصاص.
الثانية قال العلماء: ولم يكن الأذان بمكة قبل الهجرة، وإنما كانوا ينادون «الصلاة جامِعة» فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم وصُرِفت القِبلة إلى الكعبة أمر بالأذان، وبقي «الصلاة جامِعة» للأمْر يَعْرِض.
وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم قد أهمه أمر الأذان حتى أُرِيَه عبد الله بن زيد، وعمر ابن الخطاب، وأبو بكر الصديق رضي الله عنهم.
وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم سمع الأذان ليلة الإسراء في السماء، وأما رؤيا عبد الله بن زيد الخزرجيّ الأنصاريّ وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما فمشهورة؛ وأن عبد الله بن زيد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ليلًا طرقه به، وأن عمر رضي الله عنه قال: إذا أصبحت أخبرت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا فأذّن بالصلاة أذان الناس اليوم.
وزاد بلال في الصبح «الصلاة خير من النوم» فأقرها رسول الله صلى الله عليه وسلم وليست فيما أُرِي الأنصاريّ؛ ذكره ابن سعد عن ابن عمر.
وذكر الدَّارَقُطْنِيّ رحمه الله أن الصدّيق رضي الله عنه أرِي الأذان، وأنه أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأن النبيّ صلى الله عليه وسلم أمر بلالًا بالأذان قبل أن يخبره الأنصاريّ؛ ذكره في كتاب «المديج» له في حديث النبيّ صلى الله عليه وسلم عن أبي بكر الصدّيق وحديث أبي بكر عنه.
الثالثة واختلف العلماء في وجوب الأذان والإقامة؛ فأما مالك وأصحابه فإن الأذان عندهم إنما يجب في المساجد للجماعات حيث يجتمع الناس؛ وقد نص على ذلك مالك في موطئه.
واختلف المتأخرون من أصحابه على قولين: أحدهما سنة مؤكدة واجبة على الكِفاية في المِصر وما جرى مجرى مِصر من القرى.
وقال بعضهم: هو فرض على الكِفاية.
وكذلك اختلف أصحاب الشافعيّ، وحكى الطَّبَري عن مالك قال: إن تَركَ أهل مصر الأذان عامدين أعادوا الصلاة؛ قال أبو عمر: ولا أعلم اختلافا في وجوب الأذان جملة على أهل المصر؛ لأن الأذان هو العلامة الدالة المفرقة بين دار الإسلام ودار الكفر؛ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث سَرِيّة قال لهم: «إذا سمعتم الأذان فأَمسِكوا وكُفّوا وإن لم تسمعوا الأذان فأغيروا أو قال فشنوا الغارة» وفي صحيح مسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغير إذا طلع الفجر، فإن سمع أذانًا أمسك وإلا أغار؛ الحديث وقال عطاء ومجاهد والأُوزاعيّ وداود: الأذان فرض، ولم يقولوا على الكفاية.
وقال الطَّبَريّ: الأذان سنة وليس بواجب.
وذكر عن أشهب عن مالك؛ إن ترك الأذان مسافر عمدًا فعليه إعادة الصلاة.
وكره الكوفيون أن يصلي المسافر بغير أذان ولا إقامة؛ قالوا: وأما ساكن المِصر فيستحب له أن يؤذّن ويقيم؛ فإن استجزأ بأذان الناس وإقامتهم أجزأه.
وقال الثوريّ تجزئه الإقامة عن الأذان في السفر، وإن شئت أذّنت وأقمت.
وقال أحمد بن حنبل: يؤذِّن المسافر على حديث مالك بن الحُوَيرِث.
وقال داود: الأذان واجب على كل مسافر في خاصته والإقامة؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم لمالك بن الحُوَيرِث ولصاحبه: «إذا كنتما في سفر فأَذِّنا وأَقِيما وليؤمكما أكبركما» أخرجه البخاري وهو قول أهل الظاهر.
قال ابن المنذِر ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمالك بن الحويرث ولابن عم له: «إذا سافرتما فأذنا وأقِيما وليؤمكما أكبركما» قال ابن المنذِر فالأذان والإقامة واجبان على كل جماعة في الحضر والسفر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالأذان وأمره على الوجوب.
قال أبو عمر: واتفق الشافعيّ وأبو حنيفة وأصحابهما والثوريّ وأحمد وإسحاق وأبو ثور والطَّبَريّ على أن المسافر إذا ترك الأذان عامدًا أو ناسيًا أجزأته صلاته؛ وكذلك لو ترك الإقامة عندهم، وهم أشد كراهة لتركه الإقامة.
واحتج الشافعيّ في أن الأذان غير واجب (وليس) فرضًا من فروض الصلاة بسقوط الأذان للواحد عند الجمع بَعَرَفة والمزدلفة، وتحصيل مذهب مالك في الأذان في السفر كالشافعيّ سواء.
الرابعة واتفق مالك والشافعيّ وأصحابهما على أن الأذان مثنى والإقامة مرة مرة، إلا أن الشافعي يربع التكبير الأول؛ وذلك محفوظ من روايات الثقات في حديث أبي محذورة، وفي حديث عبد الله بن زيد؛ قال: وهي زيادة يجب قبولها.
وزعم الشافعي أن أذان أهل مكة لم يزل في آل أبي مَحْذُورة كذلك إلى وقته وعصره.
قال أصحابه: وكذلك هو الآن عندهم؛ وما ذهب إليه مالك موجود أيضًا في أحاديث صحاح في أذان أبي مَحْذُورة، وفي أذان عبد الله ابن زيد، والعمل عندهم بالمدينة على ذلك في آل سعد القُرَظِيّ إلى زمانهم.
واتفق مالك والشافعي على الترجيع في الأذان؛ وذلك رجوع المؤذّن إذا قال: «أشهد أن لا إله إلا الله مرتين أشهد أن محمدًا رسول الله مرتين» رَجَّع فمدّ من صوته جهده.
ولا خلاف بين مالك والشافعي في الإقامة إلا قوله: «قد قامت الصلاة» فإن مالكًا يقولها مرة، والشافعي مرتين؛ وأكثر العلماء على ما قال الشافعي، وبه جاءت الآثار.
وقال أبو حنيفة وأصحابه والثوريّ والحسن بن حيّ: الأذان والإقامة جميعًا مثنى مثنى، والتكبير عندهم في أول الأذان وأوّل الإقامة «الله أكبر» أربع مرات، ولا ترجيع عندهم في الأذان؛ وحجتهم في ذلك حديث عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم «أن عبد الله بن زيد جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رجلًا قام وعليه بردان أخضران على جِذْمِ حائط فأذّن مَثْنى وأقام مَثْنَى وقعد بينهما قعدة، فسمع بِلال بذلك فقام وأذن مَثْنَى وقعد قعدة وأقام مَثْنَى»؛ رواه الأعمش وغيره عن عمرو بن مرة عن ابن أبي ليلى، وهو قول جماعة التابعين والفقهاء بالعراق.
قال أبو إسحاق السَّبِيعيّ: كان أصحاب عليّ وعبد الله يشفعون الأذان والإقامة؛ فهذا أذان الكوفيين، متوارث عندهم به العمل قرنًا بعد قرن أيضًا، كما يتوارث الحجازيون؛ فأذانهم تربِيع التكبير مثل المكيين.
ثم الشهادة بأن لا إله إلا الله مرة واحدة، وأشهد أن محمدًا رسول الله مرة واحدة، ثم حيّ على الصلاة مرة، ثم حيّ على الفلاح مرة، ثم يرجع المؤذن فيمدّ صوته ويقول: أشهد أن لا إله إلا الله الأذان كله مرتين مرتين إلى آخره.
قال أبو عمر: ذهب أحمد بن حنبل وإسحاق بن رَاهْوَيْه وداود بن عليّ ومحمد بن جرِير الطَّبَريّ إلى إجازة القول بكل ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحملوه على الإباحة والتخيير، قالوا: كل ذلك جائز؛ لأنه قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم جميع ذلك، وعَمِل به أصحابه، فمن شاء قال: الله أكبر مرتين في أول الأذان، ومن شاء قال ذلك أربعًا، ومن شاء رجّع في أذانه، ومن شاء لم يرجّع، ومن شاء ثَنَّى الإقامة، ومن شاء أفردها، إلاَّ قوله؛ «قد قامت الصلاة» فإن ذلك مرتان مرتان على كل حال.