فصل: من أقوال المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال ابن عاشور:

شرّ اسم تفضيل، أصله أشَرّ، وهو للزيادة في الصفة، حذفت همزته تخفيفًا لكثرة الاستعمال، والزّيادة تقتضي المشاركة في أصل الوصف فتقتضي أنّ المسلمين لهم حظّ من الشرّ، وإنّما جَرى هذا تهكّمًا باليهود لأنّهم قالوا للمسلمين: لا دِينَ شَرّ من دينكم، وهو ممّا عبّر عنه بفعل {تنقمون}.
وهذا من مقابلة الغلظة بالغلظة كما يقال: «قُلْتَ فأوْجبْت». اهـ.

.قال الفخر:

قوله: {مّن ذلك} إشارة إلى المنقم، ولابد من حذف المضاف، وتقديره: بشر من أهل ذلك؛ لأنه قال: {مَن لَّعَنَهُ الله} ولا يقال الملعون شر من ذلك الدين، بل يقال: إنه شر ممن له ذلك الدين.
فإن قيل: فهذا يقتضي كون الموصوفين بذلك الدين محكومًا عليهم بالشر، ومعلوم أنه ليس كذلك.
قلنا: إنما خرج الكلام على حسب قولهم واعتقادهم، فإنهم حكموا بأن اعتقاد ذلك الدين شر، فقيل لهم: هب أن الأمر كذلك ولكن لعنة الله وغضبه ومسخ الصور شر من ذلك. اهـ.

.قال ابن عاشور:

والإشارة في قوله: {من ذلك} إلى الإيمان في قوله: {هل تنقمون منّا إلا أن آمنّا بالله} الخ باعتبار أنّه منقوم على سبيلِ الفرض.
والتّقدير: ولمّا كان شأن المنقوم أن يكون شرًّا بني عليه التهكّم في قوله: {هل أنبّئكم بشرّ من ذلك}، أي ممّا هو أشدّ شرًّا.
والمثُوبة مشتقّة من ثَاب يثوب، أي رجع، فهي بوزن مفعولة، سمّي بها الشيء الّذي يثوب به المرء إلى منزله إذا ناله جزاء عن عملٍ عملَه أو سعْي سعاه، وأصلها مثوب بها، اعتبروا فيها التّأنيث على تأويلها بالعطيّة أو الجائزة ثمّ حذف المتعلّق لكثرة الاستعمال.
وأصلها مؤذن بأنّها لا تطلق إلاّ على شيء وجودي يعطاه العامل ويحمله معه، فلا تطلق على الضّرْب والشتم لأنّ ذلك ليس ممّا يثُوب به المرء إلى منزله، ولأنّ العرب إنّما يبْنون كلامهم على طباعهم وهم أهل كرم لنزيلهم، فلا يريدون بالمثوبة إلاّ عطية نافعة.
ويصحّ إطلاقها على الشيء النّفيس وعلى الشيء الحقير من كلّ ما يثوب به المعطَى.
فَجَعْلها في هذه الآية تمييزًا لاسم الزيادة في الشرّ تهكّم لأنّ اللّغة والغضب والمسخ ليست مثوبات، وذلك كقول عمرو بن كلثوم:
قَرَيْنَاكم فعجَّلْنَا قِراكم ** قُبَيْلَ الصبح مِرْداة طحونا

وقول عمرو بن معديكرب:
وخيلٍ قد دَلَفتُ لها بِخيْل ** تَحِيَّةُ بَيْنهم ضرْب وَجِيع

. اهـ.

.قال الفخر:

{مِنْ} في قوله: {مَن لَّعَنَهُ الله} يحتمل وجهين:
الأول: أنه في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف، فإنه لما قال: {قُلْ هَلْ أُنَبّئُكُمْ بِشَرّ مّن ذلك} فكأن قائلًا قال: من ذلك؟ فقيل: هو من لعنه الله، ونظيره قوله تعالى: {قُلْ أَفَأُنَبّئُكُم بِشَرّ مّن ذلكم النار} [الحج: 72] كأنه قال: هو النار.
الثاني: يجوز أن يكون في موضع خفض بدلًا من شر والمعنى أنبئكم بمن لعنه الله. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وقوله: {مَن لَعَنَهُ الله} مبْتدأ، أريد به بيان من هو شرّ مثوبة.
وفيه مضاف مقدّر دلّ عليه السياق.
وتقديره: مثوبةُ مَنْ لَعنهُ الله.
والعدول عن أن يقال: أنتم أو اليهودُ، إلى الإتيان بالموصول للعِلم بالمعنيّ من الصلة، لأنّ اليهود يعلمون أنّ أسلافًا منهم وقعت عليهم اللّعنة والغضب من عهد أنبيائهم، ودلائله ثابتة في التّوراة وكتب أنبيائهم، فالموصول كناية عنهم.
وأمّا جعلهم قردة وخنازير فقد تقدّم القول في حقيقته في سورة البقرة.
وأمّا كونهم عبدوا الطاغوت فهو إذ عبدوا الأصنام بعد أن كانوا أهل توحيد فمن ذلك عبادتهم العِجل.
والطاغوت: الأصنام، وتقدّم عند قوله تعالى: {يؤمنون بالجبت والطاغوت} في سورة النّساء (51). اهـ.

.قال الفخر:

اعلم أنه تعالى ذكر من صفاتهم أنواعًا:
أولها: أنه تعالى لعنهم.
وثانيها: أنه غضب عليهم.
وثالثها: أنه جعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت.
قال أهل التفسير: عنى بالقردة أصحاب السبت، وبالخنازير كفار مائدة عيسى.
وروي أيضًا أن المسخين كانا في أصحاب السبت لأن شبانهم مسخوا قردة، ومشايخهم مسخوا خنازير. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَعَبَدَ الطاغوت} فيه عشر قراءات، وعبد الطاغوت بفتح الباء والعين والتاء على الفعل وهي قراءة العامة، وجعل منهم من عبد الطاغوت، وتصديقها قراءة ابن مسعود ومن عبد والطاغوت.
وقرأ ابن وثاب وحمزة. عَبُدِ الطاغوت بفتح العين وضم الباء وكسر الدال آباد العبد وهما لغتان عَبدْ وعَبُد مثل سبْع وسبُع وقرْد وقرُد.
وأنشد حمزة في ذلك: كيف الصقيل القرد، بضم الراء ووجه آخر وهو إنه أراد الجمع أي خدم الطاغوت. فجمع العبد عباد ثم جمع العباد عبدًا جمع الجمع مثل ثمار وثمر منهم استقبل الضمّتين المتواليتين فعرض من الأولى فتحه ولذلك في قراءة الأعمش وعبد الطاغوت بضم العين والتاء وكسر الدال.
قال الشاعر:
انسب العبد إلى آبائه ** أسود الجلدة من قوم عبد

وذكر عن أبي جعفر القاري: إنه قرأ وعبد الطاغوت على الفعل المجهول، وقرأ الحسن: وعبد الطاغوت على الواحد.
قرأ أبو بردة الأسلمي: وعابد الطاغوت باختلاف على الواحد.
وقرأ ابن عباس: وعبيد الطاغوت بالجمع، وقرأ أبو واقد الليثي: وعباد الطاغوت مثل كافر وكفار، وقرأ عون العقيلي وأبان بن ثعلب: وعبد الطاغوت مثل ركع وسجد. وقرأ ابن عمير: وأعبد الطاغوت مثل كلب وأكلب {أولئك شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضَلُّ عَن سَوَاءِ السبيل} فلما نزلت هذه الآية تنذّر اليهود وقالوا إخوان القردة والخنازير فسكتوا وأُفحموا، وفيهم يقول الشاعر:
فلعنة اللّه على اليهود ** إن اليهود إخوة القرود

. اهـ.

.قال القرطبي:

وقد تقدم القول في الطاغوت، أي وجعل منهم من عَبَد الطاغوتَ، والموصول محذوف عند الفراء.
وقال البصريون: لا يجوز حذف الموصول؛ والمعنى من لعنه الله وعَبَد الطاغوتَ.
وقرأ ابن وثّاب والنَّخَعيّ {أُنْبِئُكُمْ} بالتخفيف.
وقرأ حمزة: {عَبُدَ الطَّاغُوت} بضم الباء وكسر التاء؛ جعله إسمًا على فَعُل كعَضُد فهو بناء للمبالغة والكثرة؛ كيَقُظ ونَدُس وحَذُر، وأصله الصفة؛ ومنه قول النابغة.
مِن وَحْشِ وَجْرة مَوْشِيّ أَكَارِعُه ** طَاوِي المَصِيرِ كَسيف الصَّيْقَل الفَرُد

بضم الراء.
ونصبه ب {جعل}؛ أي جعل منهم عَبُدًا للطاغوتِ، وأضاف عَبُد إلى الطاغوت فخفضه.
وجَعَل بمعنى خلق، والمعنى: وجَعَل منهم من يبالغ في عِبادة الطاغوت.
وقرأ الباقون بفتح الباء والتاء؛ وجعلوه فعلًا ماضيًا، وعَطفوه على فعل ماض وهو غَضِب ولَعَن؛ والمعنى عندهم من لَعَنه الله ومن عَبَد الطاغوتَ، أو منصوبًا ب {جعل}؛ أي جَعَل منهم القِردة والخنازير وَعَبد الطاغوتَ.
ووحد الضمير في عَبَد حملًا على لفظ {مَنْ} دون معناها.
وقرأ أُبيّ وابن مسعود {وَعَبَدُوا الطاغوتَ} على المعنى.
ابن عباس: {وعُبُدَ الطَّاغُوتِ}، فيجوز أن يكون جمع عَبْد كما يقال: رَهْن ورُهُن، وسَقْف وسُقُف، ويجوز أن يكون جمع عِباد كما يقال: مِثَال ومُثُل، ويجوز أن يكون جمع عَبِيد كرغيف ورُغُفٍ ويجوز أن يكون جمع عابد كبازِل وبُزُل؛ والمعنى: وخدم الطّاغوتِ.
وعن ابن عباس أيضًا {وعُبَّدَ الطَّاغوتَ} جعله جمع عابد كما يقال: شَاهِد وشُهَّد وغَايب وغُيَّب.
وعن أَبي واقد: وعُبَّاد الطاغوتِ للمبالغة، جمع عابد أيضًا؛ كعامل وعُمّال، وضارب وضُرّاب.
وذكر محبوب أن البصريين قرءوا: {وعِبَادَ الطاغوتِ} جمع عابد أيضًا، كقائم وقيَام، ويجوز أن يكون جمع عَبْد.
وقرأ أبو جعفر الرؤاسي {وعُبِدَ الطّاغُوتُ} على المفعول، والتقدير: وعُبِدَ الطاغوتُ فيهم.
وقرأ عون العُقَيْليّ وابن بُرَيدة: {وعَابِدُ الطَّاغُوتِ} على التوحيد، وهو يؤدّي عن جماعة.
وقرأ ابن مسعود أيضًا {وعُبَدَ الطَّاغُوتِ} وعنه أيضًا وأُبيّ {وعُبِدَتِ الطَّاغُوتُ} على تأنيث الجماعة؛ كما قال تعالى: {قَالَتِ الأعراب} [الحجرات: 14].
وقرأ عبيد بن عمير: {وَأَعْبُدَ الطَّاغُوتِ} مثل كلب وأكلب.
فهذه اثنا عشر وجهًا. اهـ.

.قال الفخر:

احتج أصحابنا بهذه الآية على أن الكفر بقضاء الله.
قالوا: لأن تقدير الآية وجعل الله منهم من عبد الطاغوت، وإنما يعقل معنى هذا الجعل إذا كان هو الذي جعل فيهم تلك العبادة، إذ لو كان جعل تلك العبادة منهم لكان الله تعالى ما جعلهم عبدة الطاغوت، بل كانوا هم الذين جعلوا أنفسهم كذلك، وذلك على خلاف الآية.
قالت المعتزلة: معناه أنه تعالى حكم عليهم بذلك ووصفهم به كقوله: {وَجَعَلُواْ الملئكة الذين هُمْ عِبَادُ الرحمن إناثا} [الزخرف: 19] والكلام فيه قد تقدم مرارًا. اهـ.
وقال الفخر:
{أُوْلَئِكَ شَرٌّ مَّكَانًا} أي أولئك الملعونون الممسوخون شر مكانًا من المؤمنين، وفي لفظ المكان وجهان: الأول: قال ابن عباس رضي الله عنهما: لأن مكانهم سقر، ولا مكان أشد شرًا منه.
والثاني: أنه أضيف الشر في اللفظ إلى المكان وهو في الحقيقة لأهله، وهو من باب الكناية كقولهم: فلان طويل النجاد كثير الرماد، ويرجع حاصله إلى الإشارة إلى الشيء بذكر لوازمه وتوابعه.
ثم قال: {وَأَضَلُّ عَن سَوَاء السبيل} أي عن قصد السبيل والدين الحق.
قال المفسرون: لما نزلت هذه الآية عبر المسلمون أهل الكتاب وقالوا: يا إخوان القردة والخنازير، فافتضحوا ونكسوا رؤوسهم. اهـ.