فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال الحسن: الربانيون علماء الإنجيل، والأحبار علماء التوراة. وإنما قال ههنا: {لبئس ما كانوا يصنعون} وفي الأول {يعملون} لأن الصنع أرسخ من العمل فلا يسمى العامل صانعًا ولا العمل صناعة إلا إذا تمكن فيه وتدرب وينسب إليه فكان ذنب العلماء إذا تركوا النهي عن المنكر أشد وأعظم وأثبت وأرسخ. وتحقيقه أن المعصية مرض الروح وعلاجه العلم بالله وصفاته وأحكامه، فإذا حصل هذا العلم ولم تزل المعصية دل على أن مرض القلب في غاية القوة والشدة كالمرض الذي شرب صاحبه الدواء فما زال. وعن ابن عباس: هي أشد آية في القرآن. وعن الضحاك: ما في القرآن آية أخوف عندي منها {وقالت اليهود يد الله مغلولة} قيل: في هذه الآية إشكال لأن اليهود مطبقون على أنا لا نقول ذلك، كيف وبطلانه معلوم بالضرورة لأن الله اسم لموجود قديم قادر على خلق العالم وإيجاده وتكوينه، وهذا الموجود يمتنع أن تكون يده مغلولة وقدرته قاصرة. والجواب أن الله تعالى صادق في كل ما أخبر عنه فلابد من تصحيح هذا النقل عنهم، فلعل القوم قالوا هذا على سبيل الإلزام فإنهم لما سمعوا قوله: {من ذا الذي يقرض الله قرضًا حسنًا} قالوا من احتاج إلى القرض كان فقيرًا عاجزًا مغلول اليدين، أو لعلهم لما رأوا أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في غاية الفقر والضر قالوا: إن إله محمد كذلك. وقال الحسن: أرادوا أنه لا تمسهم النار إلا أيامًا معدودة إلا أنهم عبروا عن كونه تعالى غير معذب لهم إلا هذا القدر من الزمان بهذه العبارة الفاسدة فاستوجبوا اللعن لفساد العبارة وسوء الأدب. وقيل: لعلهم كانوا على مذهب بعض الفلاسفة أنه تعالى موجب لذاته، وأن حدوث الحوادث عنه لا يمكن إلا على نسق واحد فعبروا عن عدم اقتداره على غير ذلك النسق بغل اليد. وقال المفسرون: كان اليهود أكثر الناس مالًا وثروة، فلما بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم وكذبوه ضيق الله عليهم المعيشة فعند ذلك قالوا: يد الله مغلولة أي مقبوضة عن العطاء على جهة النعت بالبخل، والجاهل إذا وقع في البلاء والشدة قد يقول مثل هذه الألفاظ. وغل اليد وبسطها مجاز مستفيض عن البخل والجود ومنه قوله: {ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط} [الإسراء: 29] وذلك أن اليد آلة لأكثر الأعمال لاسيما لأخذ المال وإعطائه، فأطلقوا اسم السبب على المسبب فقيل للجواد فياض الكف مبسوط اليد سبط البنان رطب الأنامل، وللبخيل أبتر الأصابع مقبوض الكف جعد الأنامل، ولا فرق عندهم بين هذا الكلام وبين ما وقع مجازًا عنه حتى إنه يستعمل في ملك لا يعطي ولا يمنع إلا بالإشارة بل يقال للأقطع: ما أبسط يده بالنوال. وقد يستعمل حيث لا يصح اليد كقول لبيد:
قد أصبحت بيد الشمال زمامها

فجازاهم الله تعالى بقوله: {غلت أيديهم} وهو الدعاء عليهم بالبخل والنكد ومن ثم كاوا أبخل خلق الله وأنكدهم، دعا به عليهم تعليمًا لعباده كما علمهم الاستثناء في قوله: {لتدخلنّ المسجد الحرام إن شاء الله آمنين} [الفتح: 29] وكما عملهم الدعاء على المنافقين في قوله: {فزادهم الله مرضًا} [البقرة: 10] وعلى أبي لهب في قوله: {تبت يدا أبي لهب} [المسد: 1] ويجوز أن يكون دعاء عليهم بغل الأيدي حقيقة إو إخبارًا. قال الحسن: يغللون في الدنيا أسارى وفي الآخرة معذبين بأغلال جهنم فيكون الطباق من حيث اللفظ وملاحظة أصل المجاز. وإنما لم يقل فغلت أيديهم مع أن الجزاء يناسب فاء التعقيب ليكون قوله: {غلت أيديهم} كالكلام المبتدأ به فيزيده قوة ووثاقة لأن الابتداء بالشيء يدل على شدة الاهتمام به وقوة الاعتناء بتقريره. {ولعنوا بما قالوا} قال الحسن: عذبوا في الدنيا بالجزية وفي الآخرة بالنار. ومما وقع في عصرنا من إعجاز القرآن ما حكي أن متغلب من اليهود مسمى بسعد الدولة وهو من أشقى الناس كان قد سمع بهذه الآية، فاتفق أن وصل إلى بغداد فنزل بالمدرسة المستنصرية ودعا بمصحف كان مكتوبًا بأحسن خط وأشهره من خطوط الكتاب الماضين، وكان يعلم أن أهل هذا العصر لا يقدرون على كتابة مثله ثم قال: أين هذه الآية يعني قوله: {غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا} فأروه إياها فمحاها، فلم يمض أسبوع إلاّ وقد سخط السلطان عليه فبعث في طلبه وأمر بغل يديه فغلوه وحملوه إليه فأمر بقتله. ثم إنه سبحانه ردّ على اليهود بقوله: {بل يداه مبسوطتان} واليد في اللغة تطلق على الجارحة المخصوصة- وهو ظاهر- وعلى النعمة. يقال: لفلان عندي يد أشكرها له. وعلى القوة مثل: {أولي الأيدي والأبصار} [ص: 45] فسر بذوي القوى والعقول ومنه لا يدين له بهذا. والمعنى سلب كمال القدرة. وعلى الملك تقول:
هذا بيد فلان أي ملكه قال تعالى: {بيده عقدة النكاح} [البقرة: 237] وقد يراد به شدة العناية قال: {لما خلقت بيدي} [ص: 75] ويقال: يدي لك رهن بالوفاء إذا ضمنت له شيئًا. ولا شك أن اليد بمعنى الجارحة في حقه تعالى محال للدليل الدال على أنه ليس بجسم ولا ذي أجزاء خلافًا للمجسمة، وأما سائر المعاني فلا بأس بها. وكان طريقة السلف الإيمان بها وأنها من عند الله ثم تفويض معرفتها إلى الله. وقد جاء في بعض اقوال أبي الحسن الأشعري أن اليد صفة سوى القدرة من شأنها التكوين على سبيل الاصطفاء لقوله: {لما خلقت بيدي} [ص: 75] والمراد تخصيص آدم بهذا التشريف ونص القرآن ناطق بإثبات اليد تارة: {يد الله فوق أيديهم} [الفتح: 10] وبإثبات اليدين أخرى كما في الآية، وبإثبات الأيدي أخرى: {مما عملت أيدينا أنعامًا} [يس: 71] ووجه التوحيد والجمع ظاهر. وأما وجه التثنية فذلك أن من أعطى بيديه فقد أعطى على أكمل الوجوه فكان أبلغ في رد كلام القوم خذلهم الله، أو المراد نعمة الدين نعمة الدنيا، أو نعمة الظاهر ونعمة الباطن، أو نعمة النفع ونعمة الدفع، أو نعمته على أهل اليمين ونعمته على أهل الشمال بل لطفه في حق أولئك وقهره في شأن هؤلاء، أو المراد المبالغة في وصف النعمة نحو: لبيك وسعديك معناه إقامة على طاعتك بعد إقامة وإسعادًا بعد إسعاد.
ثم أكد الوصف بالقدرة والسخاء فقال: {ينفق كيف يشاء} وفيه أنه لا ينفق إلاّ على مقتضى الحكمة وقانون العدالة وعلى حسب المشيئة والإرادة، لا مانع له ولا مكره فمن أوجب عليه شيئًا أو اعترض على فعل من أفعاله فقد نازعه في ملكه وحجر تصرفه وقيد وغل ونسبه إلى ما لا يليق به. {وليزيدن} جواب قسم محذوف {كثيرًا منهم} يعني علماء اليهود {ما أنزل إليك من ربك} من القرآن والحجج {طغيانًا وكفرًا} مجاوزة ي الحد وغلوًا في الإنكار لأن البدن غير النقي كلما غذوته زدته شرهًا {وألقينا بينهم} بين اليهود والنصارى- قاله مجاهد والحسن- أو فيما بين اليهود {العداوة والبغضاء} لا تأتلف كلمتهم ولا تتساعد أفئدتهم، فمن اليهود جبرية وقدرية وموحدة ومشبهة، ومن النصارى ملكانية ونسطورية، وكل ذلك الاختلاف يوجب السخط واللعن بخلاف هذه الأمة فإن اختلافهم رحمة ولتفرق أهوائهم وتشعب آرائهم {كلما أوقدوا نارًا للحرب أطفأها الله} فلا يهمون بأمر من الأمور إلاّ وقد رجعوا بخفي حنين. وقيل: كلما حاربوا رسول الله غلبوا. وعن قتادة: لا تلقى اليهود بلدة إلاّ وجدتهم أذل الناس {ويسعون في الأرض فسادًا} يستخفون كيدًا للإسلام وذويه {والله لا يحب المفسدين} فلا ينجح لهم كيد ولا ينتج لهم سعي. وقيل: خالفوا حكم التوراة فبعث الله عليهم بختنصر، ثم أفسدوا فسلط عليهم بطرس الرومي، ثم أفسدوا فسلط عليهم المجوس، ثم أفسدوا فسلط عليهم المسلمين إلى يوم القيامة. ثم لما بالغ في تهجين سيرتهم ذكر أنهم مع ما عدّد من مساويهم لو آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم وما جاء به واتقوا المنكرات التي كانوا يأتونها لتكون توبتهم نصوحًا {لكفرنا عنهم} تلك السيآت سترناها عليهم {ولأدخلناهم} مع المسلمين {جنات النعيم} من النعم خلاف البؤس أي نعيم صاحبها فام أوسع رحمة الله تعالى وما أعظم عفوه وغفرانه {ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل} عملوا بما فيهما من الوفاء بعهود الله تعالى ومن الإقرار بنبوّة نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم، أو حافظوا على أحكامهما وحدودهما، أو أقاموهما نصب أعينهم لئلا ينسوا ما فيهما من التكاليف. {وما أنزل إليهم من ربهم} يعني القرآن أو سائر الكتب الإلهية كصحف إبراهيم وزبور داود وكتاب شعيا وحيقوق ودانيال فإن كلها مشحونة من البشارة بمبعث محمد صلى الله عليه وسلم وأنهم مكلفون بالإيمان بجميعها.
{لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم} أي ينزل عليهم بركات السماء وبركات الأرض، أو يكثر لهم الأشجار المثمرة والزروع المغلة، أو يرزقهم الجنان اليانعة الثمار يجنون ما تهدل منها من رؤوس الشجر ويلتقطون ما تناثر على وجه الأرض. ويحتمل أن يراد به المبالغة في شرح السعة والخصب لا أن هناك فوقًا أو تحتًا أي لأكلوا أكلًا كثيرًا متصلًا، ويشبه أن يكون هذا إشارة إلى ما جرى على بني قريظة وبني النضير من قطع نخيلهم وإفساد زروعهم وإجلائهم عن أوطانهم. والحاصل أنه سبحانه وعدهم سعادة الدارين بشرط الإيمان بما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم وقدم السعادة الأخروية بقسميها وهما دفع العذاب وإيصال الثواب لشرفها. ثم فصل حالهم فقال: {منهم أمة مقتصدة} طائفة متوسطة في الغلو والتقصير، وذلك أن من عرف مقصوده فإنه يكون قاصدًا له على الطريق المستقيم من غير انحراف ولا اضطراب بخلاف من لا مقصد له فإنه يذهب متحيرًا يمينًا وشمالاَ، فجعل الاقتصاد عبارة عن العمل المؤدي إلى الغرض ومن هم فيه قولان: أحدهما الكفار من أهل الكتاب الذين يكونون عدولًا في دينهم ولا يوجد فيهم عناد شديد ولا غلظة كاملة، والثاني هم المئمنون منهم كعبد الله بن سلام وأصحابه وثمانية وأربعين من النصارى. {وكثير منهم ساء ما يعملون} فيه معنى التعجب كأنه قيل: ما أسوأ عملهم لكونهم أجلافًا متعصبين لا ينجع فيهم القول ولا يؤثر فيهم الدليل قيل: هم كعب بن الأشرف وأصحابه والروم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
قوله جلّ ذكره: {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم}.
أي لو سلكوا سبيلَ الطاعة لوسَّعنا عليهم أسباب المعيشة وسهَّلنا لهم الحال حتى إن ضربوا بيمينٍ ما لقوا غيرَ اليُمْن، وإِنْ ذهبوا يعسْرةً ما وجدوا إلا اليُسْر.
قوله جلّ ذكره: {مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاءَ مَا يَعْمَلُونَ}.
المقتصد الواقف على حدِّ الأمر؛ لا يُقَصِّر فيُنْقِص، ولا يجاوزُ فيزيد.
ويقال المقتصدُ الذي تساوى في هِمَّتِه الفقدُ والوجودُ في الحادثات. اهـ.

.من فوائد صاحب المنار في الآيات السابقة:

قال رحمه الله:
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا}.
لَمَّا أَسْرَفَتْ يَهُودُ الْمَدِينَةِ وَمَا حَوْلَهَا فِي عَدَاوَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ مَا فَضَّلَهُمْ عَلَى مُشْرِكِي قَوْمِهِ، وَأَقَرَّهُمْ عَلَى دِينِهِمْ وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ، بَيَّنَ اللهُ تَعَالَى لَهُ مَخَازِيهِمُ الَّتِي يَشْهَدُ بِهَا تَارِيخُهُمْ وَكُتُبُ دِينِهِمْ، وَمَا كَانَ مِنْ تَأْثِيرِهَا فِي أَخْلَاقِ الْمُعَاصِرِينَ لَهُ وَأَعْمَالِهِمْ، ثُمَّ عَطَفَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَلِكَ هُنَا قَوْلًا فَظِيعًا، قَالَهُ بَعْضُهُمْ، يَدُلُّ عَلَى الْجُرْأَةِ عَلَى اللهِ تَعَالَى فِيهِمُ الَّذِي هُوَ أَثَرُ تَرْكِ التَّنَاهِي عَنِ الْمُنْكَرِ فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ} هَذَا الْقَوْلُ الْفَظِيعُ مِنْ شَوَاهِدَ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ، الَّذِي أَثْبَتَهُ فِيمَا قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ. وَقَدْ عُزِيَ إِلَيْهِمْ- وَهُوَ قَوْلٌ وَاحِدٌ أَوْ آحَادٌ مِنْهُمْ- لِأَنَّهُ أَثَرُ مَا فَشَا فِيهِمْ مِنَ الْجُرْأَةِ عَلَى اللهِ وَتَرْكِ إِنْكَارِ الْمُنْكَرِ، كَمَا قُلْنَا آنِفًا، وَالْمُقِرُّ لِلْمُنْكَرِ شَرِيكُ الْفَاعِلِ لَهُ، وَهَذَا هُوَ وَجْهُ وَصْلِ هَذِهِ الْآيَةِ بِمَا قَبْلَهَا.
رَوَى ابْنُ إِسْحَاقَ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ يُقَالُ لَهُ النَّبَّاشُ بْنُ قَيْسٍ: إِنْ رَبَّكَ بَخِيلٌ لَا يُنْفِقُ، فَأَنْزَلَ اللهُ: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ} الْآيَةَ، وَأَخْرَجَ أَبُو الشَّيْخِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي فِنْحَاصَ رَأْسِ يَهُودِ بَنِي قَيْنُقَاعَ، وَرَوَى ابْنُ جَرِيرٍ مِثْلَهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَقَدْ يُجْهِدُنَا اللهُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ حَتَّى جَعَلَ يَدَهُ إِلَى نَحْرِهِ، أَوْ حَتَّى إِنَّ يَدَهُ إِلَى نَحْرِهِ، فَعَلَى هَذَا يَكُونُ مُرَادُهُمْ أَنَّهُ ضَيَّقَ عَلَيْهِمُ الرِّزْقَ كَأَنَّهُمُ اعْتَذَرُوا بِهَذَا عَنْ إِنْفَاقٍ كَانَ يُطْلَبُ مِنْهُمْ، أَوْ فِي حَالِ جَدْبٍ أَصَابَهُمْ. قِيلَ: كَانُوا أَغْنَى النَّاسِ، فَضَاقَ عَلَيْهِمُ الرِّزْقُ بَعْدَ مُقَاوَمَتِهِمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَرُوِيَ عَنِ السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِمْ وَمُرَادِهِمْ، قَالُوا: إِنَّ اللهَ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى صَدْرِهِ، فَلَا يَبْسُطُهَا حَتَّى يَرُدَّ عَلَيْنَا مُلْكَنَا، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي مَعْنَى عِبَارَتِهِمْ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ يَعْنُونَ بِذَلِكَ أَنَّ يَدَ اللهِ مُوَثَّقَةٌ، وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ بَخِيلٌ أَمْسَكَ مَا عِنْدَهُ. تَعَالَى الله عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا. فَجَعَلَ الْعِبَارَةَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِنْ بَابِ الْكِنَايَةِ لَا مِنْ بَابِ الْحَقِيقَةِ.