فصل: اللغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



ونقلتُ من خط شيخنا حافظ عصره أبي الفضل أحمد بن علي بن حجر الكناني الشافعي ما نصه: وأخرج الحافظ أبو بكر أحمد بن عمر بن عبد الخالق البزار في مسنده المشهور، وأبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني في معجمه الكبير من حديث عمار بن ياسر رضي الله عنه قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل من هدية حتى يأمر صاحبها أن يأكل منها للشاة التي أهديت له بخيبر».
قال شيخنا الحافظ أبو الحسن الهيثمي: رجاله ثقات، قلت: وذكر محمد بن إسحاق في السيرة الكبرى وكذلك الواقدي في المغازي- انتهى.
وقال ابن إسحاق: وحدثني مروان بن عثمان بن أبي سعيد بن المعلى قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قال في مرضه الذي توفي فيه ودخلت عليه أم بشر بنت البراء بن معرور تعوده: يا أم بشر! إن هذا الأوان وجدت انقطاع أبهري من الأكلة التي أكلت مع أخيك بخيبر»، قال: فإن كان المسلمون ليرون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مات شهيدًا مع ما أكرمه الله به من النبوة.
ولابن ماجه في الطب عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لا يزال، يصيبك في كل عام وجع من الشاة المسمومة التي أكلت، قال: ما أصابني شيء منها إلاّ وهو مكتوب عليَّ وآدم في طينته. وللبخاري في آخر المغازي عن عائشة رضي الله عنها «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول في مرضه الذي مات فيه: يا عائشة! ما أزال أجد ألم الطعام الذي أكلت بخيبر، فهذا أوان وجدت انقطاع أبهري من ذلك السم» قال ابن فارس في المجمل: الأبهر عرق مستبطن الصلب، والقلب متصل به، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «هذا أوان قطعت أبهري» وعبارة المحكم: عرق في الظهر، يقال: هو الوريد في العنق، وبعضهم يجعله عرقًا مستبطن الصلب وقال ثابت بن عبد العزيز في كتاب خلق الإنسان: وفي الصلب الوتين، وهو عرق أبيض غليظ كأنه قصبة، وفي الصلب الأبهر والأبيض وهما عرقان، وقال الزبيدي في مختصر العين: والأبهران عرقان مكتنفًا الصلب، وقيل: هما الأكحلان.
وقال الفيروزابادي في قاموسه: والأبهر: الظهر وعرق فيه ووريد العنق والأكحل والكلية، والوتين: عرق في القلب إذا انقطع مات صاحبه.
وقال ابن الفرات في الوفاة من السيرة من تاريخه: قال الحربي: العرق في الظهر يسمى الأبهر، وفي اليد الأكحل، وفي العنق الوريد، وفي الفخذ النسا، وفي الساق الأبجل، وفي العين الشأن، وهو عرق واحد، كله يسمى الجدول.
وقال ابن كيسان أيضًا: هو الوتين في القلب والصافن.
وقال الإمام أبو غالب بن التياني الأندلسي في كتابه الموعب: إسماعيل بو حاتم: الأبهر عرق في الظهر، وقال: هو الوريد في العنق، ثم يقال: والأبهر عرق مستبطن المتن؛ الأصمعي: وفي الصلب الأبهر وهو عرق؛ صاحب العين: الأبهران الأكحلان، ويقال: هما عرقان مكتنفا الصلب من جانبيه.
وقال صلى الله عليه وسلم: «ما زالت أكلة خيبر تعادّني كل عام فالآن حين قطعت أبهري» يعني عرقي، ويقال: الأبهر عرق مستبطن الصلب، وإذا انقطع فلا حياة بعده.
وهذا اللفظ الذي ذكره رواه البخاري والطبراني عن عائشة رضي الله عنها.
ومعنى تعادّني: تناظرني وتخالفني، ومن العديد بمعنى الند الذي هو المثل المضاد والمنافر، أي إني كلما زدت في جسمي صحة، نقصته بما لها من الضر والأذى. اهـ.

.اللغة:

{يعصمك} العصمة: الحفط والحماية.
{طغيانا} الطغيان: تجاوز الحد في الظلم والغلو فيه.
{تأسى} تحزن يقال: أسى يأسى، والأسى: الحزن قال وانحلبت عيناه من فرط الأسى.
{خلت} مضت.
{صديقة} الصديق: المبالغ في الصدق كما يقال رجل سكيت أى مبالغ في السكوت وسكير أى كثير السكر.
{يؤفكون} يصرفون عن الحق يقال: أفكه إذا صرفه ومنه: {أجئتنا لتأفكنا}.
{تغلو} الغلو: التجاوز في الحد، والتشدد في الأمر يقال: غلا في دينه غلوا تشدد فيه حتى جاوز الحد. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

قوله تعالى: {يا أيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} أمر الرسول بأن لا ينظر إلى قلة المقتصدين وكثرة الفاسقين ولا يخشى مكروههم فقال: {بَلَغَ} أي واصبر على تبليغ ما أنزلته إليك من كشف أسرارهم وفضائح أفعالهم، فإن الله يعصمك من كيدهم ويصونك من مكرهم.
وروى الحسن عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله بعثني برسالته فضقت بها ذرعًا وعرفت أن الناس يكذبوني واليهود والنصارى وقريش يخوفوني، فلما أنزل الله هذه الآية زال الخوف بالكلية» وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أيام إقامته بمكة يجاهر ببعض القرآن ويخفي بعضه إشفاقًا على نفسه من تسرع المشركين إليه وإلى أصحابه، فلما أعز الله الإسلام وأيده بالمؤمنين قال له: {يا أيها الرسول بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبّكَ} أي لا تراقبن أحدًا، ولا تترك شيئًا مما أنزل إليك خوفًا من أن ينالك مكروه. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {يا أيها الرسول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ}.
قيل: معناه أَظهِر التبليغ؛ لأنه كان في أوّل الإسلام يخفيه خوفًا من المشركين، ثم أمر بإظهاره في هذه الآية، وأعلمه الله أنه يَعصِمه من الناس.
وكان عمر رضي الله عنه أوّل من أظهر إسلامه وقال: لا نَعبد الله سِرًا؛ وفي ذلك نزلت: {يا أيها النبي حَسْبُكَ الله وَمَنِ اتبعك مِنَ المؤمنين} [الأنفال: 64] فدلت الآية على ردّ قول من قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من أمر الدين تَقِيَّة، وعلى بطلانه، وهم الرَّافضة، ودّلت على أنه صلى الله عليه وسلم لم يُسِرَّ إلى أحد شيئًا من أمر الدِّين؛ لأن المعنى بَلِّغ جميع ما أُنزل إليك ظاهرًا، ولولا هذا ما كان في قوله عز وجل: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} فائدة.
وقيل: بلغ ما أنزل إليك من ربك في أمر زينب بنت جحش الأسدية رضي الله عنها.
وقيل غير هذا، والصحيح القول بالعموم؛ قال ابن عباس: المعنى بَلِّغ جميع ما أنزل إليك من ربك، فإن كتمتَ شيئًا منه فما بلَّغتَ رِسالته؛ وهذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم، وتأديب لحملة العِلم من أمته ألاّ يكتموا شيئًا من أمر شريعته، وقد علِم الله تعالى من أمرِ نبيه أنه لا يكتم شيئًا من وَحْيه؛ وفي صحيح مسلم عن مسروق عن عائشة أنها قالت: من حدثك أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من الوحي فقد كذب؛ والله تعالى يقول: {يا أيها الرسول بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} وقبّح الله الروافض حيث قالوا: إنه صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا مما أوحى الله إليه كان بالناس حاجة إليه. اهـ.

.قال الفخر:

قوله تعالى: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}
قرأ نافع {رسالاته} في هذه الآية وفي الأنعام {حَيْثُ يَجْعَلُ رسالتَه} [الأنعام: 124] على الجمع، وفي الأعراف {برسالاتي} [الأعراف: 144] على الواحد، وقرأ حفص عن عاصم على الضد، ففي المائدة والأنعام على الواحد، وفي الأعراف على الجمع، وقرأ ابن كثير في الجميع على الواحد، وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم كله على الجمع.
حجة من جمع أن الرسل يبعثون بضروب من الرسالات وأحكام مختلفة في الشريعة، وكل آية أنزلها الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم فهي رسالة، فحسن لفظ الجمع، وأما من أفرد فقال: القرآن كله رسالة واحدة، وأيضًا فإن لفظ الواحد قد يدل على الكثرة وإن لم يجمع كقوله: {وادعوا ثُبُورًا كَثِيرًا} [الفرقان: 14] فوقع الاسم الواحد على الجمع، وكذا هاهنا لفظ الرسالة وإن كان واحدًا إلا أن المراد هو الجمع. اهـ.
قال الفخر:
لقائل أن يقول: إن قوله: {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} معناه فإن لم تبلغ رسالته فما بلغت رسالته، فأي فائدة في هذا الكلام؟
أجاب جمهور المفسرين بأن المراد: أنك إن لم تبلغ واحدًا منها كنت كمن لم يبلغ شيئًا منها، وهذا الجواب عندي ضعيف، لأن من أتى بالبعض وترك البعض لو قيل: إنه ترك الكل لكان كذبًا ولو قيل أيضًا: إن مقدار الجرم في ترك البعض مثل مقدار الجرم في ترك الكل فهو أيضًا محال ممتنع، فسقط هذا الجواب.
والأصح عندي أن يقال: إن هذا خرج على قانون قوله:
أنا أبو النجم وشعري شعري.. ومعناه أن شعري قد بلغ في الكمال والفصاحة إلى حيث متى قيل فيه: إنه شعري فقد انتهى مدحه إلى الغاية التي لا يمكن أن يزاد عليها، فهذا الكلام يفيد المبالغة التامة من هذا الوجه، فكذا ههنا: فإن لم تبلغ رسالته فما بلغت رسالته ما يعني أنه لا يمكن أن يوصف ترك التبليغ بتهديد أعظم من أنه ترك التبليغ، فكان ذلك تنبيهًا على غاية التهديد والوعيد والله أعلم. اهـ.
قال الفخر:
ذكر المفسرون في سبب نزول الآية وجوهًا:
الأول: أنها نزلت في قصة الرجم والقصاص على ما تقدم في قصة اليهود.
الثاني: نزلت في عيب اليهود واستهزائهم بالدين والنبي سكت عنهم، فنزلت هذه الآية.
الثالث: لما نزلت آية التخيير، وهو قوله: {يا أيها النبي قُل لأزواجك} [الأحزاب: 28] فلم يعرضها عليهن خوفًا من اختيارهن الدينا فنزلت.
الرابع: نزلت في أمر زيد وزينب بنت جحش.
قالت عائشة رضي الله عنها: من زعم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من الوحي فقد أعظم الفرية على الله، والله تعالى يقول: {يا أيها الرسول بَلّغْ} ولو كتم رسول الله شيئًا من الوحي لكتم قوله: {وَتُخْفِى في نِفْسِكَ مَا الله مُبْدِيهِ} [الأحزاب: 37] الخامس: نزلت في الجهاد، فإن المنافقين كانوا يكرهونه، فكان يمسك أحيانًا عن حثهم على الجهاد.
السادس: لما نزل قوله تعالى: {وَلاَ تَسُبُّواْ الذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله فَيَسُبُّواْ الله عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108] سكت الرسول عن عيب آلهتهم فنزلت هذه الآية وقال: {بَلَغَ} يعني معايب آلهتهم ولا تخفها عنهم، والله يعصمك منهم.
السابع: نزلت في حقوق المسلمين، وذلك لأنه قال في حجة الوداع لما بين الشرائع والمناسك «هل بلغت» قالوا نعم، قال عليه الصلاة والسلام: «الّلهم فاشهد» الثامن: روي أنه صلى الله عليه وسلم نزل تحت شجرة في بعض أسفاره وعلق سيفه عليها، فأتاه أعرابي وهو نائم فأخذ سيفه واخترطه وقال: يا محمد من يمنعك مني؟ فقال «الله» فرعدت يد الأعرابي وسقط السيف من يده وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه، فأنزل الله هذه الآية وبين أنه يعصمه من الناس.
التاسع: كان يهاب قريشًا واليهود والنصارى، فأزال الله عن قلبه تلك الهيبة بهذه الآية.
العاشر: نزلت الآية في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، ولما نزلت هذه الآية أخذ بيده وقال: «من كنت مولاه فعلي مولاه الّلهم وال من والاه وعاد من عاداه» فلقيه عمر رضي الله عنه فقال: هنيئًا لك يا ابن طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة، وهو قول ابن عباس والبراء بن عازب ومحمد بن علي.
واعلم أن هذه الروايات وإن كثرت إلا أن الأولى حمله على أنه تعالى آمنه من مكر اليهود والنصارى، وأمره بإظهار التبليغ من غير مبالاة منه بهم، وذلك لأن ما قبل هذه الآية بكثير وما بعدها بكثير لما كان كلامًا مع اليهود والنصارى امتنع إلقاء هذه الآية الواحدة في البين على وجه تكون أجنبية عما قبلها وما بعدها. اهـ.